الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

( لغة القرآن الكريم، والحفاظ على الهوية العربية)وتتلخص عناصر الخطبة في :* فضلُ اللغةِ العربيةِ ومكانتُهَا. ** اللغةُ العربيةُ هي مفتاحُ التفقهِ في الدينِ. *** ضرورةُ الحفاظِ علي الهويةِ.********************************** ( الخطبة الأولى) الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ العزيزِ: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ سيدَّنَا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ من خلقِهِ وخليلُهُ، اللهم صل وسلمْ وباركْ عليه، وعلي آلهِ وصحبهِ، ومن تبعَهُم بإحسانٍ إلي يومِ الدين. أما بعــــدُ:عباد الله :أوصيكم - دوماَ - ونفسي المقصرة بتقوى الله تعالى، فقد أمرنا سبحانه وتعالى بتقواه فقال :( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) آل عمران ١٠٢.عباد الله : لكلِّ أُمَّةٍ شِعَارٌ، وقَد أَنعَمَ اللهُ - تَعالى- على أُمَّةِ العَرَبِ بِأفْصَحِ لِسانٍ، وأَقوى بَيَانٍ، ثُمَّ كانَ تَاجُهَا وفَخَارُهَا مَنْ أوتِيَ جَوَامِعَ الكَلِمِ وهوالقائِلُ ": إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا"، فلقد مَنَّ اللهُ تعالى علينا بأَفضَلِ لُغةٍ في الأكوانِ إنَّها لُغةُ القرآنِ الكَريمِ فهيَ أَسَاسُ الُّلغَةِ وَتَاجُهَا وشِعَارُهَا. فالُّلغةُ العَرَبِيَّةُ: حَامِلةُ لرِسَالِةِ الإسلامِ، وأدَاةُ لتَبليغِ الوَحيَينِ, مَحفُوظَةٌ بِحفظِ القُرآنِ الكَريمِ، واللهُ تعالى قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون)[الحجر: 9]. وهي لُغَةُ الإعجَازِ الإِلَهيِّ والإبْدَاعِ الأَدَبِي، والعَرَبُ عامَّةً وقُريشٌ خاصَّةً تَعرِفُ قِيمَةَ الُّلغةِ ومَدْلُولاتِهَا ومآلاتِهَا. واللغةُ العربيةُ هي الوعاءُ الحاملُ للمعاني والثقافاتِ، وهي أحدُ أهمِّ عواملِ تشكيلِ الهويةِ، والتأثيرِ في بناءِ الشخصيةِ، فمَن يتكلمْ لغتين يجمعْ بين ثقافتين، ومَن يتحدثْ ثلاثَ لغاتٍ يجمعْ ثلاثَ ثقافاتٍ، ويقرأْ نتاجَ عقولٍ كثيرةٍ، غيرَ أنّ لغةَ الإنسانِ الأمِّ تظلُّ أحدَ أهمِّ العواملِ في تشكيلِ ثقافتِهِ، فالذي لا يدركُ أسرارَ لغتهِ لا يمكنُ أنْ يدركَ كُنهَ ثقافةِ قومٍ ولا أنْ يسبرَ أغوارَهَا . ولَمَّا ضَاقتْ قُريشٌ بالقُرآنِ الكريمِ وبأُسلُوبِهِ وبَيَانِه ذْرعاً, طَلَبَتْ من الوليدِ ابنِ المُغيرةِ أنْ يَقولَ في القُرآنِ قَولًا يَبْلُغُ قَومَهُ أنَّهُ كَارِهٌ لَهُ، ومُنكِرٌ لهُ! فقَالَ الوليدُ: وَمَاذَا أَقُولُ فَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلاَوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاَوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلاَهُ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ! أسمِعتم هذا الوَصفَ البَليغَ من أهلِ البلاغَةِ والُّلغةِ؟! ألا يَحِقُ لَكم أيها العرَبُ أنْ تَفخَروا بِلُغَتِكُم وتُحافِظُوا عليها وَتَذُودُوا عن حِياضِهَا؟! فالقُرآنُ الكَريمُ نَزَلَ بها، فَقَالَ سُبحانَهُ: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء: 192- 195].تتميز اللغة العربية بأصالة ماضيها؛ فهي من أقدم اللغات في العالم، فهي لغة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنها اللغة التي نزل بها كلام الله تعالى في القرآن الكريم؛ أي قبل ١٤٠٠ عام، ومازالت من اللغات المستخدمة بين العرب حتى يومنا هذا، وكان العصر الذهبي لهذه اللغة مع انتشار الإسلام، وإقبال العجم لتعلم العربية حتى يتسنى لهم قراءة القرآن الكريم. عباد الله :بالرغم من العولمة وظهور المصطلحات الدخيلة، واللغة العامية التي تنتشر بين الناس، تبقى اللغة العربية الفصحى هي المرجع الأساسي عند التخاطب والتواصل بين كل عربي يتحدث اللغة العربية، كما تستخدم العربية الفصحى في التعليم، والكتابة، وفي وسائل الإعلام المختلفة.عباد الله :لقد اكتسبت اللغة العربية الجمال والإبداع من جمال حروفها عندما تُنطق وتُسمع وتُكتب، فعندما تكتب بالخط العربي فلا بدّ من لمسة فنية تزين أحرفها من زخارف، ونقوش، وحركات التشكيل كما تظهر في القرآن الكريم، أو تزين بها المساجد، أو كما ترسم في الكتب والصحف، وعلى بعض أنواع المجوهرات والحُليّ عندما تتحرك بها الألسن تتجلى فيها البلاغة والفصاحة والصور البديعية، والكثير من المعاني، وهذا ما يتميز به القرآن الكريم الذي عندما نزل تحدى العرب، وخصوصاً قريش في البلاغة والفصاحة، وهذا ما تعجب منه فصحاء قريش عندما سمعوا تلاوة القرآن الكريم.ويظهر جمال اللغة العربية في الشعر، والنثر، والخطابة، والقصة، والرواية، وفي النحو، والصرف، حيث يعتبر الشعر فناً أدبياً أقبل عليه الكثير من الشعراء الذي برعوا في كافة ألوان الشعر من غزل، ومدح، وذم، ورثاء، ومن أبرز شعراء العربية هم شعراء المعلقات السبع، والمتنبي، وأحمد شوقي، وأبو القاسم الشابي، فكل هؤلاء برعوا بالبلاغة وجزالة اللفظ والمعنى باستخدام القافية أو بحور الشعر، والمحسنات البديعية التي تضفي لمسة جميلة تطرب الآذان. فاللغة العربية هي لغة مرنة تعايشت مع كل الأزمان ومختلف الأجناس، ومن جمالها أيضاً أنّ المرء يستطيع أن يعبر عما بداخله بشكل صريح ومباشر أو بالتلميح. عباد الله : وَرَبَطَ -سُبحانَهُ- بينَ الِّلسَانِ العَرَبِيِّ وَبينَ إعمَالِ العَقلِ فَقَالَ تَعالى-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف: 2] فَبِحمدِ اللهِ تَفَاعَلَ المُسلِمونَ مَعَ القُرآنِ فَأعمَلُوا عُقُولَهُم وأنتَجُوا حَضَارَةً لا تُنكَرُ، وَرَبَطَ اللهُ -تَعالى- بين الُّلغةِ العَرَبِيَّةِ وبينَ الدَّعوةِ إلى العِلمِ، فقال تعالى: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[فصلت: 2]. فَنَطَقَ بِها المُسلِمُ وغَيرُهُ، وَصَارَتْ اللُّغَةُ ضَرُورَةً في كُلِّ فَنٍّ فَأَلَّفُوا المَعاجِمَ التي سَهَّلتْ لِلنَّاسِ النُّطقَ بِها.عباد الله :جَعلَ الله -سُبحانَهُ- الُّلغةَ العَرَبِيَّةَ سَبِيلاً إلى العِلمِ والتَّقوى فَقَالَ -سُبحانَهُ-: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الزمر: 27- 28].عباد الله :لا يُنكرُ أحدٌ أنّهُ لا يمكنُ أنْ نفهمَ دينَنَا فهمًا صحيحًا، ولا أنْ نستقي أحكامَهُ من كتابِ ربِّنَا (عزّ وجلّ ) وسنةِ نبيِّنَا ( صلي اللهُ عليه وسلم ) إلّا بفهمِ لغتِنَا العربيةِ فهمًا دقيقًا، فاللغةُ هي مفتاحُ التفقهِ في الدينِ، حيثُ يقولُ سيدُنَا عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ( رضي اللهُ عنهما ): كنتُ لا أدري ما معني ( فاطرِ السماواتِ والأرضِ ) حتي أتاني أعرابيان يختصمان في بئرٍ، فقال أحدُهُمَا: أنا فطرتُها، أي أبتدأَتُها، بل إنّ الأصوليين والفقهاءَ وغيرَهُم عدُّوا التمكنَ في اللغةِ العربيةِ وأدواتِها أحدَ أهمِّ شروطِ الاجتهادِ، كما لا ينكرُ أحدٌ أنّ عدمَ المعرفةِ باللغةِ العربيةِ ودلالتِهَا ، وعدمَ التعمقِ في فهمِ النصِّ ومعرفةِ ما يتعلقُ بهِ ، والاقتصارَ في العملِ علي الأخذِ بظاهرِهِ دونَ معرفةِ دقائقهِ وأسرارِه يوقعُ في خطأٍ جسيمٍ ،وقد يصلُ الحالُ بصاحبِهِ إلي الفهمِ الخاطئِ الذي يؤدِي إلي استباحةِ الدماءِ ، ولذلك فإنّ فهمَ الكتابِ والسنةِ فرضٌ واجبٌ ، وهو لا يتمّ إلّا بتعلمِ اللغةِ العربيةِ ، ومالا يتمُّ الواجبُ إلا بهِ فهو واجبٌ. وكان سيدُنَا عمرُ بنُ الخطابِ ( رضي اللهُ عنه ) يقولُ : تعلمُوا العربيةَ فإنّهَا من دينِكُم ، ومرَّ ( رضي اللهُ عنه ) علي قومٍ يتعلمُون الرميَ فيخطئُون ، فلامَهُم علي ذلك فقالوا : “إنّا قومٌ متعلمين ” بنصبِ ما حقُّهُ الرفعُ ، فقال ( رضي اللهُ عنه ) : لخطؤُكُم في لسانِكُم أشدُّ عليَّ من خطئِكُم في رميِكُم ، ويقولُ عبدُ الملكِ بنُ مروان ( رحمه اللهُ ) : أصلحوا ألسنَتَكُم ، فإنّ المرءَ تنوبُهُ النائبَةُ فيستعيرُ الثوبَ والدابةَ ، ولا يمكنهُ أنْ يستعيرَ اللسانَ ، وجمالُ الرجلِ فصاحتُهُ، فهي الوسيلةُ إلى الوصولِ إلى أسرارِهِمَا، وفهمِ دقائقهِمَا، وارتباطُ اللغةِ العربيةِ بهذا الكتابِ المُنَزَّلِ المحفوظِ جعلَها محفوظةً ما دامَ محفوظًا، فارتباطُ اللغةِ العربيةِ بالقرآنِ الكريمِ كان سببًا في بقائِهَا وانتشارِهَا، حتى قِيل: لولا القرآنُ ما كانت عربيةٌ، ولهذا السببِ عَنِيَ السَّلفُ بعلومِ اللغةِ العربيةِ، وحثُّوا على تعلمِهَا، والنَّهلِ من عبابِهَا، وإليك بعضُ أقوالِهِم التي تدلُّ على أهميةِ العربية:ِ1ـ يقولُ عمرُ بنُ الخطابِ - رضي اللهُ عنه -: (تعلَّموا العربيةَ؛ فإنها من دينِكُم، وتعلَّمُوا الفرائضَ؛ فإنّها مِن ديِنِكُم) 2ـ وكتبَ عمرُ إلى أبي موسى الأشعريِّ - رضي اللهُ عنهما -: "أمَّا بعدُ، فتفقهُوا في السنةِ، وتفقهُوا في العربيةِ، وأَعْرِبُوا القرآنَ فإنّه عربيٌّ". وفي توجيهِ سيدنا عمرَ هذا أمران:الأولُ: الدعوةُ إلى فقهِ العربيةِ. الثاني: الدعوةُ إلى فقهِ الشَّريعةِ. بل إنَّ اللغةَ العربيةَ والمحافظةَ عليها مِن الدينِ، وهي خصيصةٌ عظيمةٌ لهذه الأمةِ، ويقولُ السيوطيُّ׃ "ولا شكَّ أنَّ علمَ اللغةِ من الدينِ؛ لأنَّه من الفروضِ الكفاياتِ، وبه تُعرفُ معاني ألفاظِ القرآنِ والسنةِ". فالعلاقةُ بين الدينِ واللغةِ من جهةٍ والهويّةِ من جهةٍ أخرى علاقةٌ وثيقةٌ لا يمكنُ الفصلُ بينها بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ، ومن هنا فيجبُ على كلِّ مسلمٍ أنْ يزوّدَ نفسَهُ بالثقافةِ العربيةِ والإسلاميّةِ، وأنْ يكونَ ملمّاً بأهمّ مصادرِهَا، ويعلمَ أنّ تدينَهُ وثقافتَهُ هما أساسُ هويتِهِ وانتمائِهِ، وهما الأداةُ الأساسيّةُ لإقناعِ الآخرِ والتأثيرِ بهِ. وأنْ يتفطّنَ كلُّ مسلمٍ إلى أنّ هويتَهُ – المرتبطةَ بدينهِ ولغتهِ - تواجِهُ أشرسَ هجمةٍ في عصرِ العولمةِ. عباد الله : تحتفي الأممُ قاطبةً بلغاتِهَا، ومن هنا يمكنُ أنْ نعدَّ عنصرَ اللغةِ الأكثرَ أهميةً من عناصرِ الهُويّةِ – والأكثرَ عرضةً للخطرِ أيضًا خاصّةً في ظلِّ عصرِ العولمةِ والانفتاحِ على الآخرِ دون حدودٍ. وحريٌّ بنا أبناءَ العربيةِ إعطاءَ مسألةَ الحفاظِ على اللغةِ العربيةِ عنايةً خاصّةً، كيف لا وقد جاءَ في الذكرِ الحكيمِ : (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) (الشعراء: 192ـ 195). وقد جاءَ في كتبِ التّراثِ عن ابنِ الخطّابِ عمرَ رضي اللهُ عنه أنّه قال :"لا يقرأُ القرآنَ إلا عالمُ لغةٍ"، وذهبَ السلفُ الصالحُ رضوانُ اللهِ عليهم إلى أنّ «الإقبالَ على تفهمِهَا (اللغةِ العربيةِ) من الديانةِ، إذ هي أداةُ العلمِ، ومفتاحُ التفقّهِ في الدينِ. ورحمَ اللهُ الرافعيَّ حيثُ يقولُ: "ما ذلّتْ لغةُ قومٍ إلا ذلّوا، ولا انحطتْ إلا كان أمرُهُم في ذهابٍ وإدبار". فاللغةُ تُعدُّ مكوناً أساسياً في بنيةِ الهُوِيّةِ الوطنيّةِ لأيِّ مجتمعٍ من المجتمعاتِ. فهي التي تميّزُ الإنسانَ عن غيرهِ مِن المخلوقاتِ، وهي وسيلتُهُ للتعبيرِ عن المشاعرِ والأحاسيسِ والحاجاتِ، بالإضافةِ إلى أنّها وعاءُ التفكيرِ لديهِ. واللغةُ أيضاً من أهمِّ ما يميزُ أمةً عن غيرِهَا من الأممِ الأخرى، فهي بمثابةِ جوازُ السفرِ أو الوثيقةُ التي يحملُهَا الفردُ أينما رحلَ وحلَّ، ويقولُ الفيلسوفُ (فيخته) «إنّ الذين يتكلمون بلغةٍ واحدةٍ يشكّلون كيانًا واحدًا متكاملًا بروابطَ متينةٍ وإنْ تكن غيرَ مرئيةٍ». فالإنسانُ لا يُعرفُ من خلالِ ملبسهِ أو مأكلهِ فقط، بل من خلالِ أهمِّ مكونٍ للهُويّةِ وهو اللسانُ. واللغةُ العربيةُ مصدرُ عزٍّ للأمةِ ،لا بدَّ من النظرِ إلى اللغةِ العربيةِ على أنّها لغةُ القرآنِ الكريمِ والسنةِ المطهرةِ، ولغةُ التشريعِ الإسلاميَّ، بحيثُ يكونُ الاعتزازُ بها اعتزازًا بالإسلامِ، وتراثِه الحضاريِّ العظيمِ، فهي عنصرٌ أساسيٌّ من مقوماتِ الأمةِ الإسلاميةِ والشخصيةِ الإسلاميةِ، والنظرُ إليها على أنّها وعاءٌ للمعرفةِ والثقافةِ بكلِّ جوانِبِهَا، ولا تكونُ مجردَ مادةٍ مستقلةٍ بذاتِهَا للدراسةِ؛ لأنَّ الأمَّةَ التي تهملُ لغتَهَا أمةٌ تحتقرُ نفسَهَا، وتفرضُ على نفسِها التبعيةَ الثقافيةَ. فما أحوجنَا إلي اليقظةِ والمقاومةِ لكلِّ محاولاتِ تذويبِ الهويةِ ، والعملِ الجادِّ علي تقويةِ مناعتِنَا الحضاريةِ في مواجهةِ التجريفِ العاتيةِ ،من خلالِ الاحتفاءِ بلغةِ القرآنِ والعنايةِ بها ،فهي مفتاحُ هويتِنَا، والاعتززازُ بها اعتزازٌ بالهويةِ، وخدمتُهَا خدمةٌ للدينِ والوطنِ .حفظ الله لغتنا العربية من كل تحريف أو تبديل، وأستغفر الله العظيم لي، ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه. ********************************** ( الخطبة الثانية) ( الدعاء ) (الصلاة ) ********************************** و للمزيد حول موضوع الخطبة، طالع أخي الحبيب : اللغة العربية من أهم اللغات المحكية في العالم، كما أنها من أكثرها انتشارًا بين سكان الكرة الأرضية، ولعلّ أهميتها الكبرى تعود إلى نزول القرآن الكريم بها، وهو معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الخالدة التي تحدى بها الله سبحانه وتعالى العالم كله على مرّ العصور.وتتميز اللغة العربية بسعة ألفاظها وجزالة كلماتها، وروعة تراكيبها، فهي لغة عريقة حافلة بالماضي المشرق بأدبها وخصوبتها، ولا بد لنا أن نحرص على الحفاظ على لغتنا العربية، كونها لغة حضارية راقية تستوعب كل جديد من الألفاظ، فقد بنيت على أصل يجعل منها لغة خالدة لا تهرم ولا تموت، كما أنها لغة قوية بطبعها وقد سميت لغة الضاد لأنها اللغة الوحيدة التي فيها مخرج حرف الضاض. اللغة العربية لغة عذبة مرنة مهيمنة في جميع المستويات والميادين التي من أهمها العلوم والآداب والفنون وما تقوم عليه الحضارة الإنسانية، حيث أن شرف الأمة يكمن في رقي لغتها، ورقي لغتها يكون في مجاراتها للعلوم والفنون المختلفة، وهذه العلوم على اختلاف موضوعاتها وجدت من اللغة العربية معنى لا ينضب ولا ينفذ بما آتاها الله من غزارة جعلتها تفوق اللغات بما فيها من المفردات والاشتقاقات والترادف والنحت والاستعارات والقياس والمجازات.وعلى مر العصور أسهم من العلماء رجال أعطوها نصيبًا وافرًا، من خلال خدمتها والعناية بها، وقد تحدثوا عن بيانها وبلاغتها وفصاحتها التي جعلتها اللغة الأقوى التي لا تستطيع أي من لغات العالم مجاراتها بمحسناتها البديعية. اللغة العربية واحدة من الأركان الأساسية للتنوع الثقافي على مستوى البشرية، وهي من اللغات الأكثر انتشارًا في العالم؛ حيث يتكلم بها في كل يوم ما يزيد على ٤٠٠ مليون نسمة من سكان الكرة الأرضية.إن اللغة العربية العربية مع غزارتها وأهميتها الكبيرة على مستوى لغات العام تواجه عددًا من التحديات التي تحول دون مسايرتها للحداثة والطفرات العلمية الهائلة في العالم، على الرغم من أن علماء اللغة لا يختلفون على المؤهلات المتميزة لهذه اللغة، لكن ربما كان ذلك يعود إلى تراجع دور الأمة العربية في المجالات العلمة في الآونة الأخيرة. كما تواجه اللغة العربية مشكلة غياب سياسات تسهم في تطويرها، فضلًا عن ضعف البحث العلمي، خاصة في علوم اللغة والتواصل. كما أن سيادة اللغات الغربية من خلال الاستعمار وشيوع اللهجات المحلية مثلت عقبة أمام تطور اللغة العربية وتراجع مكانتها عبر التاريخ. ومن التحديات أيضًا ما يتعلق بمسايرتها للتكنولوجيا، وتتمحور هذه المعقبة حول ضعف حركة الترجمة، بالإضافة إلى صعوبة رقمنة اللغة العربية، لأسباب متعددة متعلقة ببنية الكلمات والتراكيب فيها.يجب على أفراد الأمة العربية الإسلامية الاعتناء باللغة العربية وتطويرها، من أجل مواكبة الرقمنة والتطور التكنولوجي، للحفاظ على مكانة هذه اللغة بين لغات العالم الأساسية خاصة أنها لغة المعجزة الكبرى القرآن العظيم.ماذا قال العلماء عن اللغة العربية؟ على مر العصور وصف العلماء والمستشرقون اللغة العربية بأعذب الأوصاف وأجملها، فهذه اللغة بما تحتويه من مفرداد وتراكيب فاقت لغات العالم بلاغة وفصاحة، وفيما يأتي نذكر لكم بعض الأقوال عن اللغة العربية:قال الإمام الشافعي رحمه الله: ” اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد -صلى الله عليه وسلم- ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها لأنها اللسان الأولى”.قال ابن تيمية رحمه الله: ” إن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون”.قال ابن القيم الجوزية رحمه الله: ” وإنما يعرف فضل القرآن مَنْ عرف كلام العرب، فعرف علم اللغة وعلم العربية، وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخطبها”.قال أبو منصور الثعالبي رحمه الله: ” ومن هداه الله للإسلام، وشرح صدره للإيمان، وأتاه حسن سريرة فيه اعتقد أن محمداً خير الرسل، والإسلام خير المِلل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال عليها وعلى تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم”. قال جان بيرك: ” اللغة العربية لغة المستقبل ولا شك أنه يموت غيرها وتبقى حية خالدة.”قال بارثلمي هربلو: ” إن اللغة العربية أعظم اللغات آداباً وأسماها بلاغة وفصاحة وهي لغة الضاد”. قال الأستاذ مرجليوت من جامعة أكسفورد: “اللغة العربية لا تزال حية حياة حقيقية وهي واحدة من ثلاث لغات استولت على سكان المعمورة استيلاء لم يحصل عليها غيرها”. جعلني الله، وإياكم من الذين يستمعون القول؛ فيتبعون أحسنه، وصل اللهم وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.منقولة من خطبة للأستاذ الدكتور رمضان صالحين جامعة الأزهر
المصدر: خطبة للدكتور رمضان صالحين
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 678 مشاهدة
نشرت فى 14 ديسمبر 2021 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,590,493