لم يكن أحد ليتوقع أو حتى ليحلم بخروج فتاة شابة في سن الزهور على مجتمع محافض وشارب من مستنقع الدين والتطرف حتى الثمالة بصور تظهر جسدها الأنثوي الرقيق والناعم و المفتخر بنزع ثياب المصانع وحرقها على نار دافئة، قائلة للعالم: ها أنا أفعل ما عجز كل سياسسي ونشطاء مصر والعالم الإسلامي عن قوله أو حتى النمس به سرا، ها أنا أعيد لأجسادكم قيمتها، بعد ما ضاقت من سعير الحجب ومنع أشعة الحرية من ملامسة الجميل والراقي منا... علياء هذه، ليست عضوة بحركة جنس من أجل البيئة النرويجية التي تنشر صورا عارية لاجساد أعضائها على شبكة الأنترنت من اجل حماية البيئة كما يزعمون، أو واحدة ممن يبيعون جمال أجسادهن لعيون ذكورية مقابل بضعة دولارات عبر مواقع ومجلات اباحية صفراء... فهي مجرد شابة ما ميزها عن غيرها هو عدم قدرتها على تحمل القمع والتكيف مع شروطه الاجتماعية والثقافية باعتباره قدر محتم يصعب تجاوزه، فبفضل إرادتها وقوتها الأصيلة اجتازت كل العوازل والحواجز الوهمية التي بناها العقل العربي الإسلامي أمام أفراده، فقد حاولت بمبادرتها هذه ان تقلب المفاهيم القديمة رأسا على عقب لذى الكثيرين بخصوص الجسد وحرية المرأة، لتصرخ في وجه من ينظرون للمرأة كجسد وشهوة ويصفونها بالعورة واضعين اياها في مرتبة الكلاب والحمير، لتثبت أيضا للجميع وبالملموس أننا شعوب تعاني من أزمات وعقد كثيرة.... كيف يعقل لصورة امرأة عارية ان تثير كل هذه الانتقادات والأراء المجحفة والهجمات السلفية، والكلام السوقي الساقط في حق علياء ومن يساندها، وفي نفس الوقت لانسمع أي رد فعل أو شجب بخصوص فتاوى القتل وقطع الرؤوس التي يصدرها رجال الدين في حق كل من خالفهم الهوى؟
إن من حق علياء أن تعبر عن موقفها من الجسد وحرية المرأة بالطريقة التي تختارها، وليس من حق أي كان أن يصادر رغبتها مادام الفعل يهمها هي بالدرجة الاولى، فهي لم تغصب أحد على نزع ملابسه و لم تدعوا الى ذلك، بل فقط أرادت من خلال فعلها وسيلة مبتكرة للإحتجاج على الواقع السلبي والدوني الذي تعيشه المرأة والرجل على حد سواء حينما يتعلق الأمر بالجسد وحريته، لقد هيمنة الأنا الأعلى العملاقة على تصرفات الأفراد وجعلتهم نسخا طبق الاصل، أفسدت كل الاذواق وكفرتها وأعتبرت ذوقها المر ولونها الأسود مفتاح الحقيقة نحو كل صالح الاعمال والأفعال، لم تحترم يوما حرية الفرد في الإختيار بل جعلت كل شيئ يسبح ضمن قوالب مغلقة وصعبة الأختراق الى حد يمنع المرء حتى من اختيار دينه أو توجهه الجنسي والفكري.... إننا فعلا نعيش في زمن القوالب الجاهزة التي تصنعها عصابات الدين وتجاره بمباركة من السياسين أصحاب اللحي الطويلة، بل حتى هؤلاء العلمانين منهم من أدان حرية علياء واعتبرها ممارسة تسيئ له ولا تنضبظ لقيم الواقع، ومنهم من ذهب الى مغازلة عقيدة العامة وفكرهم و ان كان هو أحد ضحايا هذه الثقافة...
علياء ردت بطريقتها التي ترى أنها صحيحة، على الاحزاب المصرية الإرهابية التي ألغت صورة المرأة كليا من لوائحها وقوائمها الانتخابية في تراجع كبير وخطير على مكتسبات المراة بعد الثورة بمصر، علياء لا تمارس السياسة ولا تعتبر لكل هؤلاء الذين سيصوتون انتقاما للإسلام السياسي على حساب الأحزاب العلمانية، لان هذه الأخيرة لا تؤمن بمنطق الحق والحريات الفردية وان كانت ايديولجيتها عكس ذلك، بل همها الأكبر هو الحصول على أصوات الناخبين كي تصل للحكم وحينها قد تنجح في تحقيق مشروعها الحداثي البعيد المدى مع نسبة كبيرة للفشل، لكن علياء أرادت ان تكون هي الاولى في موقع الأقتراح والمرافعة من اجل الحرية الفردية دون وصاية أو تبعية بكسرها لطابو الأعضاء الجنسية التي تلهم وترهب الجميع في أن واحدة وفي احتقارمنها لهذه الحالة الفصامية العفنة التي كلها كدمات وتقرحات نفسية كبيرة مختزلة في بنية هذا المجتمع المريض.
أعتقد انه مع ثورة الانترنت والتكنولوجيا الحديثة، لم تعد علياء أو غيرها بحاجة الى مباركة احد حتى تكسب لقضيتها شرعية ومصداقية، وليست ملزمة بتأجيل مطلب حريتها ليوم مجهول خدمة لمصلحة سياسية أو لا أدري ماذا، فهي ببساطة تأخد كامل شرعيتها من كونية حقوق الإنسان، ومن التاريخ البشري الذي للأسف عرف انتكاسات وتراجعات خطيرة على مستوى الحريات الفردية، انها فتاة تنطق بلسان ملايين بنات وأبناء جيلها، وإذ بدوري أضم صوتي لهاـ فالحرية اليوم وليس غذا، وسيبقى كلامك هذا خالذا غي قلوب الملايين:
(حاكموا الموديلز العراة الذين عملوا في كلية الفنون الجميلة حتي أوائل السبعينات و اخفوا كتب الفن و كسروا التماثيل العارية الأثرية, ثم اخلعوا ملابسكم و انظروا إلي أنفسكم في المرآة و احرقوا أجسادكم التي تحتقروها لتتخلصوا من عقدكم الجنسية إلي الأبد قبل أن توجهوا لي إهاناتكم العنصرية أو تنكروا حريتي في التعبير).
ساحة النقاش