معارف مقدسية / القدس عبر التاريخ
القدس تحت الحماية الدولية
تحاول أجهزة الاعلام والثقافة الصهيونية ترويج أن القدس مدينة يهودية وكل ما فيها يعود الى المجتمع اليهودي من ثقافة وعمران وحضارة ، وتحاول أن تطمس التاريخ العربي للمنطقة وكذلك المحاولات الدولية للسيطرة على القدس وجعلها مدينة دولية بسبب مكانتها المقدسة عند كل الأديان وبسبب البعد الجيوسياسي لفلسطين، فكان الصراع بين الدول للسيطرة على القدس تارة وتارة أخرى قيام تحالف لوضعها تحت حماية دولية .
فمن واجباتنا كحراس الأقصى أن نوضح كثيرا من القضايا التاريخية حول مدينة القدس والمسجد الأقصى من خلال مجلة حراس 144 ونتعرف مدى التآمر الدولي على مقدساتنا، وفضح الاعلام الصهيوني الكاذب.
والسؤال المهم الذي شغلنا هو لماذا وضعت القدس تحت الحماية الدولية ؟
وتتمتع مدينة القدس بأهمية دينية بالغة بالنسبة لملايين المؤمنين من أتباع الديانات التوحيدية الثلاث في مختلف أرجاء العالم، والقدس من أقدم المدن في العالم وقد ظلت طوال تاريخها ملتقى الحضارات والمدنيات ووجهة للحجاج والفاتحين ومنذ العهود الغابرة خاضت شعوب وجماعة أنت مختلفة معارك لا تحصى للسيطرة عليها، وهؤلاء خلفوا مدينة ذات عمق ونسيج ثقافي وديني فريدين.
في هذه المقالة نحاول أن نوضح تاريخ القدس القديم ونبين الاطماع الدولية بالسيطرة عليها قبل الحركة الصهيونية ومع استمرار هذه الحركة وتخاذل العرب في الحفاظ عليها.
<!--<!--مراحل مرت بها مدينة القدس:
أنشأ العرب القدس قبل خمسة آلاف سنة، حيث اختارها اليبوسيون في 3000 ق.م عاصمتهم؛ ومن بقايا مدينة القدس اليبوسية عين سلوان أو عين الدرج، وهم الذين استقبلوا نبي الله إبراهيم عليه السلام عندما جاء إلى فلسطين ، وظل العرب يشكلون الأكثرية طوال عهود التاريخ، حتى زمن الاحتلال (العبري) لفلسطين منذ القرن الحادي عشر ق.م. وقد تعلم الغزاة العبريون فنون الزراعة من العرب (سكان البلاد الأصليين). وورد في ألواح مصرية 1879 ق.م ان اسمها (أورسالم) أي (مدينة السلام)، وعاد الاسم وتكرر عام 1300ق.م في ألواح (تل العمارنة) حيث كان اليبوسيون العرب يسكنونها في ذلك الحين.
في فترة الحكم الروماني: 63ق.م - 636م جرت احداث كثيرة من أهمها :
ظهور المسيح عليه السلام، وتدمير القائد الروماني تيطس للقدس في عام 70م، وكذلك دمرها القائد الروماني (هدريان) وأنشأ مكانها مدينة (إيليا كابيتولينا) في عام 139م.
في عام 335م أنشئت كنيسة القيامة، وعام 395م تبعت القدس للإمبراطورية البيزنطية، واحتلها الفرس. 614م حتى 629م، وفي فترة 629-636م: أعادها الرومان إلى حكمهم.
في عام 636م أعاد العرب المسلمون تحرير القدس وفتحوها سلماً؛ حيث دخل الخليفة عمر بن الخطاب المدينة وكتب لأهلها العهدة العمرية المشهورة، وخضعت القدس لسيطرة العباسيين، فالطولونيين، فالاخشيديين، فالفاطميين الذين اهتموا بالقدس، وقاموا بتعمير المسجد الأقصى وقبة الصخرة وغيرهما من أبنية المدينة؛ بعد ما أصابها من الدمار نتيجة الزلازل.
احتل الصليبيون القدس عام 1099م وارتكبوا مذبحة رهيبة قتلوا فيها معظم سكانها، ثم حولوا مسجد قبة الصخرة إلى "كنيسة السيد المسيح"؛ أما المسجد الأقصى فحولوا جزءاً منه إلى كنيسة، والجزء الآخر إلى مسكن لفرسان "الداوية"، وبنوا فيه مستودعاً للأسلحة، واستخدموا السراديب التي تحته كإسطبلات خيول؛ وهي المعروفة باسم "الأقصى القديم، والمصلى المرواني"، واستمر الاحتلال الصليبي للمدينة 88 سنة.
<!--<!--حرر صلاح الدين الأيوبي عام 1187م المدينة من الصليبيين، وتولى المماليك الحكم 1250م واهتموا بالقدس، وأنشأوا فيها العديد من الزوايا والربط والتكايا والمدارس والمساجد والسبل، حتى عام 1516م حيث أصبحت تحت سيطرة الأتراك العثمانيون، الذين توصلوا مع الدول الغربية لوضع لما يعرف باسم "اتفاق الوضع الراهن" فيما يخص الأماكن الدينية المقدسة في القدس.
مع بدايات الحرب العالمية الأولى صدر وعد بلفور المشؤوم والاحتلال البريطاني للمدينة1917، وتبعه عام 1947م صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وإنشاء كيان خاص بالقدس بشكل مستقل.
الصراع الدولي وأحلام عودة الصليبين ومنطق "أرض الميعاد" للصهاينة :
تتعلق فكرة الصراع بين الدول الأوروبية بالتراث الديني البروتستانتي تحديدا، وتاريخ العلاقات الإسلامية بالغرب في زمن الحروب الصليبية، حيث تجمعت المصالح الدينية والسياسية والثقافية والإستراتيجية معا لإنشاء إسرائيل ودعمها من قِبَل البريطانيين ثم الأميركيين فيما بعد.
<!--<!--وكان لقانون الامتيازات أو قانون المِلَل الذي سمح بمقتضاه السلطان سليمان القانوني للفرنسيين برعاية وحماية الكاثوليك في أراضي الدولة العثمانية دوراً في التدخل الدولي في القدس حيث سُمح للروس بحماية الأرثوذكس القاطنين أيضا في أراضي الدولة العثمانية، ولذا وجد البريطانيون ضالّتهم في رعاية اليهود القاطنين في أراضي الدولة العثمانية بوصفها إحدى أهم أدوات التوسع الاستعماري في الأقطار العربية .
اما روسيا اعتنت بموضوع الدين واتخذت من الدفاع عن الأرثوذكس شماعة لحماية الأقليات وبابا للنفوذ إلى قلب منطقة الشرق الأوسط، لتجد لها موطئ قدم في أراض كانت فيها قبلها فرنسا وإنجلترا والنمسا وبروسيا، فهتمت بالدفاع عن الأرثوذكس في مواجهة المذاهب الأخرى مثل الكاثوليكية والبروتستانتية، لأنها جزء لا يتجزأ من السياق القومي الروسي، وكونها خط الدفاع الروحي الأهم عن الهوية الروسية.
تنبهت روسيا إلى أن في الامبراطورية العثمانية طائفة أرثوذكسة، وأرادت أن تسيطر على البطاركة والأساقفة الأرثوذكس، وتتخذهم وسيلة لتحقيق أطماعها السياسية، فأخذوا يشترون الأراضي في فلسطين، ويقيمون عليها الأبنية ويتدخلون في الأمور الدينية والسياسية، وبدأ التدخل الروسي بطلبهم من السلطان العثماني عبد المجيد الأول تنحية الرهبان الكاثوليك من القدس، وأن يكون الرهبان الأرثوذكس هم أصحاب الكلمة العليا في الأماكن المقدسة، فوقعت الدولة العثمانية مع روسيا اتفاقية سمحت للروس بالحصول على امتيازات ضمن البلاد العثمانية، تشمل حماية الأرثوذكس في أي مكان في الدولة.
القدس في فترة الحرب العالمية الأولى:
بدأت المشكلة الفلسطينية كقضية دولية مع قرب نهاية الحرب العالمية الأولى، فقد أدت احداث الحرب إلى اتخاذ عصبة الأمم قرارا بوضع فلسطين تحد إدارة بريطانيا العظمى كدولة منتدبة، ولم يأخذ هذا القرار في الاعتبار رغبات الشعب الفلسطيني، رغم اشتراط العهد ’’أن يكون لرغبات هذه الأقوام اعتبار رئيسي في اختيار الدولة المنتدبة‘‘.
ونجد من بنود الاتفاقية البريطانية الفرنسية الروسية عام 1916 حول فلسطين كما جاء في المادة الثالثة ((تنشأ إدارة دولية في المنطقة السمراء (فلسطين)، يعين شكلها بعد استشارة روسيا وبالاتفاق مع بقية الحلفاء وممثلي شريف مكة)). والمادة العاشرة: ((تتفق الحكومتان الإنگليزية والفرنسية، بصفتهما حاميتين للدولة العربية، على أن لا تمتلكا ولا تسمحا لدولة ثالثة أن تمتلك أقطاراً في شبه جزيرة العرب، أو تنشئ قاعدة بحرية على ساحل البحر المتوسط الشرقي)).
ففي 11 كانون الأول/ديسمبر 1917، استطاع اللنبي انتزاع القدس من الأتراك العثمانيين وحليفهم الألماني .
<!--<!--ودخل من بوابة يافا في القدس سيراً على الأقدام، دون أي أعلامٍ أو موسيقى رنانة مخالفاً لما فعل القيصر فيلهلم الثاني الألماني عندما زار القدس عام 1898، دخل على جواد أبيض وسط لافتات مرفرفة، وانتشر كلام يقول إنه 'لو كان رجلاً أفضل لدخلها مشياً [على الأقدام]'. حتى يعطي حسن نية بريطانيا تجاه العرب، وعند مدخل القلعة ("برج داود")، قرأ اللنبي إعلاناً مفاده أنه سيتمّ وضع المدينة تحت الأحكام العرفية، وسيبقى الوضع القائم فيما يتعلق بالأماكن المقدسة على ما هو عليه.
عندما سقطت القدس، كانت اتفاقية سايكس- بيكو السرية المبرمة في أيار/مايو 1916 لا تزال نافذة بتقسيم الإمبراطورية العثمانية، من قبل القوى المتحالفة الرئيسية: بريطانيا وفرنسا وروسيا.
وبما أن بريطانيا وفرنسا أعربتا كلتيهما عن رغبتهما بالسيطرة على فلسطين، وأرادتا منع وقوع أي تصادم قبل غزوها، فقد قررتا تقاسمها، وتخضع القدس ويافا والمنطقة الممتدة بينهما "لإدارة دولية"، يتم تحديد شكلها من خلال التشاور بين الحلفاء. وبالتالي، كانت اتفاقية سايكس- بيكو أول خطة لتدويل القدس.
ولهذا السبب انطلق بيكو إلى القدس مدعوماً بجيش اللنبي المنتصر، ولكن الأخير تحايل على الفرنسيين في إبقاء القدس وبقية البلاد تحت سلطة نظام عسكري، حيث أعلن اللنبي في تصريحه الشهير على أدراج "برج داود" حين خاطب الحشود قائلاً، إن القدس قد احتلتها "قواتي. وأنا بالتالي أعلن من هنا والآن أنها خاضعة للقانون العرفي، وستبقى تحت هذا الشكل من الإدارة طالما استدعت الاعتبارات العسكرية ذلك".
وصف لورنس العرب وفي كتابه "أعمدة الحكمة السبعة" الذي تناول سيرته الذاتية المشهد كالآتي:
قال بيكو السياسي الفرنسي (... غداً عزيزي الجنرال، سأتخذ الخطوات اللازمة لتشكيل حكومة مدنية في هذه المدينة '؛ أعقبها صمت ، وبدا اللنبي مرتبكاً. ولون وجهه تحوّل إلى الأحمر، وقال بتجهم: ' في المنطقة العسكرية، السلطة الوحيدة هي سلطة القائد الأعلى، وهو أنا'. فردّ بيكو متلعثماً: ' لكن السير غراي، [غراي وزير الخارجية البريطاني في عام 1916، عندما تم إبرام اتفاق سايكس بيكو]. وسرعان ما قاطعه اللنبي مجيباً: ' السير إدوارد غراي أتى على ذكر الحكومة المدنية التي سيتمّ تشكيلها عندما أرى أن الوضع العسكري يسمح بذلك ' "
وقد كتب لويس ماسيغنون، ضابط فرنسي مرتبط بـ بيكو، أن "اللنبي هدد بيكو بصرامة بأنه سيتم القبض عليه إذا تدخّل".
وعلى الرغم من أن اللجنة الفرنسية بقيادة بيكو حاولت فرض "وصاية دينية" على الأماكن المقدسة الكاثوليكية (كمعارضة للإيطاليين)، لم تستطع أن تكون ضمن "إدارة دولية" في القدس، بل كانت السيطرة فقط لبريطانيا كونهم وحدهم المؤهلين لحكم القدس، وأنهم القوة الوحيدة المناسبة لحكم المسلمين واليهود والروم الكاثوليك وكافة الديانات" كما ادعوا ، وبذلك باءَ أول اتفاق لتدويل القدس بالفشل، ولم تعرف المدينة يوماً واحداً من الإدارة الدولية.
نتيجة المقاومة والثورات في فلسطين ضد الانتداب قدمت بريطانيا ما أصبح ’’المشكلة الفلسطينية‘‘ إلى الأمم المتحدة على أساس أن الدولة المنتدبة تواجه التزامات متضاربة ثبت عدم إمكانية التوفيق بينها، واقترحت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين، إحداهما عربية فلسطينية والأخرى يهودية، مع تدويل القدس.
في تشرين الثاني/نوفمبر 1947 اقترح تقسيم فلسطين ووضَعَ تصوّراً ومنح القدس وضعاً منفصلاً تماماً كمدينة لا تنتمي إلى أي دولة إنما تخضع "لنظام دولي خاص".
القدس في الأمم المتحدة
تبنت الأمم المتحدة في عام ١٩٤٧م مشروع تقسيم فلسطين الذي حافظ على وحدة القدس وإقامة نظام دولي تحت سيطرة الأمم المتحدة.
<!--<!--أضفى اتفاق الهدنة بين (إسرائيل) والأردن في عام ١٩٤٩م طابعا رسميا على تقسيم المدينة بحكم الأمر الواقع إلى جزء شرقي يضم المدينة القديمة ويسيطر عليه الأردن الذي كان يسيطر أيضا على الضفة الغربية)، وجزء غربي، أو المدينة الجديدة التي تسيطر عليها (إسرائيل).
أسفرت حرب عام ١٩٦٧، عن احتلال القدس الشرقية والأراضي الفلسطينية ، وفي عام ۱۹۸۰ أعلنت الصهيونية "القدس كاملة وموحدة، عاصمة لها، ومطالبة (إسرائيل) بالقدس لم تلق اعترافا من المجتمع الدولي ويعتبر إجراء أي تغييرات على الأرض غير قانوني وباطلا.
وأوصت اللجنة الخاصة بالقدس بوضع أحكام خاصة تضمن الطابع المقدس للأماكن المقدسة، وإنشاء نظام دولي دائم للإشراف على الأماكن المقدسة في القدس وغيرها وحمايتها، وتقوم الأمم المتحدة عن طريق مجلس الوصاية بإدارة النظام الدولي الخاص بالقدس.
ومع تخلي المملكة المتحدة عن انتدابها على فلسطين في ١٤ أيار / مايو ١٩٤٨ وبعد إعلان قيام دولة (إسرائيل) خضعت القدس الشرقية، بما فيها الأماكن المقدسة والضفة الغربية لإدارة الأردن.
واتخذ تقسيم المدينة بحكم الأمر الواقع بين بلدين متحاربين حدودهما مغلقة، طابعا رسميا في اتفاق الهدنة بين إسرائيل والأردن في 3 نيسان / أبريل ١٩٤٩،
بيد أن المجتمع الدولي اعتبر أن الاتفاق ليس له أثر قانوني على استمرار صلاحية الأحكام المتعلقة بتدويل القدس في قرار التقسيم، واتخذت (إسرائيل) عقب ذلك عددا من التدابير لبسط سيطرتها على القدس الشرقية، وأعلن المجتمع الدولي بطلان تلك التدابير.
من خلال ما سبق نجد بأن جميع المحاولات للسيطرة على القدس من القوى الغازية فشلت ، وجميع المؤامرات التي حيكت ضد القدس ومقدساتنا من الدول الاستعمارية لم تستطع أن تحقق أهدافها بالرغم من قوة وجبروت هذه الدول ، وما استعانتهم باليهود والصهيونية إلا دليل فشلهم في السابق وفشلهم اللاحق مهما امتد الزمان .
والثورات الفلسطينية التي قامت ما اسكتها إلا تامر الحكام العرب عليها ، واستمرارها الى الان ورفضها لجميع المشاريع الصهيونية إلا دليل على ايمان الشباب العربي المسلم بقدرته على تحرير ارضه واسترجاع حقوقه المسلوبة ، وهذا ما برهنته القوى الإسلامية في فلسطين الان.