عبد الله بن عمر بن الخطاب
عرف بكرمه وجوده، ووفائه بوعوده وعهوده، لم يلبس إلا ما يستر جسده ولم يرفع إلى فمه إلا ما يقيم أوده ، أنار الله طريقه وهداه، فمضى على طريق نبيه ومصطفاه، رصد حركاته وتتبع سكناته، وحاكاه في صومه وصلاته وحجه وزكاته، وسائر عباداته ومعاملاته.
قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: ما كان أحد يتتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في منازله كما كان يتبعه ابن عمر.
وقال الصحابة والتابعون: لم يكن بين أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أحد أشد حذرًا في رواية حديث النبي من عبد الله بن عمر لا يزيد عليه حرفا أو ينقص حرفا.
عاش عبد الله بن عمر رضي الله عنه على مدار حياته (83 عاماً) ملتزما بسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم متمسكا بها، ومطبقا لها ما استطاع إلى ذلك سبيلا. تحرى ابن عمر الحلال في مطعمه وكان مضرب الأمثال في الكرم والسخاء، يتصدق بماله، وينفقه على الفقراء والمساكين. والمحتاجين ويؤثرهم على نفسه، ولم يتوقف جوده عند هذا الحد، بل وصل الأمر إلى أنه كان يتصدق بمبالغ طائلة ثم يستدين ليشتري العلف لراحلته، أنفق 30 ألف درهم في مرة واحدة، وكان لا يتناول طعامه في أي يوم من الأيام إلا يشاركه فيه يتيم.
يقول أيوب بن وائل الراسبي: جاءت لابن عمر يوما 4 آلاف درهم وقطيفة وفي اليوم التالي رأيته في السوق يشتري لراحلته علفا نسيئة بالدين، ذهبت وسألت: ألم يات له مال كثير بالأمس؟ قالوا: بلى، لكنه لم يبت ليلته حتى فرقها جميعا. ثم أخذ القطيفة فألقاها على كتفه، ثم عاد وليست معه، فقالوا أعطاها لفقير. بدأ ابن عمر رحلة الجهاد في سبيل الله بغزوة الخندق، وكان عمره 15 عاماً، بعد أن رده النبي في بدر وأحد لصغر سنه، شارك في جميع الغزوات والفتوحات، وكان ضمن جيش أسامة الذي توجه لقتال الروم في الشام، وشارك في موقعتي القادسية واليرموك، كما شارك في فتح مصر وإفريقيا (تونس)، وقبل ذلك في قتال المرتدين في عهد أبي بكر الصديق، وبعد ذلك في قتال المتمردين في عهد عثمان بن عفان.
كان ابن عمر شديد الخوف والحذر من الفتيا، وقال ذات مرة: سئل ابن عمر عما لا يعلم، فقال لا أعلم. وكان يرفض مناصب القضاء خشية أن يظلم أحدا، أو يجور على حق أحد، وقد دعاه الخليفة عثمان بن عفان لهذا المنصب الرفيع لكنه أبى، وبعد مقتل عثمان بن عفان، جاءه عدد من الصحابة يبايعونه خليفة للمسلمين لدينه وعلمه، وفقهه وعدله، لكنه رفض ، وقول ميمون بن مهران: دخلت على ابن عمر فقومت كل شيء في بيته من فراش ولحاف وبساط، ومن كل شيء فيه، فما وجدته يساوي مائة درهم،
امتدت حياة عبدالله بن عمر بن الخطاب (10 ق.ه 73 ه) (613 692م)، يكنى بأبي عبدالرحمن، نشأ في الإسلام، وهاجر من مكة إلى المدينة مع والده. فتى للناس 60 عاما وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم 2630 حديثا وأفاد الأمة بعلمه الواسع الغزير، شهد له الصحابة جميعا بحسن العلم والعبادة والورع والتقوى، وأنه لم يغير من أمره شيئا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بل استمر على التزامه واجتهاده.