الحمد لله رب العالمين،
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الحب من أسمى العواطف الإنسانية، وهى محور العلاقات بين المسلمين، ولهذا سوف نقوم بطرح ادلة من القرأن والسنة الشريفة عن هذا الحب ومعانيه وأهدافه وواجبات المتحابين فيه طمعاً برضا الله عز وجل وصحبة نبيه في الاخرة عملا بالحديث الشريف المرء مع من احب .
لقد جاءت أدلة عديدة تبين المكانة الرفيعة لمن أنعم الله عليه بهذا الحب، منها:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من عبًاد الله لأناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى». قالوا: يا رسول اللهِ، تخبرنا من هم، قال: «هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس».
وقرأ هذه الآية: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62]. (رواه أبو داود.
وقال عليه الصلاة والسلام: «إنَّ اللَّهَ يقولُ يومَ القيامةِ: أينَ المُتحابُّونَ بجلالي؟ اليومَ أظلُّهم في ظلِّي، يومَ لا ظلَّ إلَّا ظلِّي» (رواه مسلم.
وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر منهم: «ورجلان تحابّا في اللهِ ، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه» أخرجه البخاري.
والأخوة في الله لا تنقطع فهي مستمرة حتى يوم الآخرة، يقول تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].
شروط التحابب في الله:
أولًا: المناصرة والتأييد ومحبة الخير لهم، كما قال عليه الصلاة والسلام: «لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه» (متفق عليه: البخاري.
ثانيًا: التواصي بالحق والصبر وأداء النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعانته على الخير ودفعه إليه، يقول تعالى: {وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3]،
ويقول تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة من الآية:71].
ثالثًا: القيام بالأمور التي تدعو إلى التوادد والتراحم وزيادة الصلة، وأداء الحقوق، قال عليه الصلاة والسلام: «حقُّ المسلمِ على المسلمِ ستٌّ». قيل: ما هنَّ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «إذا لقِيتَه فسلِّمْ عليه. وإذا دعاك فأَجِبْه. وإذا استنصحَك فانصحْ له. وإذا عطِس فحمِدَ اللهَ فشَمِّتْهُ. وإذا مرِضَ فعُدْهُ. وإذا مات فاتَّبِعْهُ» رواه مسلم.
رابعًا: من حقوق المسلم على المسلم: لين الجانب، وصفاء السريرة، وطلاقة الوجه، والتبسط في الحديث، قال عليه الصلاة والسلام: «لا تحقرَنَّ من المعروفِ شيئًا، ولو أن تلقَى أخاك بوجهٍ طلِقٍ» رواه مسلم.
خامسًا: دلالته على الخير، وإعانته على الطاعة، وتحذيره من المعاصي والمنكرات، وردعه عن الظلم والعدوان، قال صلى الله عليه وسلم: «ليَنصُر الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَو مَظلُومًا. إِن كَانَ ظَالِمًا فَليَنهَهُ فَإِنَّهُ لَهُ نَصرٌ، وَإِن كَانَ مَظلُومًا فَليَنصُرهُ» رواه مسلم.
سادسًا: وتكتمل المحبة بين المؤمنين عندما يكونان متباعدين، وكل منهما يدعو للآخر بظهر الغيب في الحياة وبعد الممات، قال صلى الله عليه وسلم: «دعوةُ المسلمِ لأخيه بظهرِ الغيبِ مُستجابةٌ. عند رأسِه ملَكٌ مُوكَّلٌ، كلما دعا لأخيه بخيرٍ قال الملَكُ الموكلُ به: آمين. ولكَ بمِثل» رواه مسلم.
سابعًا: تلمس المعاذير لأخيك المسلم، والذب عن عرضه في المجالس، وعدم غيبته أو الاستهزاء به، وحفظ سره، والنصيحة له إذا استنصح لك، وعدم ترويعه وإيذائه بأي نوع من أنواع الأذى، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحِلُّ لِمُسلِمٍ أنْ يُروِّعَ مُسلِمًا» (رواه أحمد؛ برقم: [23064]، وأبو داود.
ثامنًا: تقديم الهدية والحرص على أن تكون مفيدة ونافعة، مثل إهداء الكتاب الإسلامي، أو الشريط النافع، أو مسواك أو غيره، وقد "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَقْبَلُ الهديَّةَ ويُثِيبُ عليها" (رواه البخاري.
- كيفية تعاملك مع من تحب في الله تعالى :
<!--من واجبات الأخوة الإسلامية إعانة الأخ المسلم ومساعدته وقضاء حاجاته، وإدخال السرور على نفسه، قال عليه الصلاة والسلام: «أحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أنفَعُهم للنَّاسِ، وأحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سُرورٌ تُدخِلُه على مُسلِمٍ أو تكشِفُ عنه كُربةً أو تقضي عنه دَيْنًا أو تطرُدُ عنه جوعًا، ولَأَنْ أمشيَ مع أخٍ لي في حاجةٍ أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أعتكِفَ في هذا المسجِدِ يعني مسجِدَ المدينةِ شهرًا» رواه الطبراني .
<!-- احرص على تفقد الأحباب والسؤال عنهم وزيارتهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنَّ رجلًا زارَ أخًا لَهُ في قريةٍ أخرى، فأرصدَ اللَّهُ لَهُ على مَدرجَتِهِ ملَكًا، فلمَّا أتى عليهِ قالَ: أينَ تريدُ؟ قالَ: أريدُ أخًا لي في هذِهِ القريةِ. قالَ: هل لَكَ عليهِ من نعمةٍ تربُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحببتُهُ في اللَّهِ عزَّ وجلَّ. قالَ: فإنِّي رسولُ اللَّهِ إليكَ، بأنَّ اللَّهَ قد أحبَّكَ كما أحببتَهُ فيهِ» رواه مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا» رواه الترمذي.
أما عن علامات محبة الله للعبد فهي كثيرة لخصها الشيخ محمد بن صالح المنجد كما يلي:
<!--اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى في كتابه الكريم: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:31].
<!-- الذلة للمؤمنين، والعزة على الكافرين، والجهاد في سبيل الله، وعدم الخوف إلا منه سبحانه. وقد ذكر الله تعالى هذه الصفات في آية واحدة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}[المائدة من الآية:54].
<!-- القيام بالنوافل: قال الله عز وجل في الحديث القدسي: «وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه» (أخرجه البخاري؛ برقم: [6502])، ومن النوافل: نوافل الصلاة والصدقات والعمرة والحج والصيام.
<!-- الحبّ، والتزاور، والتناصح في الله. وقد جاءت هذه الصفات في حديث واحد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: «حقَّت محبَّتي للمُتحابِّين فيَّ، وحقَّت محبَّتي للمُتزاوِرين فيَّ، وحقَّت محبَّتي للمُتباذلين فيَّ، وحقَّت محبَّتي للمُتواصلين فيَّ» رواه أحمد.
<!-- المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة على حب الله له ، فإنَّه وإن كان مُرًّا إلا أنَّك تقدمه على مرارته لمن تحب ففي الحديث الصحيح: «عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ » رواه الترمذي
<!-- وبيَّن أهل العلم أن الذي يُمسَك عنه هو المنافق، فإن الله يُمسِك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة.
حديث أبي هريرة : أن النبي قال: الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ، رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح.هذا يتعلق بصحبة الأخيار وبمحبتهم،
أن الإنسان يتأثر بمن يصاحب، فهو يتأثر به وينجذب الإنسان عادة إلى من يشاكله ويكون مناسباً له، فيميل إليه طبعه وكما أخبر النبي ( أن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ) فإذا صحب الإنسان أو أحب أهل الخير والفضل فإن ذلك يدل على أن نفسه التي تنجذب للخير لما تحمله نفوسهم وما يظهر من أعمالهم من الصفات الكاملة، فنفسه تميل إلى الكمالات وتحبها وتطمح إليها، وهذا مؤشر يدل على أن هذا الإنسان قلبه لا يزال فيه حياة، ويرجى لصاحبه من الخير في الدنيا والآخرة، وذلك أنه في الدنيا يتأثر بمثل هؤلاء ويعمل بعملهم، وأن هؤلاء يعينونه على الخير، ويُقعدونه عن الشر، بخلاف من صاحب الأشرار فإنهم يدفعونه إلى المعصية والمنكر، ويقعدونه عن طاعة الله وفي رواية قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : الرجل يحب القوم، يعني من أهل الصلاح والدين والفضل، يحبهم، ولمّا يلحق بهم، يعني في العمل، هو مقصر، ومرتبته دون مرتبتهم، فليس له من التشمير ما لهم في طاعة الله فقال المرء مع من أحب وهذا من أعظم الأحاديث المبشرة بسعة فضل الله ورحمته على عباده المؤمنين فالإنسان قد لا يعمل الأعمال الكثيرة، ولكنه يحب أهل الفضل والدين والصلاح فيلحقه الله
وحديث أنس . أن أعرابيا قال لرسول الله : متى الساعة يعني متى قيام الساعة، القيامة؟، فقال النبي ما أعددت لها ؟ قال: حب الله ورسوله يعني يقول: ما عندي أعمال كثيرة إلا أني أحب الله ورسوله وفي رواية: "ما أعددت لها من كثير صوم ولا صلاة ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله ، قال انت مع من أحببت . متفق عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.