يا ذا المعالي
*******
لا يعرفُ الحقدَ من تعلو بهِ الرُّتبُ*** ولا ينالُ العلى مَنْ طبعُهُ الغضَبُ
هذا زمانٌ مضى ضاعتْ مبادِئُهُ * ** وأصبَحَتْ نُكَتاً تَجْتَرُّها الكُتُبُ
أما الزمانُ الردي فالأمرُمختلفٌ *** وكُلُّ ما حولَه أو فيه مُنْقلِبُ
فصاحبُ الحقد لا تُخشى غوائِلُهُ***والطَّيِّبُ القلبِ في أنيابِهِ العَطَبُ
وصاحبُ المكرِمأمونٌ جوانبُهُ***وصاحبُ الخُلْقِ فيهِ الغِلُّ والخَبَبُ
ولا يُصَدَّقُ إلا كاذبٌ أَشِـــــرٌ***وأصدقُ الناسِ مَنْ أطباعُهُ الكذبُ
أمَّا الأمينُ فيَحوي كلَّ خائنـةٍ *** والخائنُ الخَبُّ محمودٌ ومُنْتَجَبُ
والراجحُ العقلِ مخبولٌ وذو سَفَهٍ ***وأَسْفَهُ القومِ أعْلاهُمْ إذا انْتدَبوا
وما الكريمُ الذي تُرجى نوائِلُهُ***غَيْرَ الذي مِنْ جِيوبِ الناسِ يَنْتَهِبُ
يا صاحبَ الدين والأخلاقِ مَعْذرةً*** هلَّا تُعاهدُ كهفاً فيهِ تَنْتَقِبُ
فذا الزمانُ زمانٌ سوفَ تُنْكِرُهُ**** عَمَّ النفاقُ بِهِ واسْتَشْرَفَ الكذبُ
ومنْ يَعِشْ فيهِ يُدْرِكْهُ الأذى ظُلَلاً ***ومَنْ يُفارِقْهُ يَسْلَمْ عِرْضُهُ النَّجِبُ
**********************
لا يعرف الحقد من تعلو به الرتبُ *** وأنت في السوء والأحقاد تضطربُ
حَدِّث فَدَيْتُكَ لا خوفاً ولا خجلاً *** إذا الحياءُ وماءُ الوجه قد نضبوا
أَلَسْتَ تَعْرِضُ ما تُلقيهِ مِنْ دُرَرٍ***لا فُضَّ فوكَ فَتخزى ثُمَّ تَحْتَجِبُ
تُزَوِّرُ الخُطْبَةَ العصماءَ تَخْطُبُها *** كحاطِبِ الليلِ لا وَقْدٌ ولا حَطَبُ
كما الحمارُ الذي ما زالَ ذاخَرَقٍ *** وأثْقَلَتْ ظَهْرَهُ الأسْفارُ والكُتُبُ
فلا تَأدَّبَ مِمَّا كان يحمِلُهُ *** وأرْهَقَ الظَّهْرَ طولُ الكَدِّ والتَّعَبُ
ما قيمةُ العلمِ إنْ لم يُغْنِ صاحبَهُ *** فالعلمُ غايتُهُ الأخلاقُ والأدبُ
فَرُبَّ حامِلِ عِلْمٍ ليسَ يَفْقَهُهُ *** وَرُبَّ حاملِ فِقْهٍ حَظُّهُ النَّصَبُ
ورُبَّ قارىءَ والقرآنُ يلعنُهُ *** حُكْماً عليهِ وفي الخسرانِ ينقلِبُ
نعوذُ باللهِ مِنْ عِلْمٍ يُرادُ بِهِ *** بابُ السلاطينِ يُسْتجْدى ويُرْتَهَبُ
**************
لا يعرفُ الحقدَ من تعْلو بِهِ الرُّتَبُ *** ولا ينالُ العُلى مَنْ طَبْعُهُ الغَضَبُ
هذي مناقِبُ قوْمٍ قد مَضَوْا قُدُماً *** فَكَيْفَ تُدْرِكُ ما فاتوا وما انْتَقَبُوا
إن تركبِ الريحَ أَحْقاباً لِتُدْرِكَهُمْ *** إذاً لطالَتْ بِكَ الأعْمارُ والحِقَبُ
يا ذا المعالي الذي يَعْتَدُّ في صَلَفٍ ***هَلْ جُبْتَ بالشمسِ أمْ طارَتْ بِكَ الشُّهُبُ
تَظُنُّ رُتْبَتَكَ الغَرَّاءَ خالِدَةً *** فانْظُرْ هُدِيتَ لِمَنْ غَرَّتْهُمُ الرُّتَبُ
وأصبحوا أَثَراً مِنْ بَعْدِ شاهِدَةٍ *** يَبْكونَ رَسْماً عَفَتْ آثارُهُ الرُّحُبُ
هَلْ خُضْتَ بحراً عميقاً ليسَ يُدْرِكُهُ *** في الناسِ إلا اللبيبُ المُتْقِنُ الأَرِبُ
فكُنْتَ عِدْلَ الإمامِ الشافعيِّ حِجىً *** تزاحَمَتْ حَوْلَكَ الأقدامُ والرُّكَبُ
وحُزْتَ فَهْماً وعَقْلاً لا يُعَدُّ بِهِ *** أَلْفٌ يُعَدُّونَ بالآلافِ إِنْ حُسِبوا
هَلْ جُزْتَ أسْوارَ عَمُّورِيَّةٍ صَرَخَتْ *** فيها الحَرائِرُ تُسْتَحْيا وتُغْتَصَبُ
فكُنْتَ مُعْتَصِماً في نَخْوَةٍ عَصَفَتْ ****جيشاً تُظَلِّلُهُ الرَّاياتُ والقُضُبُ
فكانَ أَوَّلُهُ في الرُّومِ مَلْحَمَةً **** وكانَ آخِرُهُ في الشَّامِ يَرْتَقِبُ
أَكُنْتَ سَيِّدَ قَوْمٍ لا يُرَدُّ لَهُ **** قَوْلٌ وشَوْرٌ ولا حُكْمٌ ولا طَلَبُ
تظنُّ أنْ قدْ مَلَكْتَ الخافِقَيْنِ بِها *** وأنَّكَ الفاتِحُ المنصورُ يَقْتَرِبُ
مَنْ يُكْرِمِ اللهُ يَرْفَعْهُ بلا سَبَبٍ **** وَمَنْ يُهِنْهُ يَهُنْ لَوْ شَدَّهُ السَّبَبُ
فما المعالي التي ما زِلْتَ تُحْرِزُها *** إلا سَراباً بِقاعٍ ليْسَ يَنْشَرِبُ
أمْ هلْ حَسِبْتَ المعالي أَنتَ تَصْنَعُها *** فاقْعُدْ فإنَّ المعالي النُّبْلُ والأدبُ
********************
عبد الحليم عبد الحليم
ساحة النقاش