<!--<!--<!--
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، الرابع من نوفمبر سنة 2012 م ؛ الموافق التاسع عشر من ذي الحجة سنة 1433 هـ.
برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيري ........................رئيس المحكمة
و عضوية السادة المستشارين : عدلي محمود منصور و أنور رشاد العاصي و عبد الوهاب عبد الرازق و الدكتور/ حنفي على جبالي و محمد خيري طه و رجب عبد الحكيم سليم . نواب رئيس المحكمة
و حضور السيد المستشار الدكتور/ محمد عماد النجار رئيس هيئة المفوضين
و حضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع .............. ...........امين الســــر
أصدرت الحكم الآتي :
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 133 لسنة 26 قضائية " دستورية " ، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة ملف الطعنين رقمي 3003 لسنة 44 ، 669 لسنة 48 قضائية " عليا " .
المقام أولهما من
طارق عبد العزيز السيد .
و المقام ثانيهما من
جمال عطية محمد بصفته ولياً طبيعياً على نجله أحمد .
ضد
وزير الداخلية .
الإجراءات
في الأول من شهر يونيو سنة 2004 ، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الطعنين رقمي 3003 لسنة 44 و 669 لسنة 48 قضائية " عليا " ، بعد أن أصدرت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بجلسة 28/2/2004 حكمها بوقف نظر الطعنين و إحالة أوراقهما إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة (99) من قانون هيئة الشرطة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 109 لسنة 1971 ، و النصوص الأخرى المرتبطة به ، و قراري وزير الداخلية رقمي 1050 لسنة 1973 ، 444 لسنة 1983 .
و قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين ، طلبت فيهما الحكم أصلياً : بعدم قبول الدعوى ، و احتياطياً : برفضها .
و بعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
و نظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، و قررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، و المداولة .
حيث إن الوقائع - حسبما يتبين من حكم الإحالة و سائر الأوراق – تتحصل في أنه سبق أن أحيل كل من أميني الشرطة / طارق عبد العزيز السيد و أحمد جمال عطية ، إلى المحاكمة العسكرية بوزارة الداخلية ، لما نسب إلى الأول من الإهمال في إطاعة الأوامر و التعليمات العسكرية ، و لما نسب إلى الثاني من إغفاله إثبات اسم أحد أقاربه ضمن الأفراد الواجب ذكرهم بكراسة الالتحاق بمعهد أمناء الشرطة حال كونه محكوما ًعليه في جناية مخدرات ، فقضت المحكمة العسكرية بمعاقبة الأول بالحبس لمدة خمسة و أربعين يوماً ، و معاقبة الثاني بالرفت من الخدمة ، فأقام الأول طعناً أمام المحكم التأديبية لرئاسة الجمهورية بمجلس الدولة قضي فيه بعدم الاختصاص الولائي ، فطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 3003 لسنة 44 قضائية " عليا " ، كما أقام الثاني الطعن رقم 669 لسنة 48 قضائية " عليا " أمام المحكمة ذاتها ، و التي قررت ضم الطعنين و أصدرت فيهما حكم الإحالة المنوه عنه بصدر هذا الحكم ، و الذي تضمن أن سريان أحكام قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 على طوائف هيئة الشرطة من غير الضباط ، بغض النظر عما إذا كانوا حال قيادة قوة نظامية من عدمه ، يخالف حكم المادة 184 من الدستور، و التي تنص على أن الشرطة هيئة مدنية نظامية ، كما أن إخضاع باقي أفراد هيئة الشرطة من غير الضباط لأحكام قانون الأحكام العسكرية في كل ما يتعلق بخدمتهم ، أوجد تفرقة بين الطائفتين بالمخالفة لنص المادة (40) من الدستور، فضلاًعن أن تخويل المشرع العادي وزير الداخلية تحديد الجهات التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية و إصداره القرارين رقمي 105 لسنة 1973 ، 444 لسنة 1983 بلائحة الجزاءات و تنظيم و تشكيل القضاء العسكري بوزارة الداخلية يخالف حكم المادة (167) من الدستور، و إذ خلصت المحكمة إلى أن المادة (99) من قانون هيئة الشرطة و قراري وزير الداخلية رقمي 1050 لسنة 1973 ، 444 لسنة 1983 ، تثير شبهة مخالفتها لأحكام المواد ( 40 ، 167 ، 183 ، 184 ) من الدستور، فقد أحالت الأوراق إلى هذه المحكمة عملاً بنص المادة (29/أ ) من قانونها ، و ذلك للفصل في دستوريتها .
و حيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة تأسيساً على أن النزاع المطروح أمام محكمة الموضوع سبق للمحكمة العسكرية حسمه ، بحكم بات حاز قوة الأمر المقضي ، و من ثم يتعين الإمساك عن معاودة إثارة النزاع من جديد ، بحسبان حجية الأحكام تسمو على اعتبارات النظام العام ، و تبعاً لذلك تنتفي المصلحة في هذه الدعوى .
و حيث إن هذا الدفع مردود بأن الدعوى الماثلة تطرح المسألة المتعلقة بدستورية ما قضى به النص المحال من خضوع أمناء الشرطة في كل ما يتعلق بخدمتهم - و من بينها مساءلتهم عما ينسب إليهم من جرائم انضباطية – لقانون الأحكام العسكرية ، وهو ما يمتد ليشمل كامل التنظيم المقرر بذلك النص و ما يتضمنه من قواعد و إجراءات تتعلق بمساءلة هؤلاء و محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية ، و ما أسبغ بمقتضاه على الأحكام الصادرة من تلك المحاكم من حجية ، و صيرورتها باتة و غير قابلة للطعن عليها أمام أية جهة ، و هذه القواعد و الإجراءات تمثل المسألة الدستورية التي رأت محكمة الموضوع طرحها على هذه المحكمة لتقول كلمتها في شأن اتفاقها مع أحكام الدستور، و من ثم يغدو الدفع بعدم قبول الدعوى لسبق حسم النزاع الموضوعي بحكم باب يرتكن في حجيته لتلك الأحكام في غير محله جديراً بالالتفات عنه .
و حيث إن المادة (99) من قانون هيئة الشرطة الصادر بالقرار بقانون رقم 109 لسنة 1971 قبل استبدالها بالقانون رقم 25 لسنة 2012 كانت تنص على أن " يخضع الضباط بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون الأحكام العسكرية .
كما يخضع للقانون المذكور أمناء و مساعدو الشرطة و ضباط الصف و الجنود و رجال الخفر النظاميين في كل ما يتعلق بخدمتهم .
و توقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية .
و يحدد وزير الداخلية بقرار منه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور للجهات المبنية فيه ، كما يصدر القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة ".
و حيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – و هي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها و بين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، و ذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية ، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها و المطروحة أمام محكمة الموضوع ، متى كان ما تقدم ، و كان الطاعنان قد حُوكما عما نُسب إليهما من جرائم انضباطية أمام المحاكم العسكرية بهيئة الشرطة ، نزولاً على حكم المادة (99) من قانون هيئة الشرطة ، و قراري وزير الداخلية رقمي 1050 لسنة 1973 ، 444 لسنة 1983 ، و كانت الفقرة الرابعة من المادة (99) من قانون هيئة الشرطة التي تخول وزير الداخلية سلطة إصدار قرار بتحديد الجهات التي تتولى الاخصاصات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية ، و إصدار القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة ، تمثل الأساس التشريعي لقواعد و إجراءات مساءلة أفراد هيئة الشرطة أمام المحاكم العسكرية ، و من ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة في هذه الدعوى تكون متوافرة ، و ينحصر نطاقها في الفقرة الرابعة من النص المحال .
و حيث إن حكم الإحالة ينعي على النص المحال أنه فيما تضمنه من تخويل المشرع العادي وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية و إصدار وزير الداخلية قراريه رقمي 105 لسنة 1973 ، 444 لسنة 1983 بلائحة جزاءات أفراد هيئة الشرطة و تحديد جهات وزارة الداخليةالتي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 و بتنظيم السجون العسكرية ، 444 لسنة 1983 بإعادة تنظيم الإدارة العامة للقضاء العسكري ، يخالف أحكام المواد ( 167 ، 183 ، 184 ) من دستورسنة 1971 .
و حيث إنه و إن كان نص المادة (99) من قانون هيئة الشرطة ( النص المحال ) ، قد تم استبداله بنص المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة اعتباراً من تاريخ العمل به في الحادي و العشرين من شهر يونيو سنة 2012 ، حيث استبدل المشرع مجالس التأديب بالمحاكم العسكرية بهيئة الشرطة ، إلا أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها ، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها – و ترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة ، ذلك أن الأصل في القاعدة القانونية ، هو سريانها على الوقائع التي تتم في ظلها و حتى إلغائها ، فإذا ألغيت هذه القاعدة و حلت محلها قاعدة قانونية أخرى ، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها ، و يقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها ، و بذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين ، فما نشأ مكتملاً في ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية و جرت آثارها خلال فترة نفاذها ، يظل خاضعاً لحكمها وحدها .
و حيث إن الرقابة على دستورية القوانين و اللوائح التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا بمقتضى قانونها ، إنما تقوم بحسب الأصل على مدى اتفاق أومخالفة النصوص التشريعية المطعون فيها لأحكام الدستور القائم وقت الفصل في الدعوى ، أي مقابلة تلك النصوص من الناحية الموضوعية بالنصوص الدستورية القائمة وقت الحكم في الدعوى الدستورية ، و من ثم فإن بحث دستورية النص المحال في الدعوى المعروضة يتعين أن يتم وفقاً للأحكام الواردة في الإعلان الدستوري الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتاريخ 30/3/2011 .
و حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه لا يجوز للسلطة التشريعية في ممارستها لاختصاصاتهافي مجال إقرار القوانين أن تتخلى بنفسها عنها إهمالاً من جانبها لنص المادة (86) من الدستور، المقابلة للمادة (33) من الإعلان الدستوري الذي يعهد إليها أصلاً بالمهام التشريعية ، و لا تخول السلطة التنفيذية مباشرتها إلا استثناءً ، و في الحدود الضيقة التي بينتها نصوص الدستور حصراً .
و حيث إن المادة (21) من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس سنة 2011 تنص على أن : " التقاضي حق مصون و مكفول للناس كافة ، لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي .... " ، و تنص المادة (46) على أن : " السلطة القضائية مستقلة ، و تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها و درجاتها .......... " ، و تنص المادة (50) على أن : " يحدد القانون الهيئات القضائية و اختصاصاتها ، و ينظم طريقة تشكيلها ، و يبين شروط و إجراءات تعيين أعضائها ونقلهم " ، و تنص المادة (51) على أن : " ينظم القانون القضاء العسكري و يبين اختصاصاته في حدود المبادئ الدستورية " ، و هذه المواد تقابل المواد ( 68 ، 165 ، 167 ، 183 من دستور 1971 ).
و حيث إنه لما كان ما تقدم ، و كان الإعلان الدستوري قد خول السلطة التشريعية بقانون يصدر منها إنشاء المحاكم العسكرية و تنظيميها و تحديد اختصاصاتها و بيان القواعد و الإجراءات التي تتبع أمامها ، و الضمانات التي تكفل بتكاملها مفهوماً للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها في الدول المتحضرة ، كما نص الإعلان ذاته في المادة (9) من عدم جواز حجز المواطن أو حبسه في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون ، و إذ تسلب المشرع بالنص المحال من اختصاصاته السالف بيانها ، و فوض وزير الداخلية في إصدار قرار بتحديد جهات الوزارة التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية ، و إنشاء السجون العسكرية الخاصة بأفراد هيئة الشرطة ، ومن ثم يغدو نص الفقرة الرابعة من المادة (99) من قانون هيئة الشرطة مخالفاً لأحكام المواد ( 9 ، 21 ، 50 ، 51 ) من الإعلان الدستوري .
و حيث إن الخوض في دستورية بعض النصوص القانونية ، يفترض ابتداءً انتفاء ارتباطها ارتباطاً لا يقبل التجزية بنصوص أبطلتها هذه المحكمة لمخالفتها أحكام الدستور، فإذا كان ارتباطها بها قائماً ، فإن الحكم بسقوطها يكون مقدما ًعلى الفصل في دستوريتها ، إذ لا محل للخوض في اتفاقها أو مخالفتها للدستور بعد انغلاق مجال عملها ، ترتيباً على زوال النصوص القانونية التي كانت تستند إليها .
و حيث إن باقي فقرات نص المادة (99) من قانون هيئة الشرطة ، و قد انتظمت القواعد التي نيط بجهات وزارة الداخلية المنصوص عليها بالفقرة الرابعة من المادة ذاتها تطبيقها ، و من ثم فإن هذه الفقرات جميعها ترتبط ارتباطاً لا يقبل التجزئة بنص الفقرة الرابعة من ذلك النص ، و من ثم فإن إبطال هذه المحكمة لنص تلك الفقرة يترتب عليه بالضرورة سقوط باقي فقرات ذلك النص .
و حيث إن المادة (99) من قانون هيئة الشرطة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 109 لسنة 1971 ( النص المحال ) قبل استبدالها بالقانون رقم 25 لسنة 2012 تعد الأساس التشريعي الذي قام عليه قرارا وزير الداخلية رقما 1050 لسنة 1973 بلائحة جزاءات أفراد هيئة الشرطة و بتحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية و بتنظيم السجون العسكرية ، و 444 لسنة 1983 بإعادة تنظيم الإدارة العامة للقضاء العسكري السالف الذكر ، فإن هذين القرارين يسقطان لزوماً تبعاً للقضاء بعدم دستورية الفقرة الرابعة من المادة (99) المشار إليها ، إذ لا يتصور بدونها وجود لهما .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الرابعة من المادة (99) من قانون هيئة الشرطة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 10 لسنة 1971 ، قبل استبدالها بالقانون رقم 25 لسنة 2012 وسقوط باقي فقراته و قراري وزير الداخلية رقمي 1050 لسنة 1973 ، 444 لسنة 1983 .
أمين السر رئيس المحكمة
ساحة النقاش