أشرف سعد الدين عبده - المحامي بالإسكندرية - مصر

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، الرابع من مارس سنة 2012 م ، الموافق الحادي عشر من ربيع الآخر سنة 1433 هـ .

برئاسة السيد المستشار/ فاروق أحمد سلطان .................... رئيس المحكمة

و عضوية السادة المستشارين :  ماهر البحيري و عدلي محمود منصور وعلى عوض محمد صالح و أنور رشاد العاصي و الدكتور/ حنفي على جبالي و ماهر سامي يوسف .                                                     نواب رئيس المحكمة

و حضور السيد المستشار/ حاتم حمد بجاتو .......................رئيس هيئة المفوضين

و حضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع ....................................... أمين السر

 

أصدرت الحكم الآتي

 

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 199 لسنة 27 قضائية " دستورية " ، المحالة من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة ( الدائرة الثانية ) بموجب حكمها الصادر بجلسة 29/5/2005 في الدعوى رقم 1650 لسنة 56 قضائية .

 

المقامة من

السيد / سمير حسن محمود العربي .

و شهرته / سمير العربي .

 

ضد

1- السيد وزيرالقوى العاملة .

2- السيد مدير مديرية القوى العاملة بالقاهرة .

3- السيد رئيس اللجنة المشرفة على انتخابات النقابات العمالية بمديرية القوى العاملة بالقاهرة .

4- السيد رئيس الاتحاد العام لعمال مصر.

خصم متدخل انضمامياً لجهة الإدارة .

 

الإجراءات

بتاريخ الحادي و الثلاثين من أكتوبر سنة 2005 ، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 1650 لسنة56قضائية من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة – الدائرة الثانية – نفاذاً لحكمها الصادر بجلسة 29/5/2005 بوقف الدعوى و إحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (36/د) من قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 و تعدلاته .

 

و قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى و احتياطياً برفضها .

و بعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .

و نُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، و قررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .

 

المحكمـــــــــــــة

 

بعد الاطلاع على الأوراق ، و المداولة .

حيث إن الوقائع – على ما يتبين من حكم الإحالة و سائر الأوراق – تتحصل في أنه بتاريخ 3/11/2001 أقام المدعي ضد المدعى عليهم الثلاثة الأول الدعوى رقم 1650 لسنة 56 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة طالباً الحكم بوقف تنفيذ و إلغاء قرار جهة الإدارة برفض قبول أوراق ترشيحه ، و عدم إدارج اسمه ضمن كشوف المرشحين لعضوية مجلس إدارة النقابة العامة للعاملين بالإنتاج الحربي ، مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها إدراج اسمه ضمن كشوف المرشحين ، و ذكرشارحاً دعواه أنه عضو بكل من النقابة العامة للعاملين بالإنتاج الحربي ، و الجمعية العمومية للجنة النقابية للعاملين بشركة حلوان للصناعات الهندسية " مصنع 99 حربي "  ، و خاض انتخابات اللجنة النقابية عن الدورة ( 2001 – 2006 ) ثم تقدم بأوراق ترشيحه لخوض انتخابات النقابة العامة للعاملين بالإنتاج الحربي ، إلا أن اللجنة المشرفة على الانتخابات رفضت قبول أوراقه مما دعاه إلى تحرير محضرإثبات حالة أتبعه بإقامة دعواه ناعياً على القرار المطعون عليه مناقضته لمبدأ المشروعية و دفع خلال نظرها بعدم دستورية المادة (36) من قانون النقابات العمالية لمخالفته نصوص المواد (47، 54، 56) من الدستور، و هو ما اعتنقته محكمة الموضوع حين قررت وقف الدعوى و إحالة الاوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية البند (د) من المادة المذكورة .

 

و حيث إن قانون النقابات العمالية الصادربالقانون رقم 35 لسنة 1976 بعد أن نظم في الفصل الأول من الباب الثاني البنيان النقابي و أهدافه موضحاً أنه يتكون على شكل هرمي من المستويات النقابية التالية :

اللجنة النقابية بالمنشأة أو اللجنة النقابية المهنية – النقابة العامة – الاتحاد العام لنقابات العمال ، و أنه يهدف إلى حماية الحقوق المشروعة لأعضاء هذه المنظمات و الدفاع عن مصالحهم و تحسين ظروف و شروط العمل ، حدد في الفصول الثاني و الثالث و الرابع من هذا الباب اختصاصات كل من تلك المستويات النقابية ، ثم نظم في الباب الثالث عضوية المنظمات النقابية ، و تعرض في الباب الرابع لتشكيلات المنظمات النقابية من جمعيات عمومية و مجالس إدارة و نص في المادة (36) منه على أن " يشترط فيمن يرشح نفسه لعضوية مجلس إدارة منظمة نقابية ما يلي :

(أ‌)               أن يكون بالغاً سن الرشد كامل الأهلية . (ب) ..........(ج).............

(د‌)      أن يكون عضواً بالجمعية العمومية للجنة النقابية إذا كان الترشيح لعضوية مجلس إدارة اللجنة النقابية ، فإذا كان الترشيح للمنظمة النقابية الأعلى يشترط أن يكون قد أمضى دورة نقابية سابقة عضواً بمجلس إدارة المنظمة النقابية الأدنى ( وهو النص محل الطعن الماثل ).

(هـ) ألا يكون من بين الفئات الآتية ........... ".

 

وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة ، لانتفاء شرط المصلحة على سند من أن طلبات المدعي في الدعوى الموضوعية تتعلق بقبول أوراق ترشحه لعضوية مجلس إدارة النقابة العامة للعاملين بالإنتاج الحربي عن الدورة (2001- 2006 ) ، و إذ كانت عملية الترشيح و الانتخاب لهذه الدورة قد انتهت كما قاربت الدورة ذاتها على الانتهاء ، و من ثم فإنه بفرض الحكم بعدم دستورية النص المطعون عليه فلن يستفيد المدعي منه في هذه الدورة .

 

و حيث إن هذا الدفع مردود ، بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن توافر المصلحة في الدعوى الدستورية مناطه أن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها و المطروحة على محكمة الموضوع ، سواء اتصلت الدعوى بهذه المحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة ، بما لازمه ان الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النصوص التشريعية المحالة على النزاع الموضوعي ، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازماً للفصل في ذلك النزاع ، ولما كان مبنى النزاع في الدعوى الموضوعية المقامة من املدعي ينصب على طلب الحكم بوقف تنفيذ و إلغاء قرار عدم قبول أوراق ترشحه و إدارج اسمه ضمن كشوف المرشحين لعضوية مجلس إدارة النقابة العامة للعاملين بالإنتاج الحربي ، مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها إدراج اسمه ضمن كشوف المرشحين ، و كان النص المطعون عليه هو الذي حال بينه و بين قبول أوراق ترشحه للانتخابات المشار إليها ، الأمر الذي يتبين منه أن النص المذكور قد طبق عليه ، و أعملت أحكامه في حقه ، و ظلت آثاره –  و هي الحرمان من الترشح – قائمة بالنسبة إليه حتى قاربت الدورة (2001- 2006 ) على الانتهاء  و ستظل – طالما بقي النص المذكور سارياً – حائلة دون ترشحه في أية دورة نقابية قادمة ، فإن مصلحة المدعي في الدعوى الدستورية تكون قائمة و يتحدد نطاقها فيما نص عليه عجز البند (د) من المادة (36) من قانون النقابات العمالية السالف ذكرها من أن : "   فإذا كان الترشح للمنظمة النقابية الأعلى يشترط أن يكون قد امضى دورة نقابية سابقة عضواً بمجلس إدارة المنظمة النقابية الأدنى ".

 

و حيث إن حكم الإحالة ينعي على النص المذكور- محدداً نطاقاً على الوجه المتقدم – أنه يضع قيداً على حق الترشح و الانتخاب و يحد من حق العديد من أعضاء النقابة تمثيل زملائهم و يحجب آراءهم عن جموع أعضاء النقابة بما يخل بحرية الرأي و حق الاجتماع و كفالة إنشاء النقابات على أساس ديمقراطي ، الأمر الذي يتعارض مع نصوص المواد ( 47 ، 54 ، 56 ، 62 ، 65 ) من الدستور.

 

و حيث إن المواد التي استند إليها حكم الإحالة للنعي على النص محل الطعن الماثل و إن وردت في الدستور الصادر سنة 1971 و الذي عُطل العمل بأحكامه بموجب الإعلان الدستوري الصادر في 13 من فبراير سنة 2011 ، إلا أن الإعلان الدستوري الصادرفي الثلاثين من مارس 2011 قد تبنى العديد من أحكام الدستور المعطل ، فنصت المادة 12 منه في فقرتها الثانية على كفالة حرية الرأي ، و أكدت المادة 16 على حق الاجتماع الخاص ، و ذلك بذات صياغة المادتين (47 ، 54 ) من الدستور السابق ،  وقرر الإعلان الدستوري المذكور في مادته الرابعة حق المواطنين في تكوين الجمعيات و إنشاء النقابات و الاتحادات و الأحزاب على نحو يقارب ما ورد بالمادتين (55 ، 56 ) من الدستور السابق ، و أنه و إن خلا نص المادة المذكورة من أن يكون إنشاء النقابات على أساس ديمقراطي إلا أن المادة (1) من الإعلان الدستوري سالف الذكر نصت على أن " جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي " .

 

 و ذلك تأكيداً لما سبق ذكره في الأعلان الدستوري الصادر في 13 فبراير سنة 2011 من أن تحقيق تقدم الوطن يكمن في تهيئة مناخ الحرية و تيسير سبل الديمقراطية و أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة – كونه المكلف بإدارة شئون البلاد – يؤمن إيماناً راسخاً بان حرية الإنسان و سيادة القانون و تدعيم المساواة و الديمقراطية التعددية و العدالة الاجتماعية هي أساس المشروعية لأي نظام حكم يقود البلاد في الفترة المقبلة ، فضلاً عن ان المواثيق الدولية و دساتيرالدول المختلفة العربية و الأجنبية قد عنيت على ترسيخ المفهوم الديمقراطي للنقابات ، و دورها في الضميرالعالمي و الوطني ، و تمهيد الطريق أمامها للنهوض بواجباتها في خدمة المجتمع ، و من ذلك ما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادربقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948 من أن : "  لكل شخص الحق في أن ينشئ و أن ينضم إلى نقابات حماية لمصلحته " ،  كما نصت المادة (22) من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية و السياسية على أن : "  لكل فرد حق في تكوين الجمعيات مع الآخرين بما في ذلك حق إنشاء النقابات و الانضمام إليها من أجل حماية مصالحه ، و لا يجوز ان يوضع من القيود على ممارسته هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون و تشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم ".

 

و على الهدي ذاته ، وردت الوثائق الدستورية في عديد من الدول على اختلاف نظمها السياسية و توجهاتها الاقتصادية ، و موروثاتها الثقافية ، مفاهيم و أحكاماً قاطعة الدلالة على أن حق تكوين النقابات على أسس ديمقراطية ، إنما هو من الأصول الدستورية التي لا مراء فيها .

 

و تأكيداً لما سبق قررت اللجنة المشتركة من لجنة القوى العاملة و هيئة مكتب اللجنة التشريعية بمجلس الشعب في تقريرها المعد عن مشروع قانون إنشاء النقابات العمالية ( ملحق مضبطة مجلس الشعب – الجلسة 34 بتاريخ 22/2/1976 أنه " اتضح لها أن المبادئ التي تحكم التنظيم النقابي ....... تتمثل في المبادئ الآتية :

 

أولاً – أن إنشاء النقابات العمالية و الاتحادات النقابية العمالية حق يكفله الدستور و القانون ........ .

 

ثانياً – أن تكوين النقابات العمالية و اتحاداتها يجب أن يقوم على الأساس الديمقراطي ، و يتفرع عن ذلك ما يلي :

(أ) حق العمال بدون تمييز في تكوين النقابات و الاتحادات التي يختارونها .... .

(ب) حق العمال دون تمييز في الانضمام إلى المنظمات النقابية و الانسحاب منها و حقهم في انتخاب ممثليهم فيها في حرية تامة .

(ج) .........

(هـ) .........

(و) يجب أن يكفل القانون منع كل صور التمييز التي تحد من حرية العمال النقابية ، و كل أحوال المساس بحقوقهم ......... .

 

و حيث إن حق العمال في تكوين تنظيمهم النقابي ، و كذلك حرية النقابات ذاتها في إدارتها لشئونها لا ينفصلان عن إنتهاجهما الديمقراطية أسلوباً و حيداً ينبسط على نشاطها و يكفل بناء تشكيلاتها وفق الإرادة الحرة للعمال المنضمين إليها ، و لا يجوز بوجه خاص إرهاق ذلك بقيود تعطل مباشرة النقابات لوظائفها ، و من ثم تنحل الحرية النقابية إلى قاعدة أولية في التنظيم النقابي تمنحها الدولة قيمة دستورية في ذاتها ، لتكفل لكل عامل حق الانضمام إلى المنظمة النقابية التي يطمئن إليها ، و في انتقاء واحدة أوأكثر من بينها ليكون عضواً فيها ، و كذلك في أن يعدل عن البقاء في أي منها منهياً عضويته بها ، أو أن ينعزل عنها جميعاً إذا شاء .

 

وحيث إن الحرية النقابية بمفهومها المتقدم لازمها أمران : أولهما – أن يكون الفوز داخل النقابة بمناصبها المختلفة – على تباين مستوياتها و أياً كان موقعها – مرتبطاً بالإرادة الحرة لأعضائها ، و بشرط أن يكون لكل عضو ٍ انضم إليها الفرص ذاتها التي يؤثر بها – متكافئاً في ذلك مع غيره – في تشكيل سياستها العامة و بناء مختلف تنظيماتها وفاءً بأهدافها و ضماناً لنهوضها بالشئون التي تقوم عليها .

 

 

ثانيهما – أن الحرية النقابية لا تعتبر مطلباً لفئة بذاتها داخل النقابة الواحدة ، ولا هي من امتيازاتها ، بل يتعين أن يكون العمل النقابى إسهاماً جماعياً لا يتمحض عن انتقاء حلول بذواتها تستقل الأقلية بتقديرها و تفرضها عنوة ، ذلك أن تعدد الآراء داخل النقابة الواحدة وتفاعلها ، إثراء لحرية النقاش فيها ، لتعكس قراراتها ما تتصوره القاعدة الأعرض من الناخبين فيها مبلوراً لأفكارهم ، و محدداً لمطالبهم ، إنفاذاً لإراداتهم من خلال أصواتهم التي لا يجوز تقييد فرص الإدلاء بها دون مقتضى و لا فرض الوصاية عليها .

 

و حيث إن حرية التعبير- و كلما كان نبضها فاعلاً و تأثيرها عريضاً – هي الطريق لبناء نظم ديمقراطية تتعدد معها مراكز اتخاذ القرار ، تتسم بتسامحها مع خصومها ، و مسئوليتها قبل مواطنيها ، و برفضها بكل قيد يخل بمصداقيتها ، و استجابتها بالاقناع لإرادة التغيير، و طرحها من خلال الحوار لبدائل يفاضلونها لاختيار أصلحها أياً كان مضمونها ، بما مؤداه ، أن الآراء على اختلافها لا يجوز إجهاضها ، و لا مصادرة أدواتها ، أو فصلها عن غاياتها ، ولو كان الآخرون لا يرضون بها ، أو يناهضونها ، أو يرونها منافية لقيم محدودة أهميتها يرجونها ، أو يحيطون ذيوعها بمخاطريدعونها ، و لا يكون لها من وضوحها و واقعها ما يبرر القول بوجودها .

 

و حيث إن حرية التعبير- في مضمونها الحق – تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم ، و حجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أعرض ، بما يحول دون تفاعلها و تصحيح بعضها البعض ، و يعطل تدفق الحقائق التي تتصل باتخاذ القرار ، و كذلك تشكيل روافد الشخصية الإنسانية التي لا يمكن تنميتها إلا في شكل من أشكال الاجتماع ، بل إن حرية القول و الصحافة و العقيدة و تقديم العرائض ، لا يمكن ضمانها ضماناً كافياً إلا عن طريق اجتماع تتكتل فيه الجهود للدفاع عن مصالح بذواتها ، يكون صونها لازماً لإثراء ملامح من الحياة يراد تطويرها اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً ، بما يكفل تنوع مظاهرها و اتساع دائرتها من خلال تعدد الآراء التي تطرح على مسرحها .

 

و حيث إن حق العمال في تكوين تنظيمهم النقابي ، فرع من حرية الاجتماع ، و أن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفاً إرادياً حراً لا تتداخل فيه الجهة الإدارية ، بل يستقل عنها ليظل بعيداً عن سيطرتها ، كما أن الحق  في التجمع سواء اعتبر حقاً مستقلاً عن غيره من الحقوق ، أم على تقدير أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلاً لأهم قنواتها محققاً من خلالها أهدافها ، يقوم على انضمام عدد من الأشخاص إلى بعضهم لتبادل وجهات النظر في شأن المسائل التي تعينهم ، بماد مؤداه أن الحق في التجمع – سواء كان حقاً أصيلاً أم تابعاً – أكثر ما يكون اتصالاً بحرية عرض الآراء و تداولها ، كلما أقام أشخاص يؤيدون موقفاً أواتجاهاً معنياً ، تجمعاً منظماً يحتويهم ، يوظفون فيه خبراتهم ، و يطرحون آمالهم و يعرضون فيه كذلك لمصاعبهم ،  يتناولون بالحوار ما يؤرقهم ، ليكون هذا التجمع نافذة يطلون منها على ما يعتمل في نفوسهم ، و صورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي ، إذا كان ذلك ، كان تكوين بنيان كل تجمع – سواء كان الغرض منه سياسياً أونقابياً أو مهنياً – لا يعدو أن يكون عملاً اختيارياً لايساق الداخلون فيه سوقاً ، و لا يمنعون من الخروج منه قهراً ، و كان هذا الحق في محتواه لايتمحض عن مجرد الاجتماع بين أشخاص متباعدين ينعزلون عن بعضهم البعض ، بل يرمي بالوسائل السلمية إلى أن يكون إطاراً يضمهم ، و يعبرون فيه عن مواقفهم و توجهاتهم ، فقد غدا متداخلاً مع حرية التعبير، و مكوناً لأحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية و الإجرائية التي يتطلبها الدستور، أو يكفلها القانون .

 

و حيث إن الاقتراع ، يعتبر كذلك صورة من صور التعبيرعن الآراء من خلال إدلاء من ينضمون إلى تنظيم معين – سواء كان شكل تجمعهم سياسياً أونقابياً – بأصواتهم التي يبلورون بها إرادة اختيارممثليهم ، فلا يكون لأيهم إلا صوت واحد ، متافئ مع غيره ، كافل الصفة التمثيلية للمنظمة التي ينتمون إليها ، مؤثر في تكوينها و طرائق عملها ، محدد رسالتها و القائمين على تنفيذها .

 

و حيث إن من المقرر أن حق المرشحين في الفوز بعضوية المجالس التي كفل الدستور و القانون صفتها التمثيلية ، لا ينفصل عن حق الناخبين في الإدلاء بأصواتهم لاختيار من يثقون فيه من بينهم ، إذ هما حقان مرتبطان يتبادلان التأثيرفيما بينهما ، و لا يجوز بالتبعية أن تفرض على مباشرة أيهما تلك القيود التي لا تتصل بتكامل العملية الانتخابية و ضمان مصداقيتها ، أو بما يكون كافلاً إنصافها ، و تدفق الحقائق الموضوعية المتعلقة بها ، بل يجب أن تتوافر بوجه عام أسس ضبطها ، بما يصون حريتها ، و من ثم فإن الشروط التي يفرضها المشرع محدداً على ضوئها – و دون أسس موضوعية – من يكون مقبولاً من المرشحين الذين يخوضون الحملة الانتخابية ، تنعكس سلباً على فرص تعبيرالناخبين عن رغباتهم من خلال أصواتهم ، فلا يكون لها فعاليتها في شأن اختيارمن يطمئنون إليهم ، و على الأخص في إطار نظم نقابية تتعدد حلقاتها ، و تتدرج مستوياتها ، و تكفل اتصال بعضها بما يصون ترابطها .

 

لما كان ما تقدم ، وكان النص المطعون عليه فيما تضمنه من اشتراط قضاء دورة نقابية سابقة بعضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية الأدنى للترشح للمنظمة النقابية الأعلى لايندرج تحت الشروط التي تطلبتها المادة (19) من قانون النقابات العمالية ، فيمن يكون عضواً بالمنظمة النقابية ، و كان حق العامل في مباشرة الحقوق التي تقتضيها ديمقراطية العمل النقابي – اقتراعاً و ترشيحاً – يرتبط أصلاً بشروط عضويته في المنظمة النقابية التي ينتمي إليها ، إذ يعتبر باستكمال هذه الشروط منتسباً إليها ، و مسهماً في مباشرة نشاطها ، و تحقيق أهدافها ، و كانت ديمقراطية العمل النقابي هي التي تطرح – بوسائلها و توجهاتها – نطاقاً للحماية يكفل للقوى العاملة مصالحها الرئيسية ، و يبلور إرادتها ، و ينفض عنها عوامل الجمود التي تعطل حيويتها ، و بها تستقل الحركة النقابية بذاتيتها و مناحي نشاطها ، و كان تعدد الآراء داخل كل منظمة نقابية و تفاعلها قاعدة لكل تنظيم ديمقراطي ، لا يقوم إلا بها ، و لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها ، و بدونها يفقد الحق في الاجتماع مغزاه ، و كان الشرط المطعون فيه يقيد من حرية تبادل الآراء ، و من فرص اختيارالعمال لمرشحيهم من دائرة أعرض ، و من الأسس الديمقراطية للعمل النقابي ، و يحيل حق الاجتماع عبثاً ، فإنه بذلك يكون مخالفاً لأحكام المواد (1 ، 4 ، 12 ، 16 ) من الإعلان الدستوري الصادرفي 30 مارس سنة 2011 .

 

وحيث إن الشرط الوارد بالنص المطعون عليه رددته التعليمات الخاصة بإجراءات ترشيح و انتخابات أعضاء مجالس إدارة المنظمات النقابية للدورة النقابية 2001 /2006 – الصادرة عن اللجنة المشتركة لتنظيم انتخابات تشكيلات المنظمات النقابية – في أكثر من موضع ، فإنه يتعين الحكم بسقوط ما ورد بهذه التعليمات في هذا الشأن.

 

فهذه الأساب

حكمت المحكمة بعدم دستورية عجز البند (د) من المادة (36) من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976 فيما نص عليه من أن : "  فإذا كان الترشيح للمنظمة النقابية الأعلى يشترط أن يكون قد أمضى دورة نقابية سابقة عضواً بمجلس إدارة المنظمة النقابية الأدنى " ، و بسقوط ما يقابله من أحكام واردة بالتعليمات الخاصة بإجراءات ترشيح و انتخابات أعضاء مجالس إدارة المنظمات النقابية للدورة النقابية 2001/2006 ، و ألزمت الحكومة المصروفات و مبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

 

أمين السر                                                             رئيس المحكمة

 

(   منشور في الجريدة الرسمية – العدد 10 ( مكرر ) – بتاريخ 13/3/2012 )

 

أشرف سعدالدين المحامي بالإسكندرية

المصدر: الجريدة الرسمية
lawing

أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية 0126128907

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 207 مشاهدة

ساحة النقاش

أشرف سعد الدين عبده - [email protected]

lawing
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,947,117

راسلنا على الاميل

نرحب بكل الزائرين للموقع ، و نتمنى لهم أن يجدوا ما ينفعهم و يحتاجون إليه ، و لمن أراد التواصل معنا أوالاستفسارأو تقديم الاقتراحات الخاصة بالموقع و محتوياته ، عفلى الرحب و السعة ، و ذلك على الاميل الخاص بالأستاذ / أشرف سعد الدين المحامي :
[email protected]