<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
في لحظة تأملية في نصوص قانون الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي و الإحالة للمحاكمة و إصدار حكم الإدانة، لاحظت – بعقلي العليل – اختلافاً في قوة دليل الإتهام المجيز لتلك الأمور، فأردت استبيانه رغم دقة الأمر و أردت طرحها ، أملاً أن يدلي أساتذتي الفضلاء بأفكارهم ، لتعم الفائدة ، و هاكم ما تبين لي من ملاحظات :
تنص المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه : ( يجوز لقاضي التحقيق ، بعد استجواب المتهم أو في حالة هربه ، إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ، و الدلائل كافية ، أن يصدر أمراً بحبس المتهم احتياطياً ..........).
و تنص المادة 214 من ذات القانون على أنه : ( إذا رأت النيابة العامة بعد التحقيق أن الواقعة جناية أو جنحة أومخالفة وأن الأدلة على المتهم كافية رفعت الدعوى إلى المحكمة المختصة ...........).
و تنص المادة 302 من ذات القانون على أنه : ( يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته ........) ، كما تنص الفقرة الثانية من المادة 304 من ذات القانون على أنه : ( أما إذا كانت الواقعة ثابتة و تكون فعلاً معاقباً عليها تقضي المحكمة بالعقوبة المقررة في القانون ).
و المستظهر من ذلك أن الحبس الاحتياطي يستوجب توافر( دلائل كافية ) على الواقعة ضد المتهم ، غير أن المشرع لم يفصح عن مراده بكلمة (دلائل ) ، و قد قيل – بوجه عام – أن الدلائل وقائع محددة ، ظاهرة و ملموسة ، يستنتج منها أن شخصاً معيناً هو مرتكب الجريمة ، و يترتب على ذلك أن مطلق الظن أو الشك لا يعد كذلك ، لأنه لا يستند إلى واقعة محددة تعززه ، و إنما هو مجرد حدس و رجم بالغيب ، و أما كونها كافية فذاك إذا كانت على درجة من القوة يصح معها في الأفهام اسناد جريمة معينة إلى شخص معين ( د/ عوض محمد عوض – شرح قانون الإجراءات الجنائية – طبعة 1990 – الجزء الأول ص 347 ، 348 ) .
و قيل في خصوص الحبس الاحتياطي أنه لما كان الواجب حماية الحرية الفردية و رفع كل حجر عليها إن وجد ثمة شك في اسناد الجريمة للمتهم و احتمال براءته فيها ، و لن تضار العدالة بتقديمه للمحاكمة مفرجاً عنه ، فإنه ينبغي أن تكون الأدلة القائمة قبل المتهم مما تجعل إدانته كبيرة الاحتمال، و لهذا يتعين بحث ما إذا كانت الدلائل تقوم على أساس سليم أم أنها مجرد ظنون و استنتاجات أحاطت بالمتهم و أوصلته لموقف الأتهام ، فلا يجوز للمحقق أن يصدر أمراً بالحبس الاحتياطي لمجرد شعوره بأن المتهم الماثل أمامه هو المرتكب للجريمة و إن أعوزه الدليل ، و إلا لأصبح الحبس الاحتياطي نوعاً من العقاب يوقع بغير سند من القانون ( د/ حسن صادق المرصفاوي – أصول الإجراءات الجنائية 1996 – ص 424 ، 425 ) .
و يستخلص من ذلك ضرورة توافر اقتناع كاف لدى المحقق بدرجة معينة بنسبة الواقعة إلى المتهم ، و الدرجة المعينة هنا يجب أن تعبر عن وقائع معينة تعزز الإعتقاد بذلك ، و المهم في ذلك ألا تكون مجرد ظنون أو تخمينات ، و إلا فالحرية الفردية تقف حينئذ للحبس الاحتياطي بالمرصاد .
أما الإحالة للمحاكمة فقد اشترط المشرع لها وجود ( أدلة كافية ) على المتهم ، أي أن الأمر أصبح يحتاج إلى درجة اقتناع أعلى بنسبة الواقعة إلى المتهم عنها في حالة الحبس الاحتياطي ، فالإحالة تفترض أن الآمر بها توافر لديه الإقتناع بوقوع الجريمة و نسبتها إلى المتهم و كذلك استحقاقه للعقاب بناء على الأدلة التي اجتمعت لديه ، فهي ليست مجرد دلائل ، بل ارتقى بها المشرع إلى كونها أدلة ، و تلك الدرجة الأعلى من الإقتناع تبررها أن الآمر بالإحالة قد استوفى تحقيقاته في الواقعة بكل السبل و الإجراءات المتاحة له قانوناً وصولاً لمدى ارتكاب المتهم للواقعة من عدمه ، أم الحبس الاحتياطي فإنه يصدر غالباً قبل استيفاء كامل إجراءات التحقيق و قبل تكوين كامل عقيدته في الواقعة و ثبوتها و نسبتها إلى المتهم .
أما حكم الإدانة ، فيصد ربناء على العقيدة التي تكونت لدى القاضي بكامل حريته ، شريطة أن تكون الواقعة ثابتة ، أي أن الأمر يستلزم أن يكون ثبوت اسناد الفعل للمتهم مؤكداً ، بمعنى أن درجة الإقتناع – أياً كان مصدرها من الأدلة أو الدلائل أو القرائن أو غير ذلك – يجب أن تصل لدرجة الجزم و اليقين لا على الظن و الاحتمال و التخمين ، فهي إذاً أعلى منها في الإحالة للمحاكمة و الحبس الاحتياطي .
والمستفاد من ذلك أن فرقاً جوهرياً بين الإحالة للمحاكمة و بين القضاء بالإدانة ينبغي التنبه له ، " فدرجة الإقتناع الكافي للأمر بالإحالة تختلف عن درجة الإقتناع اللازم للقضا ء بالإدانة ، فالحكم بالإدانة لا يبنى إلا على الجزم و اليقين ، أما الأمر بالإحالة فيجزي فيه الاعتقاد برجحان الإدانة ، و لهذا قيل أن الشك في أثناء المحاكمة يفسر لمصلحة المتهم ، أما عند التصرف في التحقيق فيفسر ضد مصلحته ".( د/ عوض محمد عوض – المرجع السابق ص 584 ).
أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية
0126128907
ساحة النقاش