الدولة العربية بين نبل الدم وحق المواطنة
****************************
في أي عصر نعيش نحن العرب ؟ ربما قد يتبادر للمرء لأول وهلة أنه مجرد سؤال فائض عن حاجة الأسئلة .لكن القارئ لتاريخ بناء الدولة ،سيتبادر الى ذهنه تلك المقارنة الغريبة بين ،البحث الأولي لبناء الدولة ونشأتها ،وبين ما نعيشها راهنا وحالا في الدول العربية .
من هنا نجد ان ما يجري في عدد من الدول العربية كليبيا واليمن وسوريا ؛هو خارج منطق العصر ،ولا يمث للحداثة التي أزكموا آذاننا بها أكثر من نصف قرن .ومعلوم ان الحداثة في الغرب ؛هي مفهوم كلي مس جميع قطاعات الحياة وشريانها ،بينما هنا في العالم العربي ،فهي حاولت أن تجد لها متنفسا في الفن ،بكل مظاهره ،دون أن ترقى الى أشكال الحياة الأخرى ، كالسياسة والعلم والتقنية ،....الخ.
ومن ثمة بقي جوهر الدولة العربية تقليديا الى أقصى الدرجات ،ولا أحد من المثقفين الذين كانوا يطبلون لحداثة الدولة ،يستطيع الآن ان يخرج أمام الملأ ليدافع عن حداثة الدولة الموهومة . فالواقع لا يرتفع امام أحداثه المتوالية من الماء الى الماء . وليس هناك أي مثقف يسمح لغبائه أن يطفو على شاشات التلفزيون ليمنطق الرداءة التي أبانت عنها الدولة العربية .فقد أبانت بالملموس على أنها تفتقد لأدنى مقومات الديمقراطية ،ولا تؤمن بالحداثة الا كخطاب تعبوي للاستهلاك السوقي .فالدولة هي التي تفكر للشعب وهي التي ترى ما يصلح له من انظمة الحكم ،ومن قوانين ،وكيفية تطبيقها ؛الى درجة ،أنها قد تحكم ضد تلك القوانين التي اقرتها .وتخرق الدستور بشكل مفضوح ،دون أن يرف لها جفن .فمن خلال سلطة الحق التي تمتلكها ،تستطيع تنفيذ ما تراه صالحا لها ،دونما اهتمام بمدى خرقها للقوانين التي تدعي حراستها ،حتى وان كان خرقا وضد أدنى قواعد الأعراف الانسانية .هنا تصبح الدولة كقطعة مغناطيس ،تجتذب اليها كل المواد المعدنية ؛حتى تلك القطع النقدية المسروقة والمزورة ،والقديمة العديمة القيمة .
وهذا راجع لكون الطبقة الحاكمة تعتمد منهجا "أوليغارشيا"-حكم الأعيان- أو"تيموقراطيا"-حكم الأغنياء- ؛ولا يهمها في شيئ تطبيق القوانين ،وتفعيل الدساتير ،بقدر ما يهمها الحفاظ على مناصبها وامتيازاتها .وهي اذ توظف مقولة الديمقراطية ،فانها توظفها كجميع السلع الاستهلاكية المستوردة ؛كتعبير عن واجهة حداثية .دون تفعيل او تطبيق الديمقراطية وتحديث المجتمع .أو العمل على ترقيته .
اننا بعبارة أخرى، نعيش بشكل مفضوح عقيدة -نبل الدم- أو عقيدة -النسب الشريف -أو الانتساب الراقي، أو سمه ماشئت ،من المفاهيم والمصطلحات العنصرية .كما ان العلاقات الدولية السائدة يحكمها منطق المصلحة .فلا يهم الدول الأخرى تصدير القيم الانسانية الراقية ،وتعميمها بين بني البشر ؛غير أنها قد تلوح بها اذا ما تعارضت مصالحها مع دولة قمعية ما .
ان عقيدة نبل الدم تعطي الحق لقلة من المستأثرين بالسلطة ،للاستفراد بكل شيئ ،من وضع الدستور ،وتنصيب الحاكم ،وتنضيض ممثلي الشعب ،الى جباية الضرائب ،والتفكير عوضا عنك .مع استعمال أشد أنواع العنف ،بطشا وتنكيلا ،فالمهم كما يقول -لاسكي-:"هو اخضاع المعارضين ،تحطيم ارادتهم ،اجبارهم على القبول "،والأهم ،والغاية من ذلك هو الحفاظ على مناصبهم وامتيازاتهم .ان التفكير الأحادي في قيادة الجماعة ،أو تفكير القطب في قيادة المريدين ،هو نفس منطق السجان الذي يعلب جماعة من الناس داخل زنزانة محكمة الاقفال .يقرر لوحده متى يفتحها ،ومتى يعيد اغلاقها .ان سخرية العلاقات الانسانية ،أنها تتجاور بفضل مكر اللغة ومكر الواقع المجازيين .
فأصبح نهب الأموال العامة ؛أي ممتلكات الشعب أمر عادي ،يدخل ضمن نمطية العرف والعادة أو التقليد ؛أي أنه تحول الى ممارسة طبيعية ،كالقاء التحية مثلا . الى درجة أن انشاء جمعيات لحماية المال العام والممتلكات العامة ؛أصبح لايمثل الا اكسسوارا ديمقراطيا ،وديكورا عصريا يقتضيه منطق العصر والمرحلة الحداثية زيفا. بل ان محاكمة من يفضح ناهبي المال العام والممتلكات العامة غدا حقا مقدسا للدولة ،وهوخرق سافر لأبجديات الديمقراطية .ولقواعد القانون الوضعي والمواثيق السماوية .فأي شكل دولتي هذا ؟أليست أوليغارشيا بدائية ،وتيموقراطية بائدة ؟....يتبع
ساحة النقاش