قصة قصيرة..
********
شاعر بالقوة..
*********
بعد ان أكمل الضغط على ربطة العنق ،ووجهه موجه الى المرآة الصقيلة ،رش على هندامه الأنيق بعض قطرات العطر الفرنسي ،نظر الى زجاجة العطر ،قرأ علامتها التجارية وهو يبتسم "فيشي" ...تأمل وقفته جيدا من خلال المرآة الصقيلة ،وبالنظر مباشرة الى الهندام ،ثم ابتسم في الهواء .أخرج من الجيب الأيمن بعض الأوراق المالية ،عدها ،ثم دسها في الجيب الأيسر،مد يده الى كتاب في الخزانة الصغيرة المركونة الى جانب خزانة الملابس ،أخذه ،وتأكد من الكناش الموضوع في الجيب الداخلي للسترة، وانطلق ،وهو في يرتب في ذهنه كل الخطوات التي سيقوم بها اليوم .
سيذهب الى النادي ،ويتوجه مباشرة الى نفس الطاولة التي اعتاد هو وشلته الجلوس فيها،لأنه بحدس الباحثين عن العلامات الدالة ،لايستطيع فراق هذه الطاولة .فجميع رواد هذالنادي يعرفون أنه لا يحب الجلوس الا على كراسيها وان غيرها النادلون .المهم هو موقع الطاولة . خاصة وأن موقعها جاء على مدخل النادي ،مما يجعل الجالس في هذا الموقع كأصحاب الأفراح والجنائز الذين سارت العادة ان يستقبلوا الناس عند مدخل المنزل ،ليسلم عليهم كل المدعوين ،ويمروا عليهم .
سوف يجلس كعادته وحيدا ،بعد أن يلقي التحايا على من وجد في النادي في هذه الساعة الأولى من النهار ،ويضع كتابا لم يحدد الهدف من اختياره قبل أن يأخذه من خزانته الصغيرة .أخرج الكناش من جيب سترته ،ووضعه الى جانب الكتاب ،ثم رمى بقلمين فوق الطاولة .
عدل كرسيه بحيث جعله مواجها للممر المؤدي الى الساحة الرئيسية للنادي ،وقبالة باقي الطاولات .ألقى نظرة استطلاعية على جميع الموجودين ،وعلى الطاولات الفارغة ،أمسك الكتاب ،فتح دفته وراح يقرأ،لم يكمل الصفحة الأولى حتى طوى الكتاب ،وأخذ الكناش والقلم وبدأ يكتب وعيناه تسترقان النظر الى باقي الوجوه التي كانت غير عابئة بوجوده .يتوقف كمن يصطاد فكرة تنقر صنارة القصبة المدلاة في بركة الأفكار.يصطنع الـتأمل،وربما سياحة من طراز آخر..لم يتعود عليها الكتاب ممن سبقوه .
أقبل صديقاه مصطفى وجمال ،ألقيا التحية عليه ،لم يرد عليهما التحية ،بل استمر في البحث عن ضالته ،ربما كانت أقرب اليه قبل ان يأتي صديقاه .لذلك عنفهما قائلا :
-ألا تستطيعان الانتظار قليلا الى ان اكمل كتابة أفكاري..لقد كانت قصيدة جميلة، كنت سأهز بها عرش الشعر وأعتليه..لقد اضعتما علي فرصة العمر...
ضحك صديقاه وعالجه مصطفى قائلا:
-منذ ان عرفناك وانت تقول نفس العبارة...لماذا لاتجلس في المنزل وحدك..وتمارس فتوحاتك الشعرية..أو تكتري النادي ليوم واحد ..لا يدخل عليك فيه احد ..وتكتب قصيدتك التي تجعلك أميرا آخر للشعر العربي...خصوصا وأن الساحة فارغة اليوم..عن اذنك ..لقد اضجرتنا بخرافة شعرك..هل تسمي هذه الكلمات المرصوصة فوق بعضها شعرا...؟
ساحة النقاش