المثقف العربي والانسان العربي
**********************
المثقف العربي اليوم ،هو في ورطة الانكشاف أمام الحقيقة الاجتماعية ،وأمام الانسان العربي الطامح الى ثقافة جديدة ،ثقافة تحمل بذور البناء عوض معاول الهدم التي استقرت في الساحة العربية ،أزيد من عقدين .
فالمثقف الآن اما أن يكون أو لايكون .اذ لاينفع ان تكون مثقفا وعقلك محصور فيك ، وفكرك مشدود اليك .فهذا التسطيح الفج لمفهوم المثقف ؛هو المسؤول الأول عن الوضع الثقافي للراهن العربي .
ولعل تحولات الانسان العربي التي أحدثتها الثورات العربية ،جعلته يستفيق من كبوته وغفلته .وتستفز فيه شغف المشاركة في صنع راهنه وآنيته ،قبل حاضره .ولا غرابة ان يخرج الينا القارئ العربي متسائلا ؛ماذا تكتبون ؟ ولمن تكتبون ؟ ولأجل ماذا تكتبون ؟
وهي اسئلة مشروعة وبدهية في ظل السقوف الضحلة التي تنكتب فيها صورة وطموح واسئلة الانسان العربي .ان العالم العربي لم يتغير بفضل الكتابة ومحمولها ؛كما حدث في اوروبا فكر الأنوار ؛أو في حضارة العالم الاسلامي الأولى والأخيرة .أو حين اكتشف الانسان لأول مرة طرق التعبير عن ذاته وعن محيطه ،وعن احلامه وهواجسه .وهو لم يتغير عن طريق صيرورة التطور الصناعي ،كما حدث مع أوروبا الثورة الصناعية .كما أنه لم يتغير من منطق التطورات التقنية والاقتصادية الهائلة ،كما حدث مع البقظة الأمريكية .أيضا لم يتغير بفضل التأمل الطويل في أسباب نهوض الأمم ،كما حصل في اليقظة الصينية والهندية .
اذن تغيره منشأه مختلف تماما ؛تغيره نابع من بحثه عن كرامة الانسان ؛في وقت أصبحت الحرية مطلبا أمميا بأعلى الأصوات .فهل يمكن التساؤل ،وهل هذه ولادة جديدة للانسان العربي ؟هل هو انبعاث آخر للأمة العربية ؟ أم هو تغيير لجلد مفهوم الانسان ؟
ليس للسؤال حد ،كي يسهل علينا الاجابة عنه . كما هو دأبنا دائما ؛ ايجاد الأجوبة ،وطمسها في وثوقية قاتلة .ان السؤال هنا انفتاحي ،تأملي .وهو اذ يقف عند الراهن ،ليفككه الى أبعاده الثلاثية المعتادة -ماض ،حاضر ،مستقبل-مضافا اليها راهن ،ليس كحاضر .فالراهن أكثر حميمية و أكثر ذاتية .وهذا ما تغافل عنه المفكرون العرب وربما الغربيون ،باستثناء جيل دولوز .
المفكر العربي الحديث راح يعقد مقارنات بين الهوية ،والاهوية ،بين الذات الجماعية والآخر .وغفل عن أس السؤال ،هو الذات الفردية ،الا من نذف أولية بسيطة ،كما نجدها عند عبد العزيز الحبابي من المغرب وعند فؤاد زكريا من مصر ،وهي ارهاصات لم ترق الى مستوى القراءة العميقة ،ولم تنتج نظرية مستقلة أو مقولات متماسكة وثابتة .
ان الانسان العربي منصهر بصورة مشوهة في الذات الجماعية ،بالقوة والضرورة ،ومنبوذ كفرد ،أو كجماعة صغيرة ،بالفعل وبالصيرورة ؛الى درجة أنه يعجز عن ادراك نفسه وذاته ؛كذات مستقلة كل الاستقلال عما سواه .بحجة الانتماء او الانتساب .في حين لو بحثنا عن ألياف هذا الانتماء ؛نجده منبوذا ،لايربطه رابط بأي قيمة مثلى ،قد تحيل الى انتساب دال ،والى انتماء ذي حمولة وجودية .
وهنا تنثال المقولات الكبرى كأضحوكة ،ليس الا ؛لضحالة المحال اليه "الانسان العربي ""الوطن العربي" المستقبل العربي "الديمقراطية العربية ".....الخ. فالعالم العربي وجد نفسه مشدودا الى نجوم تضيئ أكوانا أخرى .ولم يستطع الفكر العربي أن يؤسس استرتيجية ذات بعد ذاتي يهتم براهن وحاضر ومستقبل الأمة العربية ،انطلاقا من أساسيات القراءة المثمرة .وهي دعوات تجدها في كل كتاباتنا منذ أيام طه حسين ورفاعة الطهطاوي ،بل وقبلهما .لكنه دائما بقي في حدود تعيين ما يجب فعله دون فعل هذا المايجب .لتبقى درجة حرارةالفكر العربي في مستوى دون الصفر ...يتبع
ساحة النقاش