المثقف العربي والانسان العربي
*********************
تابع: الشرط الثقافي -اللغة-
******************
هل نحن أمة فاعلة ؟بلهى متفاعلة ؟بالطبع الجواب بالنفي ؟فالأمة التي لم تع مدى ما أحدثته من تغييرات على المستوى الدولي ،وما سببته من رجات على المستوى الاقتصادي والمالي ، ومن تحويلات على المستوى النفسي ،والاجتماعي .أمة غبر فاعلة .والأساس في هذا ناتج عن انعدام وضوح اللغة ،عن اللا تواصل البيني ؛بين اعضاء وأفراد ومؤسسات الأمة .
كان الأستاذ سمير أمين ،وهويستعرض أسباب تخلف التنمية في الوطن العربي قد أشار عرضيا الى " أن مفهوم التنمية ضبابي وعام ويجر معه جميع التباسات اللغة الدارجة " ؛ربما لأن الدكتور سمير أمين ،قد لاحظ عن جد وبحدس الباحث الرزين المتفاعل أن اللغة تمثل بؤرة أي تنمية كيفما كانت اقتصادية او ثقافية أو علمية.
ان الشرط الثقافي الأول ،تأسيسا على ما سبق ؛وهواللغة يعيش مأزقة كبرى .وأساس هذه المأزقة ؛هو صفوة الأمة ،-الانتلجنسيا-التي لم تقم بدورها المنوط بها ،وارتهنت لظروف ،أبدا متغيرة ،وباعت نفسها للسلطة الغبية .سلطة مراكمة الامتيازات المادية ،وتأبيد ركائز الحكم المرحلية .عوض تأسيس رموز تحفيزية وقادرة على شحن قدرات البناء وترسيخ قيم الحضارة الراقية .فكيف لهذه النخبة ولهذه الصفوة أن تنهض فجأة لتمد الجسور بينها وبين الشعوب ؟.وتوضح لها اشكالات النهضة ،وتمدها بمفاتيحها ،وتفرش لها اسباب الحضارة .بعد هذا الشرخ الهائل الذي راكمته ؛بانحرافها عن وظيفتها الأساسية ،وهي حراسة المثل العليا ،وترسيخ المبادئ الكلية ،وترقية العقول ،لتأسيس مواطن قادر على التشبع بمواطنته ومشاركة المثقف أدواره ووظائفه .
وهنا الزلة الكبرى ،حيث المثقف يفقد جوهره ،بانحرافه عن وظيفته التنويرية ،والتخندق الأعمى في خندق السلطة ،ونبذ عشيرته المثقفة ،الى درجة أنك بت تلاحظ قبائل ثقافية لا جسر يربط بينها غير جسر قرع الطبول .فأصبحت الحرية مثلا ؛وهي الشرط المعطى سلفا للانسان ،تحمل مداليل ،حسب عدد القبائل الثقافية التي تروم تعريفها .واذا أقر أحد ما معك ، بعدها المجرد والكوني ،حرمك من ممارسته في الواقع .انه نفس المثقف .
وهكذا هو الأمر مع جميع المقولات التأسيسية للشرط الانساني .مرد ذلك هو المأزق الذي تعيشه لغتنا كأداة للتواصل .فالحاكم مثلا ،لنكون أكثر قربا والتصاقا بالواقع ،يعد ويتعهد بالقيام باصلاحات ،وبتغييرات عميقة ،لكنك سرعان ما تراه يخلف وعده ،وكأنه تكلم بغير اللغة التي سمعناها .ويأتي المثقفق والفاعل السياسي ،ليعطي أبعادا لخطاب الحاكم ،ويحيل على خطاب كلغة تجاوزت محطاتها ،لينخرط في تأويل أحلام اليقظة ،كالمشعوذ الذي يلعب بمشاعرك من خلال كلامك وعواطفك ،بعد أن يقرأ قسمات وجهك .
فالحاكم يخطب وفي ذهنه تهدئة الخواطر،وكسب الوقت ،والسياسي والمثقف يكتب ويفسر وفي ذهنه خدمة مصلحة شخصية بخدمة الحاكم ،والشعب يسمع وينتظر وفي ذهنه تحقق ما سمعه وما ينتظره .وهنا ترتسم خريطة متناثرة وممزقة بين اللغة وما تحيل اليه .وتنشأ أسوار بين الكلمات ومعانيها ،وتفقد بالتالي اللغة خاصيتها وجوهرها لتصبح آلية فارغة من كل الدوال ومن كل أبعاد التواصل .بل تصبح وهذا هو الأخطر أداة لترسيخ التمايز واللاتواصل بين طبقات المجتمع الواحد .
وبينما يظل الواقع محتفظا على حالة تعميق الشروخات والانفصامات ،فخطاب الحاكم لا يستطيع خرق زمنية انخطابه ،وشروحات وتفسيرات المثقف والسياسي ،لا تبرح خرقها البالية .يظل المواطن في تمزق نفسي واجتماعي لا يزيده الا احباطا وتخلفا .فمن أين نبدا نهضتنا ،وبأي أداة نبني حضارتنا ، اذا كان أس الأساسات منعدم فينا وبيننا ؟ وهواللغة . ذلك أن فهم التحولات السياسية والمتغيرات الاستراتيجية ،والتذبذبات الاقتصادية والمالية ،يفترض امتلاك لغة للتعبير عنها ،لغة تحيل الى ثقافة موحدة في مجتمع موحد .والوحدة هنا نعني بها وحدة التنوع ،وتنوع الوحدة ،فهل نمتلك هذا البعد راهنا ؟ومهما كان الجواب ،فانه علينا ان نطرح سؤالا آخر .لماذا ؟.
فحالة التفكك والاذلال التي عاشتها الأمة العربية قبل ثوراتها الانسانية ،كانت مستساغة ،تسعفها لغة متشرذمة عادمة ،لا قواعد حضارية تواصلية تشدها الى واقع هو في الأساس مترهل .اذن فالوضع كان يمكن تفهمه من رؤية واقعية متساهلة ومتسامحة .لكنه غير مقبول من رؤية ثقافية حضارية ،فنحن كيفما كان الحال وكيفما فرضت علينا صيرورة التاريخ أوضاعا معينة ،نظل امة حية ،موجودة وقائمة .ولها تاريخ تستند عليه ،وحاضر تمتح منه أسباب تمكنها وفروع امتدادها .
ان الأمة العربية التي كانت مستهدفة بتواطؤ مكشوف من أنظمتها ،ومن كثير من مثقفيها ،أكدت بالملموس وبقوة أنها مهابة الجانب ،ويضرب لها ألف حساب ،اذا تحركت شعوبها وفعلت مفهوم الديمقراطية وسادت فيها مبادئ العدالة الانسانية وعبرت بشفافية عن طموحاتها وارادتها في الوجود .وهذا لن يتاتى الا اذا توحدت اللغة ،وعادت الى وظيفتها الأساسية وهي التواصل .
عدد زيارات الموقع
2,155
ساحة النقاش