« يستطيع أيّ إنسان أن يبدّل رأسه .الثمن ليس باهضاً والنتائج مبهرة . أسرعوا العرض محدود, من لم يبدّل رأسه اليوم فلن يجد له رأساً غداً».
إنّه مجرد إعلان, إعلان مدجج بالمؤثرات، وغير موثوق في صحته، تطلّ في نهايته مذيعة شقراء بنهدين ضخمين, وسرّة مكشوفة, وهي تمضغ كلماتها :»ليس في الأمر خدعة, عليكم أن تجربوا. فقط اتصلوا بنا على الرقم (...................)أو ابعثوا برسالة نصية قصيرة على الرقم المرادف لاسم بلدكم «.
} } } }
طبعاً لم تصدقوا هذا الإعلان. أنا أيضاً لم أصدقه. صحيح أنّ أموراً غريبة صارت تحدث لرؤوس الناس فتتعطل وتتحول إلى خردة، ولكنّي لم أرَ أو أسمع أن أحداً ذهب لاستبدالها ..
قبل أيام؛ عندما كنت أمشي في باحة الجامعة أوقفتني طالبة جامعية ـ رأسها تزدحم بعلب الماكياج وأرقام هواتف العشاق ـ وأعطتني منشوراً توقَّعت أن يكون سياسياً أو ما شابهه, لكنّي صُعقت عندما فتحته و به ذات الإعلان .
} } } }
صباح أمس اقتحمت الشمس نوافذ غرفتي، ولم يكن النوم قد وجد طريقه إلى عيني المتعبتين، لم أكن مهموماً وحسب, بل محاصرًا بوساوسي البوليسية، كلما أغمضت جفنيّ أجد نفسي تائهاً خائفاً، أجري بلا هوادة في شوارع قذرة؛ تطاردني سيارات وجنود موتورون.. أقدِّم لهم هويتي المدعّمة بوجهي البلاستيكي فلا يقبلونها، ويُلقون بي في سجن خرافي .
امتلأت رأسي بالأفكار المتباينة، صرت أشعر بها تتدلى من أعلى فكرة شاهقة، وتسقط في الفراغ.. وتضيع .
} } } }
- هذا بداية التلف .
قالت لي صديقة متشاعرة تكتب برموش عينيها، وأردفت :
- أنا أيضاً صرت أرى كائنات غريبة ومخيفة تخرج من أفلام سينمائية ركيكة وتهاجمني محاولة اقتلاع نهديَّ.
مع أنّي لا أدري لماذا نهداها بالتحديد لكنّي أُبدي أسفي محذراً لها من تفاقم الوضع.
} } } }
أصدقائي بدا عليهم الانزعاج، وسادت بينهم الفوضى وهم يتناقشون :
- هذا هراء .. إنّه مجرد هراء.
- يقولون إنّها تُصنع من عظام حيوانات نافقة .
- ربما تكون مفخخة .
- ربما تكون رؤوساً نووية فتجلب لنا الدمار.
- ربما ..
} } } }
قال لي أستاذي في الجامعة مهدئاً من روعي:
- إنّها عملية استنساخ لا أكثر، يتم بعدها استبدال الرأس القديمة برأس جديدة لا تختلف عنها بشيء، لكنّها تخلو من الوساوس، والأفكار السوداء، .. والسياسة .
- السياسة ؟!
- نعم .. إنّها الأشد إتلافاً للعقول.
} } } }
أتذكر صديقاً لي مغرماً بالسياسة كان دائم الشكوى :
- الفئران تسكن في رأسي ولا تدعني أنام .
الأدهى من ذلك أنّه مقتنع- تماماً- أن أحدهم زرعها في رأسه - عنوة- لتنال من أفكاره العظيمة، فتتصدع أو تنهار كما انهار سدّ مأرب !!
} } } }
اليوم تأكد لي أنّ الحياة بتعقيداتها ومؤثراتها أصابت رؤوس الناس بالتلف، وبات من الاعتيادي أن نسمع الناس يحكون لبعضهم البعض ما يحدث :
- أحسّ برأسي تتحول إلى ملعب لكرة القدم!
- سفن القراصنة تتعارك في رأسي !
- رأسي لم تعد تحتمل التجارب النووية !
- هناك تسرب للنفط من جمجمتي !
- تجتمع النقابات العمالية في رأسي !
- ما شأني بالمسلسلات المد بلجة؟!
- رأسي تمتلئ بالوحل!
- رأسي تكاد تنفجر!
- رأسي ...............................
} } } }
ربّما بعد حين- وعند ناصية كلّ شارع - سيتم بناء مؤسسة جديدة؛ لاستبدال الرؤوس التالفة.. سيكون الزحام على أشده، والناس يتهافتون من كل صوب. يأتون برؤوس أكلها الصدأ، ويعودون برؤوس جديدة تومض بالأفكار .