عبد المجيد متولى
كتب حسن مجدى تصوير سامى وهيب
مذاكرة 6 أيام فى الأسبوع، وفى يوم الامتحان تملأ وعاء بالماء ثم ترفع الكتب فوق الوعاء وتبدأ فى هز الوعاء حتى تسقط المعلومات فى الماء، ثم تقول بسم الله الرحمن الرحيم وتشرب المياه.
هذه التعويذة هى التعويذة المزيفة التى أعطاها عبد المجيد متولى، الشاب الريفى الذى تطوع فى الجيش عام 87، لزملائه الأمريكيين أثناء تدريبهم بمركز "شانوت" "Chanute" فى شيكاغو، والذى تدربوا فيه على إنقاذ الطيارين من الهجمات النووية، بعد أن تحول الشاب الذى أتى من العالم الثالث عام 1991 من مادة للسخرية إلى أول من يحصل على درجة 100% على مدار ثلاثة امتحانات على التوالى ويتحول إلى حديث المعهد ويصر زملائه على أن هناك تعويذة سحرية أتى بها الشاب وقتها من بلاد الشرق حتى يستطيع أن يحصل على هذه الدرجات.
تعويذه عبد المجيد الحقيقية كانت توليفة من الذكاء والإصرار والعمل، استطاعت أن تضمن له أن الحصول على المركز الأول بداية من كورس اللغة الإنجليزية البسيط الذى دخلة فى مصر حتى تأهل إلى السفر للولايات المتحدة الأمريكية ليدرس العمل على الطائرات الحربية، ولكنها على أرض الواقع بين جنبات أم الدنيا ضمنت له أيضا أن يكون على أرصفة الشوارع لعامين كاملين يطالب بالعودة إلى عمله الذى خرج منه على المعاش وهو مازال فى عامة الأربعين دون إبداء أى أسباب.
حكاية عبد المجيد من الوصول إلى أن يصبح الأجنبى الوحيد الذى يدخل اسمه فى لوحة شرف مركز شانوت الأمريكى للطيران بعد أن حصل على المركز الأول فيه على مر تاريخه مثلما حكى لنا هو وطابور الشهادات الطويل الذى رصه أمامه، وحتى تمت إحالته إلى المعاش والنوم عامين فى جناين أم الدنيا بعيدا عن منزلة فى المنوفية، للمطالبة بحقوقه بدأت بصدفة بحتة حينما ذهب أصدقاؤه للطوع فى الجيش وقرروا دون سابق إنذار أن يصطحبوه معهم لتبدأ قصة التحاقه بالجيش.
الشاب الذى نشأ فى قرية بركة السبع بالمنوفية دخل إلى الجيش ولا يملك فى يده سوى شهادة الثانوى الصناعى وبعض الإصرار والأمل فى الوقت الذى كانت تتحول فيه مصر من استيراد السلاح من روسيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتبدأ فى إنشاء مجموعة من المطارات الحربية التى ستدخل لها طائرات الولايات المتحدة وكان هو أحد أعضاء المطار الثالث الذى كان بعنوان متجه السلام 3.
كورس بسيط فى اللغة الإنجليزية كان بداية الرحلة حين حصل فيه على 100% ليتأهل على الفور إلى منحة القوات المسلحة التى كانت مدتها 6 أشهر ويظل بها شهرين فقط ويقول "وقتها كتبوا لى أنى من مستوى المدرسين وحولنى لأمتحن بعد شهرين بس وجيبت 92%، ليتم اختيارى فى منحة إلى الولايات المتحدة".
ويقول عبد الوهاب ذهبت للولايات المتحدة لأدخل عالم الطائرات F16 التى كانت هى الأبرز فى العالم فى هذا الوقت وبدأت التدريب فى مصنع General Dynamics والذى كان أحد المصانع المسئولة عن تصنيع هذه الطائرة ومجموعة أخرى من الطائرات وحصلت على 100% أيضا وكنت الأول على مجموعة كبيرة من الجنسيات وحصلت على شهادة MIDAS وتأهلت إلى المكان الأكبر وهو مركز شانوت.
القهر كان إحساس عبد الوهاب بمجرد الدخول إلى شانوت "فجأة حسيت أنهم كلهم بيبصوا ليا على أنى أقل منهم وغبى بس عشان أنا من الشرق الأوسط" ولكن هذا الإحساس لم يستمر سوى أيام قليلة "قررت أنى لازم أكسبهم كلهم وبقيت أنام ساعتين بس فى اليوم والباقى مذاكرة لحد ما بقيت أول واحد يجيب 99% فى تاريخ المعهد".
عبد الوهاب عاد إلى القاهرة بعد أن حفر اسمه على رأس لوحة الشرف بالولايات المتحدة لتبدأ رحلة من الحفاوة والشهادات التقديرية لم تستمر كثيرا ويحكى "بعد ما تفوقت فى مجالات عديدة انتقلت إلى قسم الجودة وكنت أنا الفنى الوحيد إللى موجود فى القسم الذى لم يكن يدخله غير المهندسين".
ويكمل عبد الوهاب: بدأت أشتغل وكنت دايما بحاول أتعلم كل التخصصات إللى فى الطيارة لحد ما بقيت ملم بمعظمها لحد ما فجأة لقيت نفسى بتنقل من مكان لمكان بدون سبب غير محاولتى للتفوق حتى فوجئت بأنهم يسلمونى شهادة المعاش مصحوبة بكلمة "مبروك".
أكثر من 90 ألف جنيه هى قيمة المعاش وفرصة للعمل فى شركات الطيران الخاصة بمبالغ طائلة كانت هى سبب كلمة مبروك التى قالها القائد للملازم عبد الوهاب الذى لم يكن يملك وقتها سوى مرتبة الحكومى، ولكن هى الكلمة التى رفضها الرجل ويستمر فى رفضها حتى الأن بعد عامين فضل خلالهم بيع أثاث منزلة حتى يطعم أطفاله، والتجول مرتديا "شبشب" لأنه لا يملك حق الحذاء عن استلام معاش يرى من وجهه نظرة أنه محاولة لإبعاده عن مجال الطيران الذى يملك فيه أحلام لبلاده، وليست لنفسه ويقول "قولت ليهم المعاش وزعوه على الشعب وأنا مش هسيب شغلى ومكانى".
على أرصفة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وشئون ضباط القوات المسلحة ومحطات الترام وفى الجناين وأمام قصر الاتحادية قضى الرجل العامين الماضيين فى محاولة لتوصيل شكواه بداية من الرئيس مبارك قبل الثورة، وحتى الآن وهو يستمر فى المحاولة على أمل أن يقابله القدر بالرئيس مرسى بعد أن قدم شكواه المكونة من أكثر من 40 ورقة إلى ديوان المظالم دون جدوى، وعن المرحلة المقبلة يقول "سأستمر فى البحث عن حقى حتى أحصل علية أو أموت على أحد الأرصفة".