أيام وليالى طرة يرصدها حسام عبدالبصير:

كأنه فيلم طويل مدته أربعة وثمانون عاماً بطله طفل مجهول عاش فى إحدى قرى الدلتا سنوات من البؤس والشقاء خاضها كالملايين من أطفال الدلتا والصعيد

..لا يعرف المصريون الكثير عن حكامهم منذ بداية التاريخ وربما كان الرئيس السابق حسنى مبارك أحد هؤلاء الغامضين فى بعض فترات حياته وجسدت مرحلة الطفولة معاناة كبيرة بالنسبة له شأنه في ذلك شأن مختلف أبناء القرى والمعلومات عن سنوات الصبا التى عاشها شحيحة للغاية إلا أننا توصلنا إلى جانب كبير منها يتلخص فى أنه عاش حياة بائسة واضطر للعمل فى الحقول مقابل قروش قليلة كان يستولى عليها أبوه.. وبين سنوات البؤس الذى تحول لنعيم مقيم فيما بعد حقباً زمنية واجه فيها مبارك أقداراً عاتية متغيرة تشقيه أعواماً وتنعمه أعواماً ثم سرعان ما ترده لحياة البؤس فى نهايات العمر.. من كان يظن أن طفلاً لأسرة فقيرة يقضى ساعات جوعه نوماً ويرتدى أسمالاً بالية ستكافئه الأيام مستقبلاً بالمنصب السامى فى بلاده ويعرف حياة القصور ويترفل فى النعيم للحد الذى تغزل له المصانع الفرنسية اسمه على نسيج البدل التى تصنع خصيصاً له ويحيكها واحد من أشهر مصممى الأزياء يتم استقدامه من برلين بالطائرة ثم سرعان ما ينتقل إلى حياة البؤس مجدداً بعد أن حجز طائرة الرئاسة يحلق بها فى سماوات العالم لثلاثة عقود.
يقول الحديث النبوى الصحيح (الولد مجبنة مبخلة) أى يدفع خوف والده عليه للجبن والقصد فى الإنفاق.. غير أن الولد بالنسبة لمبارك دفعه لأبعد من ذلك حيث قاده للسجن مباشرة ليوضع فى سجل التاريخ بين المجرمين بعد أن حمل من الأوسمة والنياشين ما تنوء بحمله العصبة أولو القوة.. فى معرض رصدنا لأيام وليالى مبارك وأعوانه فى سجن طرة لابد أن نعود للوراء وتحديدا للسنوات الأولى من حكمه وشهادات لم تنشر من قبل عن نزاهته قبل أن يعقد اتفاقاً غير مكتوب مع إبليس.

السكر خلص يا ريس
روى مصور أخبار اليوم الراحل فاروق إبراهيم الذى ظل مصوراً للرئاسة قرابة عقدين مشهدين بالغى الدلالة لم ينشرا من قبل وكنت ومعى أربعة من المحررين على قيد الحياة شهوداً على ما اعترف به.
المشهد الأول حينما توجه يوم عيد ميلاده ليسجل بالكاميرا يوماً فى حياة الرئيس الذى استقبله وزميله المحرر فى غرفة الصالون وبعد دقائق دخل الخادم الذى لازم مبارك ثلاثة عقود هامساً فى أذنه وما لبث أن أعطاه مفتاحاً وحينما رأى الرئيس الدهشة فى وجهى فاروق إبراهيم وزميله قال لهما: لقد أخبرنى أن السكر نفد فأعطيته مفتاح دولاب المطبخ ليخرج كيساً آخر يقسم فاروق أنه كان شاهد عيان على ما جرى وأن ملامح مبارك لم يكن يغلب عليها إلا الصدق.
أما ثانى المشاهد حينما سافر معه لأول مرة للولايات المتحدة الأمريكية حيث وجد أعضاء الفريق المرافق للرئيس من الإعلاميين أن أوامر صدرت للفندق الذى يقيم فيه الرئيس والبعثة عدم السماح لأى شخص الحصول على طعام إضافى وألا يرسل الطعام للغرف وظن أعضاء الوفد أن زكريا عزمى وراء تلك الأوامر وحينما اشتكوا للرئيس أكد لهم أنه الذى أصدر الأوامر لأنه أمين على أموال الشعب وسيسأله الله عنها.. أدلى لى فاروق إبراهيم بتلك الأحداث وسط عدد من الكتاب ولم يكن لأحد أن يستطيع نشرها حينئذ واعترف بأنه ذهب ذات صباح غاضباً لإبراهيم سعده رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم معتذراً عن الاستمرار مصوراً للرئاسة بعد أن أصبح لا يطيق التحول الذى جرى للرئيس وزوجته وكان ذلك على إثر غضب سوزان مبارك منه بسبب تصويره للرئيس وهو يلهو مع حفيده وطالبته بالتوقف عن التصوير.
يقول إبراهيم فى الماضى كانت رقيقة تعامل الجميع بتواضع وكريمة للحد الذى يجعلها تصر على إهداء الموجودين قفصين من المانجو.
ومن شهادة المصور الأكثر شهرة إلى أحد أصدقاء مبارك الكاتب مكرم محمد أحمد الذى أكد بأن مبارك حتى الولاية الثانية لعهده كان شريفاً وبسيطاً للحد الذى جعله لا يجد غضاضة فى أن يمسح حذاءه بنفسه ويتحدث مع الخدم وصغار العمال بتواضع جم ويمارس حياته ببساطة شديدة ثم حدث تحول كبير فى حياته فيما بعد بسبب طول بقائه فى مقعد الرئاسة وبعض ممن حوله كانت لهم أغراض وسعوا لتحقيقها غير أن شخصيات أكثر وطنية وغيرة كانت تعترض على الكثير مما يجرى غير أنه تم تهميشها.
وفى معرض رصدنا لهذا التحول لابد من شاهد ملك ولن نجد فى هذا المضمار أكثر خبرة من اللواء شفيق البنا رئيس مكتب سكرتارية مبارك والذى قضى فى مؤسسة الرئاسة ثلاثة وعشرين عاماً منذ نهاية عهد الرئيس الراحل أنور السادات وحتى السنوات الأخيرة من زمن مبارك قبل أن يتم إقصاؤه قبل أكثر من عام من تنحى مبارك.. يعترف البنا بأن مبارك الذى عهدناه من قبل سار فى درب مخالف تماماً فى السنوات الاثنتى عشرة الأخيرة فقد تلقفته الأيدى بدءاً من العام 1998 حيث كان من يتحكم فى قراراته شخصان الأول جمال عبدالعزيز سكرتيره الخاص والثانى زكريا عزمى رئيس الديوان ويبرئ البنا ساحة اللواء الراحل عمر سليمان رئيس المخابرات العامة من أى ترد فى مؤسسة الرئاسة كما يعفيه من الفساد الذى بدأ يتسلل لشرايين مبارك.
يقول البنا: كنت شاهد عيان على محاولات عديدة سعى خلالها سليمان لتطهير الدولة وأبرز تلك المحاولات حينما اعترض على تعيين بطرس غالى وزيراً وأحضر تقريراً سرياً أعده اللواء علاء الويشى ويثبت أن بطرس جاسوس للولايات المتحدة الأمريكية وطالب سليمان من مبارك إجبار نجله جمال على قطع علاقته التى كانت قد توطدت غير أن مبارك فاجأ سليمان فى اليوم التالى بتعيين بطرس وزيراً وعندما علم اللواء الويشى بالأمر أصيب بأزمة قلبية ودخل مستشفى وادى النيل ليموت فى اليوم الثالث وبعد جمال عبدالعزيز وزكريا عزمى برز دور حسين سالم الذى «استلم» مبارك فيما بعد وانفرد به فى شرم الشيخ ليقيم له الحفلات واستطاع أن يفرض سيطرته على مبارك ليحقق مشاريعه الاقتصادية الهائلة ومنها شركة بترول ميدور ومشروع تصدير الغاز لإسرائيل.
ونترك البنا مؤقتاً ونتجه مباشرة صوب سجن طرة حيث أفاد أحد أفراد الطاقم الطبى أن مبارك كانت تنتابه كوابيس يهزى خلالها باسم حسين سالم ويسأل عنه (فين حسين.. عمل الطعمية ولا لأ) وبالطبع فإن الطعمية التى كان يسأل عنها الرئيس كان يعدها بالفعل حسين سالم شخصياً للرئيس فى شرم الشيخ حيث كان وفق رواية البنا لا يغادر المطبخ ويعد وجبة الإفطار بنفسه.. ولك أن تتخيل عزيزى القارئ كم كلف «قرص» طعمية مصر فبترولها وغازها الطبيعى وثروات الأجيال المقبلة كانت رهناً لطبق سلطة وقرص طعمية فكلما أبدى الرئيس المخلوع إعجابه «بنفس» حسين فى إعداد الطعام كان الطريق أمامه سهلاً لقلب الرئيس ليحصل منه على تأشيرات بمساحات هائلة من الأراضى يقيم عليها مشروعاته..لم يتوقف دور سالم فقط على دور «طباخ الرئيس» بل كان أيضاً سامر مبارك ومؤنس وحشته ولعب دور متعهد الحفلات السرية لمبارك فى شرم الشيخ وهنا نستأذن البنا قليلاً لنحصل على اعترافات منتج سينمائى ومتعهد حفلات آثر عدم ذكر اسمه لاقتناعه بأن ذيول مبارك مازالت حية وخلاياه النائمة عائدة لا محالة يشير الرجل كان يطلب منى الاتصال بفنانات لإقامة حفلات فى شرم الشيخ ولم نكن نعرف أين ستعقد بالضبط ولم نكن نعرف أن الحضور مقصور على كبار رموز النظام السابق الذى طرأ على الرجل فيما بعد لقد كان فى السابق زاهداً فى الدنيا ثم سرعان ما تحول للنقيض يحب الأسفار ويعشق الساعات الثمينة والعطور والملابس الفرنسية ويستبدل بدل مصانع غزل المحلة التى كان يرتديها بداية حكمه بالتعامل مع أشهر بيوت الأزياء فى باريس وبرلين بل كان لديه ترزى خاص يحمل إحدى الجنسيات الأوروبية وكان يتم استقدامه بالطائرة.
وإلى شهادة سكرتير خاص لأحد الأمراء السعوديين ذهب ذات يوم لقصر الرئاسة كى يقدم هدية عيد الميلاد للسيدة الأولى وكانت عبارة عن حقيبة بها ثلاثة ملايين دولار وتم رفض الهدية وعاد فى اليوم التالى بحقيبة أكبر تتسع لسبعة ملايين دولار.
اللواء شفيق البنا رئيس سكرتارية الرئيس مبارك والذى يسرد بعض ملامح التحول الذى جرى: كرهت نفسى وشعرت بأن الجنسية المصرية التى أحملها عار بعد أن كنت شاهد عيان فى مواقف عديدة تكشف كيف هان المنصب الرئاسى للحد الذى دفع صاحبه لتسول الهدايا من الحكام العرب يضيف كان يطلب عبر سكرتيره الخاص جمال عبد العزيز الهدايا بالاسم والنوع من الحكام العرب وكبار المسئولين ومن بينهم العاهل السعودى الراحل الملك فهد وولى عهده الذى أصبح فيما بعد حاكم المملكة والذى كان يقول عنه مبارك راجل طيب اطلبوا منه ويفسر اللواء شفيق البنا الأمر قائلاً كان يقصد مبارك بتلك الجملة اطلبوا منه الهدايا ويستشهد البنا بتردى سمعة الرئيس بتلك العبارة التى قالها العقيد الراحل معمر القذافى عنه عقب تنحيه عن السلطة على إثر اندلاع ثورة يناير: كان متسولاً فى إشارة إلى مبارك.

القطار متوقف فى بنها
حفل التاريخ بعدد من الأسماء انقلبوا على آبائهم واستولوا على عروشهم أبرزهم فى العصر الحديث أمير قطر الحالى وبالنسبة لجمال مبارك فبالرغم أن والده أبدى ترحيباً لنقل السلطة إليه أنه كان متوجساً من تأثير الرجال الملتفين حول والده من أن يقنعوه بالتخلى عن مشروع التوريث ولأجل ذلك حرص على أن يجند عدداً من الشخصيات لكى ينقلوا له أخبار والده والمحادثات التى يجريها خاصة مع عمر سليمان وعدد من اللواءات العاملين فى سدة الرئاسة ولعب جمال دوراً بارزاً بالتعاون مع زكريا عزمى للإطاحة بعدد من الشخصيات ذات التأثير الطاغى على الرئيس ومن بينهم اللواءان سعد شعبان وطلعت الطوبجى الذى أطيح به من خلال مؤامرة أعدها زكريا عزمى وجمال مبارك بعد اتهامه بالتقاعس فى صيانة طائرة مؤسسة الرئاسة وشارك فى المؤامرة مهندس قام بغلق خطوط الاتصال أثناء وجود مبارك على الطائرة مقابل حصوله على 15 ألف دولار ومصدر تلك الرواية اللواء شفيق البنا وعندما شاهد موظفو مؤسسة الرئاسة صورة الرئيس قد تردت على هذا النحو بسبب شرهه فى جمع الهدايا وإعداد العدة لنجله لتوريثه الحكم أصبحوا يطلقون عليه لقب القطار وعندما كان يتعرض لأزمة صحية أو تنطلق الشائعات عن قرب وفاته كانوا يرددون: «القطار مجرش فى بنها».. ومن الحقائق التى يشير إليها البنا أن زكريا عزمى سعى للتجسس على الرئيس مبارك وربما يكون الأمر باتفاق مع جمال.

الشريف يفصل مصوراً
ومن كواليس قصر الرئاسة إلى كواليس ماسبيرو الذى كان كبيره لسنوات مضت صفوت الشريف أحد أهم وزراء الإعلام الذى لازم مبارك طيلة عقدين والذى كان يؤدى فعليا دور المخرج والمونتير وكاتب السيناريو للعديد من لقاءات مبارك ونال رضاه بعد أن وجد مبارك نفسه فى وسامة عمر الشريف وخفة ظل عادل إمام والفضل كل الفضل لصفوت الشريف الذى تدخل يوماً وأصدر قراراً بفصل مصور وتحويله لوظيفة إدارية لأنه أخطأ ذات مرة فى تصوير الرئيس من زاوية أظهرت أنف معاليه ضخم وكأن مبارك قد تحول لنجم شباك وأنه سيخسر الموسم بعد أن ظهر على هذه الصورة وبعد تنحية الشريف تولى أنس الفقى وزير الإعلام الأسبق أمر الإشراف على تجميل الرئيس وأقام استوديو خاصاً فى قصر الرئاسة ورثه فيما بعد محمد مرسى الرئيس المنتخب وكان الفقى قد اكتسب خبرة من رجال الشريف وعدد من المخرجين حول الوسائل التى من شأنها تقديم مبارك فى مرحلة سنية غير متقدمة واستعان بماكيير لم يعجب مبارك الذى أصر على إعادة الماكيير المحبب لقلبه وهو محمد عشوب والذى كان قد تعرض لمؤامرة أقصته عن التردد على الرئاسة بعد أن اتهم بأنه يستخدم صوره مع مبارك لتحقيق مآرب شخصية وتهديد الآخرين.

وزراء المايوهات
قليلة هى المرات التى خيمت خلالها البسمة على لقاءات مبارك بزواره فى السجن غير أن قريبا من العائلة زاره قبل شهور بصحبة منير ثابت شقيق سوزان وصهره وهناك اعترف المخلوع لمن حوله بأنه شاهد رؤية حلوة قوى شاف حفيده بيلعب فى الجنة وهو يحتضنه.. ويعرف الكثيرون أن رحيل حفيد مبارك كان من أكثر المصائب التى ألمت بعائلة مبارك منذ بزوغ نجمها وحتى سقوطها بخروج كبيرها من صدارة المشهد السياسى على النحو الذى تابعه العالم أجمع.
وكانت علاقة مبارك بحفيده قوية للغاية فهو كان رفيقه فى مشاهدة مباريات الكرة كما كان يصطحبه كثيراً معه لشرم الشيخ.
ويروى محافظ جنوب سيناء الأسبق واقعة تكشف بجلاء كيف تحولت مصر من دولة إلى عزبة على يد المخلوع فقد كانت الحكومة برئاسة أحمد نظيف على موعد للاجتماع بالرئيس فى شرم الشيخ وفى صبيحة اليوم التالى تجمع الوزراء فى مطار المدينة فى السابعة صباحاً فى انتظار مجيء الرئيس للعودة للقاهرة لكن دام الانتظار ثلاث ساعات ثم صدرت الأوامر لهم بالعودة للفندق وبعد استطلاع الأمر عرفوا بأن حفيد الرئيس الذى كان موجوداً معه طلب منه أن يبقى فى شرم الشيخ لأنه يريد أن يركب حصانا على شط البحر وقد كان حيث لبى له الرئيس طلبه وحصلت الحكومة على يوم إجازة ونزل الوزراء البحر وربما ناقشوا هناك قضية رفع الدعم وتحسين رغيف الخبز وخطة تطوير التعليم.. ولا يعلم الكثيرون أنه حينما أبلغ مبارك بنبأ وفاته أصر على أن يقود السيارة بنفسه حتى المطار وبجواره سوزان كى لا يرى أحد دموعهما.
ففى بلاد الشرق يعد بكاء الرئيس نقطة ضعف وكأنه يتبوأ منزلة أخرى غير منزلة شعبه.
عادة ما يستمر لقاء الرئيس بزائريه ساعتين حسب قوانين السجن ومنذ وصول الرئيس لمستشفى سجن طرة معنوياته فى تراجع وإن كانت حالته الصحية مستقرة وعلى العكس من الفترة التى قضاها فى المستشفى العالمى حيث كان يحاور الأطباء والممرضين ويدافع عن الطريقة التى أدار بها حكم البلاد فهو فى مستشفى المزرعة يعيش معظم الوقت صامتاً ويشير أحد العاملين إلى أن الكوابيس طاردته فى الأسبوع الأول عند وصوله هناك وأخذ يهاجم المشير طنطاوى مردداً «المشير باعنى وباع البلد للإخوان» وحينما وصل أحمد شفيق لجولة الإعادة تحسنت الحالة النفسية للرئيس وتناول الإفطار والغداء بشهية كبيرة.

مبارك طلب توزيع صدقة على روح شفيق
ويشير ذات المصدر القريب من عائلة مبارك إلى أن وصول الفريق أحمد شفيق لمرحلة الإعادة كان أهم خبر سعيد بالنسبة لعائلة مبارك وصهريه مجدى راسخ ومحمود الجمال حيث كان يأمل جميع الرموز السابقة على أن الفريق شفيق بمفرده الذى بوسعه أن يخرجهم جميعاً من المأزق الذى يعيشونه ويغادروا حياة السجون ويعودوا لسنوات الرخاء والنعيم المقيم غير أن مبارك لم يصدق الخبر فور وصوله لمسمعه وبعد تأكده من صحته وفى أول لقاء جمعه بالعائلة طلب منهم التصدق على الفقراء من أجل أن يفوز شفيق على محمد مرسى غير أن خسارة شفيق أعادت مبارك مجدداً لخندق البائسين المحبطين ويعتقد هو كما تعتقد زوجته ونجليه أن شفيق هو الفائز الحقيقى وأن المجلس العسكرى برئاسة المشير طنطاوى هو الذى تآمر لنقل السلطة للإخوان وهذا الرأى يعتقده عموم الموجودين فى سجن المزرعة باستثناء شخصين الأول رجب هلال حميدة الذى سيكشف العديد من المحطات المجهولة خلال الأيام المقبلة وهشام طلعت مصطفى إمبراطور المقاولات والذى كان يؤيد محمد مرسى جنباً إلى جنب فى انتخابات الرئاسة.. ومن مفارقات السجن التى حدثت مع الرئيس ويرددها البعض أن الرئيس المخلوع انتابته عدة كوابيس عقب فوز مرسى منها أن عصام العريان القيادى فى جماعة الإخوان المسلمين وعضو مكتب الإرشاد الذى قضى سنوات فى السجون خلال العقدين الماضيين يباغت مبارك فى ساعات النوم منقضاً عليه يريد أن يخنقه.

فى لقاء مع سوزان وبعض أفراد العائلة تذكر مبارك كلبه فى مؤسسة الرئاسة والذى كان يعد له طعامه سلامة أبو لبن وهو الطاهى الذى لازم مبارك ثلاثين عاماً فى القصر الرئاسى وقد تضاربت الأنباء حول مصير الكلب فهناك من يقول بوفاته وآخر يدعى نقله لشرم الشيخ وثالث يقول إنه يعيش فى شقة سوزان أما أطرف الآراء التى يتم تداولها على نطاق عدد من العاملين بمؤسسة الرئاسة أن الكلب هرب لدبى ليلحق بمحمد رشيد وأحمد شفيق وعدد من رموز النظام البائد.. ويؤكد بعض العاملين السابقين بمؤسسة الرئاسة أن تكلفة رعاية الكلب كانت مرتفعة للغاية حيث كان شرهاً فى تناول عسل النحل قبل نومه فى وجبة العشاء فضلاً عن تناوله دجاجتين يومياً فى وجبة الغداء أما فى الإفطار فكان يتناول خضاراً مسلوقاً اما الكلفة الحقيقية فكانت فى الإشراف الطبى الذى كان يحظى به الكلب والأمصال التى كانت تجلب من الخارج لتحصينه ضد الأمراض المعدية.
وكان مبارك قد اصطحب معه الكلب عند خروجه النهائى من قصر العروبة واصطحبه فى الطائرة التى حلقت به نحو شرم الشيخ حيث قضى هناك عدة أشهر قبل أن تجبر حناجر ثوار ميدان التحرير المجلس العسكرى على نقله للقاهرة وإيداعه المركز الطبى العالمى.

علاء يساعد والده على الوضوء ويتلو له القرآن
ومن المعلومات التى يتم تداولها داخل محيط المستشفى أن الرئيس المخلوع أصبح يواظب على الصلاة كما يقوم نجله علاء بمساعدته على الوضوء ويوجهه نحو القبلة ويصلى جالساً إما على السرير أو فوق مقعد من جانبه. أكد رجب هلال حميدة أن أخبار الرئيس التى تتردد داخل السجن قليلة للغاية ولا يتحدث نجلاه عن أحواله مطلقاً إلا بعبارة «الحمد لله بخير ادعوا له» وذلك رداً على أى سائل يسأل عنه ويضيف حميدة: ما أنا متأكد منه أن مبارك لم يخرج من غرفته بالمستشفى من وصوله إليه سوى مرتين فى المساء وتحت جنح الظلام بصحبة جمال وعلاء الذى كان يتلو له القرآن وكشف النقاب عن أن أحداً من المسجونين من أعوان مبارك طلب زيارته فى المستشفى يقول حميدة: ليس هناك أحد من المتواجدين حتى أولئك الذى كانوا يتملقونه ويسعون نحو الاستحواذ على رضاه قد طلب من إدارة السجن زيارة مبارك فى المستشفى أضاف حميدة كما أنه على حد علمى لم يكن راغباً فى لقاء أى غريب سوى أفراد العائلة وكان حفيده عمر نجل جمال أحب الناس إلى قلبه. وقد لعب حميدة على مدار ثمانية عشر شهراً دوراً بارزاً فى محاولة حض رموز النظام على التوبة إلى الله عز وجل كاشفاً لهم أن من أهم شروط وعلامات قبول التوبة رد المظالم إلى أهلها داعياً إياهم لرد الثروات التى حصلوا عليها لخزينة الدولة.. وظل يردد على كل من يلقاه منهم قوله تعالى «واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس بما عملت».

لم يتغير طعام الرئيس المخلوع مبارك منذ أن دخل السجن عن ذى قبل فقط اختلف البروتوكول فبينما كان يتلقى طعامه على مائدة يحيط بها الخدم والحشم أصبحت نفس الأطعمة التى يتناولها تذهب إليه مع كل زيارة مع قرينته وزوجتى نجليه وإن كانت العادات اختلفت فهو يبدو فى الوقت الراهن داخل غرفته بالمستشفى أشبه بموظف على المعاش يخبئ أطعمته على أريكة بجوار السرير غير أن الطاهى اختلف فقد أحيل الشيف الذى لازمه ثلاثين عاماً للتقاعد فيما استعانت سوزان بطاهية تشرف على إعداد الأطعمة التى كان يعدها فى السابق أبو لبن وهى عبارة عن جمبرى مشوى أو مسلوق وشوربة خضار كما لم تختلف وجبة الإفطار والعشاء حيث يعد الزبادى وطبق فول المدمس الغداء المفضل للرئيس خاصة فى هذه المرحلة التى يحتاج فيها لما يمضغه تحت ضروسه ليسرى عن همه وقد طلب أحد الأطباء الذين أشرفوا على علاج الرئيس السابق منه أن يتوقف عن أكل الجمبرى والبيض لكونهما غنيين بالكوليسترول غير أن تلك النصائح لم تلقى آذاناً صاغية منه إلا عقب فوز مرسى فى الانتخابات الرئاسية حيث أصيب مبارك بأزمات نفسية عميقة.

لا يشاهد التليفزيون
داخل غرفته بالمستشفى ورغم وجود جهاز تليفزيون إلا أن الرئيس السابق لا يهتم بمتابعة ما يبث هنا او هناك ويعد الصمت هوايته المفضلة أحياناً يتنقل بالريموت بين القنوات الأرضية المتاحة فيجد صور الرئيس محمد مرسى وقيادات الإخوان والسلفيين مجتمعين فيقوم على الفور بغلق الجهاز متفوهاً ببعض الكلمات من عينة «بكره هيشوفوا جنتهم وناري» فى إيماءة للإسلاميين الذين باتوا يسيطرون على مقاليد الأمور.. ويحتفظ الرئيس السابق بمفكرة صغيرة بجواره يقوم بتدوين بعض الأفكار بها وعادة ما يبدأ يومه فى السادسة صباحاً ويظل شارداً طيلة ساعة أو يزيد ثم يتوجه للحمام ويتناول إفطاره أحياناً بصحبة نجليه وبالرغم من حقه فى تلقى الصحف إلا أن الكثير من المقالات التى يهاجمه فيها العديد من الكتاب جعلت أسرته تصدر الأوامر بعدم إمداده بالصحف وذلك بعد أن لازمه ارتفاع ضغط الدم لفترة نتيجة للظروف التى يعيشها والنهاية المأساوية التى أسدل بها الستار على تاريخه.

ملائكة الشيخة ماجدة
وإذا كان علاء مبارك يتولى الدعاء وتلاوة القرآن لوالده داخل السجن فإن الشيخة ماجدة التى ملأت الفضائيات ضجيجاً على مدار الشهور الماضية عن براءة الرئيس مبارك ونسبه الطاهر الذى يصل لنسب النبى صلى الله عليه وسلم مازالت حريصة على الدعاء له وقد شاهدته مؤخراً فى المنام يضحك وهو موفور الصحة مستريح البال وتنبأت برفع درجته.
وتحرص ماجدة على الدعاء للرئيس وآل بيته فى الصلوات الخمس بسبب ما تعتبره بلاء عظيماً وقع فوق أفرادها.. الشيخة عبرت عن خشيتها من أن يكون الرئيس قد تعرض للحسد بسبب نجاحه فى مهام عمله كرئيس للجمهورية خلال العقود الثلاثة الماضية يذكر أن معظم النبوءات التى كشفت عنها ماجدة من قبل بشأن مبارك لم تتحقق فقد أطلقت إثر الحكم على المخلوع بالسجن المؤبد تحذيراً بأن طيراً أبابيل سوف يهاجم مصر ويدمرها كما أقرت بأن مبارك سيعود لحكم البلاد فى غضون أسابيع قليلة لكن شيئاً من ذلك لم يحدث أيضاً.
ولا تعد الشيخة ماجدة هى الوحيدة التى ترفض الاعتراف بالثورة وترى أن مبارك هو الحاكم الشرعى للبلاد فهناك أيضاً فتوى محمود عامر القيادى بالتيار السلفي، حين أصدر فتوى حرم فيها التصويت فى الانتخابات البرلمانية بشكل عام، معتبراً أن من يصوت لصالح أحد المرشحين هو آثم، وخائن للأمانة. وسبق أن تعرض عامر لهجوم واسع فى أوساط الرأى العام قاطبة وأوساط المشايخ حينما أفتى بجواز توريث الحكم لنجل الرئيس المخلوع جمال مبارك قبل اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير بعدة أعوام كما أطلق فتوى تجيز إهدار دم الدكتور محمد البرادعى بدعوى نشره للفتنة بين الناس وتأليبهم وشق عصا الطاعة والخروج على الحاكم الشرعى الرئيس حسنى مبارك.
كما يأتى الشيخ أسامة القوصى أحد اكبر رموز السلفية على صدارة الذين كانوا لا يبيحون الخروج على الحاكم مستدلاً على ذلك بالعديد من الأدلة ومن بينها أن مبارك رئيساً ممكناً له فى الأرض وأن الخروج من الممكن أن يسفر عن ضرر أكبر وأشد من الضرر الناجم عن بقائه فى السلطة ومن أفتوا بعدم جواز الخروج على مبارك ومازالوا ينكرون ما حدث حتى الآن عدد من المشايخ فى محافظات مصر المختلفة وهؤلاء يؤمنون بالقاعدة الشرعية «حاكم جهول خير من فتنة تدوم».

سيادة الرئيس اللقب المفضل
مازال مبارك يتعامل حتى بعد أن حمل رقماً داخل مستشفى سجن طرة شأن أى محكوم عليه من نزلاء السجن باعتباره رئيس جمهورية مصر العربية فهو حسب أحد أفراد الأمن بالمستشفى لا يعترف بالثورة وكثيراً ما يهمهم «ثورة إيه..خليهم يشربوا مرسي» فى إشارة للرئيس محمد مرسى ويرفض مبارك الرد على من يحدثه قبل أن يبدأ كلامه له بعبارة «سيادة الرئيس» غير أنه فى حال كان القادم للغرفة فريقا من قيادات السجن التى تتردد على المكان كإجراء روتينى أو من أجل تفتيش الغرفة خشية حيازة بعض الأشياء التى تحرمها لوائح السجون فإنه يتغاضى عن الأمر ويقبل رفع التكليف إلى حد ما غير أن صهرى مبارك ومن يترددون عليه يوجهون كلامهم بداية بصيغة «سيادة الرئيس» وهو اللقب الذى يردده صهره محمود الجمال والد خديجة قرينة جمال مبارك وتردده كل من هايدى وخديجة قرينتى نجلى الرئيس كما تحييه سوزان بـ «صباح الخير يا ريس» وكذلك الأمر بالنسبة لجمال وعلاء ومن أكثر المبجلين للرئيس المخلوع وفد المحامين الكويتيين المدافعين عنه والذين مازالوا يعتبرونه الرئيس الشرعى للمصريين وأن ما جرى من ثورة هو محض انقلاب وهذا الرأى ليس لمجمل أعضاء الوفد الكويتى فعدد منهم يقرون بشرعية الثورة وشرعية الرئيس المنتخب محمد مرسى لكن هؤلاء يعتبرون مبارك مجنيا عليه ومظلوما فى التهم المنسوبة إليه وهو رأى محل إجماع مختلف أعضاء الوفد الكويتي.. ولا يجد صغار العاملين بالمستشفى وجلهم من الجنود غضاضة فى أن ينادوا مبارك باللقب المفضل لقلبه حتى وإن كانوا غير قانعين بذلك.


المصدر: بوابة الوفد

عدد زيارات الموقع

414,993

تسجيل الدخول

ابحث