جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
رصد أيام وليالي طرة حسام عبد البصير:
زنزانة بها عدد من الأسرة، بعض الموجودين يغط في نوم عميق، بالكاد يرى وجه صفوت الشريف وزكريا عزمي وعاطف عبيد بسبب الضوء الخافت الساعة الحادية عشرة مساءً
الشيخ رجب هلال حميدة يتوضأ ويضع السجادة تمهيداً لصلاة التهجد
بصوت هامس يتحدث شركاؤه في نفس الزنزانة زكريا عزمي لصفوت الشريف وكلاهما نائم على سريره: ربنا رزقنا بالشيخ رجب خلانا نحافظ على صلاة الجماعة.
صفوت الشريف هامسًا: صوته جميل في التلاوة
عاطف عبيد مستيقظًا: لكن في الرايحة والجاية وكل ما يقابل واحد يقوله هترجع الفلوس إمتي.
زكريا عزمي: يعلم ربنا إني مظلوم.
صفوت الشريف: ومين سمعك
الشيخ رجب يتلو قوله تعالى: و«لاتحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء».
الصمت يخيم على المكان الشيخ رجب يواصل التلاوة وزملاؤه في الزنزانة يواصلون الهمهمة بصوت منخفض كل منهم للآخر: والله أنا مظلوم.
كان هبوط رجب هلال حميدة على سجن مزرعة طرة مربكاً للجميع فهو كان يلاحق رموز النظام السابق بملفات الفساد في دورات سابقة وقدم العديد من الاستجوابات ضد انتشار التعذيب في مقرات امن الدولة وأقسام الشرطة التابعة للداخلية كما كشف الفساد المستشري في عمليات خصخصة شركات القطاع العام ونهب اصولها كما طرح العديد من القضايا الخاصة بملف الصحة وسوء العلاج بمستشفيات الدولة وتردي رغيف الخبز وعدم وصول الدعم لمستحقيه.. من أجل ذلك كان هبوط رجب حميدة على سجن طرة بمثابة الدهشة بالنسبة له اعتبره ابتلاء وتطهيرًا من الذنوب أما بالنسبة لحبيب العادلي وزير الداخلية السابق فقد أفسد الأمن بمنظور رجل الأمن وخرج بنتيجة أدهشت جميع أهل سجن المزرعة: خدوا بالكم ياجماعة رجب حميدة موفد المجلس العسكري والإخوان جاي في مهمة رسمية للتجسس عيلكم، وبالفعل قرر الجميع على قلب رجل واحد تحري الحيطة والحذر من الشيخ رجب، غير ان الأيام التالية كشفت عن خطأ نظرية العادلي الأمنية فقد اتضح للجميع أنه مغضوب علية من الجميع وأنه دبر له بليل وانه بالفعل متهم في موقعة الجمل لم يكن من الجميع سوى البحث عن وسيلة لترضية الرجل خاصة بعد أن أصبح يؤمهم في الصلاة ويفتح أسماعهم وقلوبهم بذكر الله الحكيم فما كان منهم إلا أن أطلقوا عليه لقب يوسف العزيز كناية لسيدنا يوسف علية السلام الذي سجن زوراً وبهتاناً فوجه الشبه بين الاثنين هو الظلم..رد الشيخ رجب أنا فين وسيدنا يوسف عليه السلام فين إنما أنا فىّ من الذنوب وأرجو ان يطهرني الله بها.
جمال والمغربي يتحدثان الفرنسية في طره
تسبب الضيف الجديد الذي حل على سجن المزرعة فى حالة من الخوف سرى بين النزلاء الخوف خشية التجسس عليهم ونقل أخبارهم للمجلس العسكري او لمكتب الإرشاد، لذا قرر جمال وعلاء مبارك وأحمد المغربي طرح خطة بتدبير من حبيب العادلي لاتخاذ أكبر قدر من الاحتياطات وبنود الخطة عدم مشاركته الحديث عن اي أمور تتعلق برأيهم في الإخوان أو قيادات المجلس العسكري ثم اقترح جمال مبارك وشقيقه والمغربي الكف عن الحديث باللغة العربية أمامه واللجوء للإنجليزية وكان المشهد حسبما يشير حميدة يبدو كوميدياً حينما يكون الجميع خارجاً لتوة من المسجد ويصافحون بعضهم البعض ثم سرعان ما يجد حميدة نفسه وجها لوجه امام جمال واحمد المغربي وزهير جرانة وهم يرطنون بالإنجليزية التي يحسن رجب الحديث بها ففاجأهم بترجمة ما يقولون فما كان من جمال مبارك المشهود له بالعجرفة من قبل رموز النظام القديم وكل من لاقاه يقرر الانتقال من الانجليزية للحديث بالفرنسية، غير ان حميدة لم يكن في حاجة لأن يعرف الموضوعات التي يتحدثون فيها وكان يخبرهم بها وبعد أيام وحينما أيقنوا ان الشيخ برىء من ظنونهم قرروا أن يجتمعوا حوله ويستفتونه في العديد من القضايا الدينية.
دروس الشيخ رجب تؤلف القلوب وتوقظ الضمائر
كان الشيخ رجب فور دخوله السجن يبرىء نفسه مرددًا الحديث النبوي الشريف «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيراً من الدنيا وما فيها» لذا وضع نصب عينيه ألا تضيع ايامه داخل السجن هدراً بل كان يحض إمام السجن لأن يتحدث مع رموز النظام السابق في قضايا لها علاقة بإحياء الضمير والحض على التوبة والسير في طريق الصلاح وكان هو حريصًا كذلك على أن يلح في الحديث مع كل من يلتقيه من رموز النظام عن شروط قبول التوبة وأهمها على الإطلاق النية ورد المظالم إلى أهلها والإصرار على عدم العودة للذنب مجدداً ولاينسى الشيخ حينما كان يردد يوماً في صلاة العشاء قوله تعالى «فلا تعجل عليهم انما نعد لهم عدا يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفد ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا» صدق الله العظيم، فقد التف حوله رموز النظام السابق وهم في خشوع وبعضهم يربت على كتفة وآخر يحضنه هم يرددون جزاك الله عنا خيراً ياشيخ رجب.. غير ان حميدة المشهود بتواضعة كان يريد أن يذهب بهم لأبعد من هذا، لقد رأى حالة الانكسار والذل والكآبة والإحباط على الوجوه فلم يكن يسعى لأن يغدق عليهم المزيد من الاحساس بسوء المآل بل حرص على أن يعرفهم برحمه الله التي وسعت كل شىء والتي قد تصيبهم حال صدق التوبة
ممكن ربنا يتوب علىّ ياشيخ رجب.
كان الشيخ رجب قد انتهى لتوه من صلاة العشاء فإذا بأحد رموز النظام السابق الذي ينحني به جانباً ويسر إليه:
المسئول: فكرك ممكن ربنا يغفرلي ياشيخ رجب؟
رجب: طبعاً ربنا بيقول: ورحمتي وسعت كل شئ...لاتيأس ولاتقنط من رحمة الله مطلقاً لأنة لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
المسئول: طيب اعمل ايه علشان اضمن ان ربنا قبل توبتي.
رجب: بسيطة خالص رد المظالم إلى أهلها.
المسئول: ربنا عالم أنا مظلوم وموظف محدود الدخل.
حرس قديم وجديد داخل السجن ايضاً.
بقدر ما كانت الحرب مشتعلة أيضاً منذ مطلع الألفية الثالثة بين الحرس القديم الذي كان يقوده صفوت الشريف والراحل كمال الشاذلي ويوسف والي والحرس الجديد ومثله جمال مبارك وأحمد عز ومحمد رشيد وبطرس غالي وآخرون بقدر ما يبدو الوضع شديد التماثل داخل السجن ففي بعض الزنازين يتواجد أفراد الحرس القديم مثل زنزانة صفوت الشريف التي يقيم فيها ايضاً عاطف عبيد وزكريا عزمي قبل اطلاق سراحه كما توجد زنازين أخرى تجمع وفيها على غير قصد وإنما بتنسيق بين الداخلية والمجلس العسكري، بعض افراد الحرس الجديد مثل احمد المغربي واحمد عز يهدر أحمد عز وقته في السجن بالحديث عن الأيام الخوالي مع صديقه في الزنزانة، وزير الاسكان الأسبق أحمد المغربي كما يقضي ساعات في نادي السجن يقوم برفع الأثقال ويسعى للحفاظ على قوامه المشدود ويعد من أكثر اهل السجن ثقة بالمستقبل وإن كان الاكتئاب يجتاحه أحياناً شان معظم النزلاء.. شاهده رجب هلال حميدة يوماً متعثراً في رفع الأثقال فقال لمن حوله كفاية الحديد اللي نهبه من البلد..غير أن عز الذي مازالت الغطرسة تلازمه يسعى دائما لوضع الحواجز مع معظم المتواجدين ويتردد أنه لازال يستقدم طعامًا من أوروبا وكثيرًا ماكان يردد هو وآخرون لم يتحدثوا معهم، عندي اكلة جنان لسه طازة، كما يمارس عز رياضة الركض ويرتدي الملابس الرياضية التي كان يرتديها في الأسبق وان كانت تتسق مع اللون المسموح به في السجن
تشكيلة الزنازين.. طبعًا أحباب خلف الأسوار.
كان يوماً تاريخياً ذلك الذي تدافع فيه عدد من رموز النظام السابق نحو سجن طرة فهو يوم تجسدت فيه قدرة الله عز وجل في البطش بالظالمين فها هو حبيب العادلي أعتى من تبوأوا منصب وزير الداخلية بطشاً بالبدلة الزرقاء لا فرق بينه وبين من سرق دجاجة أو حبل غسيل أو سطا على بنك كلهم امام شاويش الزنزانة سواء وهاهم مديرو الأمن الأربعة من مساعدي العادلي يعرفون حياة الزنزانة والليالي الطويلة التي ليس لها اول من آخر وفيما يلي نرصد تشكيلة أشهر ستة زنازين في تاريخ سجون مصر:
الزنزانة رقم (1): مساعدو وزير الداخلية عدلي فايد واسماعيل الشاعر وحسن عبد الرحمن واحمد رمزي
الزنزانة رقم (2): مساعدو وزير البترول ونائبا البرلمان يوسف خطاب عبد الناصر الجابري الذي مات بعد تردي ظروفه الصحية وهاني كامل مدير اعلانات اخبار اليوم وابن اخت كمال الشاذلي الذي افرج عنه بعد شهرين حيث كان محتجزاً على ذمة التحقيقات في علاقته بأملاك حبيب العادلي التي كان بعضها مكتوباً باسمه.
زنزانة رقم (3) : فتحي سرور رئيس البرلمان السابق يوسف والي وزير الزراعة الأسبق وأمين الحزب الوطني المنحل وحسين مجاور وامين اباظة وزير الزراعة الأسبق ونواب الحزب الوطني المنحل طلعت القواس وايهاب العمدة وسعيد عبد الخالق وكيل نقابة المحامين وسامح فهمي وزير البترول الأسبق الذي حكم عليه بـ15 سنة.
زنزانة رقم (4): علاء مبارك وجمال مبارك.
زنزانة رقم (5): صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى والأمين السابق للحزب الوطني المنحل وعاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء الأسبق ومحمد إبراهيم سليمان وزير الاسكان والمرافق الأسبق وزكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية وعمرو عسل رئيس الهيئة العامة للتنمية السابق.
زنزانة رقم 6: رجب هلال حميدة ووائل أبو الليل وكلاهما من صفوف المعارضة وعقب الحكم على أبو الليل تم نقله للسجن
هناك زنزانة أخرى تسمى زنزانة العنبر بلارقم كان يقيم فيها احمد عز وانس الفقي وعهدي فضلي وأحمد نظيف.
وزنزانة منفردة لحبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق وهي بلا رقم.
وزنزانة منفردة يقيم بها هشام طلعت مصطفى المحكوم عليه بالمؤبد.
بعدما طالب الثوار واعضاء مجلس الشعب بضرورة تفريق رموز النظام السابق على السجون خشية توحد جهودهم والقيام بدعم الثورة المضادة تقرر نقل أحمد عز وأحمد المغربي وزير الاسكان الأسبق وزهير جرانة وزير السياحة نقلوا إلى سجن ليمان طرة وجمال مبارك وعلاء مبارك وأحمد نظيف وهاني كامل وطلعت القواس وسعيد عبد الخالق ذهبوا لملحق المزرعة ثم تم ترحيل حسين مجاور وإيهاب العمدة وأمين أباظة ووائل أبو الليل على سجن العقرب، وبقي في سجن المزرعة أحمد فتحي سرور ويوسف والي وحبيب العادلي ويوسف والي وصفوت الشريف وابراهيم سليمان وسامح فهمي ورجب هلال حميدة الذي وجد نفسه في زنزانة مستقلة فقررت إدارة السجون البقاء عليه في سجن المزرعة لأنه كان له ملف طبي ومن المعروف أن الليمان لا ينقل إليه إلا المحكوم عليهم أما من هم قيد الحبس الاحتياطي فإنهم يقيمون بطرة.
محبطون لكنهم يأكلون بشراهة
يسمح قانون السجون للنزلاء بإحضار الطعام من الخارج وفي أول الأمر كان كل نزيل يحضر الطعام له أهله وبعد ان توطدت العلاقة بين المساجين اتفقوا فيما بينهم على أن يقوم كل منهم بإحضار الطعام يومًا في الأسبوع او يومين حسب عدد الموجودين في الزنزانة وقد اشتهر المساجين فيما بينهم بتمييز طعام بعضهم عن البعض الآخر. كما يشير رجب حميدة الذي اكد ان طعام صفوت الشريف كان ينظر له باعتباره الأفضل وكشف النقاب عن ان الشريف كان في منزلة قسم خاص لطهي السمان وكان من في الزنزانة يثنون علي طريقة طهيه وإعداده وكذلك الأمر بالنسبة لطعام رجب حميدة الذي اشتهرت أسرته بعمل الطواجن التي كان يعشقها نزلاء الزنزانة أما بالنسبة للأسماك فكانت تحضر من أحد مطاعم المهندسين الشهيرة وعن اقل الأطعمة اقتصادًا وتواضعاً كانت لأحد اهم أعوان مبارك وكان يؤكد ان ظروفه الاقتصادية لاتسمح له بالتبذير مطلقاً ومن بين الذين ذاعت شهرتهم في الأطعمة هشام طلعت مصطفى المسجون في قضية مقتل اللبنانية سوزان تميم ويشير حميدة إلى أنه بالرغم من حالة الإحباط التي كانت تلازم رموز النظام السابق إلا أنهم كانوا يحبون الطعام ويلتهمونه التهامًا جميعهم بدون استثناء غير ان رجب حميدة بسبب ظروفه الصحية كان أقل الموجودين اقبالاً على الطعام يتناول أيسره ولايبالغ فيه..يضيف نزلاء كل زنزانة كانوا يتناولون الطعام مع بعضهم البعض ووجبة الغداء هي التي كانت تجمع بين افراد كل زنزانة على المائدة على عكس وجبة الافطار التي كانوا يتناولونها فرادى بسبب اختلاف وقت استيقاظ كل منهم عن الآخر.. يضيف كنا نسمع من يردد بأن هناك أطعمة يحضرها البعض من فرنسا لكنني لم أر ذلك سمعت فقط بعضهم يقول جاني كذا وكذا اتفضل اتغدى عندي لكن رجب لم يتناول طعاماً خارج زنزانته. وبالطبع فإن طول الفترة داخل السجون قد أسهمت في حالة من التعاون بين النزلاء وهناك من نسى خلافاته القديمة مع خصومه غير ان حالة من العداء كانت موجهة ضد عدد يسير ظل مثار كره من الأغلبية خاصة احمد عز وجمال مبارك اللذين كان ينظر إليهما غالبية رموز النظام انهما سبب الكوارث التي حلت بالنظام بسبب تزويرهما الانتخابات البرلمانية قبل الأخيرة والتي اسفرت عن غضب عارم في الشارع
وبالطبع فإن تردد معظم رموز النظام من أبناء المعسكر القديم والجديد على المسجد قد خلق حالة من السكينة والقبول بالقضاء والقدر خاصة حينما كانت تتماس الأبدان وتتساوى في صفوف الصلاة وكان جمال مبارك وأحمد عز واحمد المغربي بمنأى عن هذه السكينة لأنهم كانوا نادراً ما يترددون على المسجد.
المصدر: بوابة الوفد