جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
عندما ترى النبلة التى فى يد المعتصم ولا ترى الآلى فى يد البلطجى فأنت قاتل..
وعندما ترى البلية فى جيب المتظاهر ولا ترى القنبلة المسيلة للدموع فى قبضة الشبيحة فأنت فاشل وكاذب ومجرم.
إن وزارة داخلية العسكر لم تر من المذبحة كلها إلا أن المعتصمين كان معهم كميات من النبل والبلى، ولأن عينيها مملوءتان بالقذى والخلل البصرى لم تستطع رؤية القتلة المدججين بأسلحة ثقيلة، ولم تشاهد جثث الشهداء الممزقة بعد أن مثلوا بها.
إن ما جرى كان مخططا له بدهاء إجرامى غير مسبوق، بداية من إعلام يزرع فى رؤوس الناس طوال الوقت أن المتظاهرين السلميين فى شارع الخليفة المأمون ليسوا سوى مجموعة من دراويش أبوإسماعيل، وأن القصة كلها تتلخص فى الاحتجاج على استبعاده من مسخرة انتخابات الرئاسة، مرورا ببعض من نخبة سياسية معطوبة تبدو مع ــ الرصين، بينما تنشغل بالتافه والسطحى، وتشتبك مع بعضها مثل مجموعة من الدلافين فى بحيرة راكدة حول ما يلقيه إليها «العسكرى» من كرات وبالونات وذيول أسماك عفنة، فى رقصة عبيطة ومبتذلة تتكرر للمرة العاشرة، وليس نهاية بحيل سياسية وخدع بصرية تقوم على اصطناع مخاطر كاذبة على الجبهة الخارجية، بما يبدو معها أن الوطن مهدد.
إنها الحرب على المكشوف، نظام الجنرالات يقرأ من كتالوج بشار الأسد، وينفذ فى العباسية، وبعد «المواطنين الشرفاء» هاهو يطلق الجيل الثانى من عصابات القتل، شبيحة مسلحون بالبنادق والقنابل ينقضون مثل كلاب الصيد على المعتصمين عند الفجر، تنهش فى الأجساد الثائرة وتعقر أرواحا طاهرة زكية، وتنكل بأشلاء الشهداء وترسلها إلى زملائهم كى يعتبروا.
وقليل من العقل والتدبر يكفى لإدراك أن صناعة صورة بهذه الدموية والفظاعة هى أمر أكبر بكثير من خيال بلطجى، أو «مواطن شريف»، بل هو حصيلة إنتاج ضخم وإخراج محترف وترويج واسع لفيلم رعب يمتلئ بما يكفى من مشاهد الفزع والدم لابتزاز المصريين أمنيا مرة أخرى، وفى النهاية يظهر البطل بقوته وقواته لفض الاشتباك ووقف «المعركة» وإيقاف نزيف دماء هو مريقها ومسيلها، ظنا منه أن هناك من سوف يتعلق بطرف جلبابه الملطخ بالدم طالبا بقاءه لحمايتنا من خراب وانهيار هو صانعه.
إننا نعيش مرحلة حرق روما أو هدم المعبد على من فيه، فى حالة نيرونية شمشونية بامتياز، والسيناريو قائم على إشعال حرب الكل ضد الكل، والهدف أن يبقى السيد نيرون مهيمنا وحاكما، حتى لو على شعب من الموتى والجرحى.
وفى ليل حالك السواد مثل الذى عيشونا فيه من السذاجة أن يتصور أحد أن البومة تتعجل سطوع الشمس، لأنها لا تستطيع التحليق إلا فى جوف الليل.
ويبقى أن نهار مصر لن يأتى إلا إذا أراد المصريون ذلك، بإخلاص وتجرد، عرفناهما فى ٢٥ يناير، وتنكرنا لهما بعد ١١ فبراير.