عماد الدين حسين
التجربة الديمقراطية الوليدة الناتجة عن ثورة 25 يناير مهددة بالوأد إذا لم تتنبه الأحزاب والقوى السياسية على اختلاف أطيافها ــ خصوصا المدنية ــ إلى الأخطار التى تتهددها.
الأحزاب لا تريد أن تقرأ التاريخ وتستوعب أحداثه كى لا تقع فى نفس الأخطاء التى وقع فيها أسلافهم.
عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 لم تلغ الأحزاب، لكن يأس غالبية أفراد الشعب بالممارسات لهذه الأحزاب هو الذى قاد إلى إلغائها. بالطبع فإن قادة الثورة وقتها استغلوا الأداء البائس لهذه الأحزاب وربما شجعوه كى ينهوا هذه التجربة.
الأحزاب قبل الثورة غرقت فى أزمات متنوعة ما بين الارتماء فى أحضان الاحتلال البريطانى أو الولاء للقصر الملكى أو الفساد الشخصى.. وحتى حزب الوفد ــ الأكثر شعبية ــ تراجع أداؤه بسبب سيطرة الاقطاعيين الجدد عليه وقتها.
أداء الأحزاب التقليدية لم يختلف بعد الثورة.. بعضها استعان بالاحتلال، والآخر انهمك فى دسائس صغيرة، أما الإخوان المسلمون فقد تحالفوا فورا مع الثورة ضد كل الاحزاب، حتى اختلفوا بداية من يناير 1954. مجلس قيادة الثورة ألغى الأحزاب تماما فى 1953 عندما أيقن أنه لا أمل فيها فى ظل فسادها وعدم قدرتها على رؤية الواقع الجديد.
النقطة الرئيسية فى كل ما سبق هى أنه لا أحد من الشعب تحرك للاعتراض على إلغاء الأحزاب لأن شعبيتها كانت قد انهارت.
ما هى النقطة المحورية فى استعراض هذا الماضى الذى نتمنى ألا يعود؟!.
هى باختصار نداء وتنبيه لكل الأحزاب أن تستيقظ من غفوتها وتطهر نفسها وتبدأ فى العمل الحقيقى حتى لا تترك فرصة لأى تفكير انقلابى على العملية الديمقراطية. أحزابنا التقليدية الحالية فسدت أو كادت، تحالفت جميعها مع النظام السابق الفاسد طوعا أو كرها وساعدته على الاستمرار لمدة 30 عاما رغم هشاشته.
وعندما قامت الثورة ركبت كل هذه الأحزاب موجتها، وكان غالبية الجماهير مستعدة لمسامحتها شرط أن تغير من نفسها وتبدأ العمل الحقيقى.
جاءت الانتخابات البرلمانية وأكدت هشاشة هذه الأحزاب التى لم تحصل مجتمعة على أكثر من 15% من المقاعد.
انتهت الانتخابات، لكن أداء هذه الأحزاب لا يزال ضعيفا وبائسا بل ويثير الغثيان.
فى كل القضايا الرئيسية الموجودة على الساحة اختارت هذه الأحزاب البحث عن مغانم خاصة وصغيرة وأحيانا تافهة ولكنها لم تضبط متلبسة بالانغماس فى الدفاع عن قضية شعبية بصدق ولو لمرة واحدة.
بالطبع أحزاب الحرية والعدالة والنور والأصالة والفضيلة والبناء والتنمية لا يمكن اعتبارها أحزابا مدنية لأنها تعبر حتى هذه اللحظة عن جماعات دينية، بعضها لا يؤمن أساسا بفكرة الأحزاب ناهيك عن الديمقراطية. نحن نتحدث هنا عن أحزاب مدنية تقبل بالتنافس السياسى. كان أمام هذه الأحزاب فرصة تاريخية، لكنها أضاعتها برعونة منقطعة النظير.
الأمل الوحيد أن يتمكن الشباب من «إكمال جميلهم» ــ بعد دورهم التاريخى فى الثورة ــ ويكوّنوا حزبا ليبراليا حقيقيا يكون حائط الصد أمام الأفكار التى تريد جر المجتمع إلى هوة عسكرية أو دينية.
ونتمنى ان يلعب حزب الثورة ــ الذى سيشكله الثوار ومعهم الدكتور محمد البرادعى ــ هذا الدور الطليعى.
لدينا أحزاب ومنابر تقول إنها ليبرالية، لكنها عاجزة. وياليتها تفيق من غفوتها حتى لا تصيب المواطنين باليأس.
نريد حزبا يجمع التيار الرئيسى العام ويقنع غالبية الجماهير أن هناك أملا وأن ممارسة السياسة ليست مرادفا للتحالف مع السلطات الفاسدة.
نريد احزابا حقيقية ببرامج متنوعة حتى لا يجد غالبية الشعب نفسه «مفعوصا» بين فيلين: أولهما دينى وثانيهما عسكرى.