انطوت وزهدت في مراهقتها وماكياجها وكرهت غزل ضفائرها ومرآتها التي أخفتها في مكانا ما حتى لا ترى وجهها مصادفة خوفا من هذا الجن الذي سيطر علي أفكارها بل على حياتها بأكملها، أصبح شكلها غريبا فلم تصبح هي التي كانت تخرج من شرفة منزله فتملأ الحي إشراقا بابتسامتها التي غادرت شفتاها التي التصقت من قلة الاختلاط وتشققت من كثرة الصراخ، وعيناها التي غاصت داخل جفونها من قلة النوم أحيانا وجحظت من فزع صوته الهامس في آذانها في أخرى، شعرها الذي لم تلامسه أسنان مشطها منذ زمن بعيد، ورائحتها التي أصبحت تشبه جثث المقابر في يومها الأربعين، عاشت مع مالك حواسها ولكنها رفضت التعايش معه، لم تكن تتخيل أن خلاصها من هذا الكابوس قد يكون هو الخلاص الأخير، تركت نفسها لأمل بات بعيدا وهو اليوم الذي تعود فيه مرة أخرى ملك نفسها بدون وساوس الشيطان، ذهبت لهذا الرجل الذي يوصفه الجميع بصاحب الكرامات الذي بقدرته زلزلة عروش أكبر شياطين الجن، لم يكن ذلك سوى البليدي محمد عوض، دجال في الـ 51 من عمره وصاحب النظرات الثاقبة المشتتة التي خرقت أسهمها قلوب أهل المنطقة فتوقفت عقولهم عن التفكير لوضح حدا لسيطرته عليها، يجلس أمام موقده الذي يلقي فيه بحبات بخوره الذي أضفى طابعا مميزا للمكان الذي يقبع فيه بعيدا عن الأنظار، معتمدا على الأساطير التي يحكيها زبائنه عن سحره الذي يحل ويربط به أعماله من وعلى رقاب العباد، إضاءات حضرته الخافتة التي أضفت على ملامحه رهبة مزيفة، لم يتطلب منه الأمر الكثير من الوقت حينما دخلت عليه فاطمة منكسة لرأسها ليشخص حالتها بجملة قد أصبح وقعها رتيبا على مسامعه من كثرة ما قالها "أنت ملبوسة يا فاطمة" ، لم تكن هذه الجملة مفاجأة بالنسبة لها، تركت نفسها واستسلمت لتعاويذه المبهمة التي أخذ يرددها مرار وتكرار، اختنقت من رائحة البخور النفاذة التي تكدست أبخرته فوق رئتيها، أصبح صوته تعاويذه مزعجا خاصة بعدما أخذ يعلوا شيئا فشيئا، وصل توترها إلى الحد الأقصى فهربت الدماء من عروقها، أخذت تنتفض فبدأ يضربها، يصفعها على وجهها ويلكمها في أنحاء متفرقة من جسدها، امتدت أيديه لتلتف حول عنقها حتى اختنقت وتوقفت أنفاسها واغرورقت أعينها بدموع الموت.. ماتت باكية!!
نشرت فى 14 مارس 2012
بواسطة kalamtha2er
عدد زيارات الموقع
416,031