كريم كمال
       

كانت فاطمة عبد العال عرفة ابنة الـ 16 سنة تشعر بأنها ليست مثل زميلاتها في المدرسة الثانوية التي لم تنتهي من مرحلتها الثانية بعد، كانت دائما في نظرهن غريبة الأطوار، وهو ما جعلها منبوذة من قبل الكثيرات منهن، لم تشعر أبدا بأنها فتاة في مرحلة المراهقة تعيش سنها وتغزل ضفائرها كل يوم أمام مرآتها الصغيرة التي تدسها كل فتاة بين صفحات كتبها خوفا من قرصة أذن من مدرستها أو استدعاء ولي أمر، أو ربما كانت تخشى النظر فيها خوفا من نظرات القرين الذي اعتقدت أنه يتملك كافة حواسها أو ربما كان حقا كذلك!

انطوت وزهدت في مراهقتها وماكياجها وكرهت غزل ضفائرها ومرآتها التي أخفتها في مكانا ما حتى لا ترى وجهها مصادفة خوفا من هذا الجن الذي سيطر علي أفكارها بل على حياتها بأكملها، أصبح شكلها غريبا فلم تصبح هي التي كانت تخرج من شرفة منزله فتملأ الحي إشراقا بابتسامتها التي غادرت شفتاها التي التصقت من قلة الاختلاط وتشققت من كثرة الصراخ، وعيناها التي غاصت داخل جفونها من قلة النوم أحيانا وجحظت من فزع صوته الهامس في آذانها في أخرى، شعرها الذي لم تلامسه أسنان مشطها منذ زمن بعيد، ورائحتها التي أصبحت تشبه جثث المقابر في يومها الأربعين، عاشت مع مالك حواسها ولكنها رفضت التعايش معه، لم تكن تتخيل أن خلاصها من هذا الكابوس قد يكون هو الخلاص الأخير، تركت نفسها لأمل بات بعيدا وهو اليوم الذي تعود فيه مرة أخرى ملك نفسها بدون وساوس الشيطان، ذهبت لهذا الرجل الذي يوصفه الجميع بصاحب الكرامات الذي بقدرته زلزلة عروش أكبر شياطين الجن، لم يكن ذلك سوى البليدي محمد عوض، دجال في الـ 51 من عمره وصاحب النظرات الثاقبة المشتتة التي خرقت أسهمها قلوب أهل المنطقة فتوقفت عقولهم عن التفكير لوضح حدا لسيطرته عليها، يجلس أمام موقده الذي يلقي فيه بحبات بخوره الذي أضفى طابعا مميزا للمكان الذي يقبع فيه بعيدا عن الأنظار، معتمدا على الأساطير التي يحكيها زبائنه عن سحره الذي يحل ويربط به أعماله من وعلى رقاب العباد، إضاءات حضرته الخافتة التي أضفت على ملامحه رهبة مزيفة، لم يتطلب منه الأمر الكثير من الوقت حينما دخلت عليه فاطمة منكسة لرأسها ليشخص حالتها بجملة قد أصبح وقعها رتيبا على مسامعه من كثرة ما قالها "أنت ملبوسة يا فاطمة" ، لم تكن هذه الجملة مفاجأة بالنسبة لها، تركت نفسها واستسلمت لتعاويذه المبهمة التي أخذ يرددها مرار وتكرار، اختنقت من رائحة البخور النفاذة التي تكدست أبخرته فوق رئتيها، أصبح صوته تعاويذه مزعجا خاصة بعدما أخذ يعلوا شيئا فشيئا، وصل توترها إلى الحد الأقصى فهربت الدماء من عروقها، أخذت تنتفض فبدأ يضربها، يصفعها على وجهها ويلكمها في أنحاء متفرقة من جسدها، امتدت أيديه لتلتف حول عنقها حتى اختنقت وتوقفت أنفاسها واغرورقت أعينها بدموع الموت.. ماتت باكية!!
كان المشهد مفزعا حينما خرجت على نقالة لن تقوى على إسعافها أبدا بعدما تلقى اللواء أحمد سالم جاد مدير امن القليوبية إخطارا من اللواء عرفة عمارة مساعد مدير الأمن لفرقة الخانكة بوصول جثة فاطمة عبد العال بمستشفى الخانكة العام وبها عدة إصابات متفرقة فأمرت نيابة الخانكة بندب الطبيب الشرعي لتشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة، ألتف أهل قرية الجبل الأصفر حول دجال الخانكة في ذهول، ولكنه لم يعد يقوى على النظر في أعينهم بعدما أنحنت رأسه استعدادا لركوب سيارة الشرطة التي غادرت المكان تاركة حكاية فاطمة التي قتلها الجن على يد دجال الجبل الأصفر تتردد بين كل الأهالي ..

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 101 مشاهدة
نشرت فى 14 مارس 2012 بواسطة kalamtha2er

عدد زيارات الموقع

416,031

تسجيل الدخول

ابحث