المستشارة تهانى الجبالى لـ(الشروق): الدستور الجديد يهدد البرلمان
سألت المشير عن موعد ترك السلطة فأجابنى رئيس الحرية والعدالة: الإخوان عاملين (اتفاق) مع العسكر
المستشارة تهاني الجبالي تصوير: هبة خليفة
محمد بصل
دائما تثير القاضية تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، الجدل بآرائها القانونية والسياسية، خاصة وأنها من أكثر القضاة الذين لا يمانعون فى الإدلاء بآرائهم علنا، دون الالتفات للقيود التقليدية التى تحيط بمنصة القضاء.
ومنذ اندلاع الثورة، كان للجبالى العديد من المواقف المعارضة لمسارها الدستورى، خاصة بعد التعديلات الدستورية والاستفتاء عليها، إذ وقفت منادية بـ«الدستور أولا»، معارضة رأى المجلس العسكرى.. لكنها مؤخرا عادت وتطابق رأيها مع المجلس العسكرى فى معارضة سيناريو «الرئيس قبل الدستور».
الجبالى تؤكد فى حوارها لـ «الشروق» أن مواقفها لم تتغير، وأنها ما زالت مع «الدستور قبل كل شىء» وتكشف لأول مرة تفاصيل الجلسة التحضيرية للمجلس الاستشارى، «حيث كان الإخوان متوافقين مع المجلس العسكرى فى أمور تم إلغاؤها فيما بعد»، وتحكى أيضا أسرار تعيينها فى المحكمة قبل 7 سنوات.
● ما الضرر الذى ترتب على تأجيل وضع الدستور إلى ما بعد انتخابات البرلمان والرئاسة؟
ــ هناك مخاوف عديدة لا تظهر للعيان فى الوقت الراهن، أهمها أنه بتغيير بعض المواد الأساسية فى الدستور الذى انتخب على أساسه مجلس الشعب الحالى وينتخب على أساسه أيضا مجلس الشورى، وقد ينتخب على أساسه رئيس الجمهورية إذا تم التوافق على سيناريو «الرئيس قبل الدستور» فسيكون أمامنا حلان لا ثالث لهما:
الأول، أن تظل هذه المؤسسات والسلطات الناشئة كما هى فى ظل دستور جديد رغم انتخابها فى ظل دستور قديم، وهذا أمر معيب دستوريا.
والثانى، وهو الأصح دستوريا، أن يتم حل البرلمان وإعادة انتخابه مرة أخرى، وكذلك رئيس الجمهورية، تفعيلا للنصوص الدستورية الجديدة.
● تقصدين أنه يجب حل البرلمان إذا تغيرت مادة نسبة العمال والفلاحين مثلا فى الدستور الجديد؟
ــ بالطبع، لأن الأساس الذى تشكل عليه البرلمان سيكون قد تغير، ومن هنا نستنتج أن البرلمان الحالى مؤقت، وبقاؤه كما هو معلق بشرط المحافظة على جميع المواد الدستورية الحالية المنظمة لمسألة الانتخاب فى الدستور الجديد، وهى مادة العمال والفلاحين والمادتان اللتان تنظمان تعيين نسبة أعضاء فى مجلسى الشعب والشورى، وبقاء هذه المواد طبعا محل شك.
وإذا لم يتم حل البرلمان عندها، سيمثل ذلك إهانة لتاريخ مصر الدستورى، لأن الدستور يجب تفعيله بعد وضعه فى التو واللحظة.
● لماذا لم تحاولى إيصال مخاوفك هذه إلى لجنة التعديلات الدستورية فى فبراير الماضى؟
ــ اللجنة ارتكبت خطأ فادحا بفرض السرية الكاملة على أعمالها من اللحظة الأولى، وهذا مخالف للأعراف الدستورية التى تتطلب مناقشة مجتمعية وقانونية واسعة عند وضع أو تعديل الدساتير.
وأذكر للتاريخ، أننى أرسلت رسالة للمستشار الجليل طارق البشرى، رئيس اللجنة، عبر نجله المستشار عماد البشرى، عضو هيئة المفوضين بالدستورية العليا، ممهورة بتوقيعات 22 من كبار القانونيين فى مصر، نناشده فيها بالاكتفاء بتعديل المواد الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، ووضع نص انتقالى يلزم رئيس الجمهورية بتشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد ثم إجراء الانتخابات التشريعية، وقد كنا فى ذلك الوقت متخوفين من طول الفترة الانتقالية، وأردنا نقل الكرة لملعب الرئيس الجديد بالتزام دستورى محدد.
وكان تصورنا وقتها أن يظل دستور 71 باقيا ويعدل فقط، ويستمر بالتعديلات 6 شهور أخرى، لكن اللجنة الدستورية رأت أن البرلمان هو الذى يضع الدستور بطريقة غير مباشرة، واعتبرت فى حينه أن هذه الرؤية معيبة دستوريا.
● لماذا تعارضين الطريقة المنصوص عليها فى الإعلان الدستورى لاختيار الجمعية التأسيسية؟
ــ البرلمان بطبيعته سلطة منشأة بفعل الدستور، ويمكننا قبول أن يعدل البرلمان الدستور، لكن لا ينشئه، وبعد ثورة بحجم 25 يناير كان يجب انتخاب أو تعيين لجنة تأسيسية من الشعب مباشرة لوضع الدستور الجديد، وكان يمكن وقتها أن يرعى المجلس العسكرى توافقا بين التيارات السياسية والقوى الوطنية والنقابات والهيئات لاختيار أعضاء هذه اللجنة، أو أن ترشح كل هيئة قائمة بأعضائها المرشحين للمشاركة فى كتابة الدستور ويتم الاختيار بالتوافق أيضا.
لكن الرؤية التى انتهت إليها لجنة المستشار البشرى فى أن تنتخب الجمعية التأسيسية على درجتين، الأولى منهما هى مجلسا الشعب والشورى، أمر له بريق على المستوى الفكرى المجرد، لكنه لا يتوافق جيدا مع الواقع السياسى.
كما أن به مخاطرة شديدة، لأن محكمة النقض قد تبطل عضوية أكثر من نصف النواب، وحينها سيحل البرلمان، وسيكون الموقف القانونى للجمعية التأسيسية ضعيفا وستصبح هى أيضا عرضة للبطلان.
● هل تتخوفين إذن من سيطرة الإسلاميين على الجمعية التأسيسية؟
ــ التخوف قائم من استئثار الإسلاميين بكتابة الدستور، وأيام وضع التعديلات الدستورية لم يكن أحد يستطيع الجزم بالنتيجة التى ستخرج بها الانتخابات، لكن القراءة السليمة كانت تتوقع أن تكون الغلبة للإسلاميين لأنهم الأكثر تنظيما، والطبيعى أن الأغلبية البرلمانية المنتخبة فى لحظة ما، لا يجب أن تستأثر بكتابة الدستور، لأن الدستور هو العقد الاجتماعى العام، والانتخابات التى أفرزت أغلبية إسلامية اليوم قد تفرز غدا أغلبية يسارية أو ليبرالية، والاستئثار سيؤدى إلى حالة من الفوضى السياسية، خاصة أن الحالة الثورية ما زالت فى الشارع، وسترفض ذلك بالتأكيد.
● نحن الآن أمام إعلان دستورى صادر من المجلس العسكرى، هل ترين أنه يعبر عن الإرادة الشعبية؟
ــ القراءة المتأنية للإعلان الدستورى تؤكد أن التعديلات الدستورية كانت استرشادية وليست ملزمة، لأن المجلس العسكرى حذف جزءا من نص المادة 189 المعدلة، وبصفة عامة فالإرادة الشعبية ظلمت كثيرا فى التعديلات.
● ما رأيك فى مطلب تسليم السلطة لرئيس مجلس الشعب لتقليص الفترة الانتقالية؟
ــ المسار الذى دخلنا فيه يجب احترامه.. بغض النظر عن اختلافى أو رفضى له، لكن كل الحلول التى تطرح، ومنها هذا المطلب قد يعرضنا لمآزق دستورية جديدة، ففكرة نقل السلطة لرئيس البرلمان تمنحه اختصاصات وسلطة غير منصوص عليها فى الإعلان الدستورى، كما أنه لا يوجد ضمان دستورى يلزمه بإجراء انتخابات الرئاسة خلال 60 يوما، كما كان منصوصا عليه فى دستور 71.
● تأييدك لبعض المواقف الأخيرة للمجلس العسكرى يجعلنا نسألك: هل يستشيرك المجلس العسكرى قانونيا فى قراراته؟
ــ توافقى معه فى بعض المواقف لا يعنى تأييدى له سياسيا، والحقيقة أن المجلس العسكرى لم يسبق وأن استشارنى فى أى شىء.. فقط دعانى لحضور اجتماع لاستطلاع آراء القانونيين فى يوليو الماضى، وأعلنت فى الاجتماع رفضى للمسار الدستورى الحالى والتعديلات الدستورية بصراحة.
● وماذا عن محاولة تعيينك فى المجلس الاستشارى؟
ــ دعانى المجلس العسكرى لمهمة لم يوضحها، فاستأذنت رئيس المحكمة، ثم توجهت للاجتماع فوجدت أن هناك مشروعا لإنشاء مجلس استشارى يضم مفكرين وسياسيين وقانونيين، فاستحسنت الفكرة كثيرا لأننى كنت أطالب منذ مارس بإيجاد آلية وطنية مجتمعية لترشيد القرار وتبصير المجلس العسكرى، لكننى اعتذرت عن عضوية هذا المجلس بسبب موقعى القضائى.
● ما تفاصيل الاجتماع التحضيرى الذى حضرته للمجلس الاستشارى؟
ــ فى البداية أؤكد أن أعضاء المجلس العسكرى أعلنوا خلال الاجتماع أن المهمة الأولى للمجلس الاستشارى هى وضع معايير اختيار الجمعية التأسيسية ليصدر بها قانون، وكان ذلك بحضور كل الأطراف السياسية بما فى ذلك حزب الحرية والعدالة ممثلا فى رئيسه محمد مرسى، وبحضور المشير طنطاوى والفريق سامى عنان، حيث أكد المشير أنهم سيسلمون جميع السلطات للمدنيين قبل 30 يونيو.
● وماذا كان تعليقك؟
ــ طلبت الكلمة وسألت المشير: من أين لك بهذا اليقين أنكم ستتمكنون من إجراء جميع الاستحقاقات الانتخابية والدستورية قبل هذا التاريخ؟
فأجابنى د.محمد مرسى، رئيس حزب الحرية والعدالة، بأن «هناك اتفاقا سياسيا بين المجلس العسكرى والتيارات السياسية وعلى رأسها الإخوان على سرعة إنجاز مسألة معايير اختيار الجمعية التأسيسية، وأن يصدر قانون يختزل المدد المنصوص عليها فى الدستور» واستطرد قائلا «هناك deal «. (ترجمتها العربية صفقة أو اتفاق).
فرددت عليه قائلة: رغم أن الشعب ليس طرفا فى الـdeal إلاّ أننى أشجع ذلك، حتى يسهل تسليم السلطة للمدنيين واختصار المدة الانتقالية.
والمثير للاستغراب أن الإخوان فور انسحابهم من المجلس الاستشارى رفضوا وضع المعايير من الأصل!
● وهل تؤيدين أن تضم اللجنة أعضاء من البرلمان؟
ــ لا، يجب أن تخلو اللجنة من أى عضو برلمانى، ليس فقط لأن انتخاب النفس أمر معيب دستوريا، لكن حتى لا يتأثر عمل اللجنة إذا حكمت محكمة النقض مثلا ببطلان عضوية النائب الذى اختير فيها، فيجب علينا أن نبتعد عن أى شبهة قد تؤثر مستقبلا فى حسن سير اللجنة وسرعة أدائها.
● وهل المدة الباقية من الفترة الانتقالية المعلنة كافية لإعداد دستور؟
ــ نعم، إذا خلصت النوايا وحدث التوافق على معايير اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية.. لكن المشكلة الكبيرة تبقى فى اختيار نظام الدولة وتحصينه ليكون ديمقراطيا فى كل الأحوال، لأن بعض النظم البرلمانية مستبدة وكثير من النظم الرئاسية مستبدة، وأرى أن النظام البرلمانى غير مناسب لمصر التى كانت تعيش عهودا طويلة فى النظام الرئاسى الكامل، لذلك أقترح اختيار النظام الرئاسى المحصن أو المختلط.
● وماذا عن بقاء مجلس الشورى فى الدستور الجديد؟
ــ يجب أن تعاد صياغة صلاحياته بحيث يتحول لمجلس خبرة وتلحق به المجالس القومية المتخصصة، ليصبح العلم عنوانا لاتخاذ القرار، وتكون كل غرفة برلمانية لها اختصاصات وسلطات معينة.
● هل ترفضين تولى عسكرى منصب الرئاسة؟
ــ لا أجد أى مانع لذلك، فالتاريخ يذكر لنا أنه ليس كل من استبدوا وحكموا بالحديد والنار كانوا عسكريين.
● ماذا كان شعورك وأنت ترين مشهد سحل فتاة التحرير؟
ــ غضبت شأن أى مواطن مصرى، ودعوت لتحرى الدقة فى تحقيق قضائى شفاف، وعدم الانجراف للتعامل معه بشكل سياسى ومحاولة إحراج الجيش المصرى، والمسئول عن هذه المحاولات أمريكا وإسرائيل وربما يمتلكان طابورا خامسا داخل مصر يحاول لعب نفس الدور.
وأريد أن أقول هنا أن هيلارى كلينتون وصفت ما حدث بأنه «عار على الجيش المصرى» واجتمعت فى اليوم التالى لجنة حقوق المرأة بالأمم المتحدة التى كنت عضوا بها 11 سنة، وكنا نحاول بالشهور عقد اجتماع واحد لمناقشة ما تتعرض له نساء العراق وفلسطين والبوسنة، وكانت أمريكا ترفض عقدها.
كل هذا يجعلنى أتأكد أن الجيش المصرى تعرض لمحاولات لاستغلال الموقفين سياسيا.
● وما الذى يجعلك متأكدة أن هذه الأحداث فردية؟
ــ عندما علمت بواقعة كشف العذرية، سألت أحد أعضاء المجلس العسكرى غاضبة عن ذلك، فأجابنى بأن طبيبا مجندا هو من قام بذلك من تلقاء نفسه وأحيل للمحكمة العسكرية، أى أن هذا الانتهاك ليس عقيدة أو قرارا عسكريا.
● سميرة إبراهيم ضحية كشف العذرية ادعت أن شخصية قضائية كبيرة طلبت منها التنازل عن القضية، وكانت على ما يبدو تشير إليك؟
ــ سمعت هذا فى حينه وآثرت الصمت، لكننى سأتكلم الآن، والشاهد على كلامى د.ممدوح حمزة ود.أسامة الغزالى حرب، فما حدث أن سميرة كانت تتصل هاتفيا بالدكتور حمزة، فأعطانى سماعة الهاتف لأكلمها، فقلت لها «أنا أم وأقدر جدا ما تعرضتِ له، لكن وصيتى لكِ أن تستخدمى القانون المصرى فى الحصول على حقك، وماتخليش حد يستغل الحادث سياسيا» ولم يحدث أن طلبت منها التنازل عن قضيتها.
● ما الأهداف التى حققتها الثورة وما لم يتحقق؟
ــ الشعب المصرى نجح فى إزاحة رأس نظام صعب ومتمرس، وفتح مسام الوطن للديمقراطية والحوار، وانتزع حق التظاهر والإضراب السلمى، وأصبح سيد الموقف فى الميدان، وأنهى أسطورة السلطة الأبوية للأبد، ولم يعد ممكنا لأحد أن يستبد به.
لكن الأهداف الكبرى لم تتحقق بعد وهى إقامة نظام سياسى حر ورشيد وبناء تنمية حقيقية تكون مقدمة لعدالة اجتماعية، وهنا ألفت النظر إلى أن الثورة بعد عام على اندلاعها لم تصدر وثيقة تلتف عليها الأمة، رغم أن ذلك مهم جدا.