محمد حسنين هيكل

منذ ذلك اللقاء الأول ــ والمطول ــ مع الرئيس «مبارك»، كان بين ما لفت نظرى ــ وبشدة ــ توسعه الشديد فى استعمال ألفاظ يصعب تداولها فى أحاديث السياسة، ومعظمها مما تتجنبه الأعراف، وبعضها مما تطاله مواد القانون!!

 

وفى ذلك اللقاء الأول لاحظ هو دهشة لعلها أفلتت إلى ملامح وجهى عندما سمعت بعض ما كان يرد على لسانه بين الحين والحين من لفظ، وكذلك بادر إلى شرح ما لم يكن لديه داعٍ لشرحه، قائلا «لا مؤاخذة يا محمد بيه»، ولكن هذه التعبيرات أننى لاحظت أنها أقلقتك هى اللغة التى كنا نستعملها فى المعسكرات والقواعد البعيدة».

 

وطمأنته إلى أننى بتجربة مراسل حربى قديم ــ سواء فى الحروب التى خاضتها مصر، أو فى حروب آخرين غطيتها ــ سمعت قادة كبار يستعملون مثيلا لما وصفه بأنه «لغة المعسكرات والقواعد»، وطمأنته أيضا إلى أننى سمعت الرئيس الأمريكى الأشهر الچنرال «دوايت أيزنهاور» ــ يستعمل هذه الألفاظ مرات!

 

وأظهر اهتماما بقوله: و«كمان» أيزنهاور؟!».

 

ثم أضاف أنه سمع نفس اللغة عندما كان فى روسيا يدرس فى كلية «فرونز»، ثم سمعها ــ كذلك ــ أثناء اختلاطه بالعسكريين الأمريكيين الذين التقاهم فى تجربته، حتى كنائب رئيس، لكنه لم يخطر له أن يستعملها «أيزنهاور»!!

 

وعلَّق وهو يبتسم «أن الناس تسمع هذه الأسماء المشهورة فى العالم وتنبهر، لكنه عندما يقتربون منهم كفاية يرونهم مثلنا «ويمكن أوحش»!!».

 

أضاف «مبارك» أن «سوزى» (يقصد السيدة قرينته)، حاولت منذ زواجهما أن «تربينى» من جديد، وقد نجحت، واستدرك «مبارك» ــ بعفوية ــ قائلا: «إلى حد ما»، وأضاف «أنه واعٍ لهذه المشكلة، حريص ألا تفلت منه كلمة أثناء خطاب عام».

 

جمال عبد الناصر مع الجماهير أثناء حرب السويس

 

●●●

 

ولم يظهر لى بعدها أن «مبارك» حقق نجاحا كبيرا رغم محاولاته، ومحاولات غيره، فقد حدث فيما بعد ــ أن زارنى الأستاذ «فؤاد سراج الدين» يريدنى أن أسمع شريطا مسجلا ــ وصل إليه ــ لخطاب ألقاه وزير الداخلية ــ وقتها ــ اللواء «زكى بدر» أثناء مؤتمر شعبى فى «قليوب»، وسمعت الشريط وإذا وزير الداخلية يكرس فقرات طويلة من خطابه للهجوم على رئيس حزب الوفد، ثم يتجاوز بالسب والقذف، واصلا إلى أصول العائلة وجذورها، وكان «فؤاد سراج الدين» مستفزا وبحق، وهو يحكى لى وقائع ما جرى!!

 

واتصلت و«فؤاد سراج الدين» أمامى بـ «أسامة الباز»، وكان فى مكتبه بوزارة الخارجية القديم، أسأله إذا كان يستطيع أن يمر علينا، وهو على بُعد خمس دقائق بالسيارة من مكتبى، وبالفعل جاء «أسامة» وسمع بنفسه رواية «سراج الدين»، وتعهَّد بأنه سوف يأخذ الشريط إلى الرئيس، وهو «يثق أنه لا يرضى بإهانة أحد، خصوصا رجل فى مقام «فؤاد» (باشا)».

 

وبعد يومين اثنين اتصل بى الرئيس «مبارك» بنفسه على التليفون يقول «إنه عرف بما وقع وحقق فيه ــ وأنه طلب من «زكى بدر» أن يعتذر لـ«فؤاد سراج الدين» ــ وأن وزير الداخلية نفذ الأمر ــ وهو يطلب اعتبار الموضوع منتهيا».

 

وأضاف «مبارك»:

 

إن «زكى بدر» حاول أن يلف ويدور معه، مدعيا أن شريط التسجيل مزور، ولكنه لم يعطه الفرصة، ثم راح «مبارك» يروى ما جرى بعد ذلك.

 

وطبقا لروايته:

 

«اتصل به «زكى بدر» وأبلغه أنه اعتذر فعلا لـ«سراج الدين» ــ وبأمر الرئيس ــ رغم أنه مازال مصرا على أن الشريط مزور.

 

وسأله «مبارك»: هل «قَبِلَ» «فؤاد سراج الدين» الاعتذار؟! ــ وكان الرئيس «مبارك» يضحك وهو ينقل لى ما سمعه من وزير الداخلية «زكى بدر»، الذى رد عليه قائلا له: سيادة الرئيس أنت تعرف «فؤاد سراج الدين»، هذا النوع من الناس لا يمكن إقناعهم، فهم (......)، وكلها شتائم أقذع مما قال فى الشريط.

 

واستطرد «مبارك»: تصور أنه وهو ينكر فى كلامه معى، كرر السب والقذف بأشد مما قاله علنا، و.. «     »!!

 

ولم أتمالك نفسى فأبديت ملاحظة تساءلت فيها: «هل هذا معقول؟!».

 

وكانت المفاجأة أن الرئيس «مبارك» رد بقوله: «أنت لا تعرف «زكى بدر» ــ لسانه مفلوت و(......)، وكانت كلمات الرئيس فى وصف وزير داخليته «أصعب» مما قاله «زكى بدر» عن «سراج الدين»، ولاحظ «مبارك» بسكوتى أننى مأخوذ مما سمعت منه هو أيضا، ثم كان تعليقه الأخير «لا مؤاخذة يا محمد بك»، يظهر أن «الكتابة» تعلِّمكم الشعر، ولا تعرِّفكم «عن الدنيا وما فيها»!!

 

ثورة 1919

 

●●●

 

واتصلت بالأستاذ «فؤاد سراج الدين»، أرجوه نقلا عن الرئيس أن يعتبر المسألة منتهية، وأن «زكى بدر» على ما أظن اعتذر له.

 

وقال لى «فؤاد سراج الدين»: «الرئيس «مبارك» كلمنى فورا، وسألنى إذا كان «زكى بدر» قد اعتذر لى، وإذا كنت قبلت اعتذاره!!».

 

وأضاف «سراج الدين»: أنه يقترح أن نلتقى ظهر اليوم التالى على الغداء فى بيته ونتحدث فى هذا الموضوع، وفى غيره من هموم الساعة، وعلى الغداء فى بيته فى «جاردن سيتى» التقينا فى اليوم التالى، وكنا على المائدة خمسة:

 

«فؤاد سراج الدين» نفسه ــ والسيدة «ليلى المغازى»، وهى صديقة عائلية قديمة رأت أحوال الفوضى فى حياة ذلك السياسى المخضرم بعد وفاة زوجته السيدة «زكية البدراوى»، خصوصا وهى تعرف أن صحة ابنته الكبرى «نائلة» لم تكن على ما يرام، كما أن ابنته الثانية «نادية» متزوجة وتعيش فى الكويت ــ وكذلك اقتربت هى من حياته ترتب شئون بيته.

 

وكان الثالث هو الصديق ورفيق السجن المشترك «عبدالفتاح حسن» (باشا) قطب حزب الوفد السابق، ووزير الدولة مع «فؤاد سراج الدين» فى وزارة الداخلية، لأن «فؤاد سراج الدين» كان مسئول وزارتين فى وزارة «مصطفى النحاس» (باشا) الأخيرة وهما: المالية والداخلية.

 

ثم قرينتى وأنا.

 

وراح «فؤاد سراج الدين» يحكى منذ اللحظة الأولى.

 

حكى كيف وصله شريط التسجيل (من ضابط بوليس كبير يعرفه منذ كان هو نفسه وزيرا للداخلية قبل الثورة!).

 

وكيف اتصل به «زكى بدر» يحاول التنصل من الاعتذار بأن الشريط مزور، وأنه قال له «إنه كوزير سابق للداخلية لا يرضى لوزير لاحق ــ أن يراوغ كما يراوغ أى متَّهم أمام مأمور القسم الذى احتجز فيه!».

 

ثم وصل «سراج الدين» إلى اتصال «مبارك» به، وإذا «فؤاد سراج الدين» يسمع من الرئيس «مبارك» مثلما سمعت قبله فى وصف رئيس الدولة لوزير داخليته.

 

وقال «فؤاد سراج الدين» إنه سأل «مبارك» ــ «إذا كان ذلك رأيك فيه، فلماذا لا تغيره؟!!».

ورد «مبارك» بأن:

 

«كلهم رشحوه كضابط بوليس قادر على مواجهة حالة الإرهاب فى البلد، لكنه الآن يفكر جديا فى تغييره».

 

وواصل «فؤاد سراج الدين»:

 

«إن الرئيس سأله بعدها إذا كان لديه مرشح يصلح؟!».

 

وأجابه «فؤاد سراج الدين»:

 

«إن الرئيس يستطيع اختيار أى خفير فى أى بندر، ولن يكون اختياره أسوأ من اختيار «زكى بدر».

وتطوَّع «عبدالفتاح حسن» (باشا) يقول موجِّها كلامه إلى «فؤاد سراج الدين»:

 

«ولِمَ لمْ ترشح له (يا باشا) أحدا تعرفه بجد؟!».

 

ورد «فؤاد سراج الدين»، وفى رده تجربة سياسى مخضرم:

 

«هل يُعقل أن يطلب رئيس دولة من معارض له أن يختار مسئولا عن أمنه، بينما هو يعتبر بالتأكيد أن هذا المعارض خطر سياسى عليه؟!».

 

ومضى «فؤاد سراج» ملاحظا:

 

«أنه يستغرب أن يتخلى رئيس بهذه الطريقة عن مرءوس له، حتى وإن أخطأ، وإنما الصواب أن يقوم بتصحيحه فيما بينهما، ومن المعقول أن يطلب إليه الاعتذار لمن أساء إليهم، ولكن لا يكشفه أمام المعارضين ويطلب منهم ــ بديلا يحل محله!!».

 

وأضاف:

 

«إما أن «مبارك» لا يقصد ما يقوله، وما طلبه منى «فك مجالس»، وهذا سياسيا لا يجوز، وإما أنه على استعداد لأن يرمى أى واحد من رجاله فى البحر لتخف حمولة قاربه، وهذا لا يطمئن!!».

 

●●●

 

وكان ظنى وقد قلت يومها على الغداء فى بيت «فؤاد سراج الدين» «إنه ليكن ما يكون، وإننى لست مختلفا معه فيما قال، لكن البلد أمام مشكلة حقيقية».

 

ــ نعم الرجل لديه أسباب للقصور كلنا نراها.

 

ــ لكنه فى المقابل فإن الرجل يرأس الدولة المصرية فعلا، وليس هناك غيره.

 

ــ ومن الناحية الأخرى فليست هناك بدائل هذه اللحظة، بل ليست هناك وسائل إلى هذه البدائل.

 

ــ والظروف فى البلد دقيقة وشديدة، لأن أحدا لا يعرف على وجه التحديد ما يكفى من الحقائق وراء الظاهر مما يراه!!

 

واتفق «فؤاد سراج الدين» معى فى أشياء واختلف فى أشياء، وكان خلافه فى الأساس قولى «إنه ليس هناك بديل»، وظنه أن حزب الوفد ليس فقط البديل، ولكنه الأصل الشرعى الموجود.

 

وكان ذلك موضوعا خلافيا بين «فؤاد سراج الدين» وبينى، فقد كان رأيى أن استحضار الماضى مثل استحضار الأرواح غير مقنع فى أبسط الأحوال!!

 

وقد يصبح حزب الوفد نداء لنوع من الديمقراطية، لكنه يصعب علىَّ أن أراه نداء لشكل المستقبل.

 

والحقيقة الراهنة أن «مبارك» هو الرئيس، وإلى جانب ذلك فليس فى مقدورنا أن نساعده، لأن كلانا لديه تحيزات مسبقة من تأثير انتمائه إلى مرحلة معينة فى التاريخ المصرى، ومع تسليمى بتواصل المراحل، فإن كل مرحلة لها خصائص، وأيضا لها مسئوليات!!

 

وكان اقتراحى على «فؤاد سراج الدين» «أن يحاول كل من يستطع مساعدة الرجل على أن ينمو بتجربته الخاصة، وذكَّرته بالرئيس الأمريكى «هارى ترومان» الذى كان نائبا للرئيس، ثم رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية بعد وفاة قائدها الأشهر «فرانكلين روزفلت» ــ بينما الحرب العالمية الثانية ضد «هتلر» مازالت تجرى، و«روزفلت» كان قائد التحالف الكبير الذى يخوض الحرب ضد «هتلر»، وهناك قرارات كبرى تنتظر أمره، وأولها قرار استخدام الأسلحة النووية لأول مرة فى حرب (ضد اليابان)».

 

وأضفت «أن «ترومان» بدا لكل المهتمين بمستقبل العالم ــ آخر رجل يمكن الاعتماد عليه فى قيادة معركة المستقبل العالمى، سواء لإنهاء الحرب أو بعدها، حتى وإن لم يكن سلاما، لكن النخبة فى الولايات المتحدة وقفت مع الرئيس الجديد وأعطته الفرصة، وقد كبر الرجل ونضج بتجربة المسئولية، وأصبح من أبرز الرؤساء الأمريكيين فى القرن العشرين».

 

ولم يبدُ على «فؤاد سراج الدين» أنه اقتنع بإمكانية أن يتحول «حسنى مبارك» إلى «هارى ترومان» مصرى.

 

وتدخَّل «عبدالفتاح حسن» (باشا) فى الحوار مرة ثانية، يقول موجِّها الكلام لـ«فؤاد سراج»:

 

«ما رأيك يا باشا أن ينضم («هيكل») إلى الوفد، ويكون من ذلك لقاء بين الثورتين (يقصد سنة 1919 وسنة 1952) ــ وفى حين أن «فؤاد سراج الدين» التفت متحمسا إلى السيدة «ليلى المغازي» يطلب منها أن تذهب بسرعة إلى غرفة مكتبه وتجىء باستمارة عضوية لحزب الوفد ــ فقد قلت من جانبى: «إن «عبد الفتاح حسن» (باشا) لا يريد أن يقتنع بأنى صحفى فقط، لا دخل له بالتنظيمات السياسية، إلى جانب أننى من مؤيدى ثورة سنة 1952 ولكنى لا أمثلها، وفوق ذلك فهناك قناعتى بأن كلا من الثورتين 1919 و1952 قد استوعبها التاريخ المصرى وهضمها، ودخلت عصارتهما فى عروقه، والآن زمان جديد!!».

 

وكالعادة فى مثل هذه المناقشات لم نصل إلى شىء، وقُصارى ما اتفقنا عليه بعدها: فنجان قهوة ودخان سيجار!!

 

الجنرال بوفر

 

●●●

 

وبعد أيام قليلة عاود «مبارك» اتصاله بى، فقد اتصل يشكرنى أننى طلبت موعدا معه لصديق عزيز يزور مصر، وهو الأمير «صدر الدين أغاخان»، وكنت قد طلبت الموعد عن طريق «أسامة الباز»، وتحدد فعلا، وقابله «مبارك»، والآن كان «مبارك» يتصل بى يشكرنى أن أتحت له الفرصة يقابل رجلا مثل «صدر الدين أغاخان» الذى وجده «رجلا عظيما!!».

 

وقال الرئيس «مبارك» على التليفون: «إن «الرجل» يعرف الكثير، وشخصيته آسرة، وهو متواضع رغم أنه أمير».

 

وقلت: «إنه بصرف النظر عن مسألة الإمارة فإن «صدر الدين أغاخان» رجل متحضر، وقد عاش تجربة إنسانية كبيرة، عندما قام على مهمة مفوض الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، فذلك أتاح له أن يتحرك على اتساع القارات» ــ أضفت: «إن «صدر الدين أغاخان» تحمَّل هذه المهمة بلا مقابل، وحين قيل له إن لكل منصب عقدا، وكل عقد له مرتب ــ فإنه طلب أن يكون مرتبه فى العقد دولارا واحدا كل سنة».

 

وقال «مبارك»: «هو غنى جدا كما عرفت من «أسامة»، و«أسامة الباز» قال لى إن أتباع مذهبهم يزنونهم بالذهب كل عام».

 

ثم أضاف: «أنه استفاد من لقائه، واستمتع به» ــ ثم تساءل: «لم يعد هناك ناس كثيرون بهذا الشكل؟!!».

وقلت: «إن الناس موجودين» ــ أضفت: «أن مصر ملأى برجال ونساء لهم قيمة، لكنه لا يراهم».

 

وسأل: «وكيف نعثر عليهم؟!».

 

ووجدتها فرصة لأطرح عليه اقتراحا ظننته نافعا.

 

وسألته: لماذا لا يدعو على غداء أو عشاء أو حتى فنجان شاى، عشرة أو اثنى عشر رجلا أو امرأة من شخصيات مصر مرة كل شهر ــ يعرفهم ويستمع إليهم ويتحاور معهم؟!!

 

مفكرون ــ أساتذة جامعات ــ رجال أعمال ــ ساسة، حتى ولو كانوا معارضين.

 

قلت له: «إنه يتعامل مع كل الناس من خلال قنوات رسمية، أو بالأدق من خلال قناة واحدة فى مكتبه، ومع تقديرى لنشاط رجل مثل «أسامة الباز»، فمن حق الرئيس أكثر مما هو واجبه ــ أن يتوسع فى دائرة من يعرف».

 

وقلت له: «إن الرئيس «چون كنيدى» كان يتبع هذا التقليد».

 

غداء أو عشاء أو فنجان شاى منظم كل شهر مع مجموعة متنوعة من عناصر الفكر والفعل فى البلد، ومن خارج المجال الرسمى.

 

رد بعد قليل: «إن كل هؤلاء سوف يخرجون ويملأوا الدنيا كلاما معظمه «هجص».

 

وقلت: بإذنه فإنه يظلم الناس، ومع ذلك فماذا يحدث لو تكلموا أو تكلم بعضهم، ثم إن ذلك ربما يحدث فى بداية التجربة، لكنه عندما تتعود النخب على لقاء رئيس الدولة ويسمع منها وتسمع منه فإن التجربة سوف تأخذ مسارها الطبيعى، ولا تعود عجبا يستوجب كثرة الكلام!!».

 

قلت أيضا: «إنه إذا كان قد استفاد من لقائه مع «صدر الدين أغاخان»، فإن كثيرين من العالم الخارجى ــ مجموعة شخصيات متنوعة ومنتقاة يمكن دعوتها للقائه فى مصر ولأحاديث مفتوحة معه». وأضفت «أننى فعلت ذلك مع «جمال عبدالناصر» ورتبت لكثيرين من نجوم ذلك العصر أن يجيئوا إلى مصر ضيوفا علينا ويلتقون به، بحيث تحتك أفكار بأفكار، وتتلاقى عقول مع عقول، وإنى أتذكر أن «جمال عبدالناصر» استفاد من رجال ونساء دعوتهم إلى مصر، ومنهم على سبيل المثال الماريشال «مونتجمرى» ــ والچنرال «بوفر» ــ و«چان بول سارتر» ــ و«سيمون دى بوفوار»، وصحفيين عالميين من أمثال «والتر ليبمان» ــ و«ساى سالز بورجر» ــ و«دنيس هاملتون» وساطع الحصرى وقسطنطين زريق وكلاهما من جيل المفكرين القوميين الكبار، وكثيرين غير هؤلاء.

 

وسكت «مبارك» قليلا، ثم تساءل:

 

«ولماذا لا تفعل نفس الشىء الآن؟!» ــ ثم أضاف «أننى عرضت عليك أن تدخل الحزب ومن داخله تستطيع أن تتصرف».

 

وقلت: سيادة الرئيس.. أولا أنا لم أنتمِ حزبيا طول عمرى. وثانيا فإننى لا أستطيع أن أكرر معك ما فعلته مع «جمال عبد الناصر»، لأن التاريخ لا يعيد نفسه على حد ما قال «كارل ماركس»، التاريخ لا يعيد نفسه وإذا فعل فهو فى المرة الأولى دراما مؤثرة، وفى المرة الثانية مهزلة مضحكة!!».

 

وأدهشنى تعليقه:

 

«الله.. تستشهد بـ«كارل ماركس»؟!».

 

ثم كان اقتراحه ـ تكرارا لسابقة فى ذاكرتى، أن يبعث إلىَّ بـ«أسامة الباز» أتحدث معه فيما أتصوره لتنفيذ ما اقترحه.

 

هيكل وتوفيق الحكيم وسارتر وسيمون دي بوفوار

 

●●●

 

وجاء «أسامة الباز» فعلا، ومعه نفس الدفتر الأصفر مما يستعمله رجال القانون فى أمريكا، لكنه لم يخرج قلما من جيبه، وإنما راح يحاورنى وهو يجلس أمامى ويهز رأسه على طريقته «عندما يواجه معضلة»، ويقول:

 

«أنت تتعب نفسك، وتتعب الناس معك دون داعٍ ــ هو لن يقابل أحدا، قد يكون «انبسط» من مقابلة «صدر الدين أغاخان»، لكن هؤلاء ليسوا نوع الناس الذين يستريح معهم».

 

وقاطعته: لماذا تفترض ذلك، دع الرجل يرى ويسمع ويعرف أن البلد والعالم ملأى برجال ونساء يستطيع أن يتعلم منهم!

 

ثم قلت: «أسامة» لديك فرصة «تأهيل» رئيس..!

 

وبدوره قاطعنى «أسامة»: «أنا أعرفه أكثر منك، وصدقنى هو لا يستريح إلا لمن يعرفهم، وأما غيرهم فهو من الأصل لا يشعر معهم بالاطمئنان».

 

وأظن أن «أسامة» كان يعرف أكثر، فلم أسمع بعدها عن الفكرة، لا من «مبارك» ولا من غيره!

 

المصدر: بوابة الشروق
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 117 مشاهدة
نشرت فى 29 يناير 2012 بواسطة kalamtha2er

عدد زيارات الموقع

420,809

تسجيل الدخول

ابحث