جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
لم يعطنى فرصة لأسأله.. وانهال بكلمات متتالية غاضبة «الناس دى مش حاسة بحاجة».. فيه مشكلة كبيرة فى البلد، طيب أدينى رحت وحطيت صوتى، كان نفسى ألاقى حد مهتم بمشكلتى.
وانتظرت أن يشرح لى المشكلة: أنا دخت على أنبوبة بوتاجاز تلات أيام، رحت المستودع فى الزاوية، طابور طوله كيلو ومابيتحركش، عربيتين كبار كل واحدة بتشيل حوالى ألف أنبوبة فرغت حمولتها. وقفت ساعة والطابور ما بيتحركش.
درت حول المستودع فى الخلف كان صاحب المستودع يبيع الأنبوبة بـ15 جنيه مع إن سعرها 3 جنيه ونص. طوابير تجار السودا بيحملوا فى وجود رجال التموين وغيرهم. وقفت فى طابور وأخدت أنبوبة بـ15 جنيه، مشيت ولسه الطابور واقف.. سألنى: تفتكر ممكن بتوع مجلس الشعب يهتموا بالأنابيب؟ كل اللى شايفه خناقة كبيرة على كراسى لكن مش شايف حد بيشتغل.
انتهى من كلامه، وقال «أنا آسف، كان لازم أفضفض وإلا كنت هطق. الصدفة جمعتنا، وكان موكبا انتخابيا يمر، ويبدو أنه رآنى أبتسم فقرر أن يفضفض قبل أن أسأله».
هدأ قليلا وعاد يقول: أزمة الأنابيب كل سنة فى الوقت ده، وكل مرة الحكومة تقول إنها هتحل الأزمة. المرة دى الأنبوبة وصلت 50 جنيه، ووزارة التموين شايفة المستودعات عاملة سوق سودا مع البلطجية.
توقف كأنه تذكر شيئا: تفتكر ممكن الانتخابات تجيب لنا أنابيب؟ قلت له إنها بداية لمحاسبة الحكومة والوزراء.. رد بعفوية: ممكن نقدر نحاسب بتوع أنابيب البوتاجاز؟.
أنابيب البوتاجاز القضية الأهم فى كل محافظات مصر، أهم من الانتخابات. وقد تجاوز طول طابور الأنابيب عشرات المرات طوابير الناخبين فى جولة الإعادة، وبسبب الأنابيب وقعت حوادث قتل، وحروب ومعارك، وقطع طرقات فى الصعيد وبحرى.
بدأت أزمة الأنابيب هذا العام مبكرا، اعتدنا أن تتصاعد مع نهاية ديسمبر، لكنها بدأت من منتصف نوفمبر، كنا نسخر من حكومة نظيف التى تعجز عن توقع الأزمات أو حلها، وها نحن نسخر من عجز الحكومة عن توفير أنبوبة غاز للمواطن، الأنبوبة مثال على العجز، وتحولت إلى إحدى أدوات الدعاية الانتخابية، وهدفا للبلطجة والسرقة بالإكراه.
أزمة أنبوبة البوتاجاز أحد الأمثلة العملية لما هو مطلوب من السياسة والديمقراطية، فلا يمكن الحديث عن ديمقراطية لا تستطيع توفير الضروريات للمواطن، من طعام ومسكن وعلاج وتعليم، وأنبوبة البوتاجاز.
الديمقراطية وسيلة وليست غاية، وسيلة لاختيار من يمكنهم توفير الراحة والسعادة للمواطنين، ورسم حياتهم بشكل مريح، والأنبوبة مجرد مثال عملى يرد على من يشغلون أنفسهم ويشغلون الناس بجدل عقيم وقضايا تافهة، بينما عليهم أن يفكروا فى سياسة توفر للناس الأنابيب والخدمات.
ومع كل الحديث عن الدستور والنزاهة وإرادة الجماهير العريضة إلى آخر الكلام الكبير، فإن كل هذا يصبح بلا قيمة لو لم يوفر للمواطن أنبوبة بوتاجاز.
المصدر: اليوم السابع