المضغه التى اذا فسدت فسد الجسد كله
بقلم الكاتب الصحفى / محمـــــــــد الدكـــــــرورى
يقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم موضحا ومعلما ومعرفا لنا جميعا ان فى الجسد مضغه اذا صلحت صلح سائر الجسد واذا فسدت فسد سائر الجسد الا وهى القلب ...
وإن القلب السليم مملوءٌ بمحبة الله ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والرغبة في الطاعة، والنفور من المعصية، وصاحب القلب السليم يسير على نورٍ من الله، مجتنبٌ للمحرمات، متوقٍ للشبهات، يترك ما لا بأس به؛ حذرًا مما به بأس، وبالمقابل فبمرض القلوب وفسادها؛ يغلب الهوى، وتنبعث النفوس إلى المعاصي، وتغرق بالشهوات، وتضلّ بالشبهات، فيحلّ الضعف، وينتشر الفساد، ويعمّ التحلل والانحلال، وإن مما يتميز به مرضها وسلامتها واعوجاج الجوارح واستقامتها مسائل الحلال والحرام، أكلاً وشربًا، ولبسًا وتعاملاً.
لقد أخبرنا الله في كتابه إلى أنه لن ينجو في الآخرة إلا من سلمت قلوبهم،
وفي الحديث عن النُّعْمَان بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما-، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ"
إن القلب هو شريان الحياة، فمع أول خفقة منذ كنا مضغة، ثم علقة دبت الحياة في أوصالنا معلنة وصولنا للحياة محطة الاختبار، وفيها محطات صعود وهبوط، والسعيد من يكون دائمًا في صعود مهما اختلفت محطاته.
القلب السليم هو الذي ينجو من عذاب الله يوم القيامة، وهو الذي سلم من مرض الشهوات، وعُوفي من مرض الشبهات، وسلّم لربه، وسلّم لأمره، ولم تبقَ فيه منازعة لأمره، ولا معارضة لخبره، فهو سليم مما سوى الله وأمره، لا يريد إلا الله، ولا يفعل إلا ما أمره الله -عزَّ وجلَّ-، فالله وحده غايته، وأمره وشرعه وسيلته، لا تعترضه شبهة تحول بينه وبين تصديق خبره، ولا شهوة تحول بينه وبين متابعة رضاه.
والقلب السليم هو الذي سلم لعبودية ربه حبًّا وخوفًا، ورجاءً وطمعًا، وسلم لأمره وسلّم لرسوله تصديقًا وطاعة، واستسلم لقضاء الله وقدره، فلم يتهمه ولم ينازعه، ولم يتسخط لأقداره، وسلم جميع أحواله وأقواله، وأعماله الظاهرة والباطنة، وسالَم أولياء الله وحزبه المفلحين، المدافعين عن دينه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، والقائمين بها، والداعين إليها، وعادَى أعداءه المخالفين لكتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، الخارجين عنهما، الداعين إلى خلافهما,
ومتى كان قلب العبد كذلك فهو سليم, سليم من الشرك، وسليم من البدع، وسليم من المعاصي، وسليم من الغيّ، وسليم من الباطل، فأسلم لربه ومولاه انقيادًا وخضوعًا، وذلاً وعبودية.
إن المؤمن حي، والكافر ميت، والميت لا يؤمر بصلاة ولا صيام حتى تُنفَخ فيه روح الإيمان، وإن كان سيحاسب على تركه الإيمان والأعمال يوم القيامة، فإذا حيى قلبه بالإيمان، صار قابلاً ومستعدًّا لقبول الأوامر والنواهي، والمؤمن حي، والحي إما صحيح، وإما مريض، (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) ، فصاحب القلب السليم هو الصحيح، وصاحب القلب المريض هو السقيم.
والمرض قسمان: مرض شبهة كما قال -سبحانه- عن المنافقين: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) ، والثاني مرض شهوة، كما قال -سبحانه-: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) وقد ورد شفاء هذين المرضين في القرآن العظيم، قال -سبحانه-: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)
وحتى يتأثر القلب بالقرآن أو بالمواعظ لا بد من أربعة أمور: المؤثر: كالقرآن مثلاً يسمعه أو يقرؤه. والمحل القابل: وهو القلب العضو الحي الذي يعقل عن الله. ووجود الشرط: وهو الإصغاء. وانتفاء المانع: وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب. فإذا تمت هذه الشروط، حصل الأثر، وهو الانتفاع والتذكر والاستقامة،
وقلب الإنسان له أربعة أبواب، وكلها تصبّ في القلب، وهي: اللسان: فما يتكلم به اللسان يتأثر به القلب، فإذا تكلم بالإيمان، وتلاوة القرآن، تأثر بذلك قلبه، وزاد إيمانه. والأذن: فإذا سمع كلمات الإيمان والقرآن تأثر بها قلبه، وزاد إيمانه، والدماغ: فكلما تفكر في عظمة الله، وعظيم إحسانه، تأثر بذلك القلب، وزاد إيمانه.
والعين: فالنظر إلى المخلوقات، وعظيم صنع الباري يؤثر في القلب، وتعلم الإيمان بالنظر للكاملين في الإيمان، فكلما نظروا إلى المخلوق زاد إيمانهم بالخالق -سبحانه-، ونقص الإيمان هو النظر إلى المخلوق والإغراق فيه، فذلك ينقص إيمانه؛ لأنه اشتغل به ولم يتعداه إلى خالقه:
والقلب السليم هو ما سلم من ستة أدواء، فهو سليم من الشرك، وسليم من الجهل، وسليم من الكبر، وسليم من الغفلة، وسليم من حب الدنيا، وسليم من سيئ الأخلاق، فهو قلب طاهر زكي، مملوء بالإيمان والتوحيد والعلم، والتواضع لربه، يحب الله والدار الآخرة، متجمل بمكارم الأخلاق، وهذا القلب السليم إذا نظر الله إليه أحبّه واجتباه، وأعانه على كل خير، ومنع عنه كل سوء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.