--------------------------------
كثيرا ما يطلع علينا أديب متدين وليس متفقه بإشكالية أن الشعر مكروه فى نهار الصائم أو أن الشعر ناقض من نواقض العبادات وقد يصرح علنا أو قد يوحى كلامه بذلك مع أننا إذا تصفحنا كتب الفقه والتفاسير سنجدها لم تضع الشعر إياَ كان نوعه عاطفيا أو أنسانيا أو دينيا أو مدحا من نواقض العبادات إلا الصلاة التى جعل الفقه كل كلام ليس منها ناقضا لها سواء كان شعرا أو غير شعر - ولكن ذلك لم يضع من الشعر ولا قيمته بل نظمت ألفية ابن مالك وألفية ابن القيم بطريقة النظم الشعرى وكثير من كتب الفقه وقال عمر ابن الخطاب الشعر ديوان العرب وأفتى ابن عباس أنه إذا أستشكل على القارئ شئ من القرأن والسنة لا يفهمه فعليه بالرجوع لكلام العرب وهو شعر العرب فى الجاهلية
والأمثال بل أن ما حُرم هو الكلام الفاحش لأن الله قال إن الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن كما حُرم على المؤمن أن يفحش فى القول للمؤمن لقول النبى لا يدخل الجنة شنظير فحاش فقالوا ومن هو الشنظير الفحاش قال من يفحش بالقول للناس أو للمؤمنين - وكان أخر ما تكلم به الصحابى الجليل عبد الله ابن رواحة قبل أستشهاده فى موقعة مؤته هو الشعر ولقد رويت القصة فى كثير من الصادر ورواها الكاتب العملاق محمود عباس العقاد فى كتب عبقرية خالد أنه رضى الله عنه قاتل حتى نهاية يومه لا يذوق الطعام فقال ابن عم له خذ ما يقيم صلبك فلقد قاتلت طول يومك ولم تطعم شيئا فنهش منها نهشة وانطلق يقاتل وهو يهدر بالشعر ويشق فى صفوف الروم حتى سقط شهيدا - ومن يدرس تلك الملحمة يجد أن الثلاثة القادة فى تلك الموقعة الذين أستشهدوا كانوا أقرب الناس للنبى والذين صنعوا ملحمة أعظم من الألياذة والأدوسا ومن قصص حصار أسبرطة بل كانت موقعة مؤتة حقيقة أعظم من إلياذة فرجيل عن الرومان أنفسهم ومن الكوميديا الألهية لدانتى أليجيرى كان هؤلاء الثلاثة من أكثر المثقفين بين الصحابة ومن أقربهم للنبى وأكثرهم تعلما منه مع ما تعلموه من قبل ولقد كان أو لهم وهوزيد بن حارثة حب النبى وولده بالتبنى حتى نزلت أية وما محمد بأبا أحد منكم وكان قد تربى فى بيت النبوة وأدرك نزول القرأن وشرب كثيرا من علم النبى كما كان تاجراناجحا يدير أعمال النبى وزوجه السيد خديجة بنت خويلد أما جعفر أبن أبى طالب فهو ابن عم النبى وقالت كتب السير فى وصفه الجسمانى أنه كان أكثر الناس شبها بالنبى وهو هاشمى كان أبيه أبو طالب له شعر وحفظ الكثير من كلام العرب وكان سيدا لقريش وله حظ من سدانة الكعبة وكان جعفر كاتبا ومثقفا من مثقفى عصره ولذلك كان هو من تصدى لعمرو بن العاص عند النجاشى ورده بحفظه لسورة مريم عن غرضه فى رد القريشيين المهاجرين وغيرهم من مكيين وغير مكيين إلى قريش ولم يكن يتصدى للمثول بين يدى النجاشى لو لم يكن حصيفا أديبا ولم يكن رسول الله ليكلفه بحمل رسالته للنجاشى ولا كان جعله على رأس المهاجرين فى الحبشة ليرى مصالحهم وخصوصا وأن النجاشى لم يكن ملكا عسكريا بقدر ماكان مطلعا وذو ثقافة قبطية وحبشية كما قالوا أنه كان رئيسا لكنيسته وراعيا لها
وللحديث بقية .
--------------------------
بقلم د.هشام جمال (الشهير بالشاعر والأديب على الحسينى )
نشرت فى 12 يونيو 2018
بواسطة janjeel