محمد سعيد أبو النصرعظيما، يُظِلُّنا مرةً كل سنة، زائرا حُقَّ لنا أن نستبشر به، ويهنِّئ بعضُنا بعضًا به، إنه شهرُ رمضان المبارك، الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشِّر صحابتَه بقدومه، فيقول لهم:كما روى النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ. فهنيئًا لمن أدرك رمضان، وبُشرى لمن بلَّغه اللهُ رمضانَ، قال ابن رجب: "كيف لا يُبشَّر المؤمنُ بفتح أبواب الجنان؟! كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟! كيف لا يبشر العاقل بوقت يُغَلُّ فيه الشيطان؟! من أين يشبه هذا الزمانَ زمان؟!".
استقبال السلف لرمضان
رحِم الله سلفنا الصالحين؛ فلقد كانوا يَستشرفون قدوم رمضان ويشتاقون إليه، ويفرحون بمقدمه فَرَحهم بأعزِّ عزيز، وأحبِّ حبيب، لقد كان المسلمون الأولون يعدُّون إدراكَ هذا الشهر الميمون فضلاً من الله ونعمة، وكانوا يرجون أن يُبلِّغهم الله زمنه، بل كانوا يتمنَّون أن تكون السنَة كلها رمضان، وقد أخرج الطبراني وغيره
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَكَانَ يَقُولُ : لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ غَرَّاءُ ، وَيَوْمُهَا أَزْهَرُ.
، وكان صلوات الله وسلامه عليه يُبشِّر أصحابَه لقدوم رمضان فيقول: ((قد جاءكم شهر رمضان؛ شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تُفتَح أبواب الجنان، وتُغلَق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرِم خيرها فقد حُرِم)، قال العلماء: والحديث دليل على تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان.
إن السَّلَف الصالح خَبَرُوا قيمة رمضان؛ فقد كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر، ويسألون الله - تعالى - أن يعيشوا لرمضان المقبل، حتى ينهلوا من الخير والفضل، وكان يحيى بن أبي كثير يقول: "اللهم سلِّمنا إلى رمضان، وسلم لنا رمضان، وتسلمه منا متقبَّلاً".
قال ابن رجب: "بلوغُ شهر رمضان وصيامُه نعمةٌ عظيمة على مَن أقدره الله عليه، ويدلُّ عليه حديث الثلاثة الذين استُشهد اثنانِ منهم، ثم مات الثالث على فراشه بعدهما، فَرُئِي في النوم سابقًا لهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاةً، وأدرك رمضان فصامه؟ فوالذي نفسي بيده، إن بينهما لأبعدَ مما بين السماء والأرض))" وهناك رواية تقول إنهما اثنان ، والمقصد واحد، والشاهد من الحديث ارتفاع درجة الإنسان بصيامه وصلاته وإن لم يستشهد أو يلقى الشهادة ، حتى إن النبي أخبر أن بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.. والسبب زيادة العبادة من الصلاة والصيام في هذه السنة ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِسْلامُهُمَا جَمِيعًا، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ صَاحِبِهِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا وَقَدْ خَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَيَّ فَقَالا لِي: ارْجِعْ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدَخَلَ هَذَا الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟» قَالُوا: بَلَى. قال: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ؟» قَالُوا: بَلَى قال: «وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا سَجْدَةً فِي السَّنَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» فمن فضْل الله عليك، ومحبتِه لك: أنْ نَسَأَ في حياتك، حتى تتزوَّد من خير رمضان هذه السنة؛ ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]، فلا يظفر بنعمة إدراك رمضان، والاغتراف من خيراته، إلا المبشَّرون برحمة الله. فافرحْ بقدوم رمضان، واستعدَّ له بترك المعاصي، ومضاعفة القربات، والإخلاص في الطاعات، فكم من متشوفٍ إليه أقعده عن صيامه المرضُ! وكم من منتظِرٍ له باغتَهُ الموتُ وألمَّ به الأجل! فهذه فرصتك في رمضان، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ ، ولفظ البخاري إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ولفظ البخاري وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ ».وصفدت : قيدت ، وهو محمول على الحقيقة؛ ليعظم الرجاء، ويكثر العمل، وتقل المعاصي، وتحبس الشياطين عن أذى المؤمنين وإغوائهم.
فمن رُحم في شهر رمضان فهو المرحوم، ومن حُرم فهو المحروم، ومن لم يتزود منه لآخرته فهو المذموم الملوم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه - ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَقَى الْمِنْبَرَ فَقَالَ: " آمِينَ آمِينَ آمِينَ " فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا؟ فَقَالَ: " قَالَ لِي جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ، ثُمَّ قَالَ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَقُلْتُ: آمِينَ، ثُمَّ قَالَ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ فَقُلْتُ: آمِينَ " لَفْظُ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ رَقِيَ الْمِنْبَرَ وَقَالَ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أَوْ بَعْدُ "
فاستجِب لنداء: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر"، كفاك ما ارتكبتَ في رجب فلم تتب، وما اقترفتَ في شعبان فلم تُقلع، فهذا رمضان فاتَّق الله.
يَا ذَا الَّذِي مَا كَفَاهُ الذَّنْبُ فِي رَجَبٍ
حَتَّى عَصَى رَبَّهُ فِي شَهْرِ شَعْبَانِ
لَقَدْ أَظَلَّكَ شَهْرُ الصَّوْمِ بَعْدَهُمَا
فَلاَ تُصَيِّرْهُ أَيْضًا شَهْرَ عِصْيَانِ