أحمد محمد - الرشيد اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه الذي يرشد عباده إلى ما فيه هدايتهم، ويدلهم على مصالحهم، يهديهم إلى ما ينفعهم، ويرشدهم إلى صالح الأعمال ويرشد أولياءه إلى الجنة وطرق الثواب، والذي تنساق تدبيراته إلى غايتها من غير إرشاد مرشد.
وقال العلماء إن الرشيد هو الذي ضبط أفعاله وحكمه، وتوازنت أحواله مع كثرة ألوان صفاته، فلم تطغ صفة على صفة، كلها ثابتة عاملة في الكون بالقدر الذي أراده الله بصفاته، فكل أفعال الله عز وجل رشيدة، وإذا وصف الله بهذا الوصف فهو الرشد المطلق، فعلمه مطلق، وقدرته مطلقة، ورحمته مطلقة، مرشد بأفعاله، يلهم أهل الرشد إلى طاعته، وأرشد الخلائق إلى هدايته، والرشد هو الصلاح والاستقامة، خلاف الغي والضلالة.
الأمر الرشيد
وهذا الاسم غير وارد في القرآن ولكن مجمع عليه لما جاء في قول الله تعالى: (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين)، «الأنبياء: الآية 51»، وقوله: (ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا)، «الكهف: الآية 10»، وقوله تعالى: (.... ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً)، «الكهف: الآية 17»، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها شملي وتلم بها شعثي وترد بها الفتن عني وتصلح بها ديني وتحفظ بها غايتي، وترفع بها شاهدي وتزكي بها عملي وتبيض بها وجهي وتلهمني بها رشدي وتعصمني بها من كل سوء»، وفي دعاء آخر «اللهمَ هذا الدعاء وعليك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ذي الحبل الشديد والأمر الرشيد».
وذكر ابن القيم اسم الله «الرشبد» في النونية، قال هو الرشيد فقوله وفعاله رشد، وقال البعض إن تسمية الله بالرشيد تفتقر إلى دليل.
والرشيد كما يذكر الرازي على وجهين، أولهما أن الراشد الذي له الرشد ويرجع حاصله إلى أنه حكيم، ليس في أفعاله عبث ولا باطل، وثانيهما إرشاد الله يرجع إلى هدايته، والله سبحانه الرشيد المتصف بكمال الكمال، عظيم الحكمة بالغ الرشاد وهو الذي يرشد الخلق ويهديهم إلى ما فيه صلاحهم ورشادهم في الدنيا وفي الآخرة، لا يوجد سهو في تدبيره ولا تقديره.
وقال السعدي في تفسير أسماء الله الحسنى، وهو الرشيد الذي أقواله وأفعاله رشد، وهو مرشد الحائرين في الطريق الحسي، والضالين في الطريق المعنوي، فيرشد الخلق بما شرعه على ألسنة رسله من الهداية الكاملة، ويرشد عبده المؤمن، إذا خضع له وأخلص عمله أرشده إلى جميع مصالحه، ويسره لليسرى وجنبه العسرى، فأقواله القدرية التي يوجد بها الأشياء ويدبر بها الأمور كلها حق لاشتمالها على الحكمة والحسن والإتقان، وأقواله الشرعية الدينية وهي أقواله التي تكلم بها في كتبه، وعلى ألسنة رسله المشتملة على الصدق التام في الأخبار، والعدل الكامل في الأمر والنهي فإنه لا أصدق من الله قيلا ولا أحسن منه حديثاً.
قال الحليمي رحمه الله، الرشيد هو المرشد سبحانه ومعناه الدال على المصالح والصالح والداعي إليهما، وهذا من قوله تعالى (وهيئ لنا من أمرنا رشدا)، وقوله عز وجل: (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا)، فإن مهيئ الرشد مرشد أي هاد.
ويرى الإمام الغزالي أن الرشيد هو الذي تساق تدبيراته إلى غاياتها، من غير إشارة مشير ولا تسديد مسدد.
وقال إمام الدعاة الشيخ الشعراوي، الرشيد هو ربي المرشد، ملهم الرشد لأهل طاعته، وهو الذي أرشد الخلائق إلي هدايته، ذو الحبل الشديد والأمر الرشيد.
الطريق إلى الجنة
والرشيد حكيم في أفعاله، وهو مهدى الراشدين من عباده، وكل أفعال الله عز وجل رشيدة، وهو مرشد فقد أرشدنا إلى طاعته من خلال نبيه، يهدي إلى المصالح عن طريق الوحي، فقد أرسل الرسل وأنزل القرآن، يهدي إلى التوفيق وإلى والجنة، حكيم يرشد عباده إلى سبل السلام وإلى سعادتهم، ونجاتهم.
وقيل الرشيد الذي أسعد من شاء بإرشاده، وأشقى من شاء بإبعاده، أرشدنا إلى محبته، وإلى دينه وإلى نبيه، إلى الحقيقة وإلى ذاته، وأرشد الأولياء إليه، لا يوجد سهو في تدبيره ولا في تقديره، وهو الموصوف بالعدل، والمتجلي بالفضل.
وينبغي للإنسان أن يحسن التوكل على ربه الرشيد، ويفوض أمره بالكلية إليه وأن يستجير به في كل شغل ويستجير به في كل خطب.