قاعة يتسع بمقدار سنتيمتر سنويا
تغيرات جيولوجية خطيرة يشهدها قاع البحر الأحمر، هذا الكشف العلمي رصدته الأقمار الصناعية ما يعني أن قاع البحر الأحمر في طريقه للتحول إلى محيط مستقبلا.
ويؤكد هذا التوقع ما حدث للبحر من انشطار خلال العام الماضي من جهة باب المندب لمسافة قدرت ب 8 أمتار عند التقاء القشرتين الأرضيتين لكل من قارة إفريقيا مع الجزيرة العربية.
ولأن للبحر الأحمر أهمية عربية قصوى خاصة بالنسبة لمصر التي يمثل طول شواطئها عليه حوالي نصف حدودها الساحلية، وهو الشريان الملاحي الموصل قناة السويس بالبحر المتوسط، بالإضافة إلى أنه بمثابة البحيرة العربية الخالصة، كما أنه يستأثر بحوالي 12% من حجم التجارة العالمية المارة عبره، ولأهميته حيث يربط العالم العربي بالشرق كان علينا محاولة الوقوف على أسباب هذه الظاهرة وإلى أين تتجه وما المخاطر المحتملة.
يقول الدكتور بهي الدين عرجون أستاذ ورئيس قسم الجيولوجيا البحثية المصرية للاستشعار من بعد إن البحر الأحمر يعد حالة خاصة بين بحار العالم، كما انه أكثرها إثارة للجدل بين العلماء، ذلك أن أقصى عرض له عند المنتصف تقريباً لا يزيد على 35 كيلومتراً، كما يبلغ عمقه 538 متراً، كما تصل أعمق نقطة فيه إلى 2600 متر، ومع ذلك لا تزيد مساحته على 457 كيلومترا، ولهذا يطلق عليه علماء الجيولوجيا في العالم المحيط الصغير.
حيث ان المحيطات لا تعرف علميا باتساعها ولكن بقدر ما يحدث من اتساع أو فوالق تدريجية في باطنها، تماما كما يحدث في المحيط الأطلنطي الذي كان سببا في انفصال الأمريكتين عن إفريقيا في أزمنة سحيقة.
أما الدكتور مسلم شلتوت الرئيس الأسبق لمعهد البحوث الفلكية والجيوفيزيقية فيلفت الانتباه إلى كنوز باطن البحر الأحمر بما يضمه من كميات هائلة من المعادن والثروات الطبيعية الناتجة عن التحولات التي تحدث في باطنه والتي تنفذ إلى الطبقات السحيقة من الكرة الأرضية لافظا أنواع الحمم البركانية المتفجرة في هذه الطبقات السحيقة التي تكون هذه المعادن، ولذلك لابد من الفطنة إلى أهمية استثمار هذه الثروات من خلال اتفاقيات عادلة لتنظيم خطوط الحدود للدول المطلة على البحر الأحمر ومصر إحداها.
وحول تأثيرات تباعد فلقتي البحر الأحمر على المنطقة يقول الدكتور رمسيس ناشد أستاذ ورئيس قسم الزلازل بمعهد البحوث الفلكية والجيوفيزيقية السابق إن ما سوف يحدث من تأثيرات بالمنطقة على المدى القريب هو الأهم والذي يجدر دراسته والاحتياط له، حيث إن تحرك القشرة الأرضية وإزاحتها بباطن البحر الأحمر وتنامي الفالق يوما بعد يوم سوف ينقل المنطقة إلى داخل نشاط الحزام الزلزالي والتغيير من طبيعتها، بما يستلزم اتباع سياسات تنموية مدروسة بالمنطقة، خاصة فيما يتعلق بطرق البناء واستخدام أساسات للتربة مختلفة عن المستخدمة حاليا، أما التأثيرات على المدى الطويل فهي تتمثل في انفصال قارة إفريقيا عن آسيا والتباعد بينهما بشكل كبير، كما أن التأثير الأقوى الذي يمكن أن يغير تماماً من النمط المكاني والجغرافي سيكون على خليج العقبة الذي يعد امتدادا طبيعيا للخصائص الجيولوجية للبحر الأحمر.
ويضيف الدكتور مسلم شلتوت مفسراً أهمية اليقظة والتعامل مع الظاهرة القادمة بالكيفية العلمية واتخاذ الاحتياجات اللازمة والحذر عند إقامة مشروعات التنمية بالدول المطلة على ساحل البحر الأحمر، مشيرا إلى أنها تعتبر ضمن مناطق النشاط الزلزالي منذ القدم، كما أنها تتميز مع خليج العقبة بأن نشاطها الزلزالي اكبر بكثير منه في منطقة وادي النيل، ولذلك لابد من العمل على وجود “كود” خاص ووضع اشتراطات محددة للبناء أو لإقامة مشروعات التنمية حتى لا تفاجأ بهدر الاستثمارات.
أما الدكتور عباس محمد منصور أستاذ الجيولوجيا ورئيس جامعة جنوب الوادي فيرى أن للأرض نشاطاً متحركاً أو ديناميكياً يتمثل في حركة ألواح الغلاف الصخري لها فتتحرك تلك الألواح بفعل الطاقة المندفعة من باطن الأرض نتيجة الثورات البركانية، ولذلك فهي في حالة ابتعادها عن بعض تكون قيعان البحار والمحيطات، أما في حالة اقترابها ببعضها واصطدامها فهنا تتكون سلاسل الجبال، ويضيف: نحن أمام ظاهرة اتساع مستمر في قاع البحر الأحمر من ناحية الجنوب عند باب المندب بنسب أكبر بكثير عما يحدث في شماله بخليج العقبة، وتفسير ذلك علميا هو تحرك شبه الجزيرة العربية التي تمثل سواحلها الجانب الشرقي من البحر الأحمر في اتجاه الشمال الشرقي، أي ناحية الخليج العربي الذي يضيق هو أيضا بدوره بمقدار سنتيمتر كل عام، وهذا ما يفسر الهزات الشديدة التي تحدث في هذه المنطقة ونشعر بها في مصر، وتحديدا في منطقة مرسى علم وجنوبها.
ويؤرخ الدكتور رمسيس ناشد لبداية نشوء البحر الأحمر الذي لم يكن موجودا قبل 42 مليون سنة فيقول: هذا البحر بدأ شرخاً صغيراً قبل هذه المدة، كما أن شبه الجزيرة العربية كانت جزءاً من القارة الإفريقية وكانت أرضها متصلة بأراضي مصر وإثيوبيا والسودان، إلى أن حدث شرخ كبير “فالق” في القشرة الأرضية وأخذ يتسع ببطء فتندفع فيه المياه من خليج عدن حتى تكون البحر الأحمر وخليجا العقبة والسويس، واتضح من الأبحاث أن هذا الشرخ اخذ في الاتساع بمعدل 2 إلى 3 سم كل عام، وهذا يعني أن الجزيرة العربية تبتعد أكثر فأكثر عن شرق إفريقيا وان البحر الأحمر في طريقه ليصبح محيطاً جديداً، وهذا يعني أن جميع الدول المطلة على ساحله سوف تتأثر ولكن من الصعب توقع موعد محدد لهذا الحدث.
ومن جانبها تقوم سلطات الحكم المحلي بمصر بتشكيل لجنة علمية لمتابعة ما يجري، وجمع المعلومات والصور الطبوغرافية، واشراك المؤسسات العلمية المعنية في دراسة هذه المعلومات لوضع استراتيجية للبناء والتنمية في منطقة البحر الأحمر، خاصة أنها تمثل نحو ثمن مساحة مصر وتحتوي على 8 موانئ بسفاجا والقصير والغردقة ومرسى علم، بالإضافة إلى ما تحويه من أنشطة صناعية وتعدينية وسياحية تحتم الحذر في المضي فيها.
ساحة النقاش