ثالثاً ـ الخلجان والبحار الداخلية والممرات المائية

1) الخلجان

الخلجان جغرافياً هي تلك المناطق من البحر التي تتداخل في الأرض نتيجة التعرجات الطبيعية للساحل. ومن وجهة نظرالقانون الدولي، لكي يكون التعرج خليجاً يجب أن يكون قدر تغلغله في الأرض مناسباً إلى سعة فتحته، بحيث تصبح مياهه محصورة بالأرض ويصبح أكثر من مجرد انحناء عادي للساحل. وقد أشارت إلى ذلك اتفاقية جنيف للبحر الإقليمي فوضعت في مادتها السابعة تعريفاً للخليج على هذا النحو، واشترطت كي تعد تعرج ما خليجاً تطبق عليه القواعد التي تضمنتها أن تكون مساحته مساوية على الأقل نصف دائرة قطرها الخط الواصل بين فتحتي هذا التعرج. وهذا ما تبنته المادة العاشرة من اتفاقية جمايكة لعام 1982 التي أضافت: «أنه في حال وجود بعض الجزر بشكل تجعل للخليج عدة مداخل يكون قطر نصف الدائرة مجموع الخطوط المستقيمة التي تغلق هذه المداخل». ويختلف حكم الخليج تبعاً لما إذا كان داخلاً بأكمله في إقليم دولة واحدة أو كان واقعاً في أراضي أكثر من دولة.

الخليج الواقع في إقليم دولة واحدة: إذا كان الخليج داخلاً في إقليم دولة واحدة فالعبرة في تحديد صفته بسعة الفتحة التي توصله بالبحر العام. بمعنى أنه إذا لم تتعد هذه الفتحة قدراً معيناً عُدَّ الخليج في حكم المياه الداخلية، وكان ملكاً للدولة صاحبة الإقليم، أما إذا تعدت الفتحة هذا القدر فيعد جزءاً من أعالي البحار، فيما عدا المنطقة المتاخمة لشواطئ الدولة، وتخضع لسيادتها بوصفها بحراً إقليمياً في الحدود التي سبقت دراستها.

أما الاتساع الذي يجب أن لا تتعداه فتحة الخليج كي يعد وطنياً فقد حدده بعضهم بستة أميال بحرية أي ضعف عرض البحر الإقليمي المتفق عليه قديماً. وحدده آخرون باثني عشر ميلاً، لكن الغالب كان تحديده بعشرة أميال بحرية. وقد اتبعت دول كثيرة هذا التحديد في معاهدات الصيد التي أبرمتها فيما بينها. كما أقره مجمع القانون الدولي في اجتماع ستوكهولم سنة 1928 وأخذ به مشروع تقنين لاهاي سنة 1930.

على أن هناك خلجاناً تجاوز العمل بشأنها التحديد السابق وعدت بكاملها داخلة في ملكية الدولة الواقعة فيها رغم زيادة فتحتها عن العشرة الأميال، لاعتبارات تتعلق بسلامة تلك الدولة أو لتغلغل الخليج في إقليمها؛ فيكون من الخطر عليها عدّه جزءاً من أعالي البحار، أو لاعتبارات تاريخية لاستمرار الدولة بوضع اليد على ذلك الخليج مدة طويلة على أنه ملك لها، مع إقرار الدول الأخرى بهذا الوضع صراحة أو ضمنياً. ومن هذه الخلجان التاريخية خليج كرويفل في فرنسة، وخليج بريستول في إنكلترة وخليج هدسون في كندا وخليج دي لابلاتة في الأرجنتين وخليج تونس وقابس في تونس وخليج سرت في ليبية وهو بطول 300 ميل وعرض 100 ميل لكنه خليج داخلي تاريخي كما يؤكد الفقهاء الدوليون وعلى رأسهم روسو الفرنسي، حتى بعد منازعة الولايات المتحدة ليبية عليه.

ولقد ذهبت إنكلترة في وقت ما إلى أكثر من ذلك، فكانت تدعي ملكية جميع المياه التي تقع بين أي رأسين على طول الأراضي التابعة لها أيا كانت المسافة بينهما، وكانت تطلق على هذه المياه اسم King's Chamber «غُرف الملك» على أن هذا الادعاء، ولاشك مغالاة لا مسوغ لها، وهي لا تجد في الوقت الحاضر من يقرها عليه بمفهومه المطلق.

وقد كانت اتفاقية جنيف للبحر الإقليمي أكثر سخاء عما جرت عليه الدول من قبل في تحديد الاتساع الذي على أساسه تتقرر صفة الخليج، فعدت كل خليج يقع في إقليم دولة واحدة ولا يزيد اتساع فتحته على أربعة وعشرين ميلاً في حكم المياه الداخلية للدولة. ثم أضافت إلى ذلك أنه في حالة زيادة المسافة بين نقطتي فتحة الخليج على هذا القدر، يُمدّ خطٌ طولُه أربعة وعشرون ميلاً داخل الخليج بين أي موضعين من شواطئه يحصران أكبر مساحة ممكنة من المياه وراء هذا الخط لتكون مياهاً داخلية. ولا تخضع لهذا التحديد الخلجان المعروفة بالخلجان التاريخية التي سبقت الإشارة إليها، وذلك بنص المادة ذاتها، وبذا تظل هذه الخلجان أياً كان اتساع فتحتها في المركز الذي استقرت عليه الأوضاع قبل الاتفاقية. وقد أخذت اتفاقية جمايكة لعام1982 بالمبادئ ذاتها (المادة 10).

ويترتب على عد الخليج في حكم المياه الداخلية للدولة خضوعه لسيادتها كأي جزء من أجزاء الإقليم، فلها ألا تسمح للمراكب الأجنبية بدخوله أو تقيد دخولها فيه. ما لم يكن فيه ميناء مفتوح للتجارة الدولية فتلتزم تبعاً لذلك فتحه للمراكب التجارية، كما تلتزم السماح للمراكب الحربية التي يهددها خطر البحر بالجنوح إليه، حكمه في ذلك حكم الموانئ الواقعة فيه.

الخليج الواقع في عدة دول: إذا كان الخليج واقعاً في أراضي أكثر من دولة عُدَّ من أعالي البحار، فيما عدا المنطقة التي تعد بحراً إقليمياً لسيادة كل من الدول المحيطة بالخليج، إذا كان اتساعه يزيد على ضعف البحر الإقليمي المتعارف عليه. فإن كان اتساعه يقل عن ذلك امتدت السيادة الإقليمية لكل من الدول الواقعة على جوانبه إلى منتصف سطح مياهه أو إلى منتصف المجرى الرئيسي لتيار المياه فيه بحسب الأحوال، مع مراعاة حق المرور البريء للسفن كافة سواء في ذلك سفن الدول الواقعة على الخليج نفسه والسفن الأجنبية المتجهة نحو أي ميناء من موانئ هذه الدول في ذلك الخليج والخارجة منها.

2) البحار الداخلية

البحار الداخلية (ويسميها البعض البحار المقفلة وشبه المقفلة) هي التي يحيط البرّ بها من جميع جهاتها، وهي نوعان: بحار مقفلة وبحار غير مقفلة، ولكل من النوعين حكم خاص رقم 122 من اتفاقية جمايكة لعام 1982.

البحار المقفلة: وهي التي لا اتصال لها بالبحر العام، كالبحر الميت في فلسطين وبحر قزوين وبحر آرال في سيبيرية. وتلحق البحار المقفلة في الحكم بالبحيرات ومثلها بحيرة كومو في إيطالية وبحيرة زوريخ في سويسرة وبحيرة مانيتوبا في كندا.

إذا كان البحر المقفل يقع بأكمله في أرض دولة واحدة فهو جزء من إقليمها وداخل في ملكيتها الخاصة. أما إذا كان البحر المقفل واقعاً في أراضي دولتين أو أكثر فمن رأي بعضهم أن يقسم بينها من حيث الملكية على أن يظل الانتفاع بمياهه مشاعاً لها جميعاً، ومن رأي آخرين أن يكون لكل دولة السيادة على الجزء الملاصق لها في حدود البحر الإقليمي وأن يعتبر الجزء الأوسط منه في حكم أعالي البحار لكل منها. والواقع أن هذه الأمور تحددها عادة اتفاقات تعقد بين الدول صاحبة الشأن. فمثلا كان بحر قزوين قبل سنة 1921 خاضعا لسيطرة روسية وحدها بمقتضى اتفاقات أبرمتها مع إيران سنتي 1813 و1820 ، ثم تغير الوضع بناء على اتفاق موسكو سنة 1921 وصار للدولتين حقوق متساوية من حيث حرية الملاحة في هذا البحر ومن حيث السيادة عليه، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي أصبح لروسية وتركمانستان وأذربيجان وإيران حقوق متساوية على بحر قزوين.

البحار غير المقفلة: وهي التي تتصل بأعالي البحار بمضيق أو قناة. كبحر آزوف في جنوب روسية والبحر الأسود وبحر مرمرة وبحر البلطيق. وحكم هذه البحار إذا كان البحر واقعاً برمته في دولة واحدة عُدَّ جزءاً من الإقليم و للدولة عليه كامل السيادة. مثل بحر آزوف. إنما يلاحظ أنه لكي يكون البحر غير المقفل خاضعا لسيادة الدولة التي يقع في إقليمها يجب أن تكون الفتحة التي توصله بأعالي البحار داخلة أيضاً في الإقليم نفسه، وأن لا يتعدى اتساعها ضعف عرض البحر الإقليمي، أو على الأكثر القدر المقرر للخلجان الوطنية. فإن تجاوزت الفتحة هذا القدر، أو كانت تقع في إقليم دولة أخرى عد البحر الداخلي جزءاً من أعالي البحار، فيما عدا ما يدخل منه في حدود البحر الإقليمي.

وكذلك الحال إذا كان البحر غير المقفل واقعاً في إقليم أكثر من دولة، فإنه لا تكون له صفة البحر الخاص وإنما يعد جزءاً من أعالي البحار ويكون مفتوحاً للملاحة الحرة. وهذا هو وضع بحر البلطيق وبحر الأدرياتيك والبحر الأسود.

3) الممرات المائية

الممرات المائية Waterways هي تلك الفتحات التي توصل بين بحرين، وهي إما طبيعية وتشمل المضائق، وإما صناعية وتشمل القنوات البحرية.

أ ـ المضائق: يختلف حكم المضيق تبعاً لما إذا كان يؤدي إلى بحر داخلي، أو يصل بين بحرين عاليين.

المضيق المؤدي إلى بحر داخلي: إذا كان المضيق يصل بين البحر العام وبحر داخلي وكان واقعاً برمته في إقليم الدولةالكائن في أرضها المضيق، كانت مياهه وطنية أي داخلة في ملكية هذه الدولة من دون سواها، على ألا يتجاوز اتساعه القدر السابق الذكر المتعارف عليه بالنسبة للخلجان والبحار الداخلية لاعتبارها مياهاً وطنية. ومثل المضايق التي من هذا القبيل مضيق «كيرش» المؤدي إلى بحر آزوف الروسي، ومضيقا الدردنيل والبوسفور وقت أن كان البحر الأسود تابعاً لتركية وحدها. أما إذا زاد اتساع المضيق الواقع في إقليم دولة واحدة على القدر المتقدم، وعُدَّ البحر الداخلي الموصل إليه جزءاً من أعالي البحار، كان حكم المضيق من حيث ملكيته والملاحة فيه ما سيرد ذكره خاصاً بالمضائق التي تصل بين بحرين عاليين.

أما إذا كان المضيق المؤدي إلى بحر داخلي واقعاً بين أراضي دولتين، فإن مياهه إقليمية لا وطنية، بمعنى أنها لا تدخل في ملكية إحداهما، وإنما يكون لكل منهما من الحقوق على الجزء المجاور لها من مياهه ما للدولة من حقوق على بحرها الإقليمي. ويتحدد هذا الجزء بالخط الأوسط للمجرى الرئيسي إن كان اتساع المضيق أقل من ضعف البحر الإقليمي.

أما إن كان اتساع المضيق أكثر من ذلك فيعد الجزء الأوسط من المضيق بين حدي المياه الإقليمية لكل من الدولتين في حكم البحر العام، إنما يجوز لهما تحريم مرور المراكب الحربية الأجنبية فيه إلى البحر الداخلي محافظة على سلامتهما.

المضيق الموصل بين بحرين عاليين: إذا كان المضيق يصل بين بحرين عاليين وكان كلا جانبيه في أرض دولة واحدة ولا يتعدى اتساعه ستة أميال فمياهه إقليمية. وإن كان اتساعه أكثر من ذلك فلا يعد منه إقليمياً سوى ثلاثة أميال من كل ناحية، ما لم يُعمل أو يُتفق على خلاف ذلك. على أنه في جميع الحالات يجب أن يكون المرور في المضيق حراً لمراكب جميع الدول، وليس للدولة صاحبة الإقليم أن تمنع المرور فيه من دون داع، إنما لها أن تفرض على هذا المرور من الإجراءات ما تقتضيه سلامتها وسلامة الملاحة، كأن تنظم الملاحة في المضيق وتوجب الإرشاد على السفن التي تمر فيه وتحصل رسوماً على المرور مقابل نفقات الصيانة والإرشاد والإبقاء على المضيق صالحاً دائماً للملاحة. كذلك ليس للدولة صاحبة الإقليم أن تمنع مرور المراكب الحربية من هذا المضيق منعاً باتاً في وقت السلم، أو وقت الحرب ما لم تكن طرفاً فيها. إنما لها أن تنظم مرور هذه المراكب في المضيق، وأن تضع على مرورها بعض القيود كتحديد عدد ما يمر منها في وقت واحد، والمدة التي يمكن أن تبقاها في المضيق وما شابه ذلك.

وإذا كان المضيق الواصل بين بحرين حرّين واقعاً في أراضي دولتين كان لكل منهما السيادة على الجزء المجاور لها في حدود البحر الإقليمي أو إلى الخط الأوسط لمجرى المياه حسب اتساع المضيق. مع بقائه في كلتا الحالتين مفتوحاً للمرور الحر لمراكب جميع الدول. وقد أفردت اتفاقية جمايكة الجزء الثالث منها للمضائق المستخدمة في الملاحة الدولية، وجاءت فيها بنظام جديد يرقى إلى حد التقنين الإنشائي الذي لا يصبح نافذاً إلا حين دخول الاتفاقية حيز النفاذ بين المتعاقدين.

ومن المضائق التي تنطبق عليها الأوضاع والأحكام المتقدمة مضيق كاليه بين فرنسة وإنكلترة، ومضيق موزامبيق بين مدغشقر وجنوبي إفريقية، ومضيق باب المندب بين الجزيرة العربية وأفريقية. وهناك من المضائق الواصلة بين بحرين عاليين ما كان موضع اتفاقات خاصة بين الدول طبقت فيها الأحكام السابقة على وجه روعي فيه الموقع الجغرافي لتلك المضائق وما لها من أهمية اقتصادية أو حربية، وتشمل هذه المضائق البوسفور والدردنيل، وجبل طارق، ومضيق سوند عند مدخل بحر البلطيق، ومضيق ماجلان جنوبي أمريكة الوسطى.

ب ـ القنوات البحرية: القنوات البحرية هي مضائق صناعية حفرت لتصل بين بحرين عاليين تسهيلاً للملاحة والمواصلات الدولية. ولا نزاع في أن هذه القنوات تدخل في الملكية الإقليمية للدول التي تخترق أرضها وتخضع لسيادتها كأي جزء من إقليمها. وكل ما تثيره من هذه الناحية هو مسألة الملاحة فيها. ولما كان الغرض من حفر القنوات البحرية تيسير الملاحة الدولية وتقصير طرق المواصلات وتكاليفها، فإن هذه القنوات يجب أن تُفتح للسفن التجارية لجميع الدول، مع إعطاءالحق للدولة أو الشركة التي قامت بحفر القناة والتي تتولى صيانتها في أن تُحصِّل من السفن التي تمر فيها رسوماً مقابل نفقات أعمال الحفر وصيانة القناة وجعلها صالحة للملاحة.

أما السفن الحربية فالأصل أن للدولة صاحبة القناة أن تمنع مرورها فيها، حتى في وقت السلم، محافظة منها على سلامتها وتجنباً لأي اعتداء محتمل من جانب هذه السفن. ولما كان مثل هذا المنع يضر بمصالح بعض الدول، وعلى الأخص الدول التي كان لها مستعمرات وراء البحار، وقد يكون سبباً للاحتكاك وتوتر العلاقات بينها وبين الدولة صاحبة الإقليم، فقد استقر الرأي على أن تسمح الدولة صاحبة القناة، من باب حُسن السياسة وتحقيقاً للتعاون الدولي، بمرور المراكب الحربية الأجنبية، على شرط ألا تقوم هذه المراكب بأي عمل حربي في القناة أو على إحدى ضفتيها وألا تتخذ منها قاعدة لعملياتها العسكرية.

وتوجد اليوم أربع قنوات بحرية مهمة دولياً هي قناة السويس وتنظم الملاحة فيها اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، وقناة بنما وتخضع اليوم لاتفاقية 1977، وقناة كيل وتحكمها المواد 380-386 من معاهدة فرنسة لعام 1919، وقناة كورنثة وتقع كلها في الأراضي اليونانية.

  • Currently 34/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 853 مشاهدة
نشرت فى 7 فبراير 2011 بواسطة investmarine

ساحة النقاش

maha karamallah

investmarine
ماجستير فى العلاقات الدولية - كلية الحقوق جامعة عين شمس »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

34,810