<!--<!--<!--
تمثل الفنون التقليدية الموروثة خلفية التاريخ الإنسانى فى مجال الحرف الدقيقة والتى وجدت لسد إحتياجات الإنسان النفعية المرتبطة بحياته اليومية ، والتى ترتبط إرتباطاً كبيراً بالخامات البيئية ..
والحرف التقليدية تختلف عن الفنون التقليدية فالأولى ترتبط بصنعة و تقنية المنتج الوظيفى والذى يركن على أسس المهنة فى بنيته التى ورثها وحافظ عليها ونقلت إليه، وبذا تمثل الجزء النفعى فى المنتج.
أما الفنون اليدوية فهى القراءة التشكيلية للمنتج الحرفى والتى توجد فى أى شكل مرئى فهو يحمل نسب وتشكيل وله علاقاته الجمالية بين أجزاءه ، كما تطبق عليه الأسس اتصميم التى جعلته يستمر محققاً حاجة المنتفع به.
إن المنتج التقليدى اليدوى نفعياً فى أساس إنتاجه بسبب الوظيفة التى يؤديها ،أو جمالياً من خلال ما تحمله المنتجات من علامات ورموز دالة لها معناها فى ثقافتها ، فإن المنتج الحرفى يمتلك مقايسه الجمالية التى تخضعه لقوانين التشكيل الجمالى المتعارف عليها فى فنون الجمال.
و تعتمد الفنون التقليدية إعتماداً أساسياً على التقنيات اليدوية وهى فى ذلك تركن على مهارة الحرفى وخياله وملكاته الخاصة ، و هذه المهارة تنعكس فى قدرة على تنمية أشكاله وتنويعها لزيادة ترويج منتجه ، ولشد نظر المقتنى لأعماله، كما تعتمد على الأدوات البسيطة .
وتعتمد الفنون التقليدية على نقوش وزخارف ومفردات هى ملامح الحضارات المختلفة التى مرت بها الثقافة الإنسانية ، وهى بذلك تعد مرآة لإرث الحضارة الإنساني ، وهى جزء من الفنون البصرية المرتبطة بتفاعل الإنسان ببئته ، وتجريده لعناصرها المحيطة به .
ومع نمو المجتمع الإنسانى ظهرت ملامح الفنون الخاصة بثقافة كل مجتمع ، والتى تعتبر إفراز للتطور الحضارى والتقنى له ، وإنعكاس لمستوى الجودة فى الحياة التى وصل لها الفرد فى حياته اليومية داخل كل مجتمع ، حيث يمارس مجموعة من المعتقدات والعادات التى تخصه عن باقى المجمعات ،و تنعكس فى فنونه المختلفة من العمارة والنحت والتصوير الجدارى والفخار والخزف والنسيج وأشغال الخشب والمعادن والحلي والملابس وغيرها من الفنون ، وبذلك وجدت لتعكس هوية مجتمعاتها التى أفرزتها.
وفنون الشعب التشكيلية هى الفنون اليدوية التى أفرزتها مخيلة الفنان الشعبى الموجود وسط العامة فى مجتمعه ، والذى يعبر عن المفاهيم الخاصة بهؤلاء العامة ، وهذا المبدع يحقق لهم من خلال منتجاته و قدراته الإبداعية ومهاراته جذور الإلتقاء مع الفكر الجمعى لمجتمعه .
وهذا المنتج التقليدى اليدوى يخضع فى ملامحه الجمالية لتشكيلات تقليدية وتغطيه علامات يمثل مجموع ما تبقى من أشكال إستخدمت فى السابق على نطاق واسع فى مراحل مختلفة ، وكل منهها يحمل دلالة لفترة ، وليس بالضرورة أن تكون رموزاً مباشرة واضحة بل أن الحرفى ورث التشكيل والمنتج ألفه، وهذه العلاقة بينهم تعد حالة رضا يجتمع عليها المجتمع فى الشكل والمعنى والوظيفى التى يؤديها ..
و الواقع الاجتماعي لمجتمع ما ، هو الحيز الذي يجمع الفكرة التي تنشأ على أساسها الحاجة للتشكيل الحرفى للمنتج الشعبي، والتى تخضع لواقع اجتماعي وعادة وتقليد يمارس من خلالها إن لم تخدمه هذا المنتج فلا يوجد حاجة له به..
و تعكس الحرف و فنون التشكيل اليدوية تقدم الفرد ومفاهيمه القيمية ومستوى الحياة التى يرقى لها، وهى بذلك تقدم ملامح مجتمع وسط باقى المجتمعات ، من خلال تعبيرها عن مستوى الصناعة اليدوية من ناحية التقنية و التعبير الإبداعي للفنان من ناحية أخرى..
والمنتج اليدوى ليس نتاج ثقافة الفقراء فى أى مجتمع بل هو المحصلة الموروثة لهذا المجتمع ، وظلت فى يد من لا يستطيعون مجاراة الحداثة لظروف الفقر.
لذا فالمنتج اليدوى هو المتبقى من ثقافات الشعوب المتراكمة ، وما هو إلا قطعة من الطبقات الرسوبية الحضارية لثقافة كل مجتمع ، ورعاية تلك الفنون هى رعاية للتراكم المعرفى فى كل منتج يدوى تقليدى يتم المحافظة عليه . وهو يعد تواصل رأسى لتاريخ مجتمع ما . كما إنه قد يصبح جذوراً تحمل معها عناصر للتواصل بين أفراد المجتمع.
ففي الملابس مثلاً تخضع الأشكال والأحجام والألوان والزخارف للعادات التي يعيشها المجتمع، حيث يمثل كل ملمح دلالة فى مجتمعه ، فأحياناً يفرض في بعض المجتمعات نوعية زى بعينه له لون يمثل طبقة إجتماعية بعينها، أو يعبر عن حالة إجتماعية (متزوج أعزب) ، والتى تمثل وضعية الفرد داخل مجتمعه .
لقد حمل الفنان الشعبي في نفسه القدرة على الحذف والإضافة ليخرج لنا شكل فني متوازن ومختلف يخدم المرحلة التي يعيشها، وهو يحمل في كل جزء من أجزاءه وفي كل شكل من أشكاله دلالات تمس مفهوماً لدى مجتمعه ، لتعني كل قطعة فنية ينتجها فنان الشعب حكاية حافظت عليها تلك القطعة.
وتركن مصادر إبداع الفنان الشعبي على موروثه ، و الطبيعة التي تحيط به ، و حاجته ، وكل قطعة فنية تحمل في طياتها تآلف بين أجزاءها لتصنع من عناصر العمل الفني الشعبى تآلفاً منسجماً يحق القيم الجمالية المختلفة.
إن الفن الشعبي هو المزج بين الواقع الذى يعيشه المبدع والخيال الشعبي الذى يبتعد عن القوانين الرسمية التى تمس الخاصة ، بل هو الجامح المحقق الصعب الممتنع .بل هو خلاصة التجربة الإنسانية.
و هو يمثل الهوية التى يجب أن نقدم لها التوثيق والتنمية كى تبقى حاملة ملامح الخصوصية.
إن فنون الشعب التشكيلية هى التاريخ الحى للشعوب فهى تحتفظ بكثير مما أفرزته معارف كل شعب ، وهى جزء حى من بهجة البسطاء الذين يألفون التعامل مع التشكيلات التقليدية كجزء من الأمان الإجتماعي ، وهى تمثل عند كافة الشعوب ألواناً من الأبداع الإنسانى المبهج المرتبط بالحياة البسيطة والأحتفالت والطقوس المحلية لثقافة كل شعب..
فهل نتعامل مع هذا الموروث التقليدى للحرف التقليدية فى بلداننا النامية بتلك الأهمية ؟ وهل ستقاوم البقاء مع عصر الميكنة والعولمة ؟ ومتى سيتوقف إستيراد ثقافة الآخر الطاغية والمسيطرة على ثقافتنا المحلية؟
والحرف نتاج لعمل مجموعة من الأفراد تعمل فى تناغم وإنسجام ، من أجل إنهاء عمل متكامل له مواصفات تميز مبدعه.
وتعتمد الفنون اليدوية على الخامات الموجودة فى بيئتها المحلية ،وهو السبب الرئيسى فى حفاظ كثير من المنتجات اليدوية على خصوصيتها.
ولقد إرتبط المنتج اليدوى التقليدى بالحالة الإقتصادية والسياسية للشعوب ، وذلك لأن قوة الدولة السياسية هى التى تؤسس للحضارة الرسمية التى تطبع تلك الدولة لتكون مبنية على تأريخ لفكرها ورؤيتها ،حيث تبدأ فى رعاية مبدعيها ومنتجي كافة أشكال الحياة خاصة الموجهة للعامة ، وهو ما يعطى الطرز التى تمثل كل عصر.
ففى مصرمثلاً نجد مشغولات المعادن فى العصر الفاطمى ، مختلفة عن طرز المشغولات المعدنية فى العهد المملوكى، وهكذا .
ولو تحدثنا عن تاريخ الفنون اليدوية المصرية ، فعلينا مشاهدة المتاحف التى توضح هذا التاريخ و نراها فى المتحف المصرى والمتحف القبطى والأسلامى بالقاهرة فى حالة متكاملة شاملة لهذا المنتج .
بل إن المشاهد للمتحف الرومانى بالإسكندرية ومتحف الجمعية الجغرافية والمتحف الزراعى بالقاهرة ، ليفك رموز العلاقة بين المنتج الفنى اليدوى التقليدى والمنتج الفنى الراقى فى تاريخ الحضارات التى عاشتها مصر.
فهناك خط رفيع بين الفنون الرسمية للدول التى حكمت مصر وكان لها إنتاجاً متميزاً ،وفنون الفلاحين والعامة لشعب وادى النيل .
عندما قامت الثورة الصناعية حدثت نقلة نوعية فى أدوات الإنتاج والمعدات وبالتالى فى كم ونوعية المنتجات الضرورية للإنسان ، وهو ما أثربالسلب على المنتج الحرفى ولم يعد هناك أهمية لهذا المنتج ، سواء لنوعيته التى تطورت مع الصناعة أو للتصنيع بخامته، فلم تعد الخامات الطبيعية هى المصدر الرئيسى فى التصنيع.
إن المنتج التقليدى المرتبط بامروث اليدوى لفنون الشعوب يمثل الجانب البصى المدرك من هذا الموروث ، فلو تخيلنا أن الموروث الشعبى مجموعة معقدة من العلاقات المتاخلة بين فروع المعرف التقليدية عند مجتمع ما، وهى فكرية تخضع لنظم من المتبع داخل هذا المجتمع ، والجانب المرئى لتلك المعارف نجده فى منتجها المادى المعتمد على تشكيل المواد الخام المتوفرة من أجل الخروج بشكل نفعى يحمل معنى لديه ويحقق الجانب الفكرى..
و تتنوع الفنون اليدوية المصرية حسب البيئة التى نشأت فيها ، ففنون الصحراء الغربية تختلف عن فنون الصحراء الشرقية، وفنون السواحل المتوسطية التى تربطنا بالغرب من ناحية الشمال تختلف عن فنون الشرق التى تربطنا بالبحر الأحمر.
بينما فنون النهر تسير وفقاً للمنطقة التى تمثلها فمعطيات اللقاء بين ثقافة بدو الشرقية وفلاحينها تختلف عن عرب أولاد على بالفيوم وفلاحينها، بينما ثقافة الجنوب أكثر تنوعاً وتناغماً ففنون النوبة بنت خصوصيتها بينما فنون الصعيد إمتداداً طبيعياً لعصوره الفرعونية والقبطية.
كل هذه المناطق أوجدت تنوعاً فى المنتج اليدوى المصرى ، حيث تركز التنوع فى:
الخامة، مستوى معالجتها .
الأدوات ومدى تعقدها وتناسبها مع العمل الذى تؤديه.
شكل المنتج
النقوش والزخارف التى يحملها الشكل
وتنعكس على الفنون اليدوية التالى:
وضع الفنان اليدوى وسط جماعته.
مدى إحتياج المجتمع للمنتج اليدوى .
توفر الخامة والحرفيين منتجى الفنون اليدوية.
والحرفى هنا هو الذى يعبر عن مستوى المنتج فهو الذى يضيف جزء أصيل فى عمله متفرد، وبالتالى قد يقدم الحرفى منتج غير متميزمعتمداً على الموروث
إن الفنون التقليدية الموروثة..هى نافذة التاريخ الحية..
على فنـــون الشعب التشكــيلية. لذا تعد تلك الفنون هى قراءة فى ذاكرة الأمة التشكيلية.