مكتب الاستشارات القانونية واعمال المحاماة المستشار القانونى ابراهيم خليل و الأستاذ خالد إبراهيم المحامي بالاستئناف

استشارات قانونية جنائية ومدنية واحوال شخصية وعمل وقضاء ادارى

<!--

<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

الأمر بالحفظ والأمر بألا وجه لإقامة الدعوى

كان إحالة الدعوى الجنائية إلى قضاء التحقيق أو قضاء الحكم هو التصرف الايجابي في الدعوى في مرحلتي الاتهام والتحقيق، فإن الأمر بحفظ الأوراق والأمر بألا وجه لإقامة الدعوى هما التصرف السلبي في الدعوى في هاتين المرحلتين، وهو تصرف يؤثر على سير كل من الدعويين الجنائية والمدنية التبعية وبالتالي على المراكز القانونية لكل من المتهم والمجني عليه والمدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها. وقد ذخرت كتب الفقه الجنائي بالحديث عن هذا الموضوع، إلا أننا في بحثنا هذا نتناول هذا الموضوع من منظور دستوري وخاصة وأن الطعن على الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى أدى بالفعل إلى إثارة بعض الطعون أمام المحكمة الدستورية العليا. ولما كانت الأطراف الأساسية للدعوى الجنائية والدعوى المدنية التبعية هي النيابة العامة والمتهم والمدعي بالحق المدني، فقد رأينا أن نتناول التعريف بهم في مبحث تمهيدي، ولما كانت النيابة العامة هي التي تباشر سلطة الاتهام وهي أيضاً التي تباشر – بحسب الأصل – سلطة التحقيق، فقد رأينا أن نوضح بقدر مناسب من التفصيل المركز القانوني للنيابة العامة في النظام الدستوري المصري نظراً لأثر ذلك على الشرعية الدستورية وخاصة أن هذا الموضوع لا يزال يثير خلافاً حاداً في الفقه والقضاء. ثم نتناول في المبحث الأول الطبيعة القانونية لكل من الأمر بالحفظ والأمر بألا وجه لإقامة الدعوى وأيضاً الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى لعدم الأهمية بعد أن نعرض في إيجاز الخلاف الفقهي الحاد الذي ثار حول الطبيعة القانونية له. ثم نتناول في المبحث الثاني إلغاء الأمر بالحفظ والأمر بألا وجه لإقامة الدعوى، فنوضح من منظور دستوري هل يحقق قانون الإجراءات الجنائية حماية قضائية للمدعي بالحق المدني إذا صدر أمر بحفظ الأوراق في جريمة تمثل جناية ولم تقم الجهات الرئاسية لعضو النيابة مصدر القرار بإلغائه أم أننا في هذه الحالة بصدد ما يسميه الفقه الدستوري بالقصور التشريعي أو الإغفال التشريعي نظراً لأن القانون لا يبيح الادعاء المباشر إلا أمام محاكم الجنح فقط وليس الجنايات.  ونتحدث عن إلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى، فنركز على الطبيعة القانونية لاختصاص النائب العام بإلغاء الأمر بألا وجه من منظور دستوري والنتائج العملية لذلك. ونختتم بحثنا بالمبحث الثالث لنتحدث فيه عن مدى دستورية المادة (210) إجراءات جنائية، فنتناول في المطلب الأول فقرات هذه المادة التي عرضت بالفعل على المحكمة الدستورية العليا وقالت فيها كلمتها لنوضح رأينا في هذه الأحكام ثم نتناول في مطلب ثاني مسألة دستورية لم تعرض بعد على المحكمة الدستورية، وهي مدى دستورية القاعدة القانونية التي لا تجيز الطعن بالنقض في القرار الصادر من غرفة المشورة برفض الطعن في الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى. لنصل بذلك إلى ختام بحثنا.

 

بحث تمهيدي

 

      لما كانت الأطراف الأساسية للدعوى الجنائية والدعوى المدنية التبعية لها هم النيابة العامة والمتهم والمدعي بالحقوق المدنية. فسوف نتناول كلاً منهم في مطلب. فنتحدث في المطلب الأول عن النيابة العامة لنوضح المركز القانوني لها في النظام الدستورية المصري، ثم نتحدث في المطلب الثاني عن المتهم لنوضح تعريف هذا المصطلح في كل من القانون الفرنسي والمصري، ثم نتحدث في مطلب ثالث عن مصطلح المدعي بالحقوق المدنية.

 

المطلب الأول: النيابة  العامة

 

          لما كانت النيابة العامة هي التي تباشر – بحسب الأصل – سلطتي الاتهام والتحقيق في الدعوى الجنائية فقد رأينا أن نوضح بقدر مناسب من التفصيل المركز القانوني للنيابة العامة في النظام الدستوري المصري نظراً لأثر ذلك على الشرعية الدستورية لبعض النصوص التشريعية، ولاسيما أن هذا الموضوع لا يزال يثير خلافاً حاداً في الفقه في كلٍ من مصر وفرنسا.

 

المركز القانوني للنيابة العامة

 

في مصر وفرنسا

 

               ثار جدل فقهي حاد ولا يزال قائماً حول المركز القانوني للنيابة العامة في كل من مصر وفرنسا وتحديد وضعها من السلطتين التنفيذية والقضائية، وسوف نعرض في إيجاز للآراء الفقهية المختلفة.

 

الاتجاه الأول :  يرى أن النيابة العامة تابعة للسلطة التنفيذية وأن أعضاءها ليسوا سوى وكلاء لهذه السلطة لدى المحاكم. واستند أنصار هذا الرأي في فرنسا إلى أن أعضاء النيابة العامة الذين كانوا يسمون رجال الملك في الماضي هم حالياً وكلاء السلطة التنفيذية لدي المحاكم.([1]) ومن جهة أخرى، فإن رفع الدعوى الجنائية عن الجرائم يعتبر إحدى وظائف السلطة التنفيذية باعتبارها المسئولة عن الحفاظ عن الأمن والنظام في المجتمع وحماية حقوق الأفراد([2])

 

ويذهب هذا الاتجاه الفقهي إلى تعريف النيابة العامة بأنها "الهيئة التي تمثل الحكومة والنظام العام والمصالح العامة للمجتمع أمام بعض الجهات القضائية والتي تسهر على تطبيق القوانين وتنفيذها أو الهيئة التي تضم وكلاء السلطة التنفيذية لدي المحاكم".

 

      وقد أخذ بهذا الرأي جانب من الفقه المصري(3)(, كما اتجهت إليه محكمة النقض المصرية في حكم قديم لها، حيث قررت أن "النيابة العامة هي من النظم المهمة في الدولة المصرية، أشار الدستور إليها في كلامه عن السلطة القضائية، وهي – بحسب القوانين التفصيلية المعمول بها – شعبة أصيلة من شعب السلطة التنفيذية خصت بمباشرة الدعوى العمومية نيابة عن تلك السلطة وجعل لها وحدها التصرف فيها تحت إشراف وزير الحقانية ومراقبته الإدارية. وهي بحكم وظيفتها مستقلة استقلالاً تاماً عن السلطة القضائية(4)(.

 

الاتجاه الثاني: يرى غالبية الفقه الفرنسي أن أعضاء النيابة العامة هم أصحاب وظيفة مزدوجة ، أعضاء في السلطة القضائية ، أي موظفون وقضاة في آن واحد، وباعتبارهم موظفين فهم يخضعون لعلاقة التبعية لرؤسائهم في بعض الأعمال وباعتبارهم قضاة فهم يتحررون من علاقة التبعية هذه في أعمال أخرى(5)([3]).

 

          وقد أيدت محكمة النقض الفرنسية هذا الاتجاه، فقضت بأنه يجب التمييز بين صفتين للنيابة العامة الأولى كأداة لحماية المجتمع من الجريمة، والثانية كأداة لحماية القانون في طلبات توقيع العقوبة على المتهمين(1)([4]).

 

          وأيدت محكمة النقض المصرية هذا الاتجاه في بعض أحكامها، حيث قضت "بأن النيابة العامة، لا تزال تجمع بين طرف من السلطة القضائية وآخر من السلطة الإدارية، وأنها بهذه الصفة قد تحتاج في تصرفها إلى قسط من المرونة لا يرى قاضي التحقيق أنه بحاجة إلى مثله لأن مهمته قضائية"([5]).

 

          كما أيدت أيضاً المحكمة الإدارية العليا هذا الاتجاه  فقررت أن " قضاء هذه المحكمة جرى على أن النيابة العامة هي في حقيقة الأمر شعبة أصيلة من شعب السلطة التنفيذية تجمع بين طرف من السلطة القضائية وآخر من السلطة الإدارية(3)(.

 

          وقد أيد هذا الاتجاه أيضاً جانب من الفقه المصري(4)([6]).

 

الاتجاه الثالث : يرى أن النيابة العامة هيئة قضائية، وأعضاؤها قضاة وليسوا وكلاء للسلطة التنفيذية، ويستند هذا الاتجاه إلى أن الوظيفة الرئيسية للنيابة العامة هو تطبيق قانون العقوبات، ويعتبر هذا العمل من اختصاص السلطة القضائية(5)([7]).

 

          وقد أخذ الدستور الفرنسي بهذا الاتجاه، فبمقتضى التعديل الدستوري الصادر في 27 يوليو سنة 1993، أصبحت النيابة العامة جزءاً من السلطة القضائية، فقد نصت المادة (64) من الدستور الفرنسي على "أن رئيس الجمهورية يضمن استقلال السلطة القضائية ويساعده في ذلك المجلس الأعلى للقضاء". وطبقاً للمادة (65) من الدستور بعد تعديلها، أصبح للمجلس الأعلى للقضاء تشكيلان الأول: خاص بشئون القضاة، والثاني: خاص بشئون أعضاء النيابة العامة.

 

          وقد أخذ غالبية الفقه المصري بهذا الاتجاه، استناداً إلى أن عمل النيابة  العامة يغلب عليه – من الوجهة الفنية – الطابع القضائي، باعتبار ما تلتزم به من موضوعية ومن استهداف التطبيق الصحيح للقانون.  ويؤكد هذا الطابع أن الإعداد الفني لأعضاء النيابة العامة هو ذات إعداد القضاة. كذلك فإن النيابة العامة هي جزء متمم في تشكيل المحكمة الجنائية(6)([8]

 

          وقد أخذت محكمة النقض بهذا الاتجاه في حكم حديث لها، فقضت بأن "النيابة العامة شعبة من شعب السلطة القضائية خول الشارع أعضاءها من بين ما خول سلطة التحقيق ومباشرة  الدعوى العمومية"(1)().

 

          وأخذت به أيضاً المحكمة العليا، فقررت "أن النيابة العامة هي على الرأي الراجح شعبة من السلطة القضائية تتولى أعمالاً قضائية أهمها وظيفة التحقيق التي ورثتها عن قاضي التحقيق، ثم وظيفة الاتهام أمام المحاكم الجنائية بحيث يتعين تمثيلها في تشكيل هذه المحاكم وإلا كان قضاؤها باطلاً، ومن ثم تكون قراراتها قضائية"(2)().

 

رأينـا فـي الموضـوع :

 

          بعد أن استعرضنا الاتجاهات الفقهية والقضائية المختلفة، نحاول أن نجتهد برأينا في الموضوع فنتحدث – أولاً – في مدلول لفظ "الهيئات القضائية" الوارد في المادة (167) من الدستور لنرى هل تعتبر النيابة العامة هيئة قضائية أم لا؟

 

          وقد قررت المحكمة الدستورية – وهي بصدد تفسيرها للمادة (24/2) من القانون رقم 73 لسنة 1956 – قررت الآتي:

 

1-    أن مصطلح "الهيئة القضائية" في النظام القانوني المصري إن هو إلا اسم جنس تندرج تحته عدة أنواع، منها جهات تمسك بزمام العدالة وتنفرد على وجه الاستقلال بالفصل في القضايا على أسس موضوعية ووفقاً لقواعد إجرائية تكون منصفة في ذاتها، بما يكفل الحماية الكاملة لحقوق من يلوذون بها وأخصها المحكمة الدستورية العليا ومحاكم جهتي القضاء العادي والإداري بمختلف درجاتها ومنها جهات قائمة بذاتها، وهي وإن لم يعهد إليها المشرع باختصاص الفصل في القضايا إلا أنه أسبغ عليها صفة الهيئة القضائية تقديراً منه بأنها هيئات – بحكم الاختصاصات المنوطة بها – تسهم في سير العدالة وهي هيئتا قضايا الدولة والنيابة الإدارية.

 

2-    إن العبرة في اكتساب صفة "الهيئة القضائية" لغير الجهات التي تضم المحاكم على اختصاص مسمياتها ودرجاتها – هي بوجه عام بالتشريع الذي يصدر – بناء على التفويض الوارد بالمادة 167 من الدستور – بإنشاء الهيئة وتنظيمها والذي يسبغ عليها هذه الصفة ويمنحها القدر اللازم من الاستقلال وبانضمامها إلى  تشكيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية(3)([9]).

 

وقد ذهب رأي فقهي – في تحديده لمصطلح "الهيئات القضائية" الوارد بالمادة (167) من الدستور – إلى القول أنه طبقاً لنص المادة (165) من الدستور، فإن المحاكم وحدها هي التي تتولى ممارسة  السلطة القضائية، ومع ذلك فقد نص قانون السلطة القضائية في المادة (15) منه على أنه "فيما عدا المنازعات الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة تختص المحاكم بالفصل في كافة المنازعات والجرائم إلا ما استثني بنص خاص".

 

وهذا الاستثناء الأخير قد ينصرف إلى جواز تخويل بعض الجهات من غير المحاكم سلطة  الفصل في المنازعات، ولا يتفق هذا المعنى مع ما عبر عنه الدستور بشأن تولي المحاكم مباشرة السلطة القضائية ولذلك لا يجوز تفسير هذا الاستثناء إلا في النطاق الذي يتفق مع الدستور، مما يجعله مقصوراً على احتمال إنشاء أنواع جديدة من المحاكم لم ينص عليها قانون السلطة القضائية.

 

وقد قضت المادة (167) من الدستور المصري في الفصل الخاص بالسلطة القضائية على أن "يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصها ..."

 

وواضح من المادة (165) من الدستور أن المحاكم هي التي تتولى السلطة القضائية. ومفاد هذا النص أن المحاكم وحدها هي التي تتمتع بالضمان الدستوري لطبيعتها القضائية. أما ما عدا ذلك من الهيئات فإن طبيعتها القضائية لها قيمة تشريعية بحتة.

 

ويضيف هذا الرأي الفقهي قائلاً: أن كلاً من الاتهام الجنائي والتحقيق الابتدائي والمحاكمة وظيفة قضائية، وقيام المحكمة ببعض جوانب هذه الوظيفة لا ينفي الطبيعة القضائية للجوانب الأخرى من الوظيفة والتي تباشرها النيابة العامة.

 

وعلى ضوء ما تقدم، تعتبر النيابة العامة هيئة قضائية. وقد عني الدستور صراحة بإضفاء القيمة الدستورية على وجود النيابة العامة في المادة (41) منه.

 

وإذا خرج القانون عن المعيار الموضوعي للوظيفة القضائية في تحديد الهيئات القضائية، فإن ذلك يرجع إلى أهمية إضفاء قدر من الاستقلال على بعض الهيئات بالنظر إلى اختصاصها الهام وتعاونها مع القضاء كما هو الشأن بالنسبة إلى هيئة قضايا الدولة في مصر(1)([10]).

 

رأي مخالف لقضاء المحكمة الدستورية العليا

 

          نحن من جانبنا لا نؤيد قضاء المحكمة الدستورية سالف الذكر، ونرى أن ما عناه الدستور بلفظة "الهيئات القضائية" الواردة بالمادة (167) منه هي الهيئات التي تندرج تحتها المحاكم التي نص عليها في المادة (165) بأنها تمثل السلطة القضائية، أي توزيع جهة المحاكم، بدليل أن الدستور جاء بعد ذلك وتحدث عن محاكم أمن الدولة في المادة (171)، ثم عن محاكم مجلس الدولة في المادة (172) ثم أفرد للمحكمة الدستورية العليا فصلاً خاصاً بها. فلو كان لفظة "الهيئات القضائية" الواردة بالمادة (167) المقصود بها يشمل كل هذه المحاكم إلى جانب هيئات قضائية أخرى، لكان الترتيب الطبيعي لها أن ينص الدستور عليها بعد المادة (172).

 

          ونحن لن نرد على قضاء المحكمة الدستورية هذا، إلا بقضاء آخر للمحكمة الدستورية قررت فيه "أن ما قصد إليه الدستور بنص المادة (167) منه التي فوض بها المشرع في تحديد الهيئات القضائية وتقرير اختصاصاتها، هو أن يعهد إليه دون غيره، بأمر تنظيم شئون العدالة من خلال توزيع الولاية القضائية بين الهيئات التي يعينها تحديداً لقسط كل منها أو لنصيبها فيها، بما يحول دون تنازعها فيما بينها أو إقحام إحداها فيما تتولاه غيرها من المهام، وبما يكفل دوماً عدم عزلها جميعاً عن نظر خصومة بعينها"(2)([11]).

 

          وواضح أن المحكمة الدستورية تقصد بحكمها الأخير أن الهيئات القضائية الواردة بالمادة (167) من الدستور أنها الهيئات التي تضم المحاكم فقط.

 

          وبناء على ما تقدم، فإننا لا نرى –فقط – أن هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة لا تندرج في عداد الهيئات القضائية الواردة بالمادة (167) من الدستور، بل إننا نرى أن النيابة العامة أيضاً لا تندرج هي الأخرى في عداد الهيئات القضائية الواردة بالمادة (167) من الدستور.

 

          وما ذهبت إليه المحكمة الدستورية بأن انضمام هيئة ما إلى تشكيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية يسبغ عليها وصف الهيئة القضائية، هذا القول مردود عليه: بأن ثمة أعضاء من خارج الجامعات ينضمون إلى تشكيل المجلس الأعلى للجامعات. وهذا دليل على أن هذا المعيار الذي أخذت به المحكمة الدستورية في تحديد "الهيئة القضائية" معيار غير صحيح.

 

2-  إن المشرع الدستوري تحدث ضمناً عن النيابة العامة في المادة (70) من الدستور واصفاً إياها أنها جهة قضائية وليس هيئة قضائية فنص على "لا تقام الدعوى الجنائية" إلا بأمر من جهة قضائية ..."

 

3-  إن المشرع الدستوري في الدساتير السابقة على الدستور الحالي كدستور 1956 ودستور 1964 حين تكلم عن النيابة العامة في نفس الفصل الرابع من الباب الخاص بالسلطة القضائية، نص في مستهل هذا  الفصل على "يرتب القانون جهات القضاء ويعين اختصاصاتها(1)([12])" أي أن المشرع الدستوري استعمل لفظة "جهات القضاء" وليس لفظ "الهيئات القضائية" كما هو الحال في الدستور الحالي، ولفظة "جهات القضاء" أعم وأشمل، فهي تشمل المحاكم وأي جهة أخرى تسهم بقدر ما في الوظيفة القضائية.

 

كما يلاحظ أيضاً في الدساتير السابقة، أن المشرع الدستوري نص على "ينظم القانون وظيفة النيابة العامة، واختصاصاتها، وصلتها بالقضاء"(2)([13]).

 

وواضح تماماً من عبارة "وصلتها بالقضاء" أنه بالرغم من أن الدستور أدرج النيابة العامة في نفس الفصل الخاص بالسلطة القضائية، إلا أنها ليست من جنس القضاء وإنما تتمتع فقط بقسط من هذه السلطة القضائية.

 

وما ذهب إليه الرأي الفقهي من أن الاستثناء الوارد في المادة (15) من قانون السلطة القضائية إنما يعني إنشاء أنواع جديدة من المحاكم لم ينص عليها قانون السلطة القضائية،

حتى يتفق هذا الاستثناء مع المادة (165) من الدستور التي تقضي بأن المحاكم وحدها هي التي تتولى السلطة القضائية(3)([14]).

 

ونحن من جانبنا لا نؤيد هذا الرأي، ونرى أن الاستثناء المشار إليه قصد به المشرع إسناد الفصل في بعض المنازعات إلى هيئات ذات اختصاص قضائي وليست هيئات قضائية كالهيئات التي تضم المحاكم الواردة بقانون السلطة القضائية، ولا مخالفة في ذلك على الإطلاق لنص المادة (165) من الدستور التي تقضي بأن السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها.

 

فهذه الهيئات تستمد شرعيتها الدستورية من هذا النص الدستوري، وبالتحديد من لفظة "تتولاها" فالمشرع الدستوري قد استعمل لفظة "تتولاها"، ولم يستعمل لفظة "تمارسها", وثمة فارق كبير بين اللفظين، ويتضح لنا هذا الفارق، لو نظرنا – مثلاً – في المادة (86) من الدستور التي تتحدث عن اختصاصات مجلس الشعب، فتقرر "أن يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية" أي أن المشرع الدستوري حين اختص مجلس الشعب بسلطة التشريع استعمل لفظة "يتولى". ولكن حين اختصه بالرقابة على أعمال السلطة التنفيذية استعمل لفظة "يمارس" وهذا يعني أننا لكي ندرك التفسير الصحيح لنص المادة (165) من الدستور، لابد أن نقف على معنى كلمتي "تتولى" و "تمارس".

 

      وحيث إنه ليس ثمة معنى اصطلاحي لهذين اللفظين، الأمر الذي يجعلنا نبحث عن معناهما اللغوي.

 

      وبالبحث في المعجم الوسيط – إصدار مجمع اللغة العربية – الطبعة الثالثة – الجزء الثاني، وجدنا الآتي:

 

لفظة "تتولى"، مادة "ولى" – تولى الأمر: تقلده وقام به – صـ1100

 

لفظة "تمارس"، مادة "مرس" – مارس الشيء: عالجه وزاوله – صـ897

 

وبالتالي، فإن نص المادة (165) من الدستور على "السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم ..." إنما يعنى أن المشرع الدستوري، أجاز للمشرع العادي أن يعهد بقسط من هذه الوظيفة إلى غيرها، ولكن تظل هي صاحبة الولاية والهيمنة على هذا العمل، أما لو كان المشرع الدستوري استعمل في المادة (165) من الدستور لفظة "تمارسها" بدلاً من "تتولاها"، لكان لزاماً على المشرع العادي أن يعهد إلى المحاكم وحدها بهذه الوظيفة تزاولها بنفسها، دون أن يعهد إلى غيرها بأي قسط منها.

 

يؤكد صحة ما نذهب إليه أن الدستور في المادة (86) منه حين اختص مجلس الشعب بسلطة التشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، استعمل في الحالة الأولى لفظة "يتولى" وفي الحالة الثانية لفظة "يمارس".

 

فالدستور اختص مجلس الشعب بمهمة إقرار القوانين، وفي الوقت نفسه عهد إلى السلطة التنفيذية بأعمال تدخل في نطاق الأعمال التشريعية، ومنها مثلاً إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها (المادة 144 من الدستور).

 

وهذا يعني أن مجلس الشعب لا يزاول بنفسه الأعمال التشريعية جميعها، ولكن يزاول قسطاً فقط منها، ويترك القسط الآخر للسلطة التنفيذية تزاوله تحت رقابته وهيمنته.

 

أما في حالة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، فإن المشرع الدستوري اختص مجلس الشعب بممارسة هذه الرقابة، أي مزاولتها بنفسه، دون أن يترك قسطاً منها لغيره*.

 

وهذا يعني أننا ونحن بصدد الحديث عن السلطة القضائية               The Judiciary     

 

نكون بصدد ثلاث مصطلحات مختلفة

 

هيئة قضائية، وهي التي تندرج تحتها محكمة أو عدة محاكم a Judicial Authority  

 

جهة قضائية وهي النيابة العامة                                      a Judicial body

 

هيئة ذات اختصاص قضائي a Body of Judicial Jurisdiction                            

 

وهي الهيئات الإدارية التي تتمتع باختصاص الفصل في بعض المنازعات الإدارية التي تحتاج إلى خبرة خاصة.

 

أما القول بأن النيابة الإدارية أو هيئة قضايا الدولة هي هيئات قضائية فهو قول ليس عندنا بشيء فهي مجرد هيئات قانونية ، بل إن وصف الشرع لها بأنها هيئات قضائية يُعد مخالفة دستورية للمادة (165) من الدستور.

 

خلاصة القول: إن النيابة العامة هي جهة قضائية وليست هيئة قضائية . ومن ثم فهي تقع في مركز قانوني وسط بين السلطتين القضائية والتنفيذية. ويؤكد صحة ذلك ما يلي:

 

أولاً   :  أنه بالرغم من أن الدستور أسبغ على النيابة العامة القيمة الدستورية، حيث نص عليها صراحة في المادة (41) منه، وذكرها ضمناً في المادة (70)، إلا أن المشرع الجنائي اشترط لصحة بعض الإجراءات الجنائية التي تباشرها النيابة العامة الحصول مقدماً على أمر مُسبب من القاضي الجزئي (م 206 إجراءات جنائية).

 

ثانياً    :  تلك التأشيرة التي يتلقاها عضو النيابة من العضو الأعلى في التدرج الوظيفي "لنيابة ... بعد انتهاء اللازم". وهي تأشيرة تنفرد بها النيابة العامة وحدها، دون أي جهة أخرى في الدولة. ولقد أثبت الواقع العملي أن العديد من أعضاء النيابة إدارية أنفسهم لا يعرفون معناها ويعتقدون أن معناها رفض للطلب المقدم من صاحبه، وأن هذه التأشيرة بهذا المعنى هي قرار ملزم للأدنى درجة إذا صدرت من الأعلى.

 

والحقيقة أن عضو النيابة العامة لأنه ليس قاضياً، كما أنه ليس موظفاً عاماً، فهو غير ملزم بالإجابة على ما يقدم له من طلبات الأشخاص، ولا يرتب القانون أي أثر على سكوته.

 

وذلك على عكس القاضي أو الموظف العام، فالقاضي ملزم بالرد على ما يقدم له من عرائض وإلا كان منكراً للعدالة، وكذلك الموظف العام الممثل للسلطة الإدارية إذا امتنع عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليه اتخاذه وفقاً للقوانين واللوائح أصبحنا بصدد قرار إداري سلبي، كما أن تقديم تظلم من قرار إداري لمصدره أو للجهة الرئاسية له وفوات ستين يوماً دون الرد عليه يعتبر بمثابة رفض للتظلم، وذلك كله طبقاً لقانون مجلس الدولة.

 

فمثلاً حين يقوم أحد أعضاء النيابة بالتأشير على أوراق محضر إداري بالحفظ ، ويقوم المتظلم بتقديم طلب إلى النائب العام – مثلاً – لإلغاء أمر الحفظ وفتح باب التحقيق في الواقعة، فعندما يقوم النائب العام بفحص أوراق المحضر ، ثم التأشير عليها بتأشيرة "لنيابة .... بعد انتهاء اللازم" فإن هذه التأشيرة لا تعنى على الإطلاق – كما يعتقد الغالبية من القانونيين – أن النائب العام يؤيد الأمر بحفظ الأوراق، وأنه بذلك يعطي شهادة بأن الأوراق قد أجدبت تماماً من شبهة الجريمة ولا تعني هذه التأشيرة من النائب العام أنها قرار منه ملزم لأعضاء النيابة العامة، ولكن تعني – فقط – أن النائب العام عندما فحص الأوراق لم يلحظ شبهة جريمة، مع ملاحظة أن القانون لم يلزمه بالفحص الوافي لينتهي بعده إلى قول فصل إما بتأييد أمر الحفظ وإما بإلغائه، وبناء على ذلك، يمكن لأي عضو نيابة إذا فحص أوراق المحضر بعد ذلك أن يعود فيفتح باب التحقيق ويحرك الدعوى الجنائية.

 

ثالثاً   :  أنه من الناحية الفلسفية المجردة، حين يحتدم الخلاف بشدة حول المركز القانوني للنيابة العامة وهل تنتمي إلى السلطة القضائية أم تنتمي إلى السلطة التنفيذية، فلا يتصور إلا أن تقع في مركز قانوني وسط بين السلطتين القضائية والتنفيذية.

 

رابعاً  :  أنه إذا كان ثمة مؤسسة دستورية – وهي المحكمة الدستورية العليا – تقع في مركز قانوني وسط بين السلطتين القضائية والتشريعية(1). فمن المتصور أن ثمة مؤسسة دستورية أخرى تقع في مركز قانوني وسط بين السلطتين القضائية والتنفيذية.

 

            خلاصة القول: إن النيابة العامة في النظام الدستوري المصري تقع في مركز قانوني وسط بين السلطتين القضائية والتنفيذية. ويترتب على ذلك أن ما تباشره النيابة العامة من أعمال في الدعوى الجنائية تنقسم إلى:

 

أولاً   :  أعمال تباشرها كسلطة اتهام، وهي أعمال يغلب عليها الطابع الإداري، وهذه الأعمال يخضع فيها أعضاء النيابة لعلاقة التبعية للنائب العام، لأنهم يباشرونها كوكلاء عن النائب العام.

 

ثانياً  :  أعمال تباشرها كسلطة تحقيق، وهي أعمال يغلب عليها الطابع القضائي، وقد ثار تساؤل في الفقه هل هذه الأعمال يباشرها عضو النيابة بصفته أصيلاً يستمد سلطته فيها من القانون مباشرة أم بصفته وكيلاً عن النائب العام، ومن ثم يخضع لعلاقة التبعية للنائب العام.

 

            وقد انقسم الفقه في الإجابة على هذا التساؤل إلى رأيين:

 

الرأي الأول :  الاختصاص بالتحقيق اختصاص أصيل مستمد من القانون:

 

         ويستند أنصار هذا الرأي إلى أن المادة (199) إجراءات قررت أن "تباشر النيابة العامة التحقيق في مواد الجنح والجنايات طبقاً للأحكام المقررة لقاضي التحقيق"

 

         ومفاد هذا أن القانون قد خول النيابة العامة سلطة التحقيق الابتدائي التي كانت مقررة لقاضي التحقيق. وهنا سلك المشرع سبيلاً يختلف عن النهج الذي اتبعه بصدد استعمال الدعوى الجنائية، فبينما نص في المادة الثانية إجراءات على أن يقوم النائب العام بنفسه أو بواسطة أحد أعضاء النيابة  العامة بمباشرة الدعوى الجنائية، فإنه نص في المادة (199) المذكورة على جعل الاختصاص بالتحقيق الابتدائي للنيابة العامة كهيئة

لا للنائب العام.

 

         وبناء على ذلك، فإن أعضاء النيابة العامة يباشرون التحقيق الابتدائي كأصلاء – لا وكلاء – باسم القانون لا باسم النائب العام، وذلك كله تحت الإشراف الإداري – فقط - للنائب العام([15]).

 

الرأي الثاني :  الاختصاص بالتحقيق يباشر باسم النائب العام:

 

         يذهب هذا الرأي إلى أن مباشرة عضو النيابة العامة لإجراءات  التحقيق إنما يستمدها من وكالته للنائب العام لا من القانون مباشرة، ولذا فإنه يخضع لأوامره أياً كانت سواء تعلقت بإجراءات التحقيق

أو بإجراءات الاتهام. وسند هذا الرأي، أن النائب العام طبقاً لنص المادة (2/1) إجراءات، قد اختص بمباشرة الدعوى الجنائية بنفسه أو بواسطة غيره، وأن إجراءات التحقيق ليست لها طبيعة قضائية وأن القانون حين أحل النيابة العامة محل قاضي التحقيق قد جعل التحقيق الابتدائي بحسب الأصل للنيابة العامة([16]).

 

رأينا في هذا الخلاف الفقهي:

 

         نحن من جانبنا نؤيد الرأي الأول الذي يرى أن الاختصاص بالتحقيق هو اختصاص أصيل يستمده عضو النيابة من القانون مباشرة، وليس من وكالته للنائب العام وذلك للأسباب التي أوردها أنصار هذا الرأي، ونحن نضيف فنقول :

 

أولاً  :  مبدأ الفصل بين الهيئة التي تباشر الاتهام وتلك التي تباشر التحقيق، أي مبدأ الفصل بين الهيئات، هو فرع من المبدأ الدستوري الأم وهو مبدأ الفصل بين السلطات separation between powers وهذا المبدأ لا يتصور تحققه إلا إذا انتفت الصفة الرئاسية للنائب العام تجاه عضو النيابة وهو يباشر سلطة التحقيق.

 

ثانياً  :  أن ما قررته المادة (200) إجراءات من سلطة عضو النيابة العامة – عند إجراء التحقيق – في أن يكلف أي مأمور من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من اختصاصاته، هو دليل على أن عضو النيابة يستمد سلطته من القانون مباشرة، لأنه لو كان يستمد سلطته من وكالته للنائب العام لما أجاز له القانون تكليف غيره بالقيام بإجراءات التحقيق دون قيد أو شرط. ولجعل القانون هذا التكليف رهناً بإرادة الموكل أي النائب العام.

 

المطلب الثاني :  المتهـم

 

المتهم هو الطرف الثاني في الدعوى الجنائية. وهو الشخص الذي يوجه إليه الاتهام بواسطة سلطة الاتهام.

 

ويذهب رأي فقهي إلى أنه لا يكفي ارتكاب الشخص للجريمة حتى يعتبر متهماً بل يتعين تحريك الدعوى الجنائية قبله حتى تلحقه هذه الصفة*.

 

ونحن من جانبنا نرى أنه يجب التفرقة بين نوعين من المتهمين:

 

المتهم بالمعنى الواسع : وهو المتهم في مرحلة الاتهام

 

المتهم بالمعنى الضيق : وهو المتهم في مرحلة التحقيق

 

يؤكد صحة ما نذهب إليه ما نصت عليه المادة (123) إجراءات من أنه "عند حضور المتهم لأول مرة في التحقيق، يجب على المحقق أن يثبت من شخصيته، ثم يحيطه علماً بالتهمة المنسوبة إليه ...." وهذا قاطع الدلالة أن الشخص قد يكتسب صفة المتهم قبل عرضه على سلطة التحقيق أي في مرحلة الاتهام بواسطة النيابة العامة.

 

المطلب الثالث :  المدعي بالحقوق المدنية

 

من هو المدعي بالحقوق المدنية :

 

          إذا تأملنا في تفسير الفقه والقضاء لنص المادة (264) إجراءات، لوجدنا أن الفقه والقضاء لا يزال

لا يدرك ما المقصود بمصطلح المدعي بالحقوق المدنية، كما وردت بقانون الإجراءات الجنائية.

 

 

 

تفسير الفقه للمادة (264) إجراءات:

 

          إذا كانت الدعوى الجنائية لم تحرك بعد ، تم رفع المدعي المدني دعواه إلى المحكمة المدنية ، فهل يجوز له أن يحرك بنفسه الدعوى الجنائية بالطريق المباشر، وبالتالي يطرح أمام المحكمة الجنائية دعواه المدنية؟ انقسم الفقه إلى رأيين:

 

الرأي الأول : يرى سقوط حق المدعي المدني في الالتجاء إلى طريق الإدعاء المباشر أمام المحكمة الجنائية لأنه طالما كان هذا الطريق مفتوحاً، فإن رفع دعواه أمام المحكمة المدنية يعتبر تنازلاً منه عن هذا الطريق([17]).

 

الرأي الثاني :  يرى أن أحداً لم يجادل في حق المدعي المدني في رفع دعواه المدنية أمام المحكمة الجنائية إذا ما حركت النيابة العامة الدعوى بعد سبق التجائه إلى الطريق المدني ، ولا شك أن سقوط حق المدعي المدني في الالتجاء إلى القضاء الجنائي لا يتوقف على كيفية تحريك الدعوى الجنائية أمام القضاء، وعلى ما إذا كان قد تم بواسطة النيابة العامة أو بواسطة المدعي المدني بالطريق المباشر([18]).

 

موقف محكمة النقض :

 

          أيدت محكمة النقض الرأي الأول ، فقضت بأن المضرور من الجريمة لا يملك بعد رفع دعواه أمام القضاء المدني أن يلجأ إلى الطريق الجنائي ، إلا إذا كانت الدعوى الجنائية قد رفعت من النيابة العامة. فإذا لم تكن حركت منها امتنع عل المدعي المدني بمقتضى هذا الحكم كل الحق الذي كان له من قبل في اختيار الطريق الذي يريده لدعواه([19]).

 

رأي مخالف لرأي الفقه وقضاء محكمة النقض:

 

          نحن من جانبنا نرى أنه ليس صحيحاً ما ذهب إليه الفقه وقضاء النقض، ونرى أن المادة (264) إجراءات هي حالة خاصة من حالات الدعوى المدنية التبعية، لكن الخصوصية – هنا – لا تنسحب إلى الحالة التي ترفع فيها النيابة العامة الدعوى الجنائية دون حالات الإدعاء المباشر ولكنها تنسحب إلى إحدى صفات المدعي بالحقوق المدنية. وآية ذلك، أن المشرع حين عبر عن صفة المدعي بالحقوق المدنية استعمل ثلاث صيغ مختلفة وهي:

 

1- من يدعي حصول ضرر له من الجريمة             (المادة 27 إجراءات)

 

2- لمن لحقه ضرر من الجريمة                         (المادة 76 والمادة 199 مكرراً)

 

3- من ناله ضرر من الجريمة                           (المادة 264)

 

          وهذه المغايرة في الصيغ الثلاث لها ما يبررها، إذ تعبر كل واحدة منها عن حالة معينة من حالات الإدعاء المدني.

 

الحالة الأولى : خاصة بشخص المجني عليه المضرور من الجريمة أو المضرور من الجريمة طبقاً للمجرى العادي للأمور.

 

الحالة الثانية :  تتعلق بالمضرور من الجريمة ولكن ليس طبقاً للمجرى العادي للأمور.

 

الحالة الثالثة :  خاصة – فقط – بشخص المجني عليه المضرور من الجريمة.

 

          وسوف نسوق المثال الآتي لمزيد من الإيضاح، لو افترضنا أن شخصاً ما أعتدي عليه، فأصيب بعاهة أقعدته عن العمل، الأمر الذي أصاب زوجه وأولاده القصر الذين يعولهم بضرر مادي ولو افترضنا أن هذا الشخص كان يعول أيضاً أبناء أخيه المتوفى، فنكون – هنا – بصدد الثلاث حالات:

 

الحالة الأولى :  شخص المجني عليه وزوجه وأولاده القصر، ينطبق عليهم وصف "ممن يدعي حصول ضرر له من الجريمة"

 

الحالة الثانية  :  أولاد أخيه الذين يعولهم ينطبق عليهم وصف "لمن لحقه ضرر من الجريمة"

 

الحالة الثالثة  :  شخص المجني عليه ذاته ينطبق عليه وصف "من ناله ضرر من الجريمة"

 

          أي أن وصف "لحقه ضرر من الجريمة" هو أعم وأشمل من وصف "من يدعى حصول ضرر له من الجريمة ووصف "ناله ضرر من الجريمة" هو أخص منه، لأنه قاصر – فقط – على شخصي المجني عليه المضرور من الجريمة.

 

          ويؤكد صحة ما نذهب إليه أن المشرع استعمل في المادة (262) إجراءات صياغة "المدعي بالحقوق المدنية" لتشمل كل حالات الإدعاء المدني ولم يخصها بحالة معينة، كما فعل في المادة (264)، وعلة ذلك واضحة إذ أن لجوء المدعي بالحقوق المدنية إلى المحاكم المدنية هو حق أصيل يمكنه مباشرته في أي وقت دون أي قيد أو شرط.

 

          ولا ينال من هذا النظر القول إن المشرع، لو قصد في المادة (264) قصرها – فقط – على شخص المجني عليه المضرور من الجريمة لاستعمل لفظة "المجني عليه" بدلاً من لفظة "من ناله ضرر من الجريمة" إذ أن هذا القول مردود عليه: بأن الضرر من الجريمة هو شرط لازم لاكتساب صفة المدعي بالحق المدني، فربما اكتسب الشخص صفة المجني عليه، ومع ذلك لا يكتسب صفة المدعي بالحق المدني. فمثلاً إذا افترضنا أن شخصاً سرق منه منقول معين وبعد فترة وجيزة من الزمن تمكنت الشرطة من ضبط هذا المنقول وإعادته إلى صاحبه فإن هذا الشخص يكون قد اكتسب صفة المجني عليه، فهو الشخصي الذي وقعت عليه الجريمة ولكن ليس ثمة ضرر يذكر قد أصابه من جراء هذه الجريمة. ومن ثم فهو لا يكتسب صفة "ناله ضرر من الجريمة".

 

          واسمع اعتراضاً آخر يقول: إنه إذا كان الضرر ركناً من أركان المسئولية المدنية، فهذا أمر بدهي طبقاً للقواعد العامة في القانون المدني، ولما كان المشرع بحاجة إلى استعمال صياغة "ناله ضرر من الجريمة" بدلاًَ من لفظة "المجني عليه". وهذا الاعتراض مردود عليه أيضاً بأن ذلك تطبيق لما قرره المشرع في المادة (266) من أن الدعوى المدنية التبعية تخضع لقواعد الإجراءات الجنائية وليس لقواعد القانون المدني.

 

          يؤكد صحة تفسيرنا للمادة (264)، وبالتالي صحة تعريفنا لمصطلح المدعي المدني. يؤكد ذلك، أنه طبقاً لقواعد التفسير المنطقي, فإن السماح للمجني عليه المضرور من الجريمة من الانتقال من ساحة القضاء المدني إلى ساحة القضاء الجنائي فيه إيضاح للحقيقة في الدعوى الجنائية، بل في الغالب، فإن النيابة العامة

أو مدع مدني آخر سوف يستعين به كشاهد إثبات ضد المتهم في الدعوى الجنائية.

 

خلاصة القول : إن التفسير الصحيح لنص المادة (264) إجراءات جنائية، هو أنه إذا رفع المجني عليه المضرور من الجريمة دعواه بطلب التعويض إلى المحكمة المدنية، ثم رفعت الدعوى الجنائية، سواء من النيابة العامة أو من مدع مدني آخر، فالفعل رفع – هنا – مبني للمجهول، بما يدل على تعدد الفاعل والتجهيل به، إذا حدث هذا، جاز للمجني عليه المضرور من الجريمة (ناله ضرر من الجريمة) إذا ترك دعواه أمام المحكمة المدنية أن يرفعها إلى المحكمة الجنائية مع الدعوى الجنائية، ولا يجوز ذلك للمدعي المدني الحائز لصفة "يدع حصول ضرر" أو صفة "لحقه ضرر".

 

          وخلاصة ما تقدم أن مصطلح المدعي بالحقوق المدنية في قانون الإجراءات الجنائية هو لفظ عام يشتمل على ثلاث حالات هي:

 

1-     من يدعي حصول ضرر له من الجريمة.

 

2-     من لحقه ضرر من الجريمة.

 

3-     من ناله ضرر من الجريمة.

 

المبحث الأول

 

الطبيعة ا لقانونية للأمر بالحفظ والأمر بألا وجه

 

نقسم هذا البحث إلى ثلاثة مطالب، فنتحدث في المطلب الأول عن الطبيعة القانونية للأمر بالحفظ وفي المطلب الثاني عن التأصيل القانوني للأمر بألا وجه لعدم الأهمية، وفي المطلب الثالث عن الطبيعة القانونية للأمر بألا وجه.

 

المطلب الأول

 

الطبيعة  القانونية للأمر بالحفظ

 

أولاً  :  وضع المسألة في فرنسا :

 

          ذهب رأي في الفقه الفرنسي إلى أن الأمر بالحفظ هو عمل شبه قضائي([20])، وذهب رأي آخر إلى أنه من أعمال الإدارة القضائية البسيطة([21]). ولكن ذهب غالبية الفقه الفرنسي إلى  أنه قرار إداري([22]) لا يجوز أي حجية ويتضمن صرف النظر عن إقامة الدعوى مؤقتاً.

 

ثانياً :  وضع المسألة في مصر :

 

          أجمع الفقه المصري، كما استقرت أحكام محكمة النقض المصرية على أن الأمر بالحفظ قرار إداري ويترتب على ذلك أن الأمر بالحفظ يصدر قبل مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى وهو لا يكسب المتهم حقاً ، ولا يلزم النيابة العامة، بل يكون لها دائماً حق العدول عنه بلا قيد أو شرط وبدون إبداء أسباب قبل انقضاء الدعوى الجنائية ونظراً لانعدام حجية الأمر بالحفظ ، فقد أجاز القانون لأي عضو من أعضاء النيابة العامة إصداره أو إلغاؤه ، كما أن القانون لا يجيز الطعن فيه بأي طريقة ولكن يجوز التظلم منه كقرار إداري إلى مصدره أو إلى السلطة الرئاسية له .

 

رأينا في الموضوع :

 

          إذا كان الفقه والقضاء الإداري قد قام بالتفرقة بين القرار الإداري والعمل المادي بأن القرار الإداري هو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين متى كان ذلك ممكن

ibrahimkhalil

المستشار القانوني إبراهيم خليل محام بالنقض والدستورية والإدارية العليا عضو اتحاد المحامين العرب عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي عضو جمعية الضرائب المصرية عضو جمعية إدارة الأعمال العربية والأستاذ خالد إبراهيم المحامي بالاستئناف موبيل 01005225061 - 01021141410 القاهرة مصر

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 98 مشاهدة
نشرت فى 22 إبريل 2013 بواسطة ibrahimkhalil

ساحة النقاش

المستشار القانونى ابراهيم خليل

ibrahimkhalil
المستشار القانوني إبراهيم خليل بالنقض والدستورية والإدارية العليا الاستاذ خالد ابراهيم عباس المحامي بالاستئناف عضو اتحاد المحامين العرب عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي عضو جمعية الضرائب المصرية عضو جمعية إدارة الأعمال العربية موبيل 01005225061 01021141410 القاهرة مصر »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,491,045

المستشار القانوني إبراهيم خليل

المستشار القانوني إبراهيم خليل محام بالنقض والدستورية والإدارية العليا عضو اتحاد المحامين العرب عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي عضو جمعية الضرائب المصرية عضو جمعية إدارة الأعمال العربية  موبيل 01005225061   تليفون 23952217 القاهرة مصر