نادي العضلات الإيمانية للقراءة والتنمية

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } هذا ما سوف نحاوله


مع النداء التاسع من سورة البقرة وربطه بوصية العزيز الحميد، ولكن أريد أن أنوه إلى شيء، وهو أنني وجدت نفسي في حيرة بالغة بالغة، وحيرتي كانت تتلخص في من أين أبدأ النداء، فالآيات قبل النداء وبعده مرتبطة ارتباط وثيق، وكأنها خطوات تصاعدية كالسلم الذي يرقى بنا في كل لحظة نتدبر فيها آيات ربنا…

والله هو المستعان، من أجل كل ذلك سأحاول أن أضع تفسير علماءنا الكرام فهم بالنسبة لنا مصابيح منيرة أهداها لنا الله تبارك وتعالى:

الآن مع النداء التاسع من سورة البقرة:

وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)

والآن مع موجز من شرح فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي لهذه الآيات :

أيها الإنسان: اعلم أنك إن أنفقت شيئاً ضاعفه الله لك أضعافاً كثيرة، هذه الحقيقة تحتاج إلى إيمان، أنت حينما تؤمن أن كل شيءٍ تنفقه يضاعفه الله لك أضعافاً كثيرة، وحينما تؤمن أن كل شيءٍ تنفقه يعلمه الله عزَّ وجل، فأنت بحاجة إلى حقيقتين: إلى حقيقة أن الله يعلم، والثانية إلى أن الله سيعوض، لذلك لا تجد إنساناً مؤمناً إيماناً قوياً إلا ويبادر إلى الإنفاق لأنه يعلم علم اليقين أن الله يعلم، وأن الله سيضاعف أضعافاً كثيرة.

أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)

تشبيه رائع جدا، لابد من أن نعيشه بخيالنا الواعي، لابد أن نتصور هذا البستان من نخيل وأعناب، النخل شجرة معمرة جدا يصل عمرها لألاف السنين، وشجرة العنب كذلك، والماء يجري في انهار وينابيع من الماء، ثم فجأة أصابه الكبر، أصابته أمراض الشيخوخة، أصبح لم يقدر على العمل…

وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)

وله ذرية ضعفاء، وتذهب جنته التى كان يضع فيها كل أماله وآمال أولاده عندما يكبروا، كل شيء راح، والله سبحانه وتعالى جعل سبب ضياع هذه الجنة من عنده، ولكننا في الواقع نرى أن أصحاب المشاريع الكبيرة عندما يصيبهم الكبر أو الموت أو إلى آخره يبدأ الذين من حوله ينقضون على ما ترك...

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ أكبر وسيلة ضمان اجتماعي للذرية، أن ينفق الإنسان من طيبات ما كسب، وإن كان من أصحاب الأراضي فعليه أن ينفق مما أخرج له الله من الأرض، ليضمن استمرارية عطاء الله لذريته.

وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)

يشرح لنا القرآن معنى هذه الآية الكريمة فتابعونا رحمكم الله:

الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)

عندما نهم بالإنفاق ينشط الشيطان، بل كل الشياطين من الإنس والجن، ليوسوسوا لنا بعدم الإنفاق، أولادك أولى، أنت لديك أولاد صغار ضعفاء، يعدنا الفقر  ويأمرنا بالفحشاء، ولكن أي فحشاء يأمرنا بها؟ فحشاء نسيان فضل الله علينا، ونسبته إلى أنفسنا…[ مثلما حدث مع قارون من قوم موسى والذي قال إنما أوتيته على علم عندي].

وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)

العاقل هو الذي يعرف ويوقن ويتأكد أن الذي رزقه كل ماعنده هو الله، وهو سبحانه الذي يأمرنا بالإنفاق في سبيله ودليل هذا الإيمان أن ننفق من خير ما لدينا. فيضمن الله تبارك وتعالى بإستمرارية العطاء للذرية …هذه الآية تدعم أول وصية للرحمن، [ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ].

وهنا تحضرني آية في غاية الإبداع، تريح القلب والعقل وتستسلم لها كل النفوس بإذن الله تعالى:

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

[ سورة غافر ]

الآن مع آيات النداء:

وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ(269)

من الحكمة أن ننفق من طيبات ما كسبنا، ومن الحكمة أن نؤمن مستقبل أولادنا بأن نجعل كل ما ننفق خالصا لوجه الله تعالى، ومن الحكمة أن لا نشرك به شيئا، ومن الحكمة أن ننفق من أفضل مالدينا فهذا دليل إيماننا بالله العلي العظيم، وهذه الحكمة هي جوهر كل الحقائق، وهي لُب الألباب، وهي نتيجة عقيدة إيمانية قوية وقلب يؤمن بالله العظيم.















  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 85 مشاهدة
نشرت فى 15 يوليو 2015 بواسطة ibrahimelmasry

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

238,207

Ahmed Ibrahim

ibrahimelmasry
إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)[ سورة يونس]. لنا في كتاب الله آيات وفي أنفسنا وفي الناس وفي الأحداث والأقدار وفي الأيام والليالي وفي قلوب الناس وأحوالهم، وفي السماء والسحاب والنجوم .. آيات إذا ما انتبهنا إليها وقرأناها فهي من »