بسم الله الرحمن الرحيم

رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ

هذه الآية الكريمة تصور لنا قمة العلاقة بين الأب وابنه.. قمة الإحترام ، وقمة الإيمان، وقمة الأدب، وقمة الإنسانية، وقمة الحب والرحمة والمودة والإيثار، آثر سيدنا إبراهيم مشاركة إبنه الرأي في أمر ذبحه وكان بمقدروه أن يأمره بما أمره الله تبارك وتعالى ..

إنها تعوضنا عن كل ما فقدنا في حياتنا ، عن كل حب فتر وذهب وتلاشى مع الزمن، وتعوضنا عن عطف الأب إذا ما فقدناه، وتعوضنا عن كل مالاقينا في حياتنا الدنيا من آلام وجفاء وقسوة من الناس ..

وهذا لن يكون إلا إذا عرفنا وأدركنا وتيقنا أن الله تبارك وتعالى هو العوض عن كل ما فقدنا .. وأنه ما أخذ إلا ليعطي ويزيدنا من فضله، وأنه سبحانه وتعالى ما أمرنا إلا بما هو خير لنا ..

رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ

يعلمنا أن ندعو، بكل ما نحتاج ونتمنى ولكننا قد ندعو بالشر بدلا من الخير، فكثير منا يدعو أن يرزقه الله الولد وقد ينسى أن يقول من الصالحين .. هنا نتعلم صيغة الدعاء المستجاب .. وهو خير دعاء.

فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ

عندما ندعو بصدق سوف تأتينا البشىرى من العزيز الحميد السميع العليم، والبشرى قد تكون في راحة نفسية وأطمئنان قلبي وهدوء وارتياح... وقد تأتينا في أي صورة شاء ربنا.

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى

وهكذا يرى خليل الرحمن رؤيا تذهب بحلم حياته وهبة ربه بعد حرمان وطول زمن.. ولكنه مطيع لرب العالمين، فذهب يستشير فلذة كبده وابنه الوحيد وهو قمة الروعة وقمة الشباب وقمة الإيمان وقمة الطاعة وقمة المحبة والمودة والعطف والحنان .. إنه إسماعيل عليه السلام .. جد خاتم الأنبياء والرسل عليه الصلاة والسلام ..

وما علينا بعد الإستماع لهذه الآيات الكريمة إلا أن نثق في الله تبارك وتعالى ونستسلم له ونرضى الرضا الذي يضيف إلى صبرنا جمالا ورونقا وحياة وأملا ومحبة ورحمة وقربا ووصال .. وكل ذلك لن نجده إلا في صلاة نقيم فيها وجوهنا لله العلي العظيم .

قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ

إلى هنا يقف قلمي وقلبي وعقلي مستسلما لإرادة الله، ومتمسكا بكتاب الله، وملتزما بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وماذلك إلا لنصل إلى تلك المرتبة الفريدة والمتقدمة من مراحل الإنسانية المتطورة والتى حققها لنا أنبياء الله بعد معاناة وجهد جهيد ومواجهة ضارية للظلم والظالمين حتى تركو لنا الدين على صفحة بيضاء سهلا نقيا ولا يمسه إلا المطهرون.

القرآن الكريم وقصص الأنبياء هو بلسم القلوب الجريحة، وهما راحة النفوس الحائرة، وهو حياة الروح. وبلسم الجروح، وقمة الأمل ، وطاقة وحيوية تعيد إلى كل إنسان ملكاته وقدراته التى خبت وغطتها الجروح ودفنها الإحباط.

واتوجه من هذا المكان إلى كل قلب جريح .. إلى كل من فقد أبويه سواء بالموت أو بالحياة.. أقول لهم عليك بالقرآن الكريم .. لا تفرط فيه ، فستجد فيه ما فقدت في حياتك.. ستجد القرب والحب والصدق والآمانة والطهر والصفاء والنقاء وما لم يخطر على قلب بشر..

يموت الأب، وتنشغل الأم ونعتقد أنها نهاية الدنيا .. فإذا بالقرآن يعيد إلينا الحياة مرة أخرى .. يقول الله تبارك وتعالى :

وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى

أخي في الله القرآن هو حياة الروح وبغيره نحن أموات .. والقرآن يغنيك عن الدنيا بكل ما فيها وما عليها .. ويغنيك عن كل الناس لأنك ستكون مع رب الناس ملك الناس إله الناس.

ولن نجد هذا إلا في صلاتنا خاضعين مستسلمين وخاشعين لله رب العالمين .. فنجده سبحانه وتعالى معنا، في دعة ولطف وحنو وقرب يبشرنا بالآخرة، بيوم تستقبلنا فيه الملائكة بقولهم أدخلوها بسلام آمنين.

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا { مريم }.

والحمد لله رب العالمين