وسيلة أخرى من الماضي لإصلاح المستقبل
عن معاذ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخَذ بيدِه يومًا فقال: (يا معاذُ إنِّي واللهِ لأُحِبُّك)
فقال معاذٌ: بأبي أنتَ وأُمِّي يا رسولَ اللهِ، وأنا واللهِ أُحِبُّك فقال:
(أوصيك يا معاذُ لا تدَعْ في دبُرِ كلِّ صلاةٍ أنْ تقولَ: اللَّهمَّ أعِنِّي على ذِكرِك وشُكرِك وحُسنِ عبادتِك)
وأوصى بذلك معاذُ بنُ جبلٍ الصُّنابحيَّ وأوصى بذلك الصُّنابحيُّ أبا عبدِ الرَّحمنِ وأوصى به أبو عبدِ الرَّحمنِ عقبةَ بنَ مسلمٍ.
صحيح ابن حيان
أما أنا فقد سمعت هذا الحديث الشريف لأول مرة منذ سنوات طويلة ... وكانت حياتي كموج البحر يلاطم الصخور
وكنت كلما ظننت أنني وصلت لبر الأمان جرفتني تيارات الهوى ... وكانت عودتي للبر في كل مرة أصعب من التي قبلها.
وكنت أدعو الله أن يثبتني على دينه ... وأن يهديني الصراط المستقيم ... وواظبت على هذا الدعاء الجميل وتمسكت به وكأنه أصبح الهواء الذي انفسه ...
لذلك اعتبرته هدية من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لكل من يعمل به ففيه حبل نجاتك من كل هوان ومشقة وألم... بإذن الله تعالى.
أرجو من حضراتكم التعمق بكل مشاعركم ومحبتكم لله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا المشهد الذي نقلته إلينا أيادي القلوب التقية والنقية عبر الأيام والليالي والسنين...
الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ بيد الصحابي الجليل معاذ ويقول له وهو يقسم بالله أنه يحبه ... فينفعل سيدنا معاذ وينتعش وينبض قلبه بكل مشاعر الحب والتقدير لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه دبت فيه الحياة لأول مرة فيقول :(بأبي أنتَ وأُمِّي يا رسولَ اللهِ، وأنا واللهِ أُحِبُّك) ...
والان دعونا نعيش كلمات الدعاء ونتعمق فيها وندخل بكل ما لدينا من فهم ونبل ومحبة إلى كل كلمة من كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم:
﴿اللَّهمَّ أعِنِّي على ذِكرِك وشُكرِك وحُسنِ عبادتِك﴾
كلنا يعلم وبيقين أن الإنسان لا يحسن عمل شيء إلا إذا كان مقتنع به ويريد تحقيقه ... وسوف نأخذ كلمات الدعاء كلمة بكلمة لنعيش المعاني الجميلة التي تحتويها كل كلمة ... ولنبدأ بـــ:
اللَّهمَّ أعِنِّي على ذِكرِك
وحتى نستطيع تصور ذكر الله ويندمج هذا التصور في أعماقنا علينا أن نسترجع قول الله عز وجل في سورة البقرة:
﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾
المولى عز وجل لم يأمرنا بذكره وعدم الكفر به إلا بعد أن كلمنا وحدثنا عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رمز المودة المحبة والحسن والجمال والروعة والأخلاق رفيعة المستوى، وبالتالي يقول لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام موثق بيده ويد معاذ حتى تكتمل لدينا كل عناصر التواصل مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:
﴿اللَّهمَّ أعِنِّي على ذِكرِك وشُكرِك وحُسنِ عبادتِك﴾
أما بالنسبة لشكر الله تبارك وتعالى فقد أخبرنا بذلك بقانون في قرآن يتلى حتى تقوم الساعة:
مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا
النساء 147
وقال أيضاً سبحانه وتعالى:
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
سورة إبراهيم آية رقم
الآن لم يبق لنا إلا أجمل وأروع وأحسن جزء من الحديث ألا وهو حُسن عبادة الرحمن وحُسن وقوفنا بين يديه وحُسن معاملة خلق الله:
﴿وحُسنِ عبادتِك﴾
وحتى لا أطيل عليكم نكتفي بكلمة عالية وحكمة بالغة من كتاب الله:
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
آل عمران 134
إن نحن أحسنا عبادتنا لله الواحد القهار فسوف يُصلح لنا ربنا حياتنا في الدنيا والآخرة بإذن الله تبارك وتعالى.