الرجولة مجموعة قيم و صفات هى وسام شرف على صدر الرجل لا تمنح و لكن تكتسب. يمر الرجل باختبارات مستمرة يبرهن فيها الرجل من خلال تصرفاته فى المواقف الحياتية المختلفة على استحقاقه لكلمة "رجل".
قيم الرجولة لا تقتصر على الرجال و لكن للنساء و الصبيان نصيب منها. لا يعيب المرأة أو الصبى أن يفتقدا هذه القيم، و لكن إذا افتقد الرجل صفات و قيم الرجولة شانه ذلك فى مجتمعه و محيط معارفه.
لذلك نرى الصبى أو الشاب يحاول من خلال رؤيته المحدودة أن يثبت رجولته بشتى الطرق. و لكن لأن الرجولة صناعة و ليست تطورا و نموا طبيعيا فى الذكر، كان لزاما أن يكون للرجل مثالا أعلى أو قدوة يقتدى بها بطريقة مباشرة أو يصنع من نفسه رجلا من خلال إقتفاء آثار و سير الرجال.
تختلف قيم الرجولة حسب المجتمعات، ولكن دائما ما يوجد حدث أو طقس يمثل نقطة التحول فى حياة الصبى. ففى صعيد مصر فى وقت ليس ببعيد، كان ختان الذكور يعتبر نقطة بدء الصبى لمرحلة جديدة، و يصير الصبى رجلا، فكان الأب أو الأسرة تتعامل مع الرجل الصغير بطريقة تحثه على هذا التحول. و يحدث مثل هذا الحدث المهم فى حياة الصبى فى أنماط أخرى من المجتمعات فى شتى أنحاء العالم و فى كل الأزمان.
أما الآن فى عصر الحداثة و المدن المزدحمة و تفكك الأسرة، ماذا يدفع الصبيان إلى هذا التحول؟ أنا لست باحثا اجتماعيا أوعالما للأنثروبولوجيا و لكن لى ملاحظاتى، فأنا أيضا كنت صبيا أتطلع إلى الرجولة. الصبى يحاول من صغره التشبه بالرجال أو الشباب الذى يتعرض لهم فى محيطه، بالأخص الأب. دور الأب محورى فى تحول ابنه إلى رجل. إذا لم يقتنع الابن بأبيه كمثال و قدوة اتجه إلى محيط أهله، و إن لم يجد فى أهله اتجه إلى أفراد "الشلة" الأكبر سنا و هنا مصدر المشكلة، أن يستمد الصبى قيم الرجولة من أقران محدودى الفكر و الخبرة.
و بذلك يستقى الصبى صفات و قيم و عادات رذيلة يعيش من خلالها وهم الرجولة. بدءا بتدخين السجائر و المخدرات، و مظاهر التمرد و كسر القوانين و عدم احترام الآخر، العنف ضد الضعفاء و التحرش بالبنات إلى آخره من المظاهر التى يعزز بها الصبى ثقته فى نفسه و فى رجولته الزائفة.
مع الوقت سينضج الشاب بعض الشيئ و إن حالفه الحظ سيتزوج إما بكامل إرادته أو بضغط من الأسرة و المجتمع. لأن المجتمع لا يشجع تأخر الشاب فى الزواج. والزواج و الإنجاب و تحمل مسئولية البيت و الأسرة تعتبر فى مجتمعاتنا المعاصرة فرصة للآباء فى دفع الأبناء و حثهم إلى التحول إلى الرجولة الكاملة و لكنه أيضا اختبار للأسف يفشل فيه الكثيرون من الرجال فى إثبات رجولتهم.
المرأة لا تحتاج إلى اثبات أى شيئ، فهى تنضج بطبيعة الحال و تصير إمرأة و يساعدها فى ذلك الإنجاب و رعاية الأطفال و هى وظائف مفطور عليها النساء و هو دور مهم و حيوى تقوم به النساء بصورة طبيعية.
بالنسبة للرجل الرجولة ليست تطورا طبيعيا، و إنما تحتاج إلى حافز أو معلم. أين يجد الصبى أو الشاب هذا المعلم؟ فى ظل غياب دور الأب فى توجيه الابن إلى قيم الرجولة و ذلك لإنشغاله بالعمل ساعات طويلة لكسب العيش و هذا من مقتديات هذا العصر الصعب، أو فى بعض الأحيان لافتقاد الأب هو الآخر لهذه القيم. و غاب أيضا دور الجد لأسباب أخرى أهمها فى رأيى، الزواج المتأخر و عدم تواصل الأجيال لأن الجد نادرا ما يكون حاضرا فى وقت تحول أحفاده من مراحل المراهقة و الشباب إلى الرجولة بسبب فرق السن الكبير الناتج عن الزواج المتأخر سواء للجد أو الآباء.
كل ذلك جعل التحول إلى الرجولة أصعب، ليس نادرا أن ترى بعض الأزواج الشباب الناضجين جسديا و إنما لا يزالون يعيشون صباهم، فقط استبدلوا الأم بالزوجة. وهذا يفسر لماذا يتصرف بعض الرجال بمنتهى الغرابة و الأنانية و اللامبالاه فى حين تتصرف الزوجة بطريقة لا أقول مثالية و إنما مقبولة و تنم عن إحساس بالمسئولية.
- غياب الزوج عن بيته وتركه لإمراته التى تعيل الأسرة فى غيابه.
- انشغال الرجل عن أسرته بأمور أخرى مثل العمل و الأصدقاء.
- مشاكل إدمان الرجل و غياب عقله و ما يتبعه من تصرفات طائشة.
- اعتماد الرجل التام على زوجته و عدم المساعدة حتى فى أمور مثل الطعام و الملابس و النظافة، و هذا ليس لإنشغاله بعظائم الأمور و إنما بمتابعته مباراة مهمة.
- فتور العلاقة بين الرجل و إمرأته الناتج عن تفريط الرجل فى فطرته السليمة و استسلامه لمشاهدة القنوات الإباحية أو قنوات الفيديو كليب.
- تعويض بعض الرجال لإحباطاتهم و عدم شعورهم برجولتهم المسلوبة أو غير المكتملة بالشراهة فى الطعام أو الإسراف فى تدخين السجائر و إدمان مشاهدة التليفزيون أو تصفح الإنترنت كأنهم ينتحرون ببطئ بدلا من مواجهة مشاكلهم و إمساكهم بزمام الأمور.
هذه فقط بعض الأمثلة لمشاكل أسرية متكررة سببها غياب قيم الرجولة فى نسبة ليست قليلة من الرجال. بل يمكن رجوع جميع مشاكلنا الشخصية و الأسرية بطريقة أو بأخرى إلى غياب وجه من أوجه الرجولة فى حياتنا.
وفى الجزء الثانى إن شاء الله من هذا الحديث عن الرجولة أتناول خريطة رسمتها لنفسى أولا و لكل من يبحث معى عن قيم الرجولة المفقودة، خريطة طريق مكونة من 14 خطوة ليصبح الرجال فى كامل رجولتهم.