أعضاء هيئة تدريس الجامعات المصرية

يتناول الموقع آراء ومقترحات أعضاء هيئة التدريس للتطوير

من القمة إلى القاع ... كنت في مجلس من المجالس الموقرة ودارت مناقشات في جو مشحون من آراء متلاطمة ... فعجبت لما وصل إليه حالنا ... في نفس اليوم جلست أمام برنامج حواري ... وجدت نفس المنطق ونفس الأسلوب ... وبقراءة المشهد السياسي ــ الاجتماعي في مصر ، يتضح جلياً أننا نبتعد عن الطريق الصحيح ، وعن قيم تمنيناها طويلاً ، وتواصل كان سائداً بين مختلف الأطياف ... نرى الآن معارك تنتمي للقرون الوسطى تنتشر في جميع مناحي حياتنا ... نرى فتونة وبلطجة ... وكأن السوقية والعنترية شيء واحد!

على جميع المستويات وفي جميع مؤسسات الدولة ، انتشر الضرب تحت الحزام بين مختلف التيارات ... وسياسياً كما عاشرنا ... يروج قسم كبير منهم وغيرهم من الفصائل أن المشاحنات الجارية دليلاً على الشعبية ، وزعموا للناس ــ وهم يدركون أن زعمهم غير صحيح ــ استغل البعض الدين والانتماءات السياسية للترويج لما يهدفون ... الأيام تثبت لنا قصر نظرهم وعدم حكمتهم ... طلعوا علينا بعد تحالفهم وسيطرتهم على أغلبية مفاصل الدولة بتفسير شرعيتهم في قيادة البلاد ... وبناءً على هذه الأغلبية تم اختزال الشعب المصري كاملاً (90 مليون مصري) في قلة قليلة لا تتعدى 450 فرداً ... دون منازع (شرعية قامت على التغرير بالدين للغلابة والضعفاء - والدين منهم براء أو شرعية تنتمي إلى الوطنية ومصلحة الشعب - والشعب منهم براء) ... في المقابل رفضت أعداد كبيرة من الليبراليين واليساريين والعديد من ائتلافات الشباب هذا السلوك ، رغم أن أبسط قواعد الديمقراطية تفرض على الجميع عدم خداع الناس ... عاد علينا البعض بفرض أهليتهم للقيادة باعتبارهم الأفضل في البلاد ... مع قبول اختياراتهم مهما كانت ... استناداً لشرعيتهم! فهم أصحاب الفكر الأفضل (كذبة وصدقوها ... الدليل أنهم لا ولن يظهروا إلا حين تتفق الأهداف ومصالحهم) ... ثم نفاجأ بانتهاجهم أسلوب لوي الذراع واجترار ما قدموه من قوانين لا تشبع ولا تسمن .. ومعايرة الغلابة والمطحونين بأنهم يعملون من أجل الصالح العام ... كما كان يفعل الأسلاف على مدى 60 عاماً (لستة الإنجازات البلهاء) ... تعليق الجلسات وإرجاء اتخاذ القرارات ... الهجوم على السلطات !! ... لمصلحة من ... أن نتصارع ؟؟؟ ... في حين أن دولة المؤسسات من سماتها ... الفصل بين السلطات .. العمل التوافقي مع عدم تقاطع المصالح ... لمصلحة الدولة والشعب.   

تعودنا في مصر أن نتحدث ، في مقابل أن من بيده الأمر يفعل ما يحلو له ، أي منطق "دع الكلاب تنبح والقافلة تسير" ، هكذا نحن ... اعتقاداً منا أن كلانا يفعل شيئاً ، بدليل ما نحن فيه الآن – وربما يوافقني الكثيرون - لا أحد يستمع لأحد ، الكل يتكلم ، كلٌ يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة ، (بالتالي يفترض الغباء في الآخر ، أو لنقل الجهل) ... تماماً كما كان تعاملنا الأنظمة على مدى 60 عاماً.

في المقابل ، وعلى الرغم من إدراك القائمين على شؤون البلاد والعباد كافة التطورات ، ومتابعتهم لها ، إلا أنهم يتصرفون تصرف المشاهد ... وهو وضعٌ يدعو للريبة والخوف من الغد ... ما الذى يجري ؟ ، ولماذا نتحاور هكذا (حوار الطرشان) ؟ وكأن أطرش يخاطب أطرش!! أو غبي يخاطب غبي!! ... هل فكرنا في تبعات هذا الوضع؟ ... هل وضع أي منا المصلحة العامة في اعتباره؟

أوافق تماماً على أن بعض التيارات قد غالى في خطابه ، بل وبدأ البعض من تلك التيارات يتصرف وكأنه يمتلك الحقيقة أو الزعامة الملهمة!! ، فبادر بإصدار قرارات وحشد تجمعات والمكيدة لغيره ، وهو ما يعزز حالة الاحتقان ، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه ... و وجدنا أنفسنا أمام إدارات ضعيفة ، رخوة ، لزجة ، تسببت في إشعال الفتن بدلاً من إطفائها ودعت إلى صراع الكواسر ... على سبيل المثال ما نجحت فيه القيادات المتعاقبة ، هو افتراس الاحتياطي الفكري ، أصبحنا على شفا حفرة الإفلاس والتخلف ... وجدنا مجموعات تصارع بعضها بعضاً من أجل كسب الود وإثبات الذات ، مهما كان الثمن ... المهم هو الجذب والسيطرة وإشباع الذات وليذهب الجميع إلى الجحيم!! ، الجميع (بكافة أشكالهم)  فشل فشلاً ذريعاً خلال تلك الفترة ، وكأن عجلة الزمن تعود بنا إلى الوراء.

الداخلية ، وقواتنا المسلحة استقبلهما شعب مصر بالورد والترحاب ، كما أنهما "كانا" قد أبهرا العالم خلال أشهر باعتبارهما طوق النجاة ... لكن بمرور الوقت ، بدأ نجمهما يخفت ، حتى بدأ الكثيرون المطالبة بالإسراع في ضبط الأمن والضرب بيد من حديد!! ... بمرور الوقت تصدر القوانين دون الرجوع إلى دوائر المجتمع ، تماماً كما كان الوضع في ظل النظم السابق!! ...هل هذا معقول؟! ... أليس من حقنا أن نتساءل في تعجب؟! ... لمصلحة مَن إشعال الخلافات؟ ، هل هذا هو التوقيت المناسب؟ ... أتفق على ضرورة إبعاد من أفسدوا الحياة والتوافق ، لكن هذا يواجه تقاطعاً للمصالح ، أين عقولنا وحكمتنا ؟ ... الأسئلة كثيرة ، من حقنا أن نسألها وعلينا أن نتوقف عن سياسة التجاهل والتكبر والتجبر!! ... كنا نتوقع أن نشهد أسلوب تعامل يختلف عن الأساليب البائدة ... فقد ظل الجميع يتكلم ويتهم ويخون دون تدخل أو تعليق أو نفي من طرف أو آخر ... إذا كان هناك من لوم فإنه يوجه إلى من بأيديهم مقاليد الأمور (فاقدي الخبرة والرؤية والحكمة) ... فهم مسؤولون عما آلت إليه الأمور.

كنت أتمنى أن نرى حكمة وعدل الأداء ... عندها كانت ستتوقف المطالبات وستعود العجلة للدوران ، لكن ما حدث هو أن الهيبة قد سقطت ... شارك الجميع في إسقاطها ، وعند الحديث عن المسؤولية ، فإنها ينبغي أن تلقى على عاتق من تشبثوا بتحمل المسؤولية.

نحن نريد الديمقراطية ، ولكن شعبنا بقياداته خرج وهو غارق في الفقر والجهل ، ومن ثم فهو بحاجة إلى يد أمينة واعية تنقله بأمان نحو المستقبل ... الساحة متروكة لكل صاحب مصلحة ، حتى تغول بعضهم ، واعتقد أنه يمثل دولة داخل دولة. 

إن ما يحدث في مصر ليس إلا حصاداً مراً لحوار الطرشان ... وعلى جميع الفئات والطوائف أن تظهر للناس .. وأن تتقرب منهم .. وأن يكون هناك حوار حقيقي ، خاصة أن المجالس والإدارات ليست إلا حارساً لمسار الديمقراطية ... هل نفيق من هذا الكابوس قبل أن يفوت الأوان ... هل سيظل دور الشرفاء غائباً ؟ أم أن الحال سيبقى إلى أن يؤوب القارضـان كـــلاهما وينشــر في القتلى كليب بن وائـــل.

رغم التدهور السائد  ، فأنا على يقين أن الأمل قائم ، إذا خلصت وصدقت النوايا ، و وضعنا جميعاً المصلحة العامة نصب أعيننا ... نسأل الله السلامة والخير ، والهداية للقائمين على شؤوننا .


http://www.youtube.com/watch?v=FHI62GbJ6VA

hesmostafa

أ.د. مصطفى ثروت

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 314 مشاهدة

أ.د. مصطفى ثروت

hesmostafa
هدف إنشاء الصفحة .. التواصل مع السادة الزملاء ومناقشة كافة الموضوعات التي تخص تطوير الأداء الجامعي »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

134,088