الباب الأول
الأدب العبري في المرحلة الأوربية
الفصل الأول
مرحلة الهسكالا (תקופת ההשכלה)
(1780-1880)
(الهسكالا) كلمة عبرية معناها التنوير أو الإستنارة، وهي تعبر عن تيار اجتماعي فكري اجتاح مجتمعات اليهود منذ القرن 18، بهدف إخراجهم من عزلتهم،كي يتكيفوا مع الظروف المتغيرة التي استجدت من حولهم في العصر الحديث، دون أن يفقدوا "هويتهم اليهودية، وطابعهم المميز"
هذه الحركة جعلت أهم ركائزها التخفيف من سلطة النظم الموجودة في الدولة والكنيسة والمجتمع والإقتصاد، وركزت في الوقت نفسه علي حرية الفكر والبحث العلمي القائم علي سيادة العقل في كل مناحي الحياة.
حركة التنوير الأوربية(الهسكالا) إذن حركة تهتم بالإنسان بصرف النظر عن ديانته أو قوميته أو لونه، حيث نظرت إليه كإنسان قبل كل هذه الإعتبارات وعلي الرغم من أن حركة التنوير الأوربية قد فتحت الباب علي مصراعيه أمام الجماهير اليهودية كي تهجر الجيتو ومايشبه، وتتخلص من روح الإنغلاق التي عاشت فيها أمدا طويلا،إلا أن المرء المتتبع لتاريخ حركة التنوير الأوربية يفاجأ ببعض الفلاسفة من اليهود يشنون ضدها حربا عوانا ، بدعوي محاولتها طمس مايسميب"الهوية اليهودية والروح اليهودية وسعيها لتصفية "أمة الروح"وتجاهلها لفكرة"الإختيار الإلهي لليهود"!!
وكان رائد هذه الحركة هو(موشيه مندلسون)"1729-1786" الذي كان يعيش في ألمانيا،وكان ملما بكل من التراثين اليهودي التقليدي والأوربي الحديث،ولذا دعا جماهير اليهود إلي الإقتداي به والسير علي دربه وتوسيع أفقهم الثقافي.
واتبع علي هذا الدرب الخطوات التاليه:
1- ترجمة كتاب العهد القديم(תנ''ך) إلي اللغة الألمانية بحروف عبرية، وكان أول أغراضه من هذا هو إثارة حب اللغة الهبرية في نفوس اليهود، بالإضافة إلي إكسابهم اللغة الألمانية.
2- تفسير كتاب العهد القديم باللغة العبرية علي ضوء الفكر المعاصر.
3- الدعوة إلي نبذ التلمود والإقتراب الشديد من كتاب العهد القديم الذي رأي فيه أساسا الديانة اليهودية.
ودعا مندلسون جموع اليهود إلي غلإندماج في المجحتمعات الأوربية وإحلال التعليم العلماني محل التعليم الديني، وعمل مع أتباعه علي الثقافة العلمانية إلي العالم اليهودي بواسطة اللغة العبرية اتلتي نظروا إليها بصفتها الحافظة للتراث اليهودي القديم،والسمة البارزة التي تميزهم عن غيرهم، وتوحد أقوامهم المشتتين.
ويعد هذا النشاط اللغوي بمثابة محاولة لبعث جديد للغة كان الزمن قد عفا عليها وقبعت في هوة النسيان، إلا أن نجاحهم في هذا الإطار آنذاك كان محدودا للغاية؛ فقد فضلت الجموع اليهودية آتذاك التحدث باللغة الألمانية امتثالا للظروف السياسية والإقتصادية السائدة في عصرهم.
وكان الأدب من أهم أسلحة مفكري الهسكالا، وأخذوا ينشرون آراهم ويدعون لمبادئهم، ومؤكدين لليهود أنه عليهم أن يخرجوا من أسورار الجيتو، وينخرطوا في خضم الحياة من حولهم، وقد عبر عن ذلك شاعر الهسكالا الأكبر"يهودا ليف جوردون (1830/1892)" في دعوته للشاب اليهودي بأن يكون يهوديا في بيته وإنسانا خارجه.
واستقرت الهسكالا فترة مابين الربع الأخير من القرن ال18، حتي ثمانينات القرن ال19،حين تأسست جمعية"أحياء صهيون"وازدهر التيار الصهيوني.
ويمكن أن نميز -في أدب الهسكالا- بين ثلاثة تيارات أدبية رئيسية:
1- الكلاسيكية (1781-1830) 2- الرومانسية (1830-1850)
3- الواقعية (1850-1880)