المحاورة

د.حسن الجمني

متفقد أول للمدارس الابتدائية.

     سنحاول تقديم مفهوم المحاورة بصفة عامّة وغاياتها وآدابها قبل الانتقال إلى المحاورة البيداغوجية التي  تأتي إثر زيارة تفقد أو إرشاد أو متابعة.

I-  مفهوم المحاورة:

     ورد في لسان العرب لابن منظور تحت الجذر (حور) وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام. والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة. وقد حاوره.والمَحُورَةُ: من المُحاوَرةِ مصدر كالمَشُورَةِ من المُشاوَرَة كالمَحْوَرَةِ؛ أما الحوار في الاصطلاح اللغوي فهو نشاط عقلي ولفظي يقدم المتحاورون الأدلة والحجج والبراهين التي تبرر وجهات نظرهم بحرية تامة من أجل الوصول إلى حل لمشكلة أو توضيح لقضية ما .

     فالمُحاورة هي المُراجعة في الكلام .ومنها الجدال : من جَدَلَ الحبل إذا فَتَلَه ؛ وهو مستعمل في الأصل لمن خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب ، ثم استعمل في مُقابَلَة الأدلة لظهور أرجحها .
والحوار والجدال ذو دلالة واحدة ، وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (المجادلة:1) ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس : مناقشة بين طرفين أو أطراف ، يُقصد بها تصحيح كلامٍ ، وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ ، ودفع شبهةٍ ، وردُّ الفاسد من القول والرأي .

وقد يكون من الوسائل في ذلك : الطرق المنطقية والقياسات الجدليَّة من المقدّمات والمُسلَّمات والبرهنة ، مما نجده منشورا ضمن كتب علوم التواصل والاجتماع والمنطق وعلم الكلام وآداب البحث والمناظرة وأصول الفقة وغيرها .

II-غاية الحوار وفوائده:

الغاية من الحوار إقامةُ الحجة ، وتطوير الممارسة والتأمّل فيها . فهو تعاون بين المُتناظرين(المشرف البيداغوجي والمدرس) على معرفة حقيقة الظاهرة البيداغوجية أو التربوية والتَّوصُّل إليها ، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها ، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحل . يقول الحافظ الذهبي : ( إنما وضعت المناظرة لكشف الحقِّ ، وإفادةِ العالِم الأذكى العلمَ لمن دونه ، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ ) .

هذه هي الغاية الأصلية ، وهي جليَّة بيِّنة ، وتفيد المحاورة في :

- إيجاد حلٍّ وسط يُرضي الطرفين (المشرف البيداغوجي و المدرس )أو الأطراف .

- التعرُّف على وجهات نظر الطرفين (المشرف البيداغوجي و المدرس )أو الأطراف
- البحث والتنقيب ، من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنويع الرُّؤى والتصورات المتاحة ، من أجل الوصول إلى نتائج أكثر جدوى ، ولو في محاورات موالية .

- يتم من خلاله تبادل الخبرات .

- يساعد على تنمية التفكير.

- تنتج عنه أفكار أو مشاريع بيداغوجية جديدة .

- ينشط الذهن .

- يساعد على التخلص من الأفكار والممارسات الخاطئة .

 

وللحوار آداب ينبغي على كافة الأطراف التحلّي بها والالتزام بها حتى لا يتحوّل كلامهم إلى مراء أو جدال سلبي.

 

III-بعض آداب المحاورة:

1-توفير مناخ علائقي يشجع على التواصل والمحاورة البيداغوجية:

بسلوك المنهج العلمي والتزامه ، ومن ذلك :
1- تقديم الأدلة المُثبِتة أو المرجِّحة للفكرة(البرهنة) .
2- صحة تقديم النقل في الأمور المنقولة(ذكر المراجع) .

بعدم مهاجمة المحاور هجوما شخصيا:

     لا تهاجم محاورا بشكل شخصي،تلك إحدى أهم قواعد الحوار. فيجب أن يبقى النقد بنّاء وضمن إطار الموضوع( الوضعية التعليمية-التعلّمية/ الإعداد والتخطيط/إلخ). حاول من خلال نقاشك ألا تجرح مشاعر الآخر. يمكن للمرء بشكل عام أن ينقد بعدة أشكال وطرق، فاختر أجملها. لا يجب أن تكون في النهاية أنت الفائز في الحوار وأن تملي آراءك على الغير. اتخذ خطوة باتجاه الطرف الآخر وحاول تفهم وجهة النظر المضادة بالإصغاء الجيّد إلى تحاليله. عندما يتبع كل واحد من طرفي النزاع نفس المبدأ، سيصلان حتماً إلى حل وسط بينهما.

افترض حسن النية لدى الآخر:

     لدى المتحاورين نفس هدف، وهو جعل الممارسة البيداغوجية أو مردود العملية التربوية أفضل مما هو عليه. قد ترى للوهلة الأولى حركة معينة من المحاور تهدف إلى عرقلة هذا النمو، ولكن قد يكون له أسبابه التي تعلل استخدامه لهذه الحركة للوصول إلى نفس الهدف الذي تهدف أنت إليه. لذا، اسأل، اطرح تأملك في ثنايا النقاش ولا تهاجم. قد ينقذ ذلك الموقف ويعلل الكثير. اتبع مقولة "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، وليس "البريء مذنب حتى تثبت براءته"!

* إبراز النقاط الإيجابية في عمل المدرّس وتثمينها: إنّ بِدْءَ الحديث والحوار بمواطن الاتفاق طريق إلى كسب الثقة وإفشاء روح التفاهم . ويصير به الحوار هادئاً وهادفاً . الحديث عن نقاط الاتفاق وإقرارها يفتح آفاقاً من الالتقاء والقبول والإقبال ، مما يقلّل الجفوة ويردم هُوَّة الفروق ويجعل فرص الوفاق والنجاح أفضل وأقرب ، كما يجعل احتمالات التنازع أقل وأبعد .

كن لطيفا ومؤدبا في الخطاب:

     تذكّر أنّ  الكلمة الطيبة صدقه والنقاش الناجح كان وما زال شارة كل فرد متميّز واسع الأفق ، محب للرأي الآخر ، ففي النقاش تلتقي الآراء وتتفاعل في جو صحي تحوطه محاولة الوصول إلى الأصوب والأنفع ومن ثمّ لم تعد القضية «رأي من نقف عنده ؟»بقدر ما أصبحت «أي رأي أمثل تهتدي إليه؟  «.

     فالزم الاحترام المتبادل، طريقة الكلام و"درجة علو الصوت" تلعب هنا دوراً مهماً. تجنب استعمال كلمات قاسية أو عامية، قد يتم فهمها بطريقة مختلفة من أشخاص آخرين ذوي ثقافة ولهجة مختلفة. استعمال كلمات كهذه قد تشحن جوّ الحوار بطريقة سلبية. قل شيئاً لطيفاً عندما تقرأ شيئاً قد أعجبك على الدفتر أو المذكرة المنهجية أو تستمع إلى خطاب رشيد. ترك رسالة تمدح فيها عمل زميلك لن يكلفك شيئاً سوى بعض الوقت من زمن النقاش، مفعولها التشجيعي في المقابل كبير.

·       تمكين الطرف المقابل من إبداء الرأي وتعليل مواقفه:وهو ما يتطلّب منك حُسن الاستماع ، واللباقة في الإصغاء ، وعدم قطع حديث المُحاور الآخر . وإنّ من الخطأ أن تحصر همَّك في التفكير فيما ستقوله ، ولا تُلقي بالاً لمُحدثك ومُحاورك ، وقد قال الحسن بن علي لابنه ، رضي الله عنهم أجمعين : «يا بنيّ إذا جالست العلماء ؛ فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلًم حُسْنَ الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ، ولا تقطع على أحد حديثاً – وإن طال – حتى يُمسك».ويقول ابن المقفع : « تَعلَّمْ حُسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ؛ ومن حسن الاستماع : إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه . وقلة التلفت إلى الجواب . والإقبال بالوجه . والنظر إلى المتكلم . والوعي لما يقول » .

لا تتجاهل الأسئلة:

     قد ينتظر الطرف الآخر جوابك على أحر من الجمر، أجب ولو باختصار.

ساعد الآخرين:

     ابعث برسائل ترحيب وطمأنة للمحاور ، واشكر الآخرين عند مساعدتهم لك..

ابق هادئا: كلّ منا يعيش أيام جيدة وأيام أخرى سيئة، قد يؤثر مزاجك على أسلوب حوارك مع زملائك. حاول تهدئة أعصابك وأعصاب زملائك عند الدخول في النقاش.

*اعتماد بيانات صادقة وموضوعية(مؤشرات/معطيات مكمّمة):فكن شجاعا،إذا لم يعجبك عمل ما، حاول طرح آرائك ، في أسوأ الحالات ستقوم بسحب وجهة نظرك حول الموضوع. لا بد أن يكون هدف المحاور الوصول إلى الرأي الأمثل وليس الانتصار لرؤية ولذلك قال بعض أسلافنا « ما ناظرت أحداً إلاّ وددت أن يأتي الحقّ على لسانه . «واستعن بشبكة ملاحظة أو أداة أخرى ميسورة لتكون أفكارك مبنية على ملاحظة موضوعية. ومكّن المدرّس من وثائق أو مراجع لتعميق التكوين.

احترم آداب التواصل عند محاورة المدرّس ولا تنشر عراكك على الملأ: عندما يتعارك اثنان من المتحاورين على موضوع ما، يعاني المجتمع التربوي بأكمله من هذا العراك. فلا تخرج خبرا عن الحدث خارج فضاء النقاش وحاول تهدئة الخواطر.

اغفر وانس واحرص على إنهاء المحاورة بصفة إيجابية وبناءة: لسنا معصومين من الخطأ، كلنا نخطئ، لذا اغفر للناس الذين رأيت أنهم أرادوا الإساءة إليك عند دخولك النقاش معهم حول موضوع معين. كن مستعدًا للاعتذار عند ارتكابك لخطأ ما، الاعتراف بالحق فضيلة كما يُقال. كن مستعدًا لدفن الماضي وفتح صفحة جديدة مع الآخرين. ليس كل ما تفهمه أنت هو المراد توصيله لك، قد يكون هناك سوء تفاهم.  لخص أهمّ الأفكار المتفق عليها ولا تنس أن تتفق معه على مشاريع تكوينية مستقبلية.

الالتزام بوقت محدد في الكلام :
ينبغي أن يستقر في ذهن المُحاور ألا يستأثر بالكلام ، ويستطيل في الحديث ، ويسترسل بما يخرج به عن حدود اللباقة والأدب والذوق الرفيع .يقول ابن عقيل في كتابه فن الجدل : «وليتناوبا الكلام مناوبة لا مناهبة ، بحيث ينصت المعترض للمُستَدِلّ حتى يفرغ من تقريره للدليل ، ثم المُستدِلُّ للمعترض حتى يُقرر اعتراضه ، ولا يقطع أحد منها على الآخر كلامه وإن فهم مقصوده من بعضه » .

ومن المفيد أن تعلم  أن أغلب أسباب الإطالة في الكلام ومقاطعة كلام الشخص المقابل قد يرجع إلى ما يلي :
1- إعجاب المرء بنفسه .
2- حبّ الشهرة والثناء(المراء) .
3- ظنّ المتحدث أن ما يأتي به جديد على الناس .
4- قِلَّة المبالاة بظروف الناس و معارفهم ووقتهم .
والذي يبدوا أن واحداً منها إذا استقر في نفوس السامعين كافٍ في صرفهم ،وصدودهم ، مللهم ، واستثقالهم لمحدِّثهم .
وأنت خبير بأن للسامع حدّاً زمنيا من القدرة على التركيز والمتابعة إذا تجاوزها أصابه الملل ، وانتابه الشُّرود الذّهني . ويذكر بعضهم أن هذا الحد لا يتجاوز خمس عشرة دقيقة . والله ولي التوفيق.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 861 مشاهدة
نشرت فى 17 ديسمبر 2011 بواسطة hazen

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

129,590