موت القذافي وتقيئ بعض أشباه المثقفين العرب والأفارقة
سيبقى يوم الخميس20 أكتوبر 2011 يوما ناصعا في تاريخ الشعب الليبي الشقيق. لقد أنجز ثوار ليبيا ما وعدوا به شعبهم وأمّتهم وهو تخليص الجميع من طاغية لم يعد له مثيل في كلّ بلاد العالم . لقد لاحقوه كما وعدوا« حفرة، حفرة» حتّى أخرجوه من أنبوب مجاري مثل الجرذ، فأثبتوا للعالم أنّ « ليبيا فيها رجّالة» وأنّ الجرذان هم القذافي وأتباعه.
مبروك لليبيا تحرّرها من دكتاتورية العقيد معمّر القذافي الذي جثم على صدورهم مدّة 42 سنة.
فرح كلّ زعماء وشعوب العالم برحيل ذلك الطاغية، وعبّروا عن فرحتهم بأشكال عديدة على القنوات التلفزية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي (الفايس بوك)، وباتت طرابلس ليلتها في عرس بهيج وشارك المقيمون في تونس وطنهم الاحتفال.
إلاّ أنّ بعض أنصاف المثقفين من العرب والأفارقة ممّن لا يرون من الكأس إلاّ الجزء النّاقص ، والذين إن امتلأت الكأس يسعون لزعزعتها حتّى تنقص، قرأت لهم تعابير أسف عن خسارة إفريقيا لذلك المخبول وأخرى تتحدث عن مؤامرة غربية ضدّ قائد عربي تصدّى للاستعمار و الامبريالية، ومن لم يجد ما يقوله فهو يشكّك في سيرة أعضاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي بمحاولة اتهامهم بأنّهم أمروا بقتل القذافي ليكتموا أسرار نظامه من خلال وضع افتراضات وربط مشبوه بين أحداث أو تأويل تصريحات.وأضعفهم ذهب يبحث عن فروق في تفاصيل روايات المسؤولين أو شهود العيان عن مقتل القذافي معتبرين أقلّ اختلاف" تناقضا "مثلما كانت تصرّح وتكرّر صحفيّة من قناة "العربية".
لا يا هؤلاء ، نحن نعرف معمّر القذّافي إنّه المثل في الاستخفاف بالشعوب وبمصلحة الوطن العليا واستباحة دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، فقد حكم ليبيا بالفوضى السياسية والحديد والنار على امتداد أكثر من أربعة عقود، وكان الطاغية العربي الأكثر بشاعة ودموية و"غرابة" خلال القرنين الأخيرين.
أليس القذافي من بلغ درجة من الاستبداد والاستكبار جعلته يعتقد أنه وأبناؤه الذين هم من أصلابه أرقى وأنقى وأحق بالحكم من أي مواطن آخر في ليبيا؟ بل ربّما اعتقد أنه هو الوطن أصلا ( فليبيا لا تتسع للقذافي ملك الملوك وأمير المسلمين كما سمّى نفسه ).
أليس القذافي من غدر برفاق دربه من الضباط العسكريين الذين ساهموا في تنفيذ انقلاب "الفاتح من سبتمبر" 1969 الذي جاء به إلى الحكم ؟
أليس القذافي من كان يطرد العمّال التونسيين واللبنانيين والفلسطينيين والمصريين كلّما اختلف مع قادة تلك البلدان فلا يقبضون أجورهم ولا يحملون متاعهم؟
أليس القذافي من تابعنا ، قبل 30 عاما، مشاهد مفزعة بثها التلفزيون الليبي مباشرة لـ"محاكمات ثورية " كانت تنظم في ساحات طرابلس مئات المعارضين لنظام القذافي بحضور أعضاء من " مجلس قيادة الثورة " وهم يصرخون: " صفّهم بالدم يا قائد.. سر ولا تهتم يا قائد".. ثم يقتل"المتهمون" بالرصاص بتهم "الخيانة العظمى" والانتماء إلى "الشيوعيين المرتزقة" أو تنظيمات "الكلاب الضالة" وهي التسمية التي كان يطلقها هو وأعوانه على المعارضين المنتمين إلى حركة الإخوان المسلمين الليبية. و كان التلفزيون الليبي ينقل مشاهد جرّ جثث القتلى وسط شوارع طرابلس"مباشرة" مع شعارات ترفعها الميليشيات تشهر بـ"العملاء" و"الخونة".. ؟
أليس القذافي من أمر بقتل1200 سجين بسجن أبو سليم وأنكر ذلك ثمّ اعترف ابنه سيف الإسلام بالعملية سنة2002؟
أليس القذافي من رد على الأصوات الشعبية التي بحت وهي تدعوه الى رحيل بالتهكم والاستهزاء ونعتهم بنعوت هو أولى بها وتوهّم أن لا إرادة تعلو على إرادته ولا بقاء لشعب بدونه فأرسل19 دبابة لتدمير بنغازي وأحاط مصراطة بالدبابات ورماها بكلّ أنواع الأسلحة واستباح نساءها فجئن إلى تونس لاجئات؟
هل يمكن لشاب قُتل والده أو أخوه أو انتهكت حرمة أمّه أو أخته أن يصبر ويتماسك وهو حاضر بين الثوّار ويرى من دعا لفعل ذلك أمامه فلا يقتله؟ من يجيب بالنفي فهو إمّا كاذب أو مدّع حالم. يقول أعور من عور العلمانية على شاشة قناة (فرانس24، مساء 21 أكتوبر 2011 )« المفترض أنّهم مجاهدون ولديهم قوّة التحكم بالنفس» فأقول له «أليسوا بشرا؟ ألا نرى الشاب في فرنسا وفي كلّ بقاع العالم يصفع آخر لمجرّد سباب؟ ألا يفكّر الثوّار بأنّ هذا الطاغية له أتباع وقد يفتكّونه منهم في الطريق مثلما سبق وافتكّ محمد بن معمر القذافي في طرابلس بعد القبض عليه؟ واستشهد الثائران اللذان كانا في حراسته. ألا يفكّر الثوّار بأنّ إيقاف الزعيم قبل محاكمته قد يطول ويترتّب عنها محاولات لإنقاذه وشهداء جدد ؟ حسابات القدر وحسابات الشباب الثائر ليست حساباتك يا هذا، فالثائر عنيف وله قرارات صارمة ».
فأنا لا أختلف مع المطالبين بالمحاكمة وأن السيناريو الأمثل إن كان هناك مجال للمثاليات في المشهد الحالي، كما كتبت السيدة آسيا العتروس في جريدة الصباح،« لو كان بالإمكان اعتقال القذافي وأبناؤه وأزلامه لتقول فيهم العدالة كلمتها النهائية فلا يفوت الشعب الليبي بدوره فرصة محاسبة من أجرموا في حقه كما فعل من قبل شعب رومانيا مع شاوسسكو ». لكنّ هذه مجموعة من ثوّار مصراطة التي عانت الويلات من القذافي وما لديهم سوى عربة سيارة عادية وعارية ومعرضة في كلّ لحظة لأن تعترضها مجموعة معادية بنيرانها وتفتكّ منها من لو أفلت لأطال زمن القتال أكثر.مجموعة من الشبان فرحين فرحة لا توصف يطلقون النار في كلّ صوب فهم كما نقل عنهم،في موضع آخر، مبعوث جريدة "الصحافة" التونسية «هي أجواء احتفالية حضرها عدد من الشباب الليبيين الذين تعرضوا في بلدهم لإطلاق نار او تضرروا من جراء الصواريخ رفقة أهاليهم. «فرحة لا توصف» فرحة العمر هكذا وصفها الشاب عبد الله الشيباني مضيفا ان ليبيا تحررت اليوم وأن القذافي هو أول طاغية يقبض عليه شعبه وفي فرح غامر أكد انه اليوم فقط شفيت جروحه وذهبت آلامه التي كان يعاني منها من جراء بتر «ساقه» على اثر تعرضه لإصابة بصاروخ غراد في مسراطة. من جهته عبر محمود محمود بعزق عن فرحه بقوله اليوم فقط أحس بالفرحة العارمة واعتبر هذا اليوم عيد ميلادي مضيفا أنه نسي آلامه التي تعرض لها جراء إصابته بصاروخ ميلانو بمسراطة في حين وصف مبروك السالم إبراهيم فرحته بقوله «والله فرحة لا يمكن وصفها ان شاء الله يدخل الشهداء الجنة وينال القذافي المرتبة الأسفل في جهنم». أما حسن عبد الهادي فقد اعتبر القبض على القذافي فرحة 100 سنة وحصاد جهاد دام أشهرا طويلة وشهد معاناة شعب أبي لم يستسلم وواصل ثورته حتى النصر. وأضاف أن الله نصرهم بالقضاء على هذا الطاغية الجبار الذي امتص دماءهم لكن دماء الشهداء لم تذهب هباء واغتيال القذافي خير دليل على ذلك.»
ثمّ أسأل: أليس ذنب القذّافي أن ترك شباب ليبيا تنقصه ثقافة حقوق الإنسان، فلا مرجع لديهم سوى ما تعلّموه من تعاليم الإسلام وقيمه دون الولوج إلى البحوث العلمية الإنسانية العقلانية؟ أليس ذنب القذافي أنّه لم يترك مؤسّسسات تتولّى استلام المجرمين وحبسهم وتقديمهم للمحاكمة؟(فالثائر يجد نفسه في مقام الشرطي والجندي والممرّض والطبيب في غياب مؤسسة الشرطة النظامية والجيش النظامي والجمعيات الخيرية المنظمة). فما جرى لمعمر القذافي كان نتيجة أفعاله، وإن كان ليس في ما رأيناه على الشاشات بخصوص مقتله ما يدفع للزهو أو النشوة ولكنّي متأكّد أنّه ما دفع الثوّار على المرّ إلا ما هو أشد مرارة.
أقول هذا لعلّ من يريد إحداث الفتنة بين الإخوة الليبيين بتشويه سمعة الثوّار أو القادة يكفّ عن ذلك. فنحن نعلم رغبة بعض الأنظمة العربية في وضع حدّ لحركة تحرير الشعوب العربية والإصلاح وسعيها لتشويه المكاسب وما تدفعه لأشباه المثقفين كي يكتبوا ويخمّنوا لتحقيق أغراض أسيادهم. كما نعلم نهم بعض أدعياء المعرفة بالعلاقات الدولية الذين لا يتركون فرصة للظهور المزيّف بمظهر العارفين إلاّ قفزوا عليها ولو على حساب استقرار وتحرّر الشعوب.
و أقول هذا ليتوقف الصحافيون اللاهثون وراء السبق الصحفي فسلامة النّاس وكرامتهم أولى من خبر محيّر لا نفع وراءه. الثوّار إخوتنا فالتمسوا لهم الأعذار واطلبوا لهم العون إن كنتم تريدون خدمة الأمّة بجدّ.
وأقول للثوّار من كتيبة الغيران ومصراتة وغيرهم لن تنالوا جزاء سنّمار وإنّ الجميع يعلم أنّ معمّر القذّافي لو وجد منكم مقتلا وهو في أنبوب المجاري لقتلكم ولما فكّر ولو للحظة في تقديمكم للعدالة أو المحاكمة، واللّه معكم.فلا تيأسوا ولا تحزنوا.
ساحة النقاش