الجزء الثاني:

أسباب حرمة الخلوة بالأجنبية:

ما من تشريع إلا وكان له حكمة وسبب في تشريعه، ولقد حرم الإسلام الخلوة بالمرأة الأجنبية، بغض النظر عن المستوى الأخلاقي ودرجة تقى وصلاح الطرفين، ذلك لما تؤدي إليه من مفاسد عامة تحيط بالمجتمع كله، بالإضافة إلى ما يصيب الفردالمسلم رجل وامرأة من أضرار أخلاقية واجتماعية مدمرة، ومن ذلك ما يلي:

1/ أنها مظنة الفتنة:

يحرم الخلوة بالأجنبية لأنها مظنة الفتنة، والأصل أن ما كان سببا للفتنة، فإنه لا يجوز، فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة؛ ولهذا كان النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرما، والخلوة المنهى عنها والتى هى مظنة الغلط تكون باجتماع رجل مع امرأة أجنبية فى مكان واحد لا يراهما فيه أحد، أما الاجتماع فى الطريق والأماكن العامة كالأسواق ودور العلم ووسائل المواصلات، فلا تتحقق به الخلوة المحرمة، وإن تحقق به محظور آخر، كالسفور والنظر إلى المفاتن والكلام اللين والملامسة ونحوها.

2/ ما كان سببا للحرام فهو حرام:

إن الأسباب التي تؤدي إلى وقوع المحرمات، هي محرمات؛ لما يتبعها من وقوع المحرم؛ لكونها سبب في وقوعه، ولذا فإن مجرد الخلوة حرام، حتى لو لم يكن معها سفور أو كلام مثير، وتتحقق الخلوة باجتماع رجل وامرأة، أو باجتماع امرأة برجلين، أو باجتماع امرأتين مع رجل على بعض الأقوال، فإن كان الاجتماع رباعيا أو أكثر، فإن كان رجل مع نساء جاز، وكذلك إن تساوى العدد فى الطرفين، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة. والخلو بالمرأة الأجنبية زريعة إلى ارتكاب فعل شنيع محرم، هو الزنا الذي هو كبيرة من الكبائر يستحق إقامة الحد على فاعله رجل أو امرأة.

ومثل تحريم الخلوة يحرم كل أمر يوصل إلى حرام ويسببه، "وَكَمَا نَهَى عَنْ الْخَلْوَةِ بِالأَجْنَبِيَّةِ وَالسَّفَرِ بِهَا وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ مَظِنَّةَ مُفْسِدَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ؛ فَإِنَّهُ يَنْهَى عَنْهُ شَرْعًا، وَعَلَى وُلاةِ الأُمُورِ الْقِيَامُ فِي ذَلِكَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ@، وَالنَّهْيُ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ"(<!--).

 3/ أنها من عوامل الهدم لأخلاق الأسرة والمجتمع:

قيام المجتمع واستمراره في ظل القيم الأخلاقية التى أمر الإسلام بالحفاظ عليها، مسؤلية الجميع، ولذا فالواجب على الرجل والمرأة أن يحافظا على طاعة الله ويتجنبا الخلوة المحرمة، والاختلاط المؤدي إليها، لقوله تعالى:: ﭽ ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ   ﯠ   ﯡ  ﯢ  ﯣ   ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ   ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰﭼ(<!--).

وشواهد التاريخ كثيرة على أن أكبر أسباب انهيار الحضارات في الأمم الغابره؛ تزين النساء وتبرجهن واختلاطهن بالرجال والخلوة المحرمة، فإن كثرة الاختلاط تؤدي إلى التساهل في التعاملات بين الرجال والنساء وتبيخ الخلوة بينهم، بما تجره عليهم من انهيار أخلاقي، وبانهيار أخلاق الفرد ينهار المجتمع، فقد روي عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ > قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ @ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ: ((إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ)) (<!--).

إن الحجاب الشرعى ليس قاصرا على تغطية الجسم بما يمنع رويته للأجنبى، بل إن من مقوماته التى تتعاون كلها على منع الفتنة، وصيانة المجتمع من الفساد، عدم خلوة المرأة برجل أجنبى عنها.

4/ تسهل عمل الشيطان، ومدعاة لغضب الله تعالى:

إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وفي حديث ابن عمر، قال رسول الله @: ((أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)) (<!--)، فإذا حدثت الخلوة، فإن الشيطان يجد الفرصة سانحة له، فيحببها إليه ويحببه إليها، ويختل ميزان الأخلاق، ويقع ما لا تحمد عقباه، الكبيرة التي حرم الله الخلوة حتى لا تقع؛ تلك الجريمة التي قرن الله  بينها وبين الشرك، قال تعالى: ﭽ ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ    ﭗ  ﭘ  ﭙ   ﭚ    ﭛ  ﭜ  ﭝ   ﭞ  ﭟ  ﭠﭼ (<!--).

فمن كانت تؤمن بالله، فإنها تحافظ على أمر الله تعالى، ولا ترفع حجابها أمام الرجال الأجانب، وتتجنب الخلوة بالرجال.

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) |غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، شمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي (المتوفى: 1188هـ)، ط 2، مؤسسة قرطبة، مصر: 1414 هـ / 1993م|، 2/ 330.

(<!--) سورة التحريم، الآية: 6.

(<!--) أخرجه مسلم 2996.

(<!--)أخرجه الترمذي في السنن، 8/ 69، رقم: 2091. وقال الألباني: صحح (جامع الترمذي 2165).

(<!--) سورة الممتحنة، الآية: 12

المصدر: د/ هيام عباس الحومي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 292 مشاهدة
نشرت فى 20 مايو 2014 بواسطة hayamabbas

الدكتورة هيام عباس الحومي

hayamabbas
موقع شخصي يتضمن مقالات وأبحاثًا علمية في مجال الدراسات الإسلامية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

36,012