بسم الله الرحمن الرحيم

تصدير لكتاب: "الإمامة والولاية"

بقلم الأستاذ الدكتور العالم حسن الشافعي

 

          الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده، وعلى آله وأصحابه وأنصاره إلى يوم الدين – آمين – وبعد:

          فقد رغبت إليَّ الباحثة الفاضلة، الدكتورة "هيام عباس عبد العال محمود" صاحبة هذا البحث الذي بين أيدينا، أن أكتب شيئًا يسهم في التمهيد لإصداره، والترحيب به، والتشجيع على قراءاته والإفادة منه. وإنه ليسرني أن أرحب بصدور هذا العمل العلمي البالغ الأهمية – من حيث الموضوع والمعالجة – والذي يعد ثمرةِّ من الثمار الجنية الرائعة للبحث الجامعي، وعلى يد باحثة فضلى تنضم إلى ركب الباحثات المصريات، اللاتي يغزون الساحة، ويشغلن الناس، في العقود الأخيرة.

<!--فقد كانت "الدكتورة هيام" إحدى طالباتي بكلية دار العلوم، في جامعة القاهرة، في مراحل دراستها المتعاقبة، التي أهلتها، لهذا البحث، المتميز، في مجال دقيق، ليس بالسهل الميسّر، أو القريب الداني، بل هو صعب المنال، عزيز الوصال، شديد المراس، إلا على من يسر الله – تعالى عليه. بيد أنى لم أعجب لإقدامها على هذا الاختيار، فقد لمست من قبل – في مرحلة الماجستير – عزمها القوي، ونفسها الطويل، وصبرها الجميل، ووفاءها بمعطيات البحث العلمي ومسئولياته الثقال.

ومن ثم أقبلتُ على هذا العمل الجديد – في الولاية الصوفية والإمامية الإثناعشرية – الذي تم بريادة زميل فاضل، فقدته كليتنا العريقة، وهيئة التدريس فيها، منذ عقد من الزمان، وهو الأستاذ الدكتور عبد اللطيف العبد، رحمه الله، وأسبغ عليه لطفه ومغفرته – ولدىّ ثقة أن مثل هذا الموضوع الدقيق الجليل سيلقى ما يناسبه من البذل والعطاء، الذي يجدر به، وبتلك الباحثة المستعدة له أيما استعداد، والمقبلة عليه بكل عزم واجتهاد، ولم يخب ظني بحمد الله، فالعمل شاهد على ما وراءه من جهد كبير، واطلاع واسع، ومنهجية موضوعية دقيقة، ووعى بما يثيره الموضوع من تساؤلات، ويلامسه من حسّاسيات، وما قد يتصل به من مآزق وعقبّات ومطبات. وأحسب القارئ الكريم سوف يشارك بدوره في هذه التساؤلات، ويقدر قيمة العمل، ويتابع مسيرته الفكرية بين هذه القضايا المشكلات، والمسائل العويصات، وسيجد للباحثة الفضلى، مسعاها البحثي، ومجاهدتها الفكرية، التي رزقاها الله – تعالى – فيها حظا من التوفيق غير يسير.

جـ - إن التصوف – في تقديري، وكما ذكرت في بعض كتاباتي، ولئن كانت هناك مشابهات، بل وتأثرات، فلقد تبنى الإثناعشرية بعض مناهج الصوفية، وانتظموا في طرق تخصهم، أو ذائعة لدى أهل السنة، ولكن التيار الأعظم لديهم كان بعيدًا عن التصوف، ومُزْوَرًّا عنه، مخالفًا له في الأصول والفروع، منذ الصدر الأول، حتى "الحركة الخمينية"، في عصرنا هذا، التي عبر عنها رائدها، منذ أكثر من نصف قرن، وهي مخالفة للتصوف هدفًا ومنهجًا، ونشأة ومسلكًا، على نحو واضح وصريح. وقد فطنت باحثتنا الكريمة إلى هذه الفوارق الأساسية، وأشارت في المقدمة، إلى ما تناولته بالبيان، في تفاصيل البحث، من نفرة الكثير من المفكرين الإثناعشريين من التصوف، ورجاله الذين يدينون بالولاء للأربعة الراشدين، وينازعون – بوجه ما – تفرد الإمام الإثناعشري" بالأفضلية المطلقة، والإمامة المستحقة للأمة بأسرها بل للإنسانية وعصره، على وجه الإطلاق.

إن هذا البحث المتميز بخصائصه، ومنهجه، ومسلك الباحثة الفاضلة في معالجته، ليعد من أهم وأبرز البحوث الحديثة في موضوعه الدقيق الذي طالما حام حوله الباحثون، وجاءت هذه السيدة الكريمة لتخوض غمراته، وتجلي مشكلاته.

ولن يحتاج القارئ المتبصر إلى ما تحويه "خاتمة النتائج"، من قرارات  ونظرات وتوصيات، فلربما يكون قد وقع عليها، وهو بعدُ يطالع أبواب البحث وفصوله. ولعله يجد فيها نوعًا من التحفظ على ما توحي به بداياته من تقارب أو تشابه بين مفهومي "الولاية الصوفية" و "الإمامة الشيعية"، بل سيجد نقدًا مهذَّبًا لكنه حاسم، لمسلك الشيعة في تطوير مفهومهم للإمامة، وما قام به بعض الفلاسفة المشائين في هذا الصدد، وما اقتضته "فترة الغيبة" من الحاجة إلى نماذج حية للاقتداء عند الإثناعشرية وغيرهم، وخصوصًا الإسماعيلية. ولا يمنعني إعجابي بالبحث وإنجازاته، ونتائجه من أسجل خلافي لمقوله "عجز العقل وعقمه" واتفاق الفريقين على ذلك، فلئن صح ذلك – إلى حد كبير في جانب الإثناعشرية، وإلى النهاية المطلقة عند الإسماعيلية – فهو بالنسبة إلى الصوفية يتعارض مع الواقع التاريخي، والحصاد الفكري للفريقين، وليست ريادة الحكيم الترميذي والحارث المحاسبي، للبحث في العقل وملكاته، سابقين بذلك المشائين والمتكلمين، بشاهد قليل البرهنة على ما نحن فيه، وفي تقديري أن الصوفية يميزون بين ما هو وراء العقل، أو فوق العقل، ويقولون به، وبين ما هو ضد العقل أو مناقض له فيرفضونه، والله أعلم. وبعد هذا الخلاف الجزئي حول "المعارف العقلية" عند الفريقين، أحيى معالجة البحث بوجه عام لقضية "عصمة الأئمة" وإبرازه موقف الصوفية منها، ونقدهم لها.

مرحبا بالكتاب، والقلم الذي كتب، والعقل الذي جاهد وطلب، وإنى لأتطلع إلى الأبحاث التالية، والأعمال اللاحقة، داعيًا الله – عز وجل – للمؤلفة الفضلى بمزيد من التوفيق، والإلهام؛ بالصواب والتسديد والتوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل – وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه، وسلم. آمين،

  / 4 / 1444هـ -    /11/2022م

                      وكتبه أ.د. حسن الشافعى        

                          عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر 

 وأستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة

 

 

المصدر: د. هيام عباس
  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 76 مشاهدة
نشرت فى 13 نوفمبر 2025 بواسطة hayamabbas

الدكتورة هيام عباس الحومي

hayamabbas
موقع شخصي يتضمن مقالات وأبحاثًا علمية. د. هيام عباس الحومي، أستاذ مشارك في العقيدة والمذاهب المعاصرة، باحثة في القضايا العقدية والأخلاقية ومشكلات المرأة والطفل، ومؤلفة وكاتبة لقصص الأطفال. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

37,669