هل يمكننا التأكد من الأسماك التي نتناولها؟
إعداد/محمد شهاب
أصبح تعرض الحياة البحرية للتلوث أمرا معتادا جراء النفايات البلاستيكية، فأصبحنا نرى أسماكا امتلأت أكبادها بقطع البلاستيك وأخرى ابتلعت أغطية القوارير البلاستيكية، فضلا عن محار تحتوي أنسجته الرخوية على جزيئات بلاستيكية لا تراها العين نتيجة تغذي تلك الأنواع على فضلات البحر.
وسرعان ما نشعر بالاشمئزاز من تلك الصور حتى قبل أن ندرك الأثر الضخم للملوثات البلاستيكية التي تقدر بثمانية ملايين طن متري، والتي تُصب في المحيطات سنويا، بالشكل الذي يدمر البيئة ويهدد بشكل مباشر بتسميم طعامنا.
أكد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "ماكينزي آند كومباني" البحثية نتيجة معروفة منذ زمن بعيد وهي أن المتسوقين يحرصون على جودة المنتج الغذائي أكثر من سعره. وتكمن المشكلة في أن صناعة الأغذية الحديثة تفصل المستهلك عن مصادر غذائه، حتى أصبح المستهلك اليوم لا يعلم إلا القليل عن مصادر الغذاء في عالم يعج بالمعلومات!
لكن هذا الوضع في طريقه للتغيير، إذ تساعد تقنية جديدة على سد هذه الفجوة في المعلومات عبر تسليط الضوء على سلسلة طويلة من بيانات التوريد وفك طلاسم الحسابات المشفرة بين الشركات العاملة في سوق الغذاء العالمي. وسيكون بإمكان المتسوق تتبع الرحلة التي تقطعها الأسماك من المصايد حتى وصولها إلى الموائد مزودة بصورة المنتج الأصلي ووزنه ووقت الصيد ونوع السمك وبيانات سفن الصيد وطاقمها وظروف بيئة الصيد، وغير ذلك من المعلومات التي تهم المستهلك. وستكون المعلومات الخاصة بالأغذية المباعة وفق هذا النظام أكثر تفصيلا من تلك الخاصة بأغلب المنتجات التي نشتريها عبر الإنترنت.
ويقول ألفريد كوك، مسؤول أحد البرامج في المؤسسة العالمية للحياة البرية، إنه من المقرر أن تطرح محال في نيوزيلندا ودول الاتحاد الأوروبي في وقت لاحق من العام الجاري أول منتجات أسماك تنتج مصحوبة بمعلومات عن كل تفاصيلها، بداية من المنبع وحتى وصولها إلى المستهلك باستخدام قاعدة بيانات حسابية متطورة.
يشارك كوك في المشروع الذي خضع للتجربة بداية من يونيو/حزيران 2017 بدعم من المؤسسة العالمية للحياة البرية على أمل أن تسهم تلك الشفافية في تقليص مبيعات الأسماك التي يتم اصطيادها في ظل ظروف عمالة مجحفة. ولضمان عدم شراء أسماك ملوثة ستؤكد البيانات الخاصة بتحديد الموقع الجغرافي أماكن صيد الأسماك بعيدا عن السواحل الملوثة بالنفايات البلاستيكية، كما ستكون هناك شهادات تفتيش تدل على تجاوز المنتج لاختبارات الجودة.
وخلال الفترة بين عامي 2017 و2018 أشاد كثيرون، وبشكل مبالغ فيه، بفائدة هذا النظام، والذي يطلق عليه اسم "بلوك تشين"، كما انتشرت مبادرات لا تحصى - أغلبها وهمية - تتعلق بتطبيق النظام اللامركزي للحسابات لكشف المعاملات التجارية، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، لكن يبدو أن الأمر مختلف تماما هذه المرة، إذ يعتمد المشروع على توحيد عمل سلاسل توريد الغذاء الحديثة باستخدام نظام "بلوك تشين" ليعود بالفائدة على المتسوق العادي.ويقول بريت هايوود، مدير فرع نيوزيلندا بشركة "سي كويست فيجي" التي تعمل بصيد وتصنيع سمك التونة والمشاركة في هذا المشروع الرائد: "سلاسل التوريد التقليدية تقوم على العلاقات وتفتقر تماما إلى المعلومات".ويضيف: "إننا نعرف المبلغ الذي بعنا به أسماكنا للجهة التالية، لكننا لا نعرف بكم باعتها هذه الجهة بدورها لجهة أخرى. صحيح أنه قد لا يعنينا أن نعرف السعر الذي بيعت به الأسماك في مراحل أخرى، لكننا نتأثر بما يرتكبه الآخرون من أخطاء".
ويشير هايوود إلى أن هذا المشروع سيتيح لجهة الإنتاج الأصلية التواصل بشكل أفضل مع المستهلك.
وتتوافر البنية التقنية للمشروع منذ عدة سنوات، وبُذلت جهود حثيثة في هذا الإطار في كل من نيوزيلندا وأستراليا عامي 2015 و2016، ثم تبعتها مشروعات مماثلة في ميامي. غير أن تلك الجهود افتقرت حتى الآن لبيانات تفصيلية واكتفت بمعلومات تقدمها جهات البيع بالتجزئة للمستهلك عبر تقنيات التحديد الآلي كالبطاقات اللاسلكية والباركود لتطلع المشتري على المنشأ من خلال تطبيقات للهواتف الذكية. ويقول تايلر مالفيهيل، أحد مؤسسي شركة فايانت التي تتخذ من بروكلين مقرا لها والمشاركة في تصميم البرنامج، إن "قدرا هائلا من الوقت يُستهلك في التوفيق بين المعلومات بين جهات عدة لأن كل شخص يحتفظ بنسخته الخاصة من قواعد البيانات".
لكن يبقى السؤال هو: لماذا تعد هذه التكنولوجيا ضرورية؟
يقول مالفيهيل: "بدون نظام بلوك تشين يكون من الصعب للغاية تتبع المنتج عبر سلاسل التوريد بالكامل نظرا لوجود أنظمة بيانات منعزلة عن بعضها البعض، وإذا انفصلت حلقة من السلسلة يتعطل النظام بأسره". وعلاوة على ذلك، لا يحبذ كثير من أصحاب مؤسسات التوريد الكشف عن التعاملات الداخلية لشركاتهم، لأنهم لا يرون أن هذه الشفافية ستعود عليهم بأي فائدة.
يقول هايوود: "تكمن المشكلة في أن المعلومات تعتمد على مدى استعداد جهات التوريد للإفصاح عن بعض التفاصيل، ويجب أن يطرأ تغيير جذري في هذا الصدد. وأعتقد أن تقنية بلوك تشين ستكون هي العامل المحفز على هذا التغيير، بالشكل الذي يخلق علاقة بين المستهلك وجهة الإنتاج الأصلية". ومن المؤكد أن حملات التسويق ستساهم بشكل كبير في هذا التغيير، وهو ما سيجعل المتسوق أكثر رغبة في الاطلاع على تفاصيل ما يشتريه من طعام.
وتقول روبن ميتكاف، مديرة منظمة "فوود بلاس سيتي" بجامعة تكساس بأوستن، إن "الاطلاع على مصدر الغذاء من المنبع هو ميزة متاحة لميسوري الحال، لكن الكثيرين من سكان المدن يحتاجون معرفة المعلومات الأساسية عن الغذاء ولا يعنيهم معرفة المصدر".
ومن المتوقع أن تنتشر تطبيقات تتبع مصادر الغذاء ومعلوماته بحيث يصبح في متناول كثيرين الاطلاع على بيانات الطعام. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الناس سيصبح لديهم قدرة أكبر على التحكم في الوضع، بل قد يكتفي كثيرون بمعرفة الرحلة التي قطعها الغذاء حتى يصل إليهم، كنوع من التسلية. وبالتالي، فإن الأمر يعتمد بصورة كبيرة على الطريقة التي يتعامل بها المتلقي مع هذه التكنولوجيا.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
ساحة النقاش