د.محمد عبد الكريم الشوبكي - لم يعد العالم الغربي يتطلع إلى الأمراض النفسية على إنها أمراض خاصة ،او منعزلة عن الأمراض الأخرى.
فقد أصبحت هذه الامراض جزءا هاماً من الصحة، فسوية الحياة النفسية للفرد ضرورية لحياة صحية سليمة.
وبات على المجتمعات المتقدمة ان تعطي الأولويات لمنع الأمراض النفسية، او زيادة تفاقمها للحفاظ على مستوى صحي، جسدي، وفكري ، وعملي ،وإنتاجي ،واجتماعي سوي . فتقدير الكلفة العالية الاقتصادية والاجتماعية والصحية للمعاناة النفسية هو احد الأسباب الهامة وراء هذا الاهتمام، وان الاكتشافات العلمية لمصادر الأمراض النفسية من الجهاز العصبي المركزي ( الدماغ ) سهلت مهمة هذا السعي ونجاحه في المعالجة.
إن في ذلك كله ردع للخرافات والأساطير الوهمية التي كانت تلصق بهذه الأمراض، فمنذ زمن بعيد كان الخوف من الأمراض النفسية سبباً واهياً في تحطيم حياة الناس، فالأمراض النفسية حقيقية كالأمراض العضوية وتشبه في مسبباتها ومسيرتها تلك الأمراض.( فما أحيط من خرافات وأوهام حول وجود هذه الأمراض كان سبباً ولا يزال في ضياع حياة او رفض الشفاء لدى الناس) هكذا يقول العالم دوناشلا آمين سر الصحة والخدمات الإنسانية .
إن مراجعة تاريخ الطب النفسي يؤكد حقيقتين لا شك فيهما الأولى : نجاح ونجاعة المعالجة النفسية الموثقة بالدراسات والأبحاث وعلى ارض الواقع . والثانية : تغطية المعالجة النفسية لمعظم الأمراض النفسية وعلى هذا الأساس من النتائج العلمية المثبتة نجحت دوافع السعي لطلب المعالجة النفسية او التفكير بان الفرد مصاب بأعراض مرض نفسي ما ، وان هذا السعي أصبح في أطياف متنوعة فقد يفضل الفرد العلاج السلوكي، او الدوائي، او طبيب العائلة، او المرشد الاجتماعي. و بالرغم من الوعي العالي في الدول الصناعية بالأمراض النفسية والفعالية العالية في الوصول للشفاء حين المعالجة إلا انه يبقى ما يقارب ( 50% ) من شعوب هذا المنطقة اللذين يعانون من أمراض نفسية متنوعة بمنأى عن البحث عن العلاج وفي اغلب الأحيان التردد او الامتناع وهذه الفئة تخشى ( الوصمة ) من المجتمع التي تؤدي إلى بقاء المرض واستفحاله .
إن الوصمة تخرق الثقة بالنفس والثقة بحقيقة وجود المرض النفسي وانه يعالج ويشفي ، إنها تقود الناس للعزلة الاجتماعية ،والعملية او البعد عن الاستئجار، او السكن، قرب المريض....... إنها تبعد المجتمع عن المساعدة لرعاية الآخرين ولذلك فإنها تقلل من فرص العلاج والشفاء والمشاركة في درء الأمراض و تفاقمها وبالتالي الفشل في الحصول على العلاج النفسي و اللذي من شأنه تدمير نمط الحياة الطبيعي وتدني الحماس والدافعية وفقدان الأمل،إن الوصمة تحرم الناس من كرامتهم بهذه العواقب وتتدخل في إعاقة قدراتهم على المساهمة الاجتماعية ، فلا بد أن تزول .
إن زيادة النجاح في فعالية معالجة الأمراض النفسية توعد بأنها ستكون أكثر الجرعات المضادة الفعالة لهذه الوصمة . وان زيادة توعية الشعوب بوسائل الإعلام يساعد الناس على فهم الأمراض النفسية بأنها ليست ردود فعل ، او نتيجة لخلل سابق لدى الشخص ،او أنها نتيجة لطبيعة شخصيته ( الضعف ، عدم القدرة على المقاومة )او أنها عقاب ، بل هي حالة لا إرادية يتحكم بها الجهاز العصبي المركزي ويقلل من ،او يزيد أعراضها الظروف المحيطة شأنها شأن أي مرض عضوي آخر. واستجابتها للمعالجة كاستجابة الأمراض العضوية الأخرى . وبالرغم من أن المرض النفسي لا يختلف عن الأمراض العضوية لا يزال هذا الأمر محط الريبة والخوف وسؤ الفهم لدى كثير من الناس ، ولكن هذا الخوف سوف يزول كلما ازدادت معرفة الناس به ، فالأشياء الغامضة دوماً تؤدي إلى التخوف والتردد وبالتالي السلوك ألتجنبي . فمن الطبيعي أن نخاف من أمور لا نفهمها ، مثل ( الأمراض النفسية ) ، فهي محاطة بالغموض منذ القدم لأسباب متعددة ، فالمرض النفسي يشكل خوفا لكثير من الناس ، تلتصق به مما يدفع كثيرا من الناس لتردد في اللجوء للمعالجة خوفا من أن ينظر إليهم نظرة سلبية او دونية وهذا يحدث للأسف في الوقت اللذي أصبحت الأسباب معروفة والعلاجات فعالة وشافيه ، وبالتالي فان الوصمة أصبحت هلاكا للناس أكثر من المرض نفسه.
إن الخوف من الأمراض النفسية متجذر بعمق وغير منطقي بشكل كبير ، إن هذا الخوف اكتسب في العصور المظلمة حينما كان يُنظر إلى ( المرض النفسي ) انه من عمل الشيطان ، حيث اعتقاد الناس أن المريض دخله الشيطان فكان محط نظرة التحقير ، والازدراء والعزلة ويقيمون طقوساً لإخراج الشيطان من أجساد المرضى و خوفا من أن ينتقل الشيطان للذين يقتربون منه مثل الضرب او التربيط وأحيانا القتل او الحرق .
ومن أهم الأسباب لهذه الوصمة كثيرا من الاتجاهات الخاطئة و الأفكار الخرافية حول الأمراض النفسية ، فإن لم يعرف الناس الحقائق سوف يستمرون بإنكار وجودها او تجنب معرفتها وأكثر الاتجاهات الفكرية السلبية و الخرافات شيوعا .
هل أن المصاب بالمرض النفسي عنيف وخطير ؟
الحقيقة إن المرضى النفسيين كمجموع ليسوا أكثر عنفا من أي مجموع آخر وبالعكس هم على الأغلب ضحايا للعنف من قبل الآخرين .
هل أن المرضى النفسين فقراء او اقل ذكاءً ؟ والحقيقة إن معظم الدراسات أظهرت إن درجة الذكاءً طبيعة او عالية وان المرض النفسي كالعضوي يصيب أي فرد بغض النظر عن درجة ذكاءه او دخله الاقتصادي او مركزه الاجتماعي ( بيتهوفن ، نيتشه من مشاهير العالم عانوا أمراض نفسية شديدة) .
هل إن المرض النفسي سببه ضعف الشخص ؟
والحقيقة إن المرض النفسي ليس سمات ذات علاقة بالتكوين الشخصي للفرد بل هو( مرض) فلا علاقة بين نمط الشخصية وحدوث المرض ( قوة الإرادة ، والتحمل ،والمقاومة ، ...) إلا إن المصاب بالمرض يستطيع أن يلعب دورا هاما كجزء من المعالجة والشفاء ، فهو لم يختار الإصابة المرضية ، وهم ليسوا كسالى لأنهم لا يستطيعوا المقاومة (تدني الدافعية ، او النشاط ، والطاقة ) بل هو المرض بحد ذاته ومن شأن هذا التفكير الخاطئ زيادة الحالة المرضية بسبب ميول المصاب او عائلة إلى الإسرار او الشعور بالذنب .
هل إن الأمراض النفسية ناجمة عن الخطايا والإثم ؟
والحقيقة إن الأمراض النفسية تصيب أي فرد سواء كان ذو سلوك سوى أم متدين او عكس ذلك وأثبتت ذلك الدراسات العلمية الواسعة ، فهي ليست عقابا ربانيا كما كان شائعا في عصور الجاهلية ، وعصور الظلمات الأوروبي وعصر الحضارات القديمة ( الفرعونية ، الهندية ،....) ولو كان المرض ناجما عن أية خطيئة او إثم لما أقدم الإنسان على فعل آية معصية لأنه سوف يجد المرض نتيجة لذلك فيكون رادعا له .
فمن الطبيعي أن يشعر الإنسان بأعراض من عقدة ذنب او قلق او احتاط او تدني المزاج كرد فعل لاثم اقترفه يزول بعد أوان وهو ليس مرضا . وتؤكد جميع الدراسات على أن مجموع التصرفات والأفكار والعواطف المزعجة التي تصيب الشخص وتتصاعد او تدوم لفترة أكثر من أسبوعين ناجمة عن مرض نفسي معين .
وقد اعتادت كثيرا من المجتمعات على سرعة اللجوء إلى افتراض حصول المرض النفسي نتيجة للأمور الغيبية ( حسد ، عين ، جن، مس شيطاني ) وذلك لأنها أسهل الطرق واقلها تكلفة اقتصادية واجتماعية ، فلا تقصّي والأخذ بالأسباب المادية كالفحوصات ، والعلاج ، والبعد عن الوصمة الاجتماعية ( ليس مرضاً نفسياً إنما نتيجة الحسد او المس،..... ) ، وكذلك وسيلة دفاعية انهزامية لا إرادية ( العقل الباطن ) تحول بين الفرد ومسؤوليته تجاه معالجة نفسه او مسؤولية المحيطين به تجاهه تضفي عليهم نوعا من الخلود والراحة والرضى النفسي الوهمي ، والبعد عن عقدة الذنب في التقصير لتقصي العلاج والأخذ بالأسباب .
استشاري الأمراض النفسية والعصبية
نشرت فى 29 نوفمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,789,691
ساحة النقاش