القندس مهندس السّدود
يعتبر هذا الحيوان مهندسا بارعا وبناّء ماهرا في نفس الوقت حيث ينشئ عشه بمهارة فائقة وبنفس المهارة ينشئ سدّا منيعا أمام عشّه ليحميه من تأثير الماء الجاري، وهو يبذل جهدا خارقا وعلى مدى عدة مراحل لإنجاز هذا العمل المرهق. وفي المرحلة الأولى يقوم بتجميع كمّ هائل من أغصان الأشجار حيث يستخدمها في التغذية وبناء عشه والسد الذي أمامه، ولهذا يقوم هذا الحيوان بقرض الأشجار المتوفرة بأسنانه لقطعها وأثبتت الأبحاث العلمية أنه يقوم بحسابات دقيقة عند عملية القطع. ويفضل هذا الحيوان العمل على ضفة المياه التي تهب عليها الرياح وهكذا تقوم المياه بمساعدة هذا الحيوان في سحبه الأغصان التي يقطعها باتجاهه عشه .
ويتميز عش هذا الحيوان بتخطيط بارع إذ يحتوي على مدخلين سفليين تحت سطح الماء ومكان خاص فوق سطح الماء للتغذية وفوق هذا المكان يوجد مكان خاص للنوم إضافة إلى قناة خاصة لتهوئة هذا المكان . ويقوم القندس بتجميع الأغصان واحدا فوق الآخر لتشكيل الهيكل الخارجي للعش بعناية كبيرة فلا يترك فيه أية فجوة أو ثقب ويستخدم في هذا العمل الأغصان الصغيرة مع كمية من الطين .
والمواد التي يستخدمها القندس في بناء عشه تساعد على تماسكه من جهة والحفاظ على درجة الحرارة داخله من جهة أخرى, فبالرغم من انخفاض درجة الحرارة في الشتاء إلى 35 درجة تحت الصفر فإن الحرارة داخل العش تبقى فوق الصفر باستمرار ويقوم القندس أيضا بإنشاء مخزن للأغذية تحت العش يتغذى منه طيلة فصل الشتاء. وفي تلك الأثناء يقوم القندس بإنشاء قنوات تحتية على شكل شبكة, و يبلغ عرض هذه القنوات متران يستطيع هذا الحيوان بواسطتها أن يصل إلى اليابسة حيث توجد الأشجار التي يتغذى عليها.
والسدود التي يبنيها القندس تتألف من النباتات والأحجار التي يركمها فوق بعضها البعض بنفس الطريقة يبني بها العش. ويبذل هذا الحيوان جهده في رص الأغصان على شكل مثلث طويل يربط بين ضفتي المياه إضافة إلى عمله الدؤوب في رتق الفجوات الموجودة في السد عبر ملئها بالمواد اللازمة, وكلّ هذا يحدث وهو يسبح ضد تيار الماء ويمتطي كومة عشه في الوقت نفسه. وعند حدوث أية فجوة أو خلل في بناء السد يقوم القندس باستخدام الطين أو أغصان الأشجار لملئه ثانية، وهكذا يتحول السد إلى نوع من الحوض العميق يستطيع من خلاله القندس أن يجعل من عشه مخبأ كبيرا للأغذية والمؤونة تساعده على الحياة طيلة فصل الشتاء، ويستطيع القندس أن يوسع من المساحة المائية داخل العش لنقل أكبر كمية ممكنة من الغذاء والمواد اللازمة لبناء العش وترميمه حتى أن هذا الأسلوب يجعل العش في مأمن من الأعداء, وفي هذا يشبه عش القندس قلعة محاطة بخنادق الدفاع يصعب الهجوم عليها.
وفي ما تقدم لخصنا سلوك القندس كمثال على العقلانية والتخطيط والحساب الدقيق في كل مرحلة من المراحل ولكن لا يمكن لي أن أرجع هذه الصفات إلى القندس وحده بسبب افتقاده للعقل أو أي شيء يمت بصلة إلى العقل، إذن فما مصدر سلوك الحيوان؟ ولابد من وجود إجابة عن هذا السؤال، وإذا كان هذا السلوك ليس من اكتساب القندس فما مصدر هذا السلوك ؟
لا شك أن مصدر سلوك القندس أو الأمثلة الأخرى التي سنراها في الصفحات القادمة من سلوك الحيوانات المختلفة على هذا الشكل المتميز وفق تخطيط مدروس هو الله القادر على كلّ شيء الّذي لا حدّ لقدرته و علمه فهو الذي يلهم هذه الكائنات الحية ويأمرها فتبارك الله أحسن الخالقين.
دودة الإمبراطور التي تعمل وفق مخطط متعدد المراحل
من المؤكد أن القندس ليس الحيوان الوحيد في الطبيعة الذي يبدي سلوكا مخططا مدروسا, فهناك العديد من الأمثلة الحية في الطبيعة والّتي لا يمكن حصرها, والمثال الآتي يعتبر أصغر بكثير من القندس ولا ينتظر منه أي دليل على سلوك عقلي أو ما يؤكد وجود عقل أو ذكاء في بنيته، وهذا الحيوان يدعى بـدودة القز ويرقة هذه الدودة تقوم بإفراز خيوط الحرير . و كباقي أنواع اليرقات فإن هذه اليرقة تقضي فترة من فترات حياتها داخل شرنقة وعند خروجها من الشرنقة تقوم بإخفاء نفسها داخل ورقة نباتية, و عملية الإختفاء تتم بمنتهى الإحكام وفق مخطط مدروس مسبقا وعبر مراحل تتطلب مهارة فائقة لأن الورقة النباتية وهي خضراء لا يمكن طيّها بسهولة و بالتالي لا يمكن لها أن تخفي جسم الحيوان الصغير بسهولة لذا فوجب إيجاد حل لهذه المشكلة.
و هذا الحيوان قد وجد حلا بمنتهى البساطة ولكنه يفي بالغرض إلى أبعد حد حيث يقوم الحيوان بقرض جزء الورقة المتصل بالنبات لقطعها ولمنع سقوطها يقوم بربطها بشكل محكم عبر إفراز خيوط الحرير ثم تبدأ الورقة بالتيبس و تنكمش الورقة اليابسة حول نفسها, وبعد ساعات تأخذ الورقة شكلها النّهائي كأنبوب يصلح أن يكون مخبأ أمينا للحيوان و سرعان ما يلجه متخذا إياه مسكنا له.
للوهلة الأولى يمكن أن يفكّر المرء بأنّ الحيوان قد خطى هذه الخطوة المنطقية لتوفير مخبئ أمين لنفسه وهذا صحيح و لكن بدخول الحيوان داخل الورقة المتيبسة قد يصبح صيدا سهلا للباقين لأنّ اللون المختلف لهذه الورقة يجلب انتباه الطيور وهذا يعني نهاية الحيوان المختبئ داخلها. وفي هذه الخطوة بالذات تقدم الدودة على اختراع جديد بواسطته تنقذ نفسها من مخالب الطيور إذ تقوم الدودة بإجراء حسابي دقيق كالذي يقوم به أخصائيو الرياضيات أي استنادا إلى مبدأ الاحتمالات لأن الدودة تقوم بنفس العمل في أوراق نباتية أخرى وتقوم بربط هذه الأوراق حول الورقة التي تختبئ داخلها كنوع من أنواع التمويه ضد الأعداء وهكذا يصبح على غصن واحد أكثر من ورقة (6-7) واحدة منها فقط تحوي داخلها الدودة المختبئة والباقية خالية تماما، وإذا حدث و تناول أحد الطيور هذه الأوراق فيصبح احتمال وقوع الدودة كفريسة 1/6. (3)
كل هذه الظواهر السلوكية تعتمد على منطق معين بلا شك ولكن هل يمكن لهذه الدودة التي تحتوي على مخ مجهري وجهاز عصبي بسيط أن تقوم بهذه الأعمال العقلانية والمنطقية والمخطط لها مسبقا من تلقاء نفسهاا؟ وكما هو معلوم فلاحظ لهذه الدودة من التفكير. و من الاستحالة أن تكون قد تعلمت من دودة أخرى، وفي الحقيقة فإن هذه الدودة لا تعلم بالخطر الذي يتهددها في المستقبل، إذن فكيف اهتدت إلى فكرة التمويه ؟
ولو وجهتم هذا السؤال إلى أحد أصحاب نظرية التطور فلا يستطيع أن يجيب إجابة مقنعة ومحددة، و في غالب الأحيان يلجؤون إلى مفهوم واحد وهو الغريزة حيث يفسر هؤلاء طريقة سلوك الحيوانات بالغريزة، وفي هذه الحالة أول سؤال يتبادر إلى ذهننا هو تعريف الغريزة، حيث نستطيع أن نعرفها على أساس آلية معينة تجعل الدودة مثلا تخفي نفسها داخل ورقة نباتية أو تجعل القندس يبني عشه وسده بهذه الكيفية و هذه الآلية أو القوة الدافعة ينبغي أن توجد في مكان ما داخل جسم الحيوان .
ما الغريزة ؟
كلمة الغريزة تستخدم من قبل دعاة نظرية التطور لتفسير قابلية الحيوان القيام بسلوك معين منذ الولادة. وكانت هناك تساؤلات عديدة تدور حول كيفية اكتساب الحيوانات لهذه الغريزة وعن كيفية ظهور أول سلوك غريزي لدى الحيوانات وكذلك عن كيفية انتقال هذه الغريزة كابرا عن كابر. كل هذه التساؤلات باقية بدون رد أو جواب.
هناك أخصائي في علم الجينات وأحد دعاة نظرية التطور ويدعى Gordon Taylor rottary
فقد ذكر في كتابه "The great evolution Myster"أو "سر التطور العظيم " اعترافا بعجز النظرية عن الإجابة عن التساؤلات الخاصة بالغريزة كما يلي :
لو تسائلنا عن كيفية ظهور أول سلوك غريزي وعن كيفية توارث هذا السلوك الغريزي لما وجدنا أية إجابة (4).
"وهناك آخرون على شاكلة "Gordon Taylor" يؤمنون بنظرية التطور لا يودون الاعتراف بهذه الحقيقة وبدلا من ذلك يحاولون التمسك بإجابة غامضة ولا تحمل أية معاني حقيقية. وبالنسبة لرأي هؤلاء فإن الغرائز تعتبر جينات موجودة لدى الحيوانات تظهر على شكل أنماط سلوكية، واستنادا إلى هذا التعريف يقوم نحل العسل ببناء الخلية على الشكل المنتظم المعروف بوحدات بنائية هندسية مسدسة وفق الغريزة الحيوانية و بمعنى آخر يوجد جين خاص في أجسام كل أنواع نحل العسل يجعل هذه الأنواع تبني خلاياها غريزيا وفق الشكل المعروف.
وفي هذه الحالة يطرح الإنسان العاقل المفكر سؤاله المنطقي: لو كانت الكائنات الحية مبرمجة على أن تسلك هذا السلوك المعين فمن الذي برمج هذا السلوك؟ إذ لا يوجد أي برنامج مبرمج من تلقاء نفسه ولابد من مبرمج .
ودعاة نظرية التطور لم يجدوا إجابة محددة لهذا السؤال واستخدموا أسلوبا آخر للمناورة حيث يؤكدون على اكتساب الكائنات الحية لهذه الغريزة عن طريق الطبيعة الأم وكما نعلم فإن الطبيعة الأم تتألف من الحجر و التراب و الأشجار والنباتات ..الخ . ومن من هذه العناصر لها القدرة على إكساب الكائنات الحية هذا السلوك المبرمج؟ أيّ جزء من الطبيعة لديه القدرة والعقل على فعل ذلك ؟كل ما نراه في الطبيعة مخلوق و لا يمكن له أن يكون خالقا، ولا يمكن للإنسان العاقل أن يقول وهو يرى لوحة زيتية جميلة ما أحلى الأصباغ التي رسمت هذه اللوحة بلا شك يكون هذا الكلام غير منطقي. إذن فإن ادعاء كون المخلوق خالقا للأشياء هو بلا شك ادعاء غير منطقي. وهنا تظهر لنا حقيقة واضحة وهي عدم اكتساب هذه الكائنات الحية غير العاقلة لهذه الميزات السلوكية المنطقية من تلقاء نفسها, فهذه الميزات مكتسبة بالولادة إذن فإن هناك من خلقها بهذه الكيفية ويتميز صاحب هذا الإبداع بالعلم والعقل اللامتناهيين الذين نراهما في الطبيعة.
و بلا شك فإن صاحب هذا العلم والعقل هو الله سبحانه وتعالى. وذكر الله سبحانه وتعالى في الذكر الحكيم نحل العسل كمثال على إلهامه الكائنات الحية لاتباع سلوك معين، أي أن الغريزة التي يرددها دعاة نظرية التطور أو كما يقولون: " إن الحيوانات مبرمجة على آداء سلوك معين" ما هي إلا إلهام إلاهي لهذه الكائنات الحية, وهذه الحقيقة مذكورة في القرآن الكريم:" وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لأية لقوم يتفكرون" سورة النحل الآية 68-69 "
ودعاة نظرية التطور يغمضون أعينهم أمام هذه الحقيقة لإنكار الوجود الإلهي، وهم بالتأكيد قد رأوا ومازالوا يرون الأنماط السلوكية للحيوانات ومازالوا يبحثون عن تفسير لها ويعلمون يقينا عدم قدرة نظرية التطور على تفسير هذه السلوكيات تفسيرا منطقيا. وكثيرا ما نجد عبارات وجملا مألوفة عند قراءتنا لمؤلفين من دعاة هذه النظرية ومن هذه العبارات:"..لإنجاز هذا العمل لابد من وجود عقل ذو مستوى عال ولكون الحيوانات لاتملك مثل هذا العقل فإن العلم يعجز عن الإجابة عن هذا السؤال ". ونورد المثال الآتي المتعلق بسلوك دودة القز على لسان أحد دعاة نظرية التطور المعروفين و يدعى Haimar Von Dithfurth هيرمان فون ديثفورت حيث يقول : إن فكرة اتخاذ الأوراق الثابتة المتعددة كوسيلة للتمويه فكرة باهرة, ترى من يكون صاحب هذه الفكرة؟ من صاحب هذه الفكرة الذكية التي تقلل من احتمال عثور الطير على الفريسة التي يبحث عنها؟ ولابد للدودة أن تكون قد تعلمت بالوراثة من صاحب هذه الفكرة الذكية …كل هذه الظواهر لابد أن تتوفر لدى إنسان ذكي للغاية يحاول أن يظل على قيد الحياة ولابد لنا أن نقبل بهذه الحقيقة، علما أن لدودة القز جهازا عصبيا بسيطا للغاية فضلا عن بدائية سلوكها الحياتي, وتفتقر هذه الدودة إلى القدرة على قابليّة تحديد هدف معين والتحرك باتجاه هذا الهدف.
ولكن كيف يتسنى لهذه الدودة أن تخترع هذه الوسيلة للدفاع عن نفسها وهي بهذا الضعف من التكوين ؟ .وعندما جابه علماء الطبيعة الأقدمون مثل هذه الظواهر لم يجدوا لها تفسيرا إلاّ بـالمعجزة أي تبنوا فكرة وجود قوة غير طبيعية خلاقة أي آمنوا بوجود الله الذي يعطي مخلوقاته آليات معينة للدفاع عن النفس. وبالنسبة إليّ هذه الطريقة في التفكير تعتبر بمثابة انتحار لعالم أو باحث في الطبيعة ومن جانب آخر يقوم العلم الحديث بتفسير هذه الظواهر تفسيرا خاليا من أي معنى عبر التمسك بمفهوم الغريزة، لأنه على عكس ما يعتقده أغلبنا فإن تفسير السلوك بالغريزة يعني اكتساب الحيوان لهذه الأنماط السلوكية بالولادة، وهذا التفسير لا يقدم ولا يؤخر في تساؤلنا بل يعيق بحثنا عن إجابة محددة وواضحة، ولا يمكن الحديث عن السلوك العقلاني لدودة القز التي تفتقد وجود مثل هذا العقل.
ومرة أخرى نعود إلى الحديث حول السلوك المعين للحيوانات فإن هناك ما يفرض نفسه أمام أعيننا وهو الترتيب العقلاني لهذه الأنماط السلوكية، ولو لم يكن هذا السلوك المعين مثل تحديد الهدف أو التحسب للمستقبل أو توقع ما يمكن أن يقدم عليه أي حيوان آخر وحساب رد الفعل اللازم إبداءه تجاهه كعلامة على وجود عقل مدبر ومفكر، فإذن ما هو تفسير هذا السلوك ؟" (5).
هذا الكلام يقوله هذا المتبني لنظرية التطور وهو يحلل أو يحاول أن يصل إلى تحليل منطقي لسلوك دودة القز, هذا السلوك العقلاني والمدروس، ولا يمكن أن نجد في مثل هذه الكتب والإصدارات إلا أسئلة بدون ردود واضحة أو تناقضات فكرية لا تؤدي إلاّ إلى طريق مسدود. حتى صاحب النظرية تشارلس دروين نفسه قد اعترف بهذه الحقيقة فذكر أن سلوك الحيوانات وغرائزها تشكل تهديدا واضحا لصحّة نظريته وذكر ذلك في كتابه "أصل الأنواع" عدة مرات وبصورة واضحة لا لبس فيها : "أغلب الغرائز تمتاز بتأثير بالغ وتثير درجة كبيرة من الحيرة، وكيفية نشوئها وتطورها ربما تبدو لقارئ نظريتي كافية لهدم نظريتي من الأساس" (6).
أما نجل تشالس داروين المدعو فرانسيس داروين فقد قام بتحليل وشرح رسائل أبيه في كتاب أسماه "الحياة ورسائل تشارلس داروين" "the life and letters of darwin" وذكر مدى الصعوبات التي واجهها داروين في تفسيره للغرائز قائلا :في الكتاب (يعني أصل الأنواع ) وفي الباب الثالث منه يتحدث في القسم الأول عن العادات الحيوانية والغرائز والاختلاف الحاصل فيها ..والسبب في إدخال هذا الموضوع في بداية الباب تشريد فكر القراء عن إمكانية رفضهم لفكرة تطور الغرائز بالانتخاب الطبيعي، ويعتبر باب الغرائز من أصعب المواضيع التي احتواها كتاب "أصل الأنواع" (7).
الغرائز لا يمكن أن تتطور
إنّ دعاة نظرية التطور يجادلون بكون أغلب سلوك الحيوانات نتيجة للغريزة، ولكن كما أسلفنا القول في الصفحات السابقة لا يستطيعون إيراد تفسير مقبول عن كيفية نشوء الغرائز و لا عن كيفية ظهور الغريزة لأول مرة و لا عن كيفية اكتساب الحيوانات لهذه الغرائز، ولو حوصر أحدهم بالأسئلة لتعلق بالإدعاء التالي: "تكتسب الحيوانات أنماطا سلوكية عن طريق التجربة ويتم انتقاء الأقوى بواسطة الانتخاب الطبيعي. وفي مرحلة لاحقة يتم توارث هذه الأنماط السلوكية الناجحة عبر الأجيال المتعاقبة".
وهناك أخطاء منطقية ولا يمكن أن يقبلها العقل في هذا الإدعاء، ودعونانتفحص هذه الأخطاء بالتسلسل:
1-الأخطاء الكامنة في المقولة : اختيار السلوكيات المفيدة عبر الانتخاب الطبيعي:
إنّ الانتخاب الطبيعي يعتبر الحجر الأساس لنظرية "تشارلس دروين" الخاصة بـالتطور. والانتخاب الطبيعي يعني اختيار أي تغيير مفيد وصالح للكائن الحي (قد يكون هذا التغيير هيكليا أو سلوكيا ) واختيار ذلك الكائن الحي لتوريث ذلك التغيير للأجيال اللاحقة .
وهناك نقطة مهمة في هذا الإدعاء يجب أن لا نغفل عنها وهي: كون الطبيعة حسب ادعاء داروين تعتبر المحك لتمييز المفيد من الضار وهي القوة المؤثرة والعاقلة في الوجود ولكن لا يوجد في الطبيعة ما يميز بين الضار والمفيد كقوة مؤثرة حيث لا يوجد بين الحيوانات أو غير الحيوانات ما يملك قرار ذلك أو القابلية على اتخاذ هذا القرار، فقط من خلق الطبيعة وما تحتويه وخلق كل شيء يملك العقل والمنطق والقدرة على تمييز الضار من المفيد.
في الحقيقة داروين يعترف بنفسه باستحالة اكتساب السلوكيات المفيدة عن طريق الانتخاب الطبيعي إلا أنه يعود و يدافع عن وجهة نظره التي هي محض خيال واستمر في الدفاع عن رأيه بالرغم من كونها هرطقة وغير منطقية حيث يقول: في النهاية يمكن اعتبار الغرائز التي تجعل زغلول الحمام يطرد إخوانه غير الأشقّاء من العش، وتجعل مملكة النحل مقسمة إلى خدم وملكة ليست غرائز موهوبة أو مخلوقة بل تفاصيل حية وصغيرة لدستور عام لعالم الأحياء وهذه التفاصيل الصغيرة تتولى مهمة التكثير و التغيير عبر انتقاء الأصلح من الأضعف. ولكن هذا الاعتبار لا يبدو لي منطقيا ولكنه قريب إلى الأفكار التي تدور في مخيلتي (8).
ويعترف داعية آخر لنظرية التطور وهذه المرة في تركيا وهو البروفيسور جمال يلدرم بأن عاطفة الأمومة لدى الأم لا يمكن تفسيرها بواسطة الانتخاب الطبيعي ويقول بهذا الصدد :
"هل توجد إمكانية لتفسير عاطفة الأمومة تجاه الأبناء بواسطة نظام أعمى يفتقد إلى مشاعر روحية مثل نظام الانتخاب الطبيعي ؟ وبلا شك فشل علماء الأحياء ومنهم مؤيدو داروين في إيراد جواب مقنع لهذا السؤال. وهنالك صفات معنوية لدى الكائنات الحية غير عاقلة و بما أنها لا تستطيع أن تكتسب هذه الصفات بإرادتها فإذن يجب أن يكون هناك من منحها هذه الصفات، وحيث أن الطبيعة و قانون الانتخاب الطبيعي عاجزان عن إكساب الأحياء هذه الطبيعة المعنوية بسبب كونهما يفتقدان للصفات المعنوية، والحقيقة الساطعة كالشمس تتمثل وجود كافة الأحياء تحت العناية الإلهية و تدبيره المحكم، ولهذه الأسباب المتقدمة نستطيع أن نشاهد في الطبيعة أنماطا سلوكية لبعض الحيوانات تثير الحيرة والاستغراب وتجعلنا نتساءل: كيف تسنى لهذا الحيوان الاهتداء إلى هذا السلوك ؟ وكيف يستطيع هذا الحيوان أو ذلك التفكير بهذه الطريقة؟
2-الأخطاء الخاصة بتوارث السلوكيات المفيدة والمنتخبة عبر الانتخاب الطبيعي:
الخطوة الثانية لمؤيدي داروين هي ادعاؤهم بأن السلوكيات المفيدة والمنتخبة عبر الانتخاب الطبيعي يتم توارثها عبر الأجيال وهذا الإدعاء ضعيف وهش للغاية من مختلف الوجوه. قبل كلّ شيء فإن أي سلوك جديد يكتسبه الحيوان عن طريق التجربة لا يمكن توريثه لجيل لاحق بأي حال من الأحوال لأن التجربة المكتسبة تخص ذاك الجيل وحده ولا يمكن إدخال هذه التجربة السلوكية الجديدة المكتسبة في البناء الجيني للحيوان إطلاقا .
ويقول Gordon R.Taylor مبديا رأيه المناهض لرأي أولئك الذين يدعون توارث الأنماط السلوكية عبر الأجيال المتعاقبة بما يلي :" يدعي علماء الأحياء بأن هناك إمكانية لتوارث الأنماط السلوكية عبر الأجيال المتعاقبة ويمكن مشاهدة هذه الظاهرة في الطبيعة مثلا العالم :Dobzhansky يدعي بأن جميع وظائف جسم الكائن الحي ما هي إلاّ نتاج التوارث النّاتج بتأثير العناصر والعوامل المتوفرة في المحيط الخارجي، وفي هذه الحالة يكون الأمر مقبولا بصورته النهائية بالنسبة لجميع أنواع الأنماط السلوكية، ولكن هذا غير صحيح بالمرة ويعتبر أمرا محزنا أن يكون هذا رأي عالم له مكانته مثل Dobzhansky . ويمكن القول أن هنالك بعض الأنماط السلوكية لبعض الأحياء يتم توارثها عبر الأجيال اللاحقة ولكن لا يمكن تعميم الأمر على جميع الأنماط السلوكية" .
والحقيقة الظاهرة للعيان عدم وجود أي دليل علمي يمكن بواسطته إثبات توارث بعض الأنماط السلوكية بواسطة الخريطة الجينية للكائن الحي والمعروف أن الجينات مسؤولة فقط عن بناء البروتينات حيث يتمّ بناؤها أكثر من إفراز بعض الهرمونات لتتم السيطرة على سلوك الكائن الحي (بصورة عامة) وعلى سبيل المثال أن يكون الحيوان نشيطا أو بالعكس خاملا أو أن يكون الوليد أكثر ارتباطه بأمه، ولكن لا يوجد أي دليل يثبت توارث السلوك الخاص الذي يجعل الحيوان يبني عشه بالترتيب والتزامن والانتظام المعروف0
ولو كان الأمر كذلك فإذن ما هي الوحدات الوراثية المسؤولة عن عملية التوريث ؟ لأن هناك فرضيات تثبت وجودها، ولم يستطع أحد الإجابة عن هذا السؤال (10).
وكما أفاد به Gordon R.Taylor فإن الادعاء بكون الأنماط قابلة للتوارث أمر غير مقبول علميا، فبناء الطيور لأعشاشها وإنشاء القندس للسدود وإفراز عاملات نحل العسل للشمع يقتضي وجود نوع من الأنماط السلوكية المعقدة كالتصميم والتخطيط للمستقبل و هذه لا يمكن توارثها عبر الأجيال وهناك مثل آخر يفرض نفسه بشدة وهو المتعلق بسلوك العاملات القاصرات في مملكة النمل .
فهذه العاملات لها سلوك خاص تتميز به يقتضي منها أن تكون على دراية تامة بالحساب وذات خبرة واسعة، ولكن هذه الأنماط السلوكية لعاملات النمل لا يمكن أن تكتسب بالتوارث لسبب وحيد كونها قاصرات ولا يمكن لها التكاثر لذا فلا تستطيع توريث هذه الأنماط السلوكية لأجيال لاحقة، ومادام الأمر كذلك ينبغي توجيه السؤال الآتي لدعاة نظرية التطور : كيف تسنى لأول نملة عاملة قاصرة أن تورث هذه الأنماط السلوكية لأجيال لاحقة من العاملات القاصرات وهي بالتأكيد لا تستطيع التكاثر ؟ وما تزال هذه العاملات سواء كانت نملا أو نحلا أو أي حيوان آخر تعمل منذ ملايين السنين بهذا السلوك الذي يعكس مدى العقلانية والقابلية والتكافل و الانتظام وتوزيع الأدوار بدقة إضافة إلى روح التضحية إلا أن هذه المخلوقات لم تستطع البتة أن تورث هذه الأنماط السلوكية منذ خلقت لأول مرة .
ولا يمكننا القول بأن هذه المخلوقات قد بذلت جهدا في اكتساب هذه الأنماط السلوكية لأنها تبدأ في اتباع هذا السلوك منذ اللحظات الأولى لوجودها على وجه الأرض بأكمل صورة. ولا تصادف في أي طور من أطوار حياتها أية مرحلة للتعليم و جميع سلوكها مكتسب بالفطرة, وهذا الأمر جائز مع جميع الكائنات الحية. إذن فمن الذي علم الكائنات الحية تلك الأنماط السلوكية ؟ وهو السؤال نفسه الذي طرحه داروين قبل 150سنة ولم يستطع دعاة نظرية التطور الإجابة عنه، و هناك تناقض عبر عنه داروين نفسه قائلا :
"إنه لخطأ كبير أن نتحدث عن فرضية اكتساب الأنماط السلوكية الغريزية بالتطبع وتوريثها إلى أجيال لاحقة، لأننا كما نعلم هناك غرائز محيرة للغاية كتلك التي عند النمل أو النحل ولا يمكن البتة اكتسابها بالتطبع" (11).
فلو افترضنا أن النملة العاملة أو أية حشرة أخرى قد اكتسبت جميع صفاتها المتميزة عبر الانتخاب الطبيعي وبالتدرج, أي افترضنا أنها عملية انتخاب للصفات الصالحة ثم يتمّ توريثها بعد ذلك إلى أجيال لاحقة وبصورة متعاقبة وفي كل مرة يتم انتخاب صفات مفيدة وتورث إلى جيل لاحق وهكذا, لو افترضنا ذلك لأصبحت فرضيتنا مستحيلة لسبب وحيد و هو عدم تشابه النملة العاملة مع أبويها إلى حد كبير إضافة إلى كونها عقيمة, و لهذا فهي لا تستطيع توريث الصفات والأنماط السلوكية الجديدة المكتسبة إلى الأجيال اللاحقة. وهنا يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن تفسير هذه الحالة بواسطة الانتخاب الطبيعي (1).
ويعبر جمال يلدرم أحد المؤمنين بنظرية التطور عن التناقض الذي وقع فيه المتبنّون لهذه النظرية: ولنأخذ على سبيل المثال الحشرات التي تعيش على شكل مجتمعات مثل النمل أو النحل, فهذه الحشرات عقيمة وليست لديها أية إمكانية لتوريث أية صفات حيوية جديدة تنقلها إلى أجيال لاحقة إلا أنها تبدي تكيفا مدهشا مع ظروف المحيط الذي توجد فيه وعلى أعلى المستويات. (13)
ويتضح مما تقدم من اعترافات العلماء و أقوالهم استحالة تفسير الأنماط السلوكية المحيرة لهذه الكائنات الحية بواسطة نظرية التطور لأن هذه الأنماط السلوكية لم تكتسب عبر الانتخاب الطبيعي ولا يمكن توريثها إلى أجيال لاحقة.
3-سقوط فكرة تطور الغرائز بتطور الأحياء
تدعي نظرية التطور بأن الكائنات قد نشأت عن بعضها البعض عبر التطور. ووفقا لهذه النظرية تكون الزواحف قد نشأت من الأسماك والطيور من الزواحف... ولكن يجب أن لا ننسى أن النوع الواحد يختلف تماما من حيث السلوك حيث تختلف السمكة عن الزواحف من حيث السلوك اختلافا كليا. ويدور السؤال التالي: هل تعرض سلوك الكائن الحي إلى تطور كما تعرض بناؤه الحيوي البيولوجي الى تطور؟
وهذا التساؤل يعتبر أحد التناقضات والمآزق الفكرية التي وقع فيها دعاة نظرية التطور وقد وضع داروين إصبعه على هذا التناقض وتوصل الى استحالة اكتساب الغرائز بالانتخاب الطبيعي وتغيرها بالتطور حيث تساءل قائلا: هل من الممكن اكتساب الغرائز بالانتخاب الطبيعي وتطويرها وتغييرها فيما بعد ؟ ماذا يمكننا القول أمام بناء نحل العسل لخليته بهذا الشكل الهندسي الذي سبق أخصّائيّي الرياضيات بزمن سحيق ماذا يمكننا القول أمام هذه الغريزة (14). وهذا التناقض يمكن إيراد الأمثلة المختلفة عليه من كافة أنواع الحيوانات كالأسماك والزواحف والطيور. فالأسماك لها صفات خاصة بها من حيث التكاثر والصيد والدفاع عن النفس فضلا عن إنشاء منازلها بطريقتها الخاصة، وهذه الصفات الخاصة في حالة تلائم تماما الوسط المائي الذي تعيش فيه. وهناك بعض الأنواع من الأسماك تقوم بلصق بيضها تحت الأحجار الموجودة في قاع البحر وبعد لصقها لبيضها تقوم برفرفة زعانفها فوقها لتتيح أكبر كمية من الأكسيجين اللازمة لتنفس الأجنة الموجودة داخل البيض.أمّا الطيور فتضع بيضها في أعشاش ذات بناء خاص تبنيها لهذا الغرض وترقد على بيضها مدة زمنية محددة لازمة لفقس البيض .
أما التماسيح والتي تعتبر حيوانات برية فتملك سلوكا معاكسا تماما فتقوم بدفن بيضها تحت الرمال مدة شهرين كاملين لازمة لفقسها، وهناك بعض الأسماك تقوم بوضع بيضها داخل الأحجار الموجودة في قاع البحر ومن جانب آخر هناك بعض الحيوانات البرية تقوم ببناء مساكنها على أطراف الأشجار العليا باستخدام الأغصان وقشور الأشجار، أما الطيور فتنشأ أعشاشها باستخدام الأعشاب والنباتات البرية أما اللبان التي يدعون أنها نشأت من الزواحف فتختلف من حيث التكاثر اختلافا كليّا عن باقي الكائنات الحية . فبينما تكون باقي الحيوانات تتكاثر بالبيض تتكاثر اللبان بأن تحمل أجنتها داخل بطونها أشهرا عديدة وبعد أن تضع جنينها تقوم بتغذيته باللبن الذي يفرزه جسمها.
وهناك أسلوب للصيد مختلف لكلّ نوع من أنواع الأحياء, فبينما يبقى بعضها كامنا للصيد فترة طويلة يكون البعض منها متخفيا بلون المكان الموجود فيه والبعض الآخر يعتمد على السرعة والمباغتة. وكما يتضح هناك اختلاف كبير وشاسع بين الحيوانات البرية والحيوانات المائية وكلّ نوع يتميز باختلاف واضح حسب الوسط الذي يعيش فيه.
من هذا العرض نستنتج أن التغيير في الغرائز ينبغي أن يكون مصاحبا للتطور الحاصل في الأحياء. على سبيل المثال أن تصبح السمكة التي تضع بيضها تحت أحجار قاع البحر وترفرف بزعانفها رعاية لها حيوانا بريّا تقوده غريزته المتطورة إلى بناء أعشاش خاصة على أطراف الأشجار و يرقد على البيض مدة معينة لأجل تفقيسها. وهذا الأمر محال طبعا، والاستحالة الأخرى في هذا الموضوع يمكن توضيحها بفرض عدم استطاعة الكائن الحي العيش نتيجة عدم ملاءمة سلوكه غير المتطور لبنيته المتطورة نتيجة تغير الوسط الذي يعيش فيه حيث لا تستطيع السمكة التي تتقن التّخفي في البحر العيش إلا بعد إيجادها وسيلة جديدة للدفاع, بالإضافة إلى ضيق الوقت لتحقيق ذلك لأنه يجب أن تقوم بتغيير سلوكها وطريقة حياتها وبناء جسمها بصورة مستمرة وإلاّ فإنها معرضة للهلاك وانقراض نسلها.
ومن الواضح أنه لا يوجد حيوان غير عاقل يمتلك القابلية لاتخاذ مثل هذا القرار السريع والإستراتيجي الّذي يتطلب قوى عقلية . إذا فكيف يتم تفسير سلوك الحيوانات الملائم لبناء أجسامها وشروط الوسط الذي تعيش فيه ؟ وأدلى داروين بدلوه في هذا الخصوص في معرض رده على النـقد الموجه لكتابه "أصل الأنواع " قائلا : كان هناك اعتراض على فكرة أصل الأنواع مفاده أنه ينبغي أن يكون التغيير الحاصل في بناء الكائن الحي متزامنا مع التغيير في غرائزه فضلا عن كونهما متلائمين مع بعضهما لأن أي تباين يحدث بينهما يعني الموت المحتم "(15).
يتضح مما تقدم أنه لا يمكن تفسير سلوك الحيوان بواسطة التطور عبر الزمن أو بالصدفة أو بتأثير الطبيعة الأم. إذن فكيف اكتسبت الكائنات الحية تلك الصفات والخصائص التي تتيح لها مواصلة حياتها؟ والجواب على السؤال في غاية الدقة والوضوح . فالإنسان المطلع على طريقة معيشة الأحياء يستطيع أن يرى استحالة تشكل هذه الأنماط السلوكية من تلقاء ذاتها أو بواسطة سلسلة من المصادفات. ومصدر هذه الأنماط السلوكية لا يوجد في أجسامها ولا في المحيط الذي تعيش فيه. إذن فهناك عقل وقوة لا يمكن رؤيتهما بالعين المجردة يقومان بإدارة سلوك هذه الكائنات الحية. ولا شك أن صاحب هذا العقل وهذه القوة هو الله سبحانه وتعالى والذي وسعت رحمته كل شيء.
والنتيجة: أنّ كل الكائنات الحية تتحرك بواسطة إلهام إلهي.
كما ذكرنا في الصفحات السابقة واجه دعاة نظرية التطور إشكاليات كبيرة تتعلق بتفسير سلوك الحيوانات في حين أنّ الحقيقة واضحة جلية وهي عدم استطاعة الكائن الحي غير العاقل أن يقوم بتمييز الفروق الواضحة أو أن يقوم بالربط بين الوقائع أو اتخاذ قرار صحيح, فضلا عن عدم قدرته على التخطيط لعدة مراحل مقبلة إلى جانب أشياء أخرى تتطلب عقلا وتفكيرا و إدراكا. ويقول دعاة التطور إنّ هذه الكائنات الحية مبرمجة على أداء هذه الأعمال، إذن من هو الذي وضع هذا البرنامج ؟ و ما هي القوة التي تجعل نحل العسل يفرز الشمع الخاص لبناء الخلية ؟ والجواب واضح ودقيق، والإنسان الذي لديه علم بطريقة معيشة الأحياء ولوعلم بسيط يستطيع أن يتوصل إلى عدم إمكانية تولد هذه الأنماط السلوكية من تلقاء نفسها أو محض الصدفة بل الواضح أن هناك قوة تحكم هذه الطبيعة وتديرها ولها تأثير مباشر على سلوك الكائنات الحية. وصاحب هذه القوة بلا شك هو الله الخلاق العليم. و نظرية تعجز أن تفسر كيفية خلق الكائن الحي لابد لها أن تقف عاجزة أمام تفسير سلوك ذلك الكائن الحي ومصدره. لذا فإجراء الأبحاث حول سلوك الكائنات الحية له أهمية قصوى بلا شك لأن هذه الأبحاث تثبت أنه لا يوجد كائن حيّ يعيش جزافا أو دون ضابط، فالله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يقوم بخلق الكائن الحي من العدم ويدبر أموره ويراقبه في كل حين وينظم له سلوكه بقدرته, ربّ السماوات والأرض وما بينهما، وهذه الحقيقة وردت في القرآن الحكيم . يقول الله تعالى في كتابه الكريم:" إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها إنّ ربي على صراط مستقيم ". سورة هود الآية 56.
روح التضحية لدى الكائنات الحية تفنّد ادعاء داروين بأن البقاء للأقوى
مثلما أسلفنا القول في الصفحات السابقة فإن الأمر حسب ادعاء داروين يعتمد على قانون الانتخاب الطبيعي, أي أنّ الكائنات الحية التي تستطيع أن تتكيف مع شروط الوسط الذي تعيش فيه تستطيع مواصلة حياتها والحفاظ على نسلها, و أمّا الكائنات الضعيفة التي لا تستطيع التكيف مع تلك الشروط فهي معرضة للهلاك والفناء، و بناء على هذا يكون التعريف المنطقي للطبيعة وفقا لقانون الانتخاب الطبيعي لـداروين هو المكان الذي تقوم فيه الكائنات الحية بكفاح مرير فيما بينها من أجل البقاء فيبقى القوي و يفنى الضعيف.
واستنادا إلى هذا التعريف ينبغي على كل كائن حي أن يكون قويا ومتميزا بالقوة عن الآخرين في سبيل الكفاح والبقاء. و في وسط مثل هذا لا يمكن الحديث عن بعض الميزات مثل الإيثار والتضحية والتكافل, فهذه الميزات قد تصبح ذات آثار سلبية على الكائن الحي نفسه. ويتميز الكائن الحي وفقا لهذا المنطق بمنتهى الأنانية ولا همّ له سوى البحث عن الغذاء وإنشاء البيت الذي يؤويه وأن يحمي نفسه من خطر الأعداء.
و لكن هل صحيح أن الطبيعة هي المكان الذي يضمّ كائنات حية تخوض فما بينها صراعا مريرا للقضاء على بعضها البعض بمنتهى الوحشية والأنانية ؟. إن الأبحاث الجارية بهذا الشأن حتى يومنا هذا قد أبطلت ادّعاءات دعاة التطور. فالطبيعة ليست كما زعم هؤلاء من أنها تمثل ساحة للحرب بين الأحياء، إنّ الطبيعة على خلاف ذلك تحوي بين جيناتها أمثلة حية للتضحية بالنفس في سبيل الآخرين. وهناك أمثلة لا يمكن حصرها تكشف صورا غاية في التضحية من أجل الغير تملأ أركان الطبيعة ويذكر جمال يلدرم في كتابه "التطرف وقانون التطور ".
إن الأسباب التي جعلت داروين وغيره من رجالات العلم في عصره يصورون الطبيعة على أنها تمثل مسرحا للحرب بين الأحياء يمكن إجمالها في النقاط التالية: كان رجال العلم في القرن التاسع عشر يقبعون في مختبراتهم أو أماكن عملهم لمدة طويلة ولا يدرسون الطبيعة ميدانيا و لهذا ذهب خيالهم ببساطة إلى الاستسلام لفكرة كون الكائنات الحية في حالة حرب صامتة فيما بينها، وعالم فذ مثل هالي Haley لم يستطع إنقاذ نفسه من براثن هذا الوهم (16).
أما العالم بتر كروبوتكين Peter Kropotkin الذي يؤمن أيضا بنظرية التطور فيذكر في كتابه Mutual Aid:A Factor in Evolution أو " الهدف المشترك : العامل المؤثر في التطور " الخطأ الذي وقع فيه داروين و مؤيدوه قائلا : داروين و مؤيدوه عرّفوا الطبيعة على أنها مكان تخوض فيه الكائنات الحية حروبا مستمرة بين بعضها البعض. و يصور هاكسلي Haxley عالم الحيوان باعتباره حلبة مصارعة تقوم فيه الحيوانات بصراع مرير فيما بينها و تكون الغلبة من بينها للذكي والسريع وهو الذي يستطيع العيش ليبدأ في اليوم التالي صراعا جديدا وهكذا. و يتبين لنا منذ الوهلة الأولى أن وجهة نظر هكسلي بشأن الطبيعة ليست علمية ….(17).
وهذا الوضع يعتبر شاهدا على عدم استناد نظرية التطور إلى ملاحظات علمية، ويغلب على العلماء من دعاة هذه النظرية التزمت الفكري في دعمهم للنظرية التي يؤمنون بها من خلال تحليل بعض الظواهر الموجودة في الطبيعة وفقا لهواهم. والحقيقة أن الحرب التي يدعي داروين أنّها تنتشر في أرجاء الطبيعة تبين أنها خطأ كبير لأننا لا نجد في الطبيعة الأحياء التي تكافح من أجل البقاء فقط بل نجد أيضا كائنات حية تبذل تعاونا ملحوظا نحو الكائنات الحية الأخرى, والأعجب من هذا أنها تؤثرها أحيانا على نفسها. ولهذا السبب يعجز دعاة التطور عن تفسير ظواهر الإيثار لدى بعض الكائنات الحية. و ورد في مقال صادرة في إحدى المجلات العلمية النص التالي الذي يصور عجز هؤلاء: " المشكلة تكمن في السبب الذي من أجله تتعاون الكائنات الحية، وبالنسبة إلى نظرية داروين فهي تقول إنه ينبغي على كل كائن حي أن يكافح من أجل البقاء والتكاثر، ومعاونة باقي الكائنات الحية يقلل من فرص نجاح ذلك الكائن الحي في البقاء وعلى هذا الأساس ينبغي أن يزال هذا النمط السلوكي عبر التطور، ولكن الملاحظ أن الإيثار لا يزال موجودا في سلوك الكائنات الحية (18).
وأبسط مثال على الإيثار هو سلوك عاملات النحل فإنها تقوم بلسع أي حيوان يدخل إلى خليتها وهي تعلم يقينا أنها ستموت، فإبرتها اللاسعة تبقى مغروزة في الجسم الذي تلسعه و نظرا لارتباط هذه الإبرة الوثيق بالأعضاء الداخلية للحشرة فإنها تسحب معها هذه الأعضاء خارجا متسببة في موت النحلة. ويتضح من ذلك أنّ النحلة العاملة تضحي بحياتها من أجل سلامة باقي أفراد الخلية .
أمّا ذكر البطريق و أنثاه فيقومان بحراسة عشهما حتى الموت، فالذكر يسهر على رعاية الفرخ الجديد بين ساقيه طيلة أربعة أشهر متصلة دون انقطاع، ولا يستطيع طيلة هذه الفترة أن يتناول شيئا من الغذاء أماّ الأنثى فتذهب إلى البحر لتجلب الغذاء و هي تجمعه في بلعومها وتأتي به إلى فرخها ويبديان تفانيا ملحوظا من أجل فرخهما .
و يعرف عن التمساح كنه من الحيوانات المتوحشة إلا أنّ الرعاية التي يوليها لأبنائه تثير الحيرة الشديدة, فعندما تخرج التماسيح الصغيرة بعد فقس البيض تقوم الأم بجمعها في فمها حتى تصل بها إلى الماء ثم تعكف على رعايتها وتحملها في فمها أو على ظهرها حتى تكبر و يشتد عودها و تصبح قادرة على مواجهة المصاعب بنفسها، وعندما تشعر التماسيح الصغيرة بأي خطر سرعان ما تلوذ بالفرار ملتجئة إلى فم أمّها و هو الملجأ الأمين بالنسبة أليها. إن هذا السلوك يثير الاستغراب خاصة إذا علمنا أن التماسيح حيوانات متوحشة والمنتظر منها أن تأكل أبناءها و تلتهمهم لا أن ترعاهم و تحميهم..
وهناك بعض الأمهات من الحيوانات تترك القطيع الذي تعيش فيه لترضع أولادها, فتتخلف الأم مع ولدها و تضل ترضعه حتى يشبع عن معرّضة حياتها لخطر جسيم. والمعروف عن الحيوانات أنها تهتم بأولادها الذين ولدوا حديثا أو الذين خرجوا من البيض لمدد طويلة تصل إلى أيام أو أشهر أوحتّى بضع سنين فتوفر هذه الحيوانات لصغارها الغذاء والمسكن والدفء و تقوم بالدفاع عنهم من خطر الأعداء المفترسين. وأغلب أنواع الطيور يقوم بتغذية صغاره من 4-20 مرة في الساعة خلال اليوم الواحد, أماّ إناث اللبان فأمرها مختلف إذ يتحتم عليها أن تتغذى جيدا عندما ترضع صغارها حتى توفر لهم اللبن الكافي, وطيلة هذه الفترة يزداد الرضيع وزنا بينما تفقد الأم من وزنها بشكل ملحوظ.
أما الطبيعي و المتوقع في هذه الحالات فهو أن تهمل هذه الحيوانات غير العاقلة صغارها و تتركها و شأنها لأن هذه الحيوانات غير العاقلة لا تفهم معنى الأمومة أو العطف و لكنها بالعكس من ذلك تتحمل مسؤولية رعايتها و الدفاع عنها بشكل عجيب.
و لا تقوم الأحياء باتخاذ مثل هذا السلوك مع صغارها فقط وإنما قد تبدي العطف نفسه والحنان نفسه إزاء الحيوانات الأخرى أو الأفراد الأخرى التي تعيش معها في المجموعات نفسها، و يمكن ملاحظة ذلك عندما تشح مصادر الغذاء, فالمتوقع في مثل هذه الحالات العصيبة أن ينطلق القوي منها ليبيد الضعيف ويستحوذ على ما يوجد من الغذاء، غير أنّ الذي يحدث هو عكس ما يتوقعه دعاة التطور. و يورد كروبوتكين و هو معروف بتأييده لهذه النظرية أمثلة عديدة تتعلق بهذا الموضوع منها مثلا: يبدأ النمل بتناول ما ادخره عندما تشحّ مصادر الغذاء بينما تبدأ الطيور بالهجرة بشكل جماعي إلى مكان آخر, كما تتوجه القنادس الشابة إلى الشمال والكبيرة في السن إلى جنوب الأنهار حيث تعيش هناك مزدحمة (19).
والذي يفهم من هذه الأمثلة أنه لا وجود لمنافسة أو مزاحمة بين الحيوانات من أجل الغذاء بل بالعكس يمكن مشاهدة أمثلة عديدة للتعاون والتضحية بين الحيوانات حتى في أقسى الظروف. و هي تعمل في أحيان كثيرة على التخفيف من وطأة الظروف و قسوتها. و مع هذا فهناك مسألة يجب أخذها بعين الإعتبار وهي أن أيّا من هذه الحيوانات لا تملك عقلا أو فكرا يجعلها تتخذ هذه القرارات وتنشئ هذا النظام. إذن فكيف يمكن تفسير تجمع هذه الحيوانات في مجموعات ذات هدف واحد وتعمل مجتمعة لتحقيق هذا الهدف المشترك؟.
بلا شك إن الذي خلق هذه الأحياء وألهمها اتباع ما ينفعها والذي يحافظ عليها هو الله رب العالمين جلّت قرته . و يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المبين عن كيفية رعايته الإلهية للكائنات "و ما من دابة في الأرض إلاّ على الله رزقها و يعلم مستقرها و مستودعها كلّ في كتاب مبين ". سورة هود الآية 6
أمام هذه الحقائق في الطبيعة تسقط ادعاءات دعاة التطور عن كون الطبيعة مسرحا للحرب لا ينتصر فيها إلا من كان أنانيا و من لا يرى سوى مصالحه فقط ويوجهJohn Maynard Smith أحد دعاة التطور المشهورين سؤالا لأقرانه في الفكر يتعلق بهذا النوع من السلوك لدى الحيوانات: إذا كان الانتخاب الطبيعي يعني اختيار الصفات الصالحة للكائن الحي والتي تضمن له بقاءه وتكاثره فكيف يمكن لنا أن نفسر صفة التضحية لدى بعض الحيوانات ؟ (20)
غريزة الحفاظ على النسل
مثلما اتضح في الصفحات السابقة فإن صفة التضحية في سلوك بعض الحيوانات لم يكن بإمكان دعاة التطور تفسيرها. وهناك أمثلة عديدة للتضحية في الطبيعة تهدم الأساس الفكري لنظرية التطور حتى إن ستيفن جي جولد Stephen Jay Gouli يتحدث عن التضحية في الطبيعة كمشكلة عويصة تواجه نظرية التطور (21).
من جانب آخر يتحدث عنها جوردن تايلر Gorden Taylor باعتبارها مانعا أو سدا كبيرا أمام نظرية التطور ليعبرعن عمق المأزق الفكري الذي يواجه هؤلاء في دفاعهم عن هذه النظرية. وهذه التضحية والرأفة التي يمكن مشاهدتها في الطبيعة تحمل مفاهيم كبيرة وتعتبر طعنة قاتلة في جسد نظرية أولئك الذين ينظرون الى الطبيعة نظرة مادية بحتة ويعتبرونها نتاج مصادفات لا غير.
وهناك البعض من غلاة المؤمنين بنظرية التطور فسر هذه الظواهر تفسيرا آخر مختلفا سماه بقانون الجين الأناني, ورائد هذه الفكرة أحد الغلاة في وقتنا الحاضر ويدعى richard dawkins و هو يرى أن التضحية التي تعبر عنها بعض الكائنات الحية هي إلاّ نتاج أنانيتها، وحسب قوله فإن الحيوان عندما يبدي تضحية ما فإنه لا يفعل ذلك دفاعا عن الباقين بل حفاظا على جيناته أي أنّ الأم عندما تذود عن صغيرها فهي في الحقيقة تدافع عن الجينات التي تولدت منها لأنّ صغيرها عندما يتمّ إنقاذه فإنه يستطيع أن ينقل هذه الجينات إلى أجيال لاحقة، وعلى هذا الأساس تصبح الكائنات الحية بما فيها الإنسان شبيهة بآلات لتوليد الجينات ومسؤولة عن نقلها إلى أجيال لاحقة.
ويدعي هؤلاء بأن الكائنات الحية مبرمجة على الحفاظ على النسل ونقل الجينات إلى أجيال لاحقة ولهذا تسلك سلوكا يلائم هذا البرنامج. ونورد مثالا على طريقة تفكير هؤلاء وتفسيرهم لسلوك الحيوانات من خلال الاطّلاع على نصّ مأخوذ من كتاب في علم الأحياء يتبنى هذه النظرية و عنوانه: Essentails of Biology أو مبادئ علم الأحياء والنص كما يلي:كيف يمكن تفسير السّلوك الذي يقود صاحبه إلى الخطر من أجل إنقاذ غيره؟ بعض السّلوكيات المستندة إلى التضحية مصدرها الجينات الأنانية، والاحتمال الأكبر أن تكون الكائنات الحية وهي تعرّض نفسها للخطر في سبيل جلب الغذاء اللاّزم لصغارها تسلك هذا السلوك وفق برنامج جيني محدّد, وسلوكها هذا يهدف إلى سلامة انتقال الجينات من الأبوين إلى الأبناء ومنهم إلى أجيال لاحقة، ويبدوا ردّ الفعل هذا من الكائنات الحية تجاه أعداءها نوعا من السلوك لتحقيق هدف معين, ويتجلى هذا البرنامج المعين للسلوك الحيواني في الرّائحة والصوت والمظهر الخارجي و أشكال أخرى (22).
ولو تأملنا في النص السّابق لاتّضح لنا أن الكاتب يقصد بأن الكائنات الحية في سلوكها تبدو وكأنها تسعى إلى شيء معين لا عن دراية وفهم بل لأنها مبرمجة على أن تسلك مثل هذا السلوك، وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: ما مصدر هذا البرنامج؟ والجين الذي نتحدث عنه هو شبيه بمجموعة من الشّفرات المعلوماتية، ولكن هذه المجموعة من الشفرات لا تستطيع التفكير، والجين يفتقد الذكاء والعقل والتقدير. لهذا السبب إذا وجد جين خاص يدفع الكائن الحي إلى التضحية فلا يمكن أن يكون هذا الجين هو الآمر بالتضحية. لقد صمّم الحاسوب من قبل مصمم عاقل وذو دراية على أن يتوقف عن العمل عند الضغط على زر الإيقاف, إذن فالحاسوب لا يغلق من تلقاء نفسه و زر الإيقاف لا يعمل بالصدفة دون مصمّم. إنّ حدا قد برمج هذا الزر على أن يوقف الجهاز عن العمل عند الضغط عليه .
إذن فجينات الكائن الحي مبرمجة على دفع هذا الكائن الحي نحو التضحية بنفسه, وهناك قوة ذات عقل ودراية صممت وبرمجت هذه الجينات بهذه الصّورة، وهذه القوة تلهم الكائنات كل لحظة وتراقبها و تهديها إلى اتّباع سلوك معين, وهذه القوة هي الله جلت قدرته، وهذه الحقيقة يذكرها القرآن كما يلي :" ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون# يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون" الآية 49 .سورة النحل .
" الله الذي خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعتموا أن الله على كل شيء قدير و أن الله قد أحاط بكل شيء علما " الآية 12 سورة الطلاق .
الكائنات الحية لا تبدي تعاونا نحو أقربائها من حملة جيناتها فقط بل نحو الكائنات الحية الأخرى أيضا كما سنرى أمثلة مفصلة عديدة في الباب الثالث من هذا الكتاب, فإن الكائنات الحية لا تساعد صغارها فقط بل تمد يد العون نحو الكائنات الحية الأخرى، وهذه الظاهرة شكلت مشكلة عسيرة الحل بالنسبة إلى نظرية التطور لأن هذه الظاهرة لا توحي برغبة في الحفاظ على انتقال الجينات من نسل إلى آخر. وتحلل مجلةCientific American التي تتبنى هذه النظرية ظاهرة التعاون بين الحيوانات كما يلي: هناك مثال حي لتعاون حيوانين غير قريبين من بعضهماالبعض جينيّا وهو تعاون ذكري حيوان البابون، فإذا حدث تنافس أو صراع بين ذكرين من هذا الحيوان يطلب أحدهما مساعدة من ثالث, ويبدأ الذي طلب المساعدة بهز رأسه إلى الأمام والخلف أي بين الذي جاء لنجدته وبين خصمه، ويفسر البعض هذا الس�
ساحة النقاش