تعلم فن الإنصات والإستماع ..
على الرغم من أننا نقضي وقتا طويلا في تعلم التقنيات المعقدة لكسب الآخرين ومد جسور المودة إليهم، لكننا كثيرا ما تفوت علينا واحدة من أكثر المهارات أهمية وسهولة والتي يمكن للجميع ممارستها في أي زمان أو مكان. إنها مهارة الإنصات الجيد.
إننا للأسف نعيش في عالم أناني يهتم كل فرد فيه بما يخصه دون أن يلتفت إلى حاجيات من حوله. ولذا كثيرا ما تجد أشخاصا يبحثون عن صديق يستمع إليهم باهتمام. إنها أفضل هدية يمكن أن تقدمها للزبون الغاضب وللموظف القلق وللصديق المتألم.
الكثير منا لا يملك مهارة الانصات والاصغاء الجيد للآخرين...واحيانا كثيرة قد تصبح هناك مشاكل جمة بين الازواج بسبب هذه المشكلة... وحتى بين الاباء والابناء
لذلك من الضروري..أن نتعلم هذه المهارة...لأنها ستفتح لنا مجال أكبر للتعرف على من حولنا بصورة أقرب...وأيضا ستفتح لنا المجال في بناء علاقات وتواصل ممتاز مع الاخرين ومميز.. وخصوصا في زمن أصبح فيه الانصات لغيرنا مشكله...
يعتبر أحد سمات التحضر وتعتبر القدرة على الاستماع فن..وليس فقط مهارة..وهو أحد مبادئ الاتيكيت وأصول وآداب الحديث والحوار..
السحر الابيض:: الانصات ::
لماذا خلق الله لساناً واحدأ واذنين؟؟
· لاشك أن الجواب سهل فحاجتنا للأذنين ضعف حاجيتنا للسان بالتأكيد..
· والانصات أفضل الطرق لإقناع الآخرين بان الشخص المنصت لطيف وذكي..
ماذا يعني الانصات؟!
1-توجية الاهتمام لما يقوله الاخر..
2-أنك تهتم كثيرا بما يقوله..
3-وأنك تنصت إليه باهتمام حتى لاتضيع كلمة واحدة ممايقول..
ماهو المهم حين نلتقي بالآخرين؟؟ :: الانصات ::
1. أن نعرف بالضبط مايريده الآخر..
2. أن نعرف بالضبط مما يشتكي الاخر..
3. أن نشجع الاخر على الحديث ومواصلة الكلام..
1. إن من ينجح في حعل الاخر يتكلم وهو ينصت اليه سيكون قد ساعده على البوح بمشاعره الحقيقة ودوافعه الحقيقية..
* الإنصات الجيد هو الإستماع مع القدرة على قراءة ما خلف الكلمات، وفهم موقف المتحدث ولغة الجسم التي يبديها، وتقمص اللهجة العاطفية التي ترسمها كلماته.
تخيل أن شخصا ذكر أمامك وفاة أمه.. وتحدث عنها وعن فضائلها وفاضت عيناه من الدمع ببكاء حار. المستمع العادي يقدر الحزن الذي يعيشه هذا الشخص، أما المستمع البارع فيفهم الحزن البالغ الذي يعيشه المتحدث، ويقدر مدى الحب الذي يكنه المتحدث لأمه وكم يفتقدها. لعل هذا المثال يوضح الفرق بين الإستماع إلى الكلمات ظاهريا والإستماع لما تحمله من معاني عاطفية.
* استمع إلى مايقوله بدل مجرد السماع له. هناك عدد من الأشياء التي يمكن أن تستمع إليها مثل قيم المتحدث ومشاعره. أقبل عليه ببصرك وسمعك وكامل جسدك.
* حدد إذا ما كان المتحدث يتحدث عن حقائق أو عن انطباعات أو عن مشاعر شخصية. ابذل اهتماما أكبر لأولئك الذين يظهرون مشاعرهم وأحاسيسهم أثناء حديثهم إليك.
* لا تقاطع الآخرين أو تكمل كلامهم. إن الناس يشعرون بالضيق ممن لا يستمع إلى حديثهم.
يقول دايل كارينجي: إذا كنت تريد أن تعرف كيف يتجنبك الناس، ويتغامزوا عليك، ويسخروا منك من خلف ظهرك، إليك هذه الوصفة: (لا تصغي طويلا إلى أحد، تكلم عن نفسك دون انقطاع، وإن كان لديك فكرة تريد أن تذكرها أثناء حديث الشخص الآخر، لا تنتظر ريثما ينتهي، فذكاؤه لا يعادل ذكاءك! فلم تضيع الوقت بالإستماع إلى ثرثرته السخيفة؟! قاطعه فورا واعترضه في منتصف الطريق)..!!
* تفاعل مع مشاعر المتحدث قبل أن تطمئنه بالحقائق. وهذا كثيرا ما يحدث مع الأباء الذين يسارعون للإستجابة إلى مخاوف ابنهم حين يقول:
"هناك شيء مخيف تحت السرير" حيث يقولون: "لا تخف ليس هناك ما يخيف، أنت في أمان". بينما قليل منهم من يبدون تعاطفا مع مشاعره هو "لا بد أنك قضيت ليلة مرعبة".
* الإستماع بصمت قد يكون هو كل ما يحتاج إليه المتحدث إليك.
أشعره أنك تتفهم مشاعره عبر لغة الجسم بينما أنت صامت مثل تعابير الوجه والإيماء بالرأس. لا تقل إني أتفهم مشاعرك.. قاوم رغبتك في المشاركة بالحديث والكلام لمجرد الكلام.
* ادعم استماعك بأصوات قليلة، مثل التأوه أو تلك التي تدل على الإستغراب. هذا يضفي على استماعك نكهة خاصة.
يمكنك أن تبيع الثلج إلى سكان الإسكيمو إذا أرخيت لهم سمعك وفهت ما يريدون أن يقولوه!
* ركز على ما يقوله المتحدث بدل أن تركز على ما تسعى للإجابة على ما قاله. ركز على المتحدث نفسه تماما كما ينصح به مدربي لعبة كرة التنس: "ركز على الكرة". في الواقع هذا سيضفي على مهارتك في الإستماع صفة العفوية المحببة.
* استمع ضعف ما تتحدث به. تذكر المقولة القديمة في أننا نمتلك لسانا وأذنين. لذا أعط الفرصة لمن يجالسك بالحديث. تذكر أن كل شخص لديه ما يستحق أن تستمع له وما سيثري عقلك وتفكيرك.
* استثر جليسك لكي يتحدث عن نفسه وما يهمه. قم بتوجيه أسئلة مفتوحة: "كيف يمكن أن نقوم بذلك؟، "ما رأيك بـ.."، "كيف تشعر تجاه هذه المسألة؟" (يحب الناس من يقدر مشاعرهم)، "ماذا لو..؟" "ماذا تنصح بالقيام به لفعل ذلك..؟" (يحب الناس أن يطلب منهم النصحية). "ما الطريقة التي تفضلها أنت لفعل..؟" (لاحظ لهجة الإحترام والتقدير). واحذر من أن تلقي أسئلة تضعهم في موقف دفاعي: "لماذا..؟" لو استطعت فعل ذلك فستمتلك أداة رائعة لكسب قلوب الناس. وتذكر دوما:
أن تصبح مستمعا بارعا يكسبك من الأصدقاء وحب الآخرين أكثر من أن تكون متحدثا بارعا.
* عندما تجيب من يحدثك في شأن مهم، استخدم استجابة قصيرة. لأن الإستجابة طويلة الأمد تفقد صبر المتحدث وتشعره وكأن الحديث خارج عما يهمه هو.
* تذكر أن موقف قلبك كمستمع سيكون أهم وأوضح من استجابتك لحديث محدثك. موقف الإحترام ومحاولة فهم عالم الشخص الآخر أكثر أهمية من تعلمك كيف تقدم ردا عبقريا.
* التدرب على أخذ نفس عندما ينتهي المتحدث قبل أن تشرع أنت في كلامك. بهذه الطريقة سوف تعطي المتحدث الفرصة الكاملة حتى ينتهي من حديثه وستبتعد عن مقاطعته مما يعبر عن احترامك له وستقربه إليك.
لماذا نفشل في الإستماع؟
يعزي بعض العلماء ضعف مهارتنا في الإستماع إلى عامل فسيولوجي. ذلك أن قدرتنا على الإستماع تفوق قدرتنا على الحديث بما يقارب خمس إلى عشر مرات. ففي الفترة التي يتحدث شخص بسرعة 100 كلمة، يمكنك أن تستمع خلالها إلى 500،- 1000 كلمة. وهذا يعني أنه عندما يتحدث إليك شخص ما، فتستخدم خمس طاقتك الذهنية في الإستماع إليه، ويذهب الباقي للتخطيط لأعمال اليوم التالي أو كيف ستعتذر من زوجتك بسبب التأخير.. إلخ. ومن الأفضل أن تستهلك هذه السعة في الإستيعاب في تحليل ما يود المتحدث أن يقوله لك، بدلا من انشغالك بأحلام اليقطة!!.
استمعوا إلى أبنائكم.
يذكر ستيفن كوفي أن أبا جاءه يشكو سوء العلاقة بينه وبين ابنه المراهق قائلا: (لا أستطيع أن أفهم هذا الولد، إنه لا يسمعني). فقال له: (هل يمكن أن تعيد علي ما قلته).. فأعاد عليه ما قاله. فرد عليه الكاتب: أنا لا أفهم ما تقول.. إذا أردت أن تفهمه لابد أن تستمع إليه أنت لا أن يستمع إليك هو..!!
من أقوى الوسائل التي تقوي بها علاقتك بابنك أو ابنتك هو الإستماع إليهم، إلى أحلامهم، إلى مشاعرهم. أثناء حديثهم، أظهر مشاعر التقدير لكل ما يقولونه، تحرك إلى الأمام في كرسيك... ضع يدك على كتفه.. أحتضنه أثناء حديثه.. وحرك رأسك تعبيرا عن متابعة حديثه... وكن على اتصال بصري بعينيك معه طوال حديثه.
لكن الفعل الأهم من الإستماع هو أن تكبح جماح نفسك عن الحكم على ما يقولونه أو سرعة توجيههم وإبداء النصح إليهم. يفهم المراهق من هذا أنه تعرض إلى العقوبة بسبب حديثه إليك حتى لو قلت له عكس ذلك.
* أحذر من الإستماع الإنتقائي.. أي أنت تسمع ما تريد أن تسمعه أنت، أو ما تتوقع أن يقوله المتحدث.. لذا استمع بتأني لما يريد الآخر أن يوصله إليك. لو استطعنا تجنب هذا المحذور فسنتجنب الكثير من الخلافات التي تحدث بين الأقران والأزواج بسبب سوء الفهم لما لم يسمعوه أصلا.
* أسأل عن أي غموض في حديث المتكلم. فهذا سيزيل أي لبس قد يبقى في قلبك. كما سيعطيه دليلا على أنك مستمع مميز.
هذه بعض اللمحات السريعة التي ستساعدك على تطوير هذه المهارة البسيطة، والتي تعطي نتائج باهرة في تحسين علاقاتك بالناس ويزيد من احترامهم وتقديرهم لك.
فوائد الانصات الجيد:
1. إتاحة الفرصة للاوعي المتحدث (عقله الباطن للمتحدث) ليخرج مابه من مشاعر حقيقية..
2. قد نحتاج لإبقاء اوراقنا غير مكشوفة حتى نطمئن لمن نتحدث إليه..
3. إن للانصات فائدة عظيمة وهي أنه يساعدنا على فهم أنفسنا..
4. يساعدنا على التخلص لفترات معقولة من التمركز حول انفسنا..
5. يساعدنا أن لا تحتكر أنفسنا كل اهتمامنا بل أن نخرج قليلا لننصت لغيرنا..
6. يساعدنا على التكلم بعفوية مع الاخر وستخرج من أفواهنا أقوال رائعه وذكية ومناسبة..
7. كما يساعدنا على التقرب من الاخرين.. ومعرفتهم بشكل اعمق..
طرق ممارسة الانصات:
1. النظر في عين الشخص المتحدث..وتجنب النظر الى شعره او حذائه..
2. إظهار الاهتمام بما يقوله المتحدث..(بقول نعم..يالله..أووه.......الخ)(أو بإيماء الرأس)
3. الميل باتجاه المتحدث إذا كان الطرفان متقابلان
4. طرح الاسئلة على المتحدث (في إطار الموضوع)
5. عدم مقاطعة المتحدث...قدر الاستطاعة..
6. عدم الابتعاد عن الحديث الذي يطرحه المتحدث حتى ينتهي من حديثه..
7. استخدام الكلمات التي استخدمها المتحدث والاسئلة التي طرحها ثناء حديثه..
8. وإن ضحك..فأشاركه الضحك..
الوصايا العشر التي وضعها خبراء الاتكيت للانصات الجيد:
1. توقف عن الكلام
2. اجعل المتحدث يشعر بالارتياح
3. اجعل المتحدث يحس أنك تريد الاصغاء..
4. تخلصي مما يشتت الانتباه..
5. تعاطفي مع المتحدث..
6. كوني صبورة..
7. حافظي على مزاجك..
8. لا تتوقفي عند النقاط التي تثير الجدل أو الانتقاد..
9. إسألي بعض الاسئلة في نهاية الحديث..
10.توقفي عن الكلام مرة اخرى..
بعد أن تعرفت على بعض الخطوات المهمة لفن الانصات... يستحسن بتطبيقها
{{ ورشة عمل : تمارين لممارسة الانصات للاخرين }}
قم بوضع كرسيين متقابلين.. واطلب من صديقك او اي شخص بالجلوس والتحدث معك في امراا ما..قم بتطبيق الخطوات أثناء حديثه..
وحاول تطبيق ذلك كلما شرع أحدهما بالتحدث إليك.. وان شاء الله ستجد اختلافاا عما سبق...
الأسلوب العملي الذي علينا اتباعه في أثناء الاستماع للآخرين، ولنتذكر أننا إذا أردنا فهم الآخرين فعلينا أولاً أن نستمع لهم، ثم سيفهمونا هم إن تحدثنا إليهم بوعي حول ما يدور في أنفسهم.
1- استمع استمع استمع! نعم عليك أن تستمع وبإخلاص لمن يحدثك، تستمع له حتى تفهمه، لا أن تخدعه أو تلقط منه عثرات وزلات من بين ثنايا كلماته، استمع وأنت ترغب في فهمه.
2- لا تجهز الرد في نفسك وأنت تستمع له، ولا تستعجل ردك على من يحدثك، وتستطيع حتى تأجيل الرد لمدة معينة حتى تجمع أفكارك وتصيغها بشكل جيد، ومن الخطأ الاستعجال في الرد، لأنه يؤدي بدوره لسوء الفهم.
3- اتجه بجسمك كله لمن يتحدث لك، فإن لم يكن، فبوجهك على الأقل، لأن المتحدث يتضايق ويحس بأنك تهمله إن لم نتظر له أو تتجه له، وفي حادثة طريفة تؤكد هذا المعنى، كان طفل يحدث أباه المشغول في قراءة الجريدة، فذهب الطفل وأمسك رأس أبيه وأداره تجاهه وكلمه!!
4- بين للمتحدث أنك تستمع، أنا أقول بين لا تتظاهر! لأنك إن تظاهرت بأنك تستمع لمن يحدثك فسيكتشف ذلك إن آجلاً أو عاجلاً، بين له أنك تستمع لحديثه بأن تقول: نعم... صحيح أو تهمهم، أو تومئ برأسك، المهم بين له بالحركات والكلمات أنك تستمع له.
5- لا تقاطع أبداً، ولو طال الحديث لساعات! وهذه نصيحة مجربة كثيراً ولطالما حلت مشاكل بالاستماع فقط، لذلك لا تقاطع أبداً واستمع حتى النهاية، وهذه النصيحة مهمة بين الأزواج وبين الوالدين وأبنائهم وبين الإخوان وبين كل الناس.
6- بعد أن ينتهي المتكلم من حديثه لخص كلامه بقولك: أنت تقصد كذا وكذا.... صحيح؟ فإن أجاب بنعم فتحدث أنت، وإن أجاب بلا فاسأله أن يوضح أكثر، وهذا خير من أن تستعجل الرد فيحدث سوء تفاهم.
7- لا تفسر كلام المتحدث من وجهة نظرك أنت، بل حاول أن تتقمص شخصيته وأن تنظر إلى الأمور من منظوره هو لا أنت، وإن طبقت هذه النصيحة فستجد أنك سريع التفاهم مع الغير.
8- حاول أن تتوافق مع حالة المتحدث النفسية، فإن كان غاضباً فلا تطلب منه أن يهدئ من روعه، بل كن جاداً واستمع له بكل هدوء، وإن وجدت إنسان حزيناً فاسأله ما يحزنه ثم استمع له لأنه يريد الحديث لمن سيستمع له.
9- عندما يتكلم أحدنا عن مشكلة أو أحزان فإنه يعبر عن مشاعر لذلك عليك أن تلخص كلامه وتعكسها على شكل مشاعر يحس بها هو، آخذت مثالاً من كتاب ستيفن كوفي "العادات السبع لأكثر الناس إنتاجية"
الابن: أبي لقد اكتفيت! المدرسة لصغار العقول فقط
الأب: يبدو أنك محبط فعلاً
الابن: أنا كذلك بكل تأكيد
في هذا الحوار الصغير لم يغضب الأب، ولم يأنب ابنه ويتهمه بالكسل والتقصير، بل عكس شعور الابن فقط، وفي الكتاب تكملة للحور على هذا المنوال حتى وصل الابن إلى قناعة إلى أن الدراسة مهمة وإلى اتخاذ خطوات عملية لتحسين مستواه في الدراسة.
أنقل لكم بعض المقترحات التي سطرها ستيفن كوفي في كتابه، وهو الكتاب الذي اعتمدت عليه في موضوعي هذا، طبقها خلال أسبوع وانظر إلى النتائج بعد هذا الأسبوع وأخبروني إذا أردتم مشاركتنا في تجاربكم الإيجابية
1- حيث تسنح لك الفرصة مراقبة أشخاص يتحدثون اغلق أذنيك لبضع دقائق وراقب فقط أي انفعالات والتي قد لا تظهرها الكلمات وحدها.
2- راقب نفسك كلما كنت في حوار مع أي شخص، واضبط نفسك إن حاولت أن تقيم أو تفسر حديث الشخص بشكل خاطئ، واعتذر له واطلب منه أن يعيد الحوار مرة أخرى، جربت هذه الطريقة من قبل وكان لها مفعولاً عجيباً على الطرف الآخر.
الناس تستغرق 40% من وقتها في الإنصات وكثيرون لا يجيدونه
لم أجد أسهل مجهوداً ولا أفعل تأثيراً في تملك قلوب الناس من الإنصات إليهم. فعندما تشعر بالضيق من أمر ما أو تكاد تطير فرحاً إلى من تتجه؟ بالتأكيد إلى من يحسن الإنصات إليك ، حتى وإن اختلف الفارق السني أو الفكري أو العمري مع من يحسن الإنصات فإنك ستفضله على غيره. تذكر أي تجربة أليمة أو سعيدة جداً .. هل تذكر أنك استغرق وقتاً طويلا لمعرفة من تقولها له. بالتأكيد لا فاسمه يأتيك ببرهة. بنظرة فاحصة على أصدقائنا الذين " نحبهم" نجد أنهم يشتركون في صفة الإنصات إلينا ولذلك نحبهم.
دراسة علمية
أظهرت دراسة علمية على مهارات الاتصال بين الناس أن الناس يستغرقون ما نسبته 75% من يومهم في الإنصات والتحدث فقط ، 40% للإنصات و35% للتحدث ، بينما يقضي 16% من أوقتهم في القراءة و 9% في الكتابة. وهو ما يؤكد أن الإنصات يحتل النصيب الأسد من أنشطتنا اليومية. وقد ذكرت الدراسة في كتاب مادلين بورلي آلن في كتابها الاستماع صفحة 2.
وبالرغم من أنه ليس هناك اعتبار يذكر لتدريس مادة الإنصات في دول عديدة كمادة أساسية للتعلم مقارنة بالقراءة والكتابة والتحدث إلا أننا نحظى بعدد لا بأس به من المنصتين في هذه الكرة الأرضية الجميلة ويشترك هؤلاء بمحبتنا لهم لعوامل عديدة.
لماذا يُحَب المنصت؟
يحب الناس المنصت لأنه المغناطيس الذي يلجأ إليه الناس لتفريغ همومهم وأحزانهم وحتى أفراحهم. فهو الذي يشعرهم في كنفه بالاحتضان والتقدير. فما أجمل أن ترى أذناً صاغية بهدوء ووقار لشخص يكاد يضيع بالغضب أو الحزن ذرعاً. إنها خدمة جليلة يقدمها إلينا من دون مقابل مادي.
ويحب المنصت لقلة أخطاء لسانه. فمقارنة بعشاق التحدث فإنه أقل عرضة لزلة اللسان و أقل تصادماً معهم سواء في النقاشات أو المشادات الكلامية وغيرها. المنصت يفضل حبس لسان ويرسل أذنيه إلى عالم المتحدثين الصاخب.
المنصت لا يعرف من بين الحضور إلا عندما تكتشفه أعين المتحدثين وهو منزوي في هدوء وترقب فتتابعه بحرص ، علماً بأنه لم ينطق ببنت شفة. وذلك دليل على أن المنصت شخصية لا تقل أهمية في المجالس عن كثيرين الأسئلة والمتحدثين ، فإنصاته يشعرهم بالقبول والمتابعة. كيف ترى مجلساً تتحدث فيه ولا أحد ينصت إليك!
ويزود الإنصات المنصت بمعلومات كثيرة ، فكلما زاد إنصاته زادت معلوماته وبالتالي حاجة الناس إليه والأنس بوجوده.
كما يندر أن يجابه دخول المنصت إلى مجلس ما بالاشمئزاز أو التأفف فهو يحمل رصيداً يكاد يكون خالياً من الصدامات أو الأحقاد في المجالس التي يذهب إليها ، لقلة حديثة. وصدق القائل " لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك".
والمنصت ليس كما يتصوره البعض قليل الأصحاب ، فهو معروف بإنصاته لكل ما تأتي به ألسنت جلسائه ، ويكفيه ذلك فخراً.
عدم الإنصات والمشاكل
من أهم أسباب مشاكل الناس هي عدم إحسان الإنصات إليهم. فكم من موضوع أسيئ فهمه سواءً كان مع أسرنا ، أصدقائنا ، زملائنا في العمل..الخ وأدى إلى قطيعة أو خلاف بدأ صغيراً ثم أصبح كبيراً.
كيف تكون منصتاً جيداً؟
الإنصات بالعينين !
أن تكون منصتاً جيداً ليس معناه أن تنصت بأذنيك فقط ، وإنما بعينيك أيضاً ! هذه ليست دعابة فقد أثبتت دراسات عديدة أن تتبع المنصتين لأعين المتحدثين يزيد الفئة الأولى تركيزاً ومتابعة ويزيد الثانية راحة أكثر في الحديث. في مجتمعاتنا الشرقية يعود أطفالنا على عدم النظر إلى عينين الكبار ، حيث يعتبرونها " إمكاسر" أو نوعاً من أنواع عدم الاحترام ، وفي الحقيقة هي نظرية ليست صحيحة.
المقاطعة
لا تقاطع أبداً. بل انتظر لحين انتهاء محدثيك فذلك من شأنه تعويدهم على أسلوبك والذي سيكون سبباً في ارتياحهم عند التحدث إليك.
التفاعل والتمثيل
تفاعل مع ما يقال بصدق ومن دون تمثيل ، وتذكر أن هناك أناساً كثيرون لديهم من الفطنة والبداهة ما قد يفوق توقعاتك. مرة أخرى ، لا تتصنع المتابعة فرائحتها يسهل على أي شخص التعرف عليها مما قد يفسد عليك جميع محاولاتك.
الوقت والمكان
إن اختيار الوقت والمكان هما في غاية الأهمية. فكيف يراد من شخصاً ما أن ينصت وهو مستغرق في متابعة برنامج تلفزيوني محبب لديه أو مستغرقاً في عمل يدوي ما أو أن يكون على وشكل الخروج من منزله أو مكتبه. فمن يريد إنصاتا يرضيه فليختر الوقت والمكان المناسبين.
الغزالي والإنصات
يقول أبو حامد الغزالي في صفات المنصتين الجيدين " أن يكون مصغياً إلى ما يقوله القائل ، حاضر القلب ، قليل الالتفات إلى الجوانب متحرزاً عن النظر إلى وجوه المستمعين وما يظهر عليهم من أحوال الوجد ، مشتغلاً بنفسه ومراعاة قلبه، ومراقبة ما يفتح الله تعالى له من رحمته في سره ، متحفظاً عن حركة تشوش على أصحابه... " ويضف في كتابه الرائع إحياء علوم الدين المجلد الثاني ص 416 " بل يكون ساكن الظاهر هادئ الأطراف ، متحفظاً عن التنحنح والتثاؤب ، ويجلس مطرقاً رأسه كجلوسه في فكر ..." ويدعو إلى الحذر من " التصنع والتكلف والمراءاة" أثناء الإنصات و أن يكون " ساكتاً عن النطق في أثناء القول بكل ما عنه بد ، فإن غلبه الوجد وحركه بغير اختيار فهو فيه معذور غير مذموم" داعياً إياه إلى الرجوع إلى "هدوئه وسكونه" وهو ينصت.
ساحة النقاش