لكل شخص منا طريقة سلوكية لغوية خاصة به في التعبير عما يدور و يجول في مخزونه المعرفي و العقلي ، و هذه الطريقة ثابتة نسبيا ً بحكم عادة الشخص التي تحكمه في التعبير ، فالبعض قد يفضل أسلوبا ً مباشرا ً مرنا ً واضحا ً يشعرك بالارتياح عند التحدث معه ، و البعض تجده يلتف حول أمثلة معينة ليجد فيها مدخلا ً للحديث عما يريد أن ينقله من رسائل اتصالية ، و البعض الأخر نجده يتخبط و يتعثر في أفكاره و أسلوب حديثه و يراوح بيديه و كأنها مروحة على درجة Full دون أن تفهم منه شيء ، و بين هذا و ذاك فأن الوسائل التعبيرية التي يستخدمها بني الإنسان متعددة بتعدد الطرق التي يستخدمونها في تواصلهم ، فمنها اللفظية المتمثلة في الكلام و الكلام المكتوب ، و منها دون اللفظية المتمثلة في التعابير الحسية و الحركية و المظهر العام و لغة الأعراض ، مثل رفع الحاجب إلى الأعلى تعبيرا ً عن الدهشة و التعجب ، و احمرار الوجه تعبيرا ً على الخجل أو الغضب ، و عض الشفاه تعبيرا ً عن الحسرة و الألم ، و غض البصر و أبعاده تعبيراًً على الزعل و الخصام أو عدم الرغبة في الحديث و التواصل ، أو أبقاء النظر متواصل عبر العيون تعبيرا ً و دليلا ً على الحب و الاهتمام و الألفة .
ما هي لغة الأعراض ؟
تعد لغة الأعراض من وسائل الاتصال الغير لفظية ، التي نتمكن بواسطتها أن نرسل رسائل إلى الآخرين عما نحسه أو نعانيه من ألم و حسرة دون أن نجرح كرامتنا و اعتزازنا بذاتنا ، فالشعور بالإحباط و الحزن و الألم الذي يسببه لنا شخص حبيب و عزيز على قلوبنا كما في حالات ( الزعل ) و الخصام ، كثيرا ً ما يتحول إلى مرض جسمي نشكو منه و نعانيه لفترة من الزمن قد تطول أو تقصر ، و كأننا نشتكي أليه ما الم بنا و ما تسببه لنا من ألم و فراق ، و لكن بوسيلة غير مباشرة ، دون أن تجرح كبريائنا .
أن لغة الأعراض لغة مشتركة بين البشر ، و تتفاوت من فرد إلى أخر و من جنس إلى جنس ، و من مجتمع إلى مجتمع أخر ، كما أنها لغة مشتركة بين الدوافع اللاواعية و شبه الواعية ، تعبيرا ً عن مواقفنا و مشاعرنا وعن خبراتنا الذاتية ، فالأعراض التي نقاسيها ليست ألا رسائل اتصالية تعبيرا ً عن مخاوفنا من فقدان الأخر و في نفس الوقت لومه و تحميله مسؤولية ما أصابنا من جرح ، و كأننا نتودد إليه و نرجو منه مراجعة الموقف المزعج الذي حدث فيه ( الزعل ) رغبة في إرجاع المياه إلى مجاريها و سابق عهدها ، و لكن في الوقت نفسه لومه و عتابه بسبب ما حدث له معاناة .
أن لكل غرض دافع ، كما أن لكل رسالة محتوى ، وللغة الأعراض عدة محتويات أساسية و حالة ( المرض ) مثالاً على ذلك، تتقسم محتويات لغة الأعراض الاتصالية إلى ما يلي : ــ
1 . محتوى وظيفي ( معرفي ) : و هو محتوى يعبر و ينقل بصورة غير مباشرة معلومات منطقية أو غير منطقية عما يحمله الشخص من أفكار و معلومات تتعلق بشأن الموقف المزعج الذي أصابه ، و قد تكون هذه الأفكار عبارة عن حجج و أسباب يتخذها الشخص في الدفاع عن موقفه أو الظلم الذي أصابه .
2 . محتوى عاطفي : وهو محتوى يعبر فيه الشخص عن مشاعره و الانفعالات التي يوجهها إلى الشخص الأخر موضع الخصام و الزعل ، و فيه يركز الشخص مشاعر الحزن و الصراع الذي يعانيه و يتألم بسببه .
3 . محتوى رمزي : يتمثل هذا المحتوى بالأعراض التي يظهرها الشخص للأخر ، فمرض الأنفلونزا المصاحبة بارتفاع درجات الحرارة و زكام الأنف و صداع الرأس و ارتعاش الجسم و ضعفه ، ما هي سوى محتويات رمزية ينقل بها الشخص ما أصابه أو حل به من غبن ، نجمت عن ضعف مناعته الجسدية ، بسبب ما عاناه من إحباط . فالمادة اللاشعورية المكبوتة بسبب الموقف الذي عاناه الشخص تحول إلى أعراض نفس ــ جسمانية كطريقة للحديث و الكلام إلى الأخر موضع الخصام .
لغة الأعراض بين المصارحة و الكتمان
نجد مما سبق أن لغة الأعراض حالة اتصالية ، معرفية ، انفعالية ، رمزية ، ينقل بها الشخص ما أصابه أو حل به من خبرات مؤذية نتيجة موقف مزعج ، إلى الشخص الأخر موضع الحديث أو النزاع .
تعد لغة الأعراض لغة مقاربة إلى الكتمان ، و نقول مقاربة إلى الكتمان لأن الشخص رغم التكتم الذي يحتفظ به ، نجده يعبر عنه بطريقة غير مباشرة و صريحة ، أي كتمان ينقصه الضبط و التحكم ، و الكتمان مضر على صحة الشخص النفسية و الجسدية ، فمثلا ً الطاقة التي تنبعث منا جراء موقف أثار فينا الغضب بسبب موضوع أو حادثة ما لا نقدر عليها ، فأن هذه الطاقة التي تبعثها أجسادنا لا تذهب ألا في أعضائنا و عضلاتنا و خلايانا العصبية ، الأمر الذي يصيبنا بالمرض و الإعياء و التعب .
عكس ذلك ما نجده في المصارحة و التي تعني أن يكشف الشخص عما يعانيه في صيغة من العتب الجميل الغير مشحون بانفعالات حادة و أفكار سوداوية ، فالصراحة غير مؤذية بحد ذاتها ، أذ أن الصراحة التي لا تحمل انفعالا ً حادا ً وردا ً قاسيا ً هي دائما ً مقبولة و تحمل في دواخلها مشاعر الحب و الود و التقرب و الاهتمام ، و تجعل من المشاعر و العلاقات أشد في تماسكاً و أكثرها قوة و متانة من سابقتها ، شرط ألا تكون المصارحة هدامة ، تتصادم مع الآخرين و تجرح كرامتهم و أحاسيسهم و النيل من قيمة ذاتهم .
أذ ليس هنالك أجمل من مشاعر الحب و رقة الإحساس و رهافة المشاعر المتبادلة ، بيننا و بين الآخرين ، بعيدا ً عن التعالي و التكبر و الغرور .
نشرت فى 21 نوفمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,767,711
ساحة النقاش