أن ما تتعرض له الان المجتمعات و الحضارات من موجات عارمة لعنف ، ودمار ، وقتل ، وتفجير ، وتكفير ، او تهجير العوائل ما هي بأساسها الا شخصية متعصبة حاقدة مشحونة بأنفعالات قوية وحادة من مشاعر الغضب والعدائية الشديدة ، أذ أن الشخصية المتعصبة تلعب في الوقت الحاضر دوراً أساسياً في عمليات تفجير العنف الطائفي والقومي والسياسي والعرقي والمذهبي ، مشكله النواة الاساسية لعمليات التدمير ، فهي عبارة عن البذرة التي تتكون من خلالها ما هو منتشر من كراهية ضد الجماعات التي تتكون فيها مشاعر النبذ والنقص والعداوة والانماط الدفاعية السلوكية .
أن الشخصية المتعصبة هي شخصية مريضة تقوم على الصراع والتنافس ، مبنية على افكار ومعتقدات خاطئة شديدة التمسك بها ، مندفعة بمشاعر حقد وكراهية شديدة مع رفض أي فكر وتغير جديد ، و سلوكها قائم على ممارسة العنف والقهر أذ يرى حامد عبد السلام زهران بانها شخصية ذات اتجاه نفسي جامد ومشحون انفعالياً ضد عقيدة ، او ذات حكم مسبق ضد جماعة او موضوع لايقوم على سند منطقي او معرفة كافية او حقيقة علمية فتحاول تبريره و من الصعب تعديله .
اما نشأة هذه الشخصية وتكوينها و أساليبها السلوكية، غير وراثية ، فهي لاتلد مع الانسان ولكنها ناتجة عن سلوك مكتسب ومتعلم من الوالدين او من المجتمع وهو ما يؤكده العالمان البورت وكرامر، بان التعصب مكتسب من الوالدين ، وينمو من خلال التنشئة الاجتماعية أذ تنمو على اساس تربية خاطئة وكراهية و تصلب وعدوانية حيال الاشخاص او المواضيع الاخرى, ولتحليل هذه الشخصية بشكل اعمق وموسع ، نجد أن التعصب بشكل عام يتكون من ثلاث مكونات اساسية ، وهذه غير منعزلة او مستقلة بعضها عن البعض الاخر وانما تشكل سلسلة متداخلة بعضها يدعم البعض الآخر مشكله قوة أو جبهة من سلوك وفكر عدائي متعصب ، وهذه المكونات هي :-
المكون المعرفي
ينطوي هذه المكون على الافكار والمعتقدات الخاطئة والافكار النمطية التي تؤمن بها الشخصية المتعصبة ، فتأخذ شكل الاحكام الجامدة والقطيعة ذات الطابع الاداني والتحقيري، التي تلصقها بشخص او بمجموعة معينة ، انطلاقاً من فروق عرقية او دينية او قومية او سياسية ، لتعمم من خلالها الحكم الا داني على جميع افراد هذه الفئة دون أستثناء ، مؤدية الى بروز تحيزات ومواقف عدائية ، وبالتالي تعمل هذه الافكار كحواجز انسانية تمنع من تفاعل هذه الشخصية وتسد السبيل امامها الى التفهم والتواصل المتبادل، مع الإباء والرفض الى ادخال أي فكر جديد
المكون الانفعالي
تلعب الصيغة الانفعالية لدى الشخصية المتعصبة الدور البالغ في اثارتها ، وتحفيزها الىالنزعة العدوانية, و يتجلى هذا المكون في مجموعة من المشاعر السلبية التي يدور معظمها حول النفور والازدراء والرفض ومشاعر الكره والحقد الشديد المشحون بالعداء ، ويرى الدكتور عبد الستار ابراهيم في المكون الانفعالي يأنه ينطوي على جانبين مهمين هما ( الشعور المبالغ فيه بالاضطهاد والشعور بالخوف ) أذ يظهر الشعور بالاضطهاد بأنها يرجع الى سمة او صيغة معينة ، كالعقيدة التي تؤمن بها مثلاُ ، فهي ترى ان الاشخاص الاخرون يكرهونها لهذه العقيدة و يحقدون عليها ، ويسعون دائماً لإيذائها ، لانهم يعادون هذه العقيدة ، مما تسبب نوع من التبخيس والحط من قيمتها وقدرها ، وبالتالي تتحول الى مشاعر الاضطهاد والتي سرعان ما تتحول الى حقد وكراهية ، وهو ما يؤكده الدكتور مصطفى حجازي بقوله ان الانسان المضطهد لايمكنه تحمل او احتمال التبخيس الذاتي له بشكل دائم ، فلا بد له من الاحساس بشيء من الكرامة والعزة ، وبشيء من الاعتبار الذاتي في نظر نفسه ونظر الاخرين ، فتندفع مشاعر الكراهية والاعتداء في صبها نحو الجماعة المضطهدة والتي فيها يتخلص المتعصب من عقدة العار الذاتي ، وتبرير عداءه . اما الشعور بالخوف فيدور هذا الشعور اتجاه العرضة للتهديد المستمر من قبل الاشخاص الاخرين ومع الاحساس بانعدام وفقدان مشاعر الأمن ، أذ ترى بأنها معرضة لاي هجوم مفاجئ نحوها او المحاولة الدائمة لعزلها واستبعادها .
المكون السلوكي
يتميز المكون السلوكي لدى الشخصية المتعصبة في كافة اشكال السلوك العدائي ، و من عزل ، وتهجير ، وقتل وعمليات تفجير ، لأن ما تمتاز به هذه الشخصية من افكار نمطية غير عقلانية وخصائص انفعالية من كره وحقد شديد والشعور بالاضطهاد والخوف من جماعة الكراهية ، سوف تؤدي بالنتيجة لهذه الأساليب السلوكية ويرى الدكتور سيد عبد الله معتز ان طرق التعبير عن التعصب في المكون السلوكي تتراوح حسبما يلي :-
اولاً :- الامتناع عن التعبير اللفظي :- وفيها لاتوجه الشخصية المتعصبة اذى للجماعات الخارجية بشكل صريح حيث تميل فقط الى الحديث عنها .
ثانياً :- التجنب :- وفيها تتخذ بعض الخطوات لتجنب اعضاء الجماعة الخارجية موضوع الهدف حيث تأخذ على عاتقها موقف الانسحاب تماماً من موقف التعامل مع اعضاء تلك الجماعة .
ثالثاً : - التميز :- حيث تسعى الشخصية المتعصبة الى منع اعضاء الجماعة موضع الهدف من الحصول على التسهيلات والاعتبارات التي يمتاز بها الاخرون .
رابعاً :- الهجوم الجسماني :- وفيها تثار هذه الشخصية في ظل حالات الانفعال الحاد الى سلوك العنف الذي يتمثل في العدوان الجسماني .
خامساً :- الابادة :- وهي المرحلة النهائية للعدوان في المكون السلوكي ويشمل الابادة الجماعية او الاعدام .
ويرى عبد الستار ان للتخلص من التعصب و مواجهته علينا ان نبدء من عمليات التنشئة الاجتماعية التي فيها يكتسب الشخص اتجاهه التعصبي حيث يجب ان تتم التنشئة الاجتماعية بشكل سوي متسامح من خلال عناصرها الاساسية وخاصة ( الاباء والأقران والمدرسين) أذ من خلالها تنخفض التحيزات الى اقل قدر ممكن وتقل حدود القوالب النمطية وتتناقص مشاعر الكراهية الى ادنى حد فلا بد من تأزر كافة القنوات لهذه حتى تتم العملية على اكمل وجه فينتشر الحب والمودة والاخاء بين سائر البشرية في كل مكان من العالم الكبير مترامي الأطراف.
المراجع
1 . أبراهيم ، عبد الستار ـ الانسان و علم النفس .
2 . معتز ، سيد عبد الله ـ الاتجاهات التعصبية .
3 . حجازي ، مصطفى ـ سيكولوجية الانسان المقهور
نشرت فى 21 نوفمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,772,247
ساحة النقاش