يعيش الإنسان في بيئة و محيط واسع ، يحتضن وجوده ، و يحفل بكيانه و هو يعلم من خبراته أن هذه البيئة تحمل معها مجموعة كبيرة و ضخمة من المثيرات المجهولة و الغامضة ، التي لا يعرف أثرها ، و تفسير لمعانيها ، و مدى تهديدها و خطورتها ، و ما الوسائل و الطرق لتجنبها ، و التعامل معها و بواسطتها . و على الرغم من التطور التكنولوجي و الحضاري الذي وصلنا إليه نجد أن بني الإنسان مازالوا يحاولون أن يبتكروا وسائل و أساليب و نظريات جديدة أكثر تطوراً و حداثة ، من أجل الحفاظ على البقاء و حفظ النوع ، أن هذه الرغبة في التطور لم تظهر في سلوكنا او توجيهها لنا ، ألا من الحاجة لتجنب الألم و الأذى ، و الحصول على الراحة و الأمن ، و الحفاظ على كيان الإنسان ضد ما يهدده من مخاطر و مخاوف واقعية كانت أم سلبية ، أنية أم مستقبلية .
أن هذه الحاجة قديمة قدم الإنسان نفسه ، ولدت معه و تقدمت بتطوره ، فمثلاً أن دفاع الإنسان التكنولوجي عن نفسه يختلف عن دفاع الإنسان البدائي نفسه ، و أساليب البقاء قديماً تختلف عن أساليب البقاء حديثاً ، و ما حياتنا النفسية و البيولوجية ألا صور من هذه الأساليب الدفاعية المتمحوره لحماية الشخصية مما قد يصيبها من أذى و ضرر داخلي أو خارجي .
تجنب الألم فطرة أم تعلم ؟
تعد الحاجة لتجنب الألم و الخطر حاجة فطرية بيولوجية يشترك بها الإنسان مع بقية الكائنات الحية ، أذ يخلق الإنسان و هو مزود ببعض الأساليب التي تمكنه من الابتعاد عن ما يؤذيه و يسبب له الضيق ، و قد نشاهد بداية هذا السلوك لدى الإنسان في مرحلة الرضاعة ، و يظهر في صراخ الوليد و بكائه ، أو عندما نضع وسادة أو يدنا على وجه الطفل فسرعان ما يدفعها بيديه او حركة رأسه لتجنبها أو دفعها بعيداً عنه . و هكذا مع نمو الإنسان و احتكاكه مع الآخرين من أفراد الأسرة و الأصدقاء و المجتمع ، يطور الإنسان هذه الحاجة بتعلم الكثير من السلوك الذي يساعده في الدفاع عن نفسه ضد ما يعترضه من مثيرات خطرة و مؤلمة ، و يظهر ذلك في اهتمامه ببناء المنازل ، و اختراع و تطوير الأجهزة الحديثة ، و تحسين العمليات الطبية ، و استعمال الأدوية ، و أبتكاره للأسلحة ، و بحثه في النظريات العلمية .
البقاء للأقوى و الأذكى
يمتاز عصرنا بالسرعة و التقدم و التطور ، و هذا التطور شمل كافة مجالات الحياة و جوانبها ، و بذلك فأن أساليب دفاعانا و حمايتنا يختلف باختلاف ما نمر به من تطور و ما نواكبه من تقدم ، فالإنسان لم يقف في أي عصر من العصور و ثبت عليها ، أذ هو في سعي دائم للبحث عن المعلومات و امتلاك المعرفة و اكتشاف المجهول ، لذا تختلف أساليبنا في الدفاع عن أنفسنا بما نملكه من قوة و معرفة ، فعلى اثر ذلك اختلفت أساليب دفاع الإنسان باختلاف قوته و معرفته و فهمه ، و هذه جاءت كما يلي :
1 . أساليب ( بيولوجية / نفسية ) : و تتمثل بما يمتلكه الفرد من بنية جسدية قوية تساعده على التكيف مع البيئة ، و ما يتمتع به من ذكاء و صلابة نفسية يساعدانه على التوافق و تحمل الشدائد و الأزمات التي يمر بها .
2 . أساليب ( علمية / خرافية ) : و تتمثل بما وصل إليه الإنسان من نضج و تطور فكري و علمي ، فمن خلال هذه الأساليب يواجه الإنسان مشاكله و مخاطره بأسلوب علمي منظم ، يستطيع من خلاله تفسير ما يجري حوله من تغيرات بصورة علمية ، أو قد يواجهها بأسلوب فكري خرافي و بدائي وراء طقوس و تعاويذ و قرابين و أضحية و أدعية يتجنب بها ما قد يواجهه من ألم ، و خاصة أذا لم يجد للتغيرات و الظواهر المحيطة به تفسير علمي مقبول يوضح به هذه التغيرات ، أو عندما لا يستطيع أن يكشف الغموض لمجريات الأحداث التي حوله ، و هذا التفكير البدائي صاحب الإنسان في بداية مسيرة الحياة الإنسانية و إلى حد الآن لدى بعض الجماعات .
تجنب الألم حاجة فردية أم جماعية ؟
بدأت الحاجة الى تجنب الألم كحاجة أصيلة عندما كان الإنسان يعيش وحده ، و يعتمد على قدراته و مهاراته و قوته في حماية نفسه من برد و حر و أمطار و حيوانات ..الخ ، و لكن ما جعل هذه الحاجة جماعية احتياج الإنسان لأخيه الإنسان ، فبالرغم من اعتماد الإنسان على نفسه لكنه لم يستطع أن يشبع كافة احتياجاته و رغباته و المحافظة على أمنه ، لذا هو بحاجة ماسة للمساعدة و الشعور بالطمأنينة وقت الشدة و المرض و الصراع مع الطبيعة ، فعلى أثر ذلك بدأ الناس يتجمعون على شكل جماعات و قبائل تربطهم مواثيق و أعراف في الدفاع عن النفس ، و التجمع و التعاون وقت الشدة و القحط ، كما ظهر في تجمع الناس على قبائل تنظيمات اجتماعية عسكرية مهمتها الحماية و الحفاظ على القبيلة وقت الحرب و قدوم الخطر ضد جماعات أخرى معادية لها . فضلاً عن ذلك ظهرت تنظيمات و تجمعات أخرى كانت غايتها التبادل الفكري و المهاري لغرض التقدم و التطور الإنساني ، و هو ما عزز الصلة و العلاقات بين القبائل و أقامة تحالفات من أجل التعاون و الحماية وقت الحروب و الغزوات ، و قد أخذت هذه التنظيمات بالتعقيد نظراً للتطور و الاتصال بين دول العالم ، فظهرت تحالفات دولية و إقليمية ، كالتحالف الأوربي ، و الأنجلو أمريكي.
ألا أن من المهم أن نوضح أن أي حاجة إنسانية لا بد أن تشبع بشكل مشروع و أمن و بصورة مقبولة ، بعيداً عن الاعتداء و الإيذاء للآخرين أو للجماعات الأخرى ، إذ الكثير من الجماعات أخذت هذه الحاجة كحجة و مبرر للهجوم على جماعات أخرى ، و للسيطرة عليها و استنزاف ثرواتها و خيراتها بقصد الحماية منها أو لها كما هو حاصل الآن في مجتمعنا أو ما كان سابقاً أثناء الاحتلالات الغاشمة للأراضي العربية ، إذ علينا أن نكون على درجة كبيرة من الوعي ، و أن نجمع قوانا لنطور أنفسنا و حمايتنا من كل معتد أثيم لأن الاتحاد قوة و التفرقة ضعف .
نشرت فى 21 نوفمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,767,918
ساحة النقاش