الحب و الهوى و الغرام خداع ألوان ، ما نراه في المحبوبة مثلما نراه في قوس قزح ، جمال ألوان قوس قزح ليس من قوس قزح نفسه و لكنه من فعل نور الشمس على رذاذ المطر المعلق في الهواء .. فإذا غابت الشمس و جف المطر اختفت الألوان و ذهب الجمال
و هكذا محبوبتك جمالها فيما يتجلى عليها من خالقها .. فإذا انقطع عنها التجلي شاخت و مرضت و ذبلت و عادت قبحا لا جاذبية فيه .. إن ما كانت تملكه من جمال لم يكن ملكا لها بالأصالة ، بل كان قرضا و سلفة
حتى السجايا الحلوة و النفوس العذبة و الخلال الكريمة هي بعض ما يتجلى فينا من أسماء خالقنا الكريم الحليم الودود الرءوف الغفور الرحيم ..
أليست هذه أسماؤه ... !؟
و هل نحب حينما نحب إلا أسماءه الحسنى حيثما تحققت و أينما تحققت
و هل نحب حينما نحب إلا حضرته الإلهية في كل صورة من صورها
و الحكيم العارف من أدرك هذه الحقيقة فاتجه بحبه إلى الأصل .. إلى ربه و لم يلتفت إلى الوسائط و لم يدع بهرج الألوان يعطله .. و لم يقف عند الأشخاص .. فهو من أهل العزائم لا تعلق له إلا بربه .. لقد وفر على نفسه خيبة الأمل و انقطاع الرجاء و خداع الألوان
لقد أحب من لا يهجر ، و عشق من لا يفتر ، و تعلق بمن لا يغيب ، و ارتبط بمن لا يموت ، و صاحب من بيده الأمر كله و ساهم في البنك المركزي الذي يخرج منه النقد جميعه .. و هام بالودود حقا ذاتا و صفاتا و أفعالا
و ذلك هو مذهب العارفين في الحب
فهل عرفت ...
و إذا كنت عرفت .. فهل أنت بمستطيع
و مذهب العارفين ليس مجرد معرفة .. و لكنه همة و اقتدار و كدح و مغالبة .. و النفس لا تستطيع أن تعشق إلا ما ترى و لا أن تتعلق إلا بما تشهد بصرا و سمعا و حواسا .
أما تعلق الفؤاد بالذي ليس كمثله شيء فمرتبة عليا لا يوصل إليها إلا بالكدح و الكفاح و الهمة .. و قبل ذلك كله .. بالتوفيق و الرضا من صاحب الأمر كله ..
و لهذا أدرك العارفون أن هذا أمر لا يمكن الوصول إليه إلا ركوعا و سجودا و ابتهالا و عبادة و طاعة و خضوعا و خشوعا و تذللا و تجردا و إن هذه مرتبة لا تنال بشهادة جامعية و لا بماجستير أو دكتوراه ، أو تحصيل عقلي .. و لكنها منزلة رفيعة لا مدخل إليها إلا بالإخلاص و سلامة القلب و طهارة اليد و القدم و العين و الأذن و لا سبيل إليها إلا بخلع النعلين .
تخلع جسدك و نفسك ..
و ليس مقصود القوم هنا هو الزهد الفارغ و التبطل .. و إنما أن تخلع حظك و أنانيتك و شهوتك و طمعك و شخصانيتك ، و أن ترتد إلى الطهارة الأولى اللاشخصانية التي تعطي فيها و تحب دون نظر إلى حظ شخصي أو عائد ذاتي .. فهي حالة عمل و عطاء و بذل و ليست حالة زهد فارغ و تبطل .. و هي في ذروتها حالة فداء و تضحية في سبيل إعلاء كلمة الله .. تضحية لا تنظر إلى نيشان أو نصب تذكاري .. و لكنها تبذل المال و الدم و النفس لوجه الله وحده .
و يقول العارفون إن مائدة الاستشهاد هي أعلى موائد التكريم و لا دخول إليها إلا ببطاقة دعوة من صاحبها . و لا دخول إليها اقتحاما أو قهرا و تبجحا .. و إنما هي دعوة من الكريم يتلقاها صاحب الحظ بالتلبية و الهرولة و يتلقاها المحروم بالتكاسل و التخاذل .. و التخلف ..
ذلك هو الحب في مذهب القوم ، و هو غير الحب في مذهب منتجي أفلام السينما و مؤلفي الرومنتيكيات ، و هو أيضا غير الحب عند الكثرة الغالبة من الناس .. حيث الحب هوى و نار و شهوة و جريمة و صدور عارية و مجوهرات . و لحظات تتألق بالشعر ثم ما تلبث أن تخبو وتنطفئ و تترك رمادا من الأكاذيب
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21) يوسف
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) العنكبوت
إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ (116) الأنعام
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا (36) يونس
إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ (23) النجم
إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (44) الفرقان
هكذا يعلمنا القرآن أن الكثرة لا تعرف أما العارفون فقليل ما هم و لكن الصحافة التي تخاطب الكثرة و السينما التي تتملق الجماهير و المؤلفين الذين يطمعون في الرواج و الشعراء الذين يتبعهم الغاوون يتغنون بألوان أخرى من الحب . و يتيهون معا في أودية الغفلة التي تنتهي بنا إلى جنون قيس و انتحار جوليت و سقوط راهب تاييس و مباذل فالنتينو و جرائم آل كابوني و موائد مونت كارلو .
و المنتجون عندنا أكثر تواضعا فهم يكتفون بكباريهات شارع الهرم
و هو أمر قديم قدم التاريخ منذ أيام بابل ، و منذ أيام أنطونيو و كيلوباتره و منذ أيام الفراعنة و الإغريق و الرومان .. و نقرأ في كتاب الموتى هذه السطور التي كتبها الحكيم المصري منذ خمسة آلاف عام .
لا تنظر إلى امرأة جارك فقد انحرف ألف رجل عن جادة الصواب بسبب ذلك .. إنها لحظة قصيرة كالحلم و الندم يتبعها .
إنها معارف قديمة منذ أيام آدم .. و قصة بائدة منذ مقتل هابيل
و لكن لا أحد يذكر .. و لا أحد يعتبر .. و لا أحد يتعلم من الدرس
و أكثر الذين يعرفون لا تنفعهم معرفتهم بسبب ضعف الهمم و تخاذل الأنفس و غلبة الشهوات
إن السلالم إلى الأدوار العليا موجودة طول الوقت ، و لكن لا أحد يكلف نفسه بصعود الدرج و الأغلبية تعيش و تموت في البدروم ...
و لو كلف أحد منهم نفسه بالصعود .. و تحمل مشقة الصعود و شاهد المنظر من فوق ، لبكى ندما على عمر عاشه في البدروم بين لذات لا تساوي شيئا و لكنه الضعف الذي ينخر في الأبدان .
و البشرية تسير من الضعيف إلى الأضعف ، و الأجيال الجديدة أكثر ضعفا و أكثر تهافتا على العاجل البائد من اللذات ، و اقرأ المقال من أوله و اسأل نفسك .. من أي مرتبة من البشر أنت .. هل أنت عارف .. و إذا كنت عارفا .. فهل أنت بمستطيع .
و ابك ما شئت من البكاء فلا شيء يستحق أن تبكيه .. لا فقرك و لا فشلك و لا تخلفك و لا مرضك .. فكل هذا يمكن تداركه أما الخطيئة التي تستحق أن تبكيها فهي خطيئة البعد عن إلهك ..
فإن ضيعت إلهك .. فلا شيء سوف يعوضك
و كل أحلام الشعراء لن تغنيك شيئا
نشرت فى 21 يونيو 2011
بواسطة hamdimisr
مهندس حمدي محمود
العلوم الزراعية الحديثة جمهورية مصر العربية 01068191759 01068635566 01004120734 01128385555 »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
409,973