جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
حينما يتحول الأبيض إلى رمادي ويتحول الرمادي إلى أسود ويتحول الأسود إلى عدوان فتش عن الإعلام وحينما يتحول الحق إلى شك ويتحول الشك إلى زور ويتحول الزور إلى بهتان فتش عن الإعلام اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى تصدق هؤلاء المتلاعبون بالعقول بكل منهجية وبكل إبداع يستحقون من الناحية المهنية كل إعجاب حتى وإن كانوا من الناحية الأخلاقية يستحقون كل احتقار
فعقب أحداث الخصوص وما تلاها من عنف في العباسية استدعى الإعلام المصري من أرشيفه ذات الإفيهات الجاهزة باعتبار ما حدث فتنة طائفية ولا يختلف عن ذلك انتهاز البعض للمناسبة فى محاولة عقد مقارنات بين فاجعة كنيسة القديسين بالاسكندرية فى الشهر الأخير من حكم مبارك وبين مأساة الخصوص والخروج بنتيجة متهافتة مؤداها أنه كما أسقطت «القديسين» مبارك سوف تسقط الكاتدرائية مرسى
وإذا كان الإعلام الخاص الذى ابتلينا به من مخلفات مبارك بحكم تحوله إلى أداة في الصراع السياسي المحتدم الآن حول السلطة في مصر والانتهازية فى توظيف دماء الضحايا في تصفية الحسابات السياسية والأيديولوجية مع الخصوم السياسيين وعدم اكتمال فهم معنى التنوع في المجتمع الإنساني مما ما يفاقم من محنة الوطن
ما حدث في الخصوص والكاتدرائية بعدها وفي كل الحوادث التي كان المسيحيون والمسلمون طرفًا فيها هي جرائم جنائية حلها في المحاكم وليس في الفضائيات التي تلعب سياسة الآن ولا عن طريق الصلح الفلكلوري الذي نراه عقب كل حادثة
فما حدث مؤخرا من احداث الخصوص والكتدرائية يدل على الدور المشبوه الذى يلعبه الاعلام وضغطه على ورقة الفتنة الطائفية لأنها خبزه اليومي فيعتمد على إشعال الحرائق حتى لو أدت إلى حرق البلد كله كورقة اخيرة لتصفية الحسابات السياسية ومحاولة توصيل رسالة الى الخارج بان هناك فتنة طائفية واضطهاد للاقباط فى مصر عسى ان يستطيع الخارج ان يفعل ما فشلوا فى تحقيقه فى الداخل ولكن باءوا بالفشل كعادتهم دائما
فالأقباط ليسوا شعبًا مختلفًا في مصر لهم حقوق وامتيازات خاصة كذلك الأمر نفسه بالنسبة للمسلمين إنهما تركيبة شعب واحد يعاني من التدهور الأمني والانفلات السياسي والإعلامي والأوضاع الاقتصادية الصعبة ولا ينبغي النظر إلى أحدهما فقط بأنه مجني عليه أو مستهدف
ما حدث في الخصوص عقب كتابة عبارات نازية على معهد أزهري كان سيثير غضبًا وردة فعل مماثلة لو كتب على كنيسة أو دير أو جمعية للشبان المسيحيين لقد قُتل شاب مسلم في البداية فتم الثأر له من خلال معركة أودت بحياة أربعة مسيحيين وهذه عادة معروفة ومتعمقة في التاريخ عند الصعايدة الذين يسكن كثيرون منهم في الخصوص وهم يمارسونها في محافظاتهم الأصلية بغض النظر عن الديانة وكثيرًا ما وقعت مجازر بسببها لأن الطرف الذي يريد الأخذ بثأره سيقابل بهجوم مضاد
في أثناء الأحداث ضبطت الكمائن الأمنية عددًا من المسيحيين الصعايدة قادمين من أسيوط ومعهم أسلحة آلية للانضمام إلى أقاربهم في الخصوص للأخذ بثأر القتلى وبالطبع لم يأتوا للنزهة في القاهرة ولكن تجاهل الاعلام المتحيز هذا الخبر
حوادث الثأر لا يجري تشييع ضحاياها بوصفهم شهداء ولا بهتافات طائفية من نوعية " انسى القبطي بتاع زمان إحنا حنضرب في المليان " أو هتاف " بالطول بالعرض إحنا أصحاب الأرض " و" بالروح بالدم نفديك يا صليب " الضحايا لم يكونوا يدافعون عن دينهم وعقيدتهم في مواجهة عدو لكن خطبة القسيس المتطرفة بالكاتدرائية ونفخت فى النار ومنحتهم الشهادة فاستثارت آلاف المشيعين وأطلقت العنان لحماستهم الدينية
وفى ظل هذه الأجواء الغامضة يبدو غير مفهوم أيضا على الإطلاق محاولة استثمار حادث الخصوص فى إحياء حلم العسكرة من جديد بالدعوة إلى توجه جنازة الضحايا من الكاتدرائية إلى مقر وزارة الدفاع طلبا لنزول الجيش لكى يتصدى للسلطة الحاكمة حماية للمسيحيين ومثل هذه الدعوات ترفع عن أصحابها قناع الحزن المزيف على الضحايا وتظهرهم فى حالة استثمار رخيص للدماء فى سوق السياسة كما إن العقل لا يقبل أن يسلم بأن مصريا استيقظ من نومه فجأة فقرر أن يرسم صليبا على جدار معهد أزهرى فى منطقة تغوص بمستنقعات التوتر والاحتقان ولذلك فالمطلوب من جهات التحقيق والتحليل فى مصر أن تتوصل لبواعث هذا الحريق ومسبباته الأصلية
لا يعقل أن تقتصر الشهادة على القتلى المسيحيين في الخصوص دون الشاب المسلم الذي قتل في البداية ولا يعرف أحد اسمه ولا أين تم تشييع جثمانه
إذا كان الأخوة المسيحيون يتحدثون عن تفرقة في المعاملة ويطالبون مرسي بإثبات أنه رئيس لكل المصريين فأهل ذلك الشاب المسلم يشعرون بأنهم ضحية تمييز وانحياز مع الاقباط اعتمادا على الضجيج الإعلامي الغير مهنى والمنحاز للاقباط لاهداف سياسية قذرة وردة فعل البابا الذي اعتكف دليلا على الغضب من الدولة ثم وصف رئيس الجمهورية بالإهمال علمًا أن الرئيس نفسه لم يستطع حماية بعض مساجد المقطم من اقتحام البلطجية وتدنيس المصاحف ولم يملك منع حرق مقرات حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين ولا الحيلولة دون حصار بعض المتظاهرين لمسجد القائد إبراهيم في محاولتهم الوصول إلى الداعية الكبير الشيخ أحمد المحلاوي للاعتداء عليه وأخيرًا لم يستطع أن يمنع طُلابًا غاضبين من التظاهر أمام مقر مشيخة الأزهر ومحاولة اقتحامها
مطالبة الدولة ببسط حمايتها الخاصة على الكنائس والمسيحيين تمييز لا تجيزه المساواة في المواطنة السلاح في أيدي الجميع لا فرق بين مسلم ومسيحي وفي حالة كتلك لا نتوقع أن يتصرف أحد بحكمة مع الزناد وقد اعترف شاب مسيحي من اتحاد شباب ماسبيرو في لقاء مع قناة الجزيرة مباشر بأنهم جلبوا أسلحة خلال أحداث الكاتدرائية وبانهم اعتلوا اسطح الكتدرائية بالسلاح وذلك لم يستسيغه المفكر القبطي جمال أسعد عبد الملاك فهذا من شأنه أن ينطبق على المسلمين أيضًا فيجلبون أسلحة للدفاع عن أنفسهم
المجتمع يعيش فترة انتقالية صعبة لا يقتصر ضحاياها على المسيحيين أو المسلمين، ويجب على الطرفين كشعب واحد أن يتقبل هذه الحقيقة وعلى البابا الجديد ألا ينفخ في الرماد بالاعتكاف الغاضب الذي اعتدناه من سلفه في بعض المواقف ولم يأت بخير إذ كان رسالة سلبية ساعدت على المزيد من الفتنة والبغضاء
كما يجب أن يتوقف كبار رجال الدين المسيحي عن غمزهم في رئاسة مرسي لكل المصريين فما وقع لا علاقة له بكون الرئيس جاء من مرجعية إسلامية فقد تعرضت مصر لحوادث طائفية أشد وأعنف خلال عصور الرؤساء السابقين وآخرهم حسني مبارك
الحديث عن إلقاء حجارة على الكاتدرائية من العمارات المجاورة في العباسية لا يأتي بجديد على صورة العنف خلال المرحلة الانتقالية خصوصًا أنه متوقع من السكان نتيجة قيام الشباب المسيحيين المشيعين بتحطيم وحرق السيارات الخاصة المتوقفة أمام تلك العمارات
لماذا ننسى أن أهالي المنطقة ذاتها دخلوا في اشتباكات عنيفة مع المتظاهرين من حركة 6 إبريل أو غيرها أثناء حكم المجلس العسكري دفاعًا عن محلاتهم وسياراتهم وعقاراتهم؟
ساحة النقاش